لا أتمنى أن يفوز الزمالك بهذا النهائي بأي حالٍ من الأحوال. فوز الزمالك بتلك البطولة سيرسخ العديد من المفاهيم الخطأ عند الجماهير البيضاء، خاصة صغار السن منهم. سواء أعلنوا ذلك أم لم يعلنوا، سيكونون مقتنعين في قرارة أنفسهم أن مرتضى منصور هو المُخلص.

قد يذهب بهم الأمر أيضًا لوصفه بالمُخلص المظلوم مرفوعًا على الأعناق حاملًا بيده الكأس. لم لا؟! وقد بدأ بعضهم بالفعل في التساؤل قبل أيام من نصف نهائي البطولة ذاتها: «هل معك دليل أنه أسهم في قتل العشرين؟»، في محاولة منهم لإبداء غضبهم من قرار اللجنة الأولمبية- في هذا التوقيت بالذات- بوقف المستشار مثير الصخب عن ممارسة أي نشاط رياضي لمدة 4 سنوات.

كمشجع للنادي الإسماعيلي المصري، كانت تلك السطور هي فحوى ما يدور برأسي في الأيام التي سبقت الديربي المصري الأهم في القرن العشرين حتى الآن. يسألني الأصدقاء قبل أيام من المباراة عن الفريق الذي سأشجعه. بحُكم ميلي قليلًا للنادي الأبيض- كمشجع للنادي الساحلي- يتوقعون الإجابة الكلاسيكية: الزمالك بالطبع.

لكني كنت أقول: «أتمنى أن يفوز الزمالك بأي بطولة، إلا هذه البطولة تحديدًا». ينفر مني صديقي الزملكاوي، ويجد كلامي به نوع من التنظير غير المتماشي مع الواقع. ثم يسألني: «وهل إدارة الخطيب للأهلي هي مثال النزاهة والاحترام؟». فأخبره: «لا. لكن فوز الأهلي لن يفاقم الوضع الخطأ سوءًا. أما فوز الزمالك فسينفجر الوضع أسوأ مما هو عليه مرات عديدة داخل البيت الأبيض».

الشوط الأول: تماسك ولا تغير قناعاتك

بدأت المباراة وتلك هي قناعاتي. تمر الربع ساعة الأولى والسيناريو يجري كما تمنيته. ثبات أحمر مقابل اهتزاز أبيض ملحوظ خاصة من وراء المدافع الأيسر إسلام جابر، الذي لُعبت وراءه تمريرتين في الخمس دقائق الأولى فقط. إحداهما جاءت بالركلة الركنية التي جاء منها الهدف.

وما إن مرت الربع ساعة الأولى، فوجدت شيكابالا يتحرك على الطرف الأيسر بدلًا من العمق الذي لا يجد فيه نفسه. يعاونه بن شرقي، وفرجاني ساسي يتقدم قليلًا عن طارق حامد ليلعب في ظل الرقم 10. الزمالك أفضل وأكثر تماسكًا الآن.

شيكابالا يمرر تمريرة جيدة، تلاها بأخرى بكعب قدمه. شيكا يستطيع الدفاع عن الكرة بجسده دون أن يقع مطالبًا بركلة حرة لا صحة لها إلا في خياله. فاحت رائحة شيكابالا 2010، وليس شيكابالا الذي ارتضى دور الأب الروحي للفريق، يطمئن على هذا اللاعب ويشجع ذاك دون أن يقدم إضافة فنية حقيقية للفريق.

مع الضغط الزملكاوي، لن أنكر أن شعوري تغير قليلًا. فميل المشجع المحايد للطرف الأكثر فاعلية على أرض الملعب شيء منطقي للغاية. لكني كنت أذكر نفسي كلما مرت الدقائق بقناعاتي قبل المباراة: الزمالك سيخسر كثيرًا إذا فاز بتلك البطولة.

مارادونا يرسل تحياته

حتى جاءت الدقيقة 30 التي تبدل فيها كل شيء. شيكابالا يحرز هدفه التاريخي الذي لم يحرز مثله في الأهلي وهو في قمة مجده الفني.

دعني أسألك الآن: «لماذا حزن الناس على مارادونا بهذا الشكل؟». لأن مارادونا هو انتصار الفقير على الغني، فوز الضعيف على القوي، سعادة المكلوم بعد انكساره. جدد مارادونا شعور جماهير نابولي والأرجنتين بالثقة في عدالة الميزان، في أن حقهم لن يضيع. صار ذلك الشعور شبه مؤكد كلما ظهر دييجو على أرض الملعب.

لتلك الأسباب لم أملك سوى تغيير شعوري كليًا بعد هدف شيكابالا. تأثرت بشكل غريب، ووجدت نفسي أقف لأصفق لمدة نصف دقيقة تقريبًا. ما تعرض له شيكابالا الشهور الماضية كان يحمل من القسوة والاستمرارية، ما هو جدير بتدمير كل شيء داخل أي إنسان طبيعي.

أتفهم شعورك تمامًا كمشجع للنادي الأهلي واتهامك لي بالمبالغة بعد هذه الجملة: لكني لم أستطع أن أرى بعد هدف شيكابالا، سوى صورة دييجو مارادونا يصفق له بابتسامة من السماء!

بكل أمانة، تحولت بعد هذا الهدف إلى مشجع لنادي الزمالك داخل المباراة. وماذا عن قناعاتك قبل المباراة بخطر بزوغ نجم منصور إذا فاز الزمالك بالبطولة؟ لم أستطع الإجابة على تساؤلاتي ووجدت نفسي أردد إحدى الإجابات الساذجة التي كنت أنتقدها بنفسي قبل المباراة: «لتنتهي المباراة بالفوز ثم نخوض معركة التوعية بعد ذلك».

تلك هي لعنة كرة القدم وجانبها السيئ!

الشوط الثاني: لماذا لا أرى مارادونا الآن؟

بدأ الشوط الثاني بضغط من نادي الزمالك عكس الشوط الأول. ولكن عشر دقائق فقط كانت كافية لحضور المشهد الأغرب في هذا النهائي، والذي لولا فوز الأهلي بهذه الكأس لما مرّ مرور الكرام: حسين الشحات يسدد الكرة في القائم.

حقيقة، لم أشعر بالتعاطف مع حسين الشحات بعد هذه الكرة. لم أشعر أنه مظلوم وعلى الكرة إنصافه مرة أخرى بهدف الحسم في هذه المباراة. لم أشاهد مارادونا في السماء هذه المرة!

السبب أنه لم تكن هناك مظلومية بالأساس. دُفع في الشحات ما لم يُدفع في غيره: 5 ملايين دولار. حاز على رصيد جماهيري قبل أن تطأ قدمه ملعب مختار التتش كما لم يفز غيره. وبالرغم من ذلك ظفر بعقد قيمته 24.5 مليون جنيه مصري في أربع سنوات بجانب بند الإعلانات الذي ظل مفتوحًا للاعب لإيصال قيمة عقده السنوي إلى 10 ملايين جنيه مصري تقريبًا.

بهذه المعطيات، لم يستطع الشحات أن يقدم مباراة كبيرة أمام المدافع الأيسر إسلام جابر، الذي لم تحمله قدمه في الشوط الأول من الخوف، وعانى من القئ والغثيان بشكل ملحوظ للكاميرات في الشوط الثاني! متى يقدم لاعب بهذه المعطيات مباراة كبيرة إذًا؟

كيف خرجت كمشجع للإسماعيلي؟

جاء هدف قفشة. شعرت بالحزن قليلًا من أجل ما سردته سابقًا. أشفقت على جماهير الزمالك من الخسارة بهذا السيناريو. ثم ضحكت وأنا أهاتف أصدقائي من جماهير الأهلي بعد المباراة. فرحتهم الجنونية وضحكهم هستيري بفوزهم على الزمالك بنفس الطريقة التي فاز بها الزمالك على منافسيه مؤخرًا. معهم كل الحق بصراحة!

لكن بعد مرور وقت قليل من نهاية المباراة، وعودتي كمشجع للإسماعيلي مرة أخرى وجدت نفسي قد دخلت المباراة متعاطفًا مع الأهلي، وخرجت منها مشجعًا للزمالك، وأتساءل عن ماهية 3 أشياء اختفت تمامًا وسط هذا الزخم من الأحداث: كاسونجو وجونيور أجايي ومروان محسن!

لماذا يجري جونيور أجايي بهذه الطريقة؟ هل هو قصور بدني؟ أم أنه يحمل بشكل جاد هموم حياته في قدمه كما تسخر جماهير النادي الأهلي منه دائمًا؟ هذا الوضع غير مفهوم استمراره بالنسبة لي.

لم أفهم تغيير كاسونجو أيضًا بدلًا من شيكابالا، ولم أستوعب محدودية مستوى اللاعب واختيار المدير الفني البرتغالي جيمي باتشيكو له!

تلك النمطية القاتلة في تحركاته التي يعلن بها للـ21 لاعبًا على أرض الملعب تحركاته قبل أن يقوم بها. الكل يعلم ما سيفعله كاسونجو قبل أن يفعله! والغريب أن كاسونجو يرى أنه يقدم بالجديد ولم يلحظ أن ثمة شئيًا غريبًا عليه الوقوف أمامه.

أما السؤال الثالث الذي سألته لنفسي كمشجع للإسماعيلي: كيف نجحنا في بيع مروان محسن للأهلي بـ10 ملايين جنيه؟ كيف حدث ذلك وقبل تعويم الجنيه المصري؟ شكرًا للحاج محمد أبو السعود.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.