خلال سنوات الطفولة تابعنا مسلسلي «زينة» و«هرقل» اللذين يحكيان عن قصص أسطورية إغريقية، وفيهما شاهدنا حيوانات أسطورية، منها مثلًا حيوان القنطور أو Hippocentaur، وهو حيوان نصفه العلوي الأمامي على هيئة إنسان، ونصفه السفلي والخلفي على هيئة حصان.

الحضارة المصرية القديمة أيضًا عرفت تلك الأساطير، والدليل عليها تمثال أبو الهول، الذي يعبر نصفه العلوي الأمامي عن إنسان، أما نصفه السفلي والخلفي فهو على هيئة أسد.

الحضارة العربية الإسلامية أيضًا بها أصداء لهذه الكائنات الغريبة الأسطورية.. وفي سطورنا التالية نستعرض أبرز 10 منها، من خلال المصادر التراثية العربية، التي لم تتعامل– في كثير من الأحيان- مع تلك الكائنات كأساطير، وإنما تدل كثير من السياقات على أنهم كانوا يعتقدون بالفعل وجودها.

«شيخ البحر»: ينجب أطفالًا من النساء

كائن يشبه الإنسان إلا أن له ذنبًا (ذيلًا)، ويحكي القزويني في «عجائب المخلوقات»، أن شخصًا جاء بواحد منه إلى بغداد، فعرضه على الناس، وذكر أنه في بحر الشام ببعض الأوقات يطلع من الماء إلى اليابسة كإنسان له لحية بيضاء، ولذلك يسمونه «شيخ البحر» ويبقى أيامًا في البر ثم ينزل إلى الماء، فإذا رآه الناس يستبشرون بالخصوبة.

وحُكِي أن مَلِكًا حمل إليه إنسانًا مائيًا فأراد الملك أن يعرف حاله، فزوجه امرأة، فأنجب منها ولدًا يفهم كلام الأبوين، فقيل للولد ماذا يقول أبوك؟ فقال: يقول أذناب الحيوانات كلها على أسافلها، ما بال هؤلاء أذنابهم على وجوههم!

بشر خارقون: عوج ابن عناق و«أبو عجوة»

يروي القزويني عن وهب بن منبه حكاية إنسان أسطوري وهو «عوج بن عناق»، ويقول إنه كان من أحسن الناس وأجملهم، وكان لا يوصف طوله وعظمه، وعاش زمنًا طويلاً منذ عصر النبي نوح حتى زمان النبي موسى.

وحين جاء الطوفان طلب عوج من نوح أن يركب معه السفينة، فرفض نوح لأن السفينة لن تسعه، ومع ذلك لم يؤثر فيه الطوفان، فالماء الذي غطى الجبال لم يطل أكثر من وسط جسد عوج بن عناق!

ورغم قوته التي يعجز الخيال عن تصويرها مات عوج بعصا موسى، بعد أن كان سيقتل بني إسرائيل وهم في التيه.

ويرفق القزويني بحكاية عوج التي تملأ كتب التراث حكاية أخرى عن شخص خارق أيضًا، وهو صبي عاش في جبال الأكراد، طوله كان 9 أذرع وهو ما زال صبيًا لم يبلغ الحلم، وكان حاكم الموصل يريد أن يستخدمه ضد أعدائه ولكن حاشيته نصحوه بعدم فعل ذلك لأن الصبي به خلل عقلي.

ويروي أيضًا عن أبوسعيد الشيراجي أنه دخل على يحيى بن أكثم القاضي وإلى جانبه طائر على صورة الزاغ، برأس إنسان وعلى صدره وظهره سلعتان، فقال له: ما هذا أصلحك الله، فقال له: سله عنه، فسأله: ما أنت؟

فنهض الكائن العجيب وأنشد بلسان فصيح:

أنا الزاغ أبو عجوة أنا ابن الليث واللبوة
أحب الراح والريحان والنشوة والقهوة
ولي أشياء تستظرف يوم العرس والدعوة
وأما السلعة الأخرى فلو كانت لها عروة
لما شك جميع الناس فيها أنها ركوة

ثم صاح ومد صوته «زاغ زاغ»، فقال الشيراجي: أيها القاضي أهو عاشق؟ قال هذا ما ترى لا علم لي به، حُمِل إلى أمير المؤمنين مع كتاب مختوم فيه ذكر حاله.

الشيخ اليهودي: يخرج من البحر للاحتفال بيوم السبت

حكت الأساطير العربية أيضًا عن حيوان وجهه كوجه الإنسان، وله لحية بيضاء وجسده كجسد الضفدع، وشعره كشعر البقر وهو في حجم «العجل»، يعيش في البحر ويخرج منه ليلة السبت فيستمر على اليابسة حتى تغيب الشمس ليلة الأحد، فيثب كما يثب الضفدع، ويدخل الماء فلا تلحقه السفن.

وقالت إن جلده إذا وضع على مريض النقرس أزال وجعه في الحال، وسمي بهذا الاسم لأنه يخرج يوم عيد اليهود الأسبوعي من البحر، ويعود في اليوم التالي، وذكره الدميري في «حياة الحيوان الكبرى» والقزويني في «عجائب المخلوقات».

نسناس يمني يتكلم كالإنسان

ليس القرد الذي تراه في حديقة الحيوان، وإنما كائن أسطوري يشبه البشر ويتكلم بلسان البشر، ولكن البشر يأكلونه، وقالوا إنه يعيش في حضرموت باليمن، وذكره أبوعبيد البكري في «المسالك والممالك»، والمسعودي في «أخبار الزمان».

هيئته تتكون من نصف إنسان بيد واحدة ورجل واحدة، يثب وثبًا ويجري بسرعة شديدة، ويتغذى بجميع النباتات ويصبر على العطش.

ويُحكى أن شيب بن شيبة بن الحارث التميمي قال: قدمت الشّحر (في اليمن) فنزلت على زعيمها فتذاكروا النسناس، فقال: استعدّوا فإنّا خارجون في قنصهم، فلمّا خرجنا ألظّ كلبان منهم بواحد وله وجه كوجه الإنسان وشعرات في ذقنه ورجلاه كرجلي الإنسان.

فجعل النسناس يجري وهم يطاردونه حتى أمسكوا به وذبحوه وأكلوه، وأثناء مطاردتهم له كان يقول وهو يجري:

الويل لي ممّا به دهاني … دهري من الهموم والأحزان … قفا قليلا أيّها الكلبان … إليكما حتّى تحارباني ألفيتماني حاضرا عناني … لو بي شباب ما ملكتماني.. لكن قضاء الملك الرحمن … يذلّ ذا العزّة والسّلطان.

بنات الماء: مخلوقة بحرية تزوجت من البشر

مخلوقات بحرية تشبه النساء، وتذكرنا بحكايات «عروس البحر»، يقال لها «بنات الماء»، وهيئتها على صورة نساء جميلات، ذوات شعر ناعم طويل مسترسل، ولها ثدي كبير، ولكن كلامها لا يفهم ولصوتها قهقهة، بحسب ما حكى المسعودي.

وحكى بعض البحارة أن الريح ألقتهم إلى جزيرة فيها شجر وأنهار عذبة، وكان البحارة يسمعون أصوات بنات البحر، فأعدوا لهن كمينًا وأخذوا منهن امرأتين وأوثقوهما بحبال.

بحسب الرواية، فإن الأسِرين مارسا الجنس مع فتاتي الماء، وكانا يجدان فيهما لذة عجيبة، وفي لحظة استطاعت إحداهن أن تنفك من قيدها فهربت إلى البحر ولم يرها بعد ذلك، وبقيت الأخرى، فحملت من الرجل الذي كان يجامعها وولدت له ولدًا ذكرًا.

وأثناء إبحار المركب بهم في البحر، استغلت هذه البنت أن قيدها مفكوك فأخذت ابنها وغافلت زوجها ووثبت في البحر واختفت، وبعد يوم ظهرت مرة أخرى بجانب السفينة فألقت لصاحبها صدفا فيها در نفيس، ثم اختفت مرة أخرى في الماء.

حوت موسى ويوشع: يظهر مأكولاً في سبتة!

في قصة موسى وفتاه (يوشع) الواردة بسورة الكهف، كان موسى وفتاه يحملان حوتًا (سمكة) وبعد أن أكلا جزءًا منها هربت إلى البحر. وينقل القزويني عن أبي حامد الأندلسي أن هذه السمكة تناسلت بهيئتها التي كانت عليها (مأكول جزء منها)، وما زال نسلها يعيش في البحر الأبيض المتوسط.

يقول الأندلسي إنه رأى بالقرب من مدينة سبتة سمكة من نسل الحوت المشوي الذي أكل موسى ويوشع نصفه، فأحيا الله النصف الآخر، فاتخذ سبيله في البحر عجبًا.

وهي سمكة طولها أكثر من ذراع، وعرضها شبر واحد، في أحد جنبيها شوك وعظام، وجلدها رقيق ملتصق على أحشائها، ورأسها «نصف رأس»، فمن رآها من هذا الجانب استقذرها ويحسب أنها مأكولة ميتة، ونصفها الآخر صحيح، والناس يتبركون بها ويشويها اليهود ويقددونها ويحملونها إلى الأماكن البعيدة.

وقال ابن عطية إنه رآها كذلك، وأن البخاري روى عن ابن عباس إن هذا الحوت (السمكة) إنما حيَت لأنها مست ماء عين هنالك، تدعى «عين الحياة»، ما مست ميتًا قط إلّا وحيى.

وقال الكلبي توضأ يوشع بن نون من عين الحياة، فتناثرت من ماء وضوئه قطرات على الحوت المملح فعادت له الحياة، وأخذ يضرب بذيله.

ومن عجيب ما يُروى أيضًا ذِكر بعض المفسرين أن موضع إبحار الحوت في البحر صار طريقًا يابسًا، وأن موسى مشى على هذا الطريق متتبعًا للحوت حتى وصل به ذلك الطريق إلى جزيرة في البحر، وفيها وجد الخضر.

التنين: حية تنقلب إلى سمكة تأكل البر والبحر

كائن غريب لا ندري ما هي بيئته؛ فهو يستطيع العيش في أكثر من بيئة، وقالوا إنه يتشكل كسمكة ويتشكل كثعبان، وكذلك فهو يطير، وحكى عنه كثيرون منهم الدميري والقزويني وغيرهما.

ومن أبرز ما قالوا عنه، إنه حيوان عظيم الخلقة، هائل المنظر، طويل الجثة عريضها، كبير الرأس، براق العينين، واسع الفم والجوف، كثير الأسنان، يبلع من الحيوان كثيرًا، يخافه حيوان البر والبحر، إذا تحرك يموج البحر لكثرة قوته.

والتنين أول أمره يكون حية متمردة تأكل من دواب البر ما ترى، فإذا عظم فسادها يبعث الله تعالى ملكًا يحملها ويلقيها في البحر، فتفعل بدواب البحر ما كانت تفعله بدواب البر. ويعظم جسمها فيبعث الله تعالى ملكًا فيحملها ويلقيها إلى يأجوج ومأجوج.

وروي عن بعضهم أنه رأى تنينًا سقط فوجد طوله نحو الفرسخين، ولونه مثل لون النمر مفلسًا كفلوس السمك، وله جناحان عظيمان على هيئة السمك، ورأس مثل التل العظيم كرأس الإنسان، وأذنان طويلان، وعينان مدوران كبيران جدًا، ويتشعب من عنقه ستة أعناق طوال، كل عنق نحو عشرين ذراعًا، على كل عنق رأس كرأس الحية.

وقالوا إن أكل لحمه يورث الشجاعة، ودمه يحسن القدرات الجنسية، فإذا طلي به العضو الذكري للرجل تشعر المرأة حين يجامعها بلذة عظيمة.

الثور كيوسا: يحمل الأرض على قرنيه

ثور عظيم أسطوري يسمى «كيوسا»، له دور في عملية خلق الكون، وروى قصته البغوي في تفسيره، فقال إن الله حين خلق الأرض بعث من تحت عرشه ملكًا، فهبط إلى الأرض حتى دخل تحت الأرضين السبع فحملها، وصارت إحدى يديه بالمشرق والأخرى بالمغرب، باسطتين قابضتين على الأرضين السبع، حتى ضبطها.

فواجهت الملاك مشكلة وهي أن قدميه لم تجدا موضعًا توضعا عليه، وهنا أنزل الله ثورًا من الجنة له أربعون ألف قرن، وأربعون ألف قائمة، وجعل قدمي الملك على سنام الثور.

لم تستقر قدمي الملاك، فأخذ الله ياقوتة خضراء من أعلى درجة في الفردوس، سُمكها مسيرة خمسمائة عام، فوضعها بين سنام الثور إلى أذنه فاستقرت عليها قدماه.

ويواصل البغوي أوصافه الأسطورية فيقول إن قرون الثور تتجاوز أقطار الأرض، ومنخاره في البحر، ويتنفس كل يوم نفسًا واحدًا، فإذا تنفس مدّ البحر، وإذا رد نفسه جزر البحر، في محاولة للإيحاء بأن هذا الثور الذي يحمل الأرض في ذاك التصور الأسطوري هو سبب ظاهرة المد والجزر، رغم أن البغوي لم يقل في أي بحر من البحار يضع هذا الثور منخاره!

ثعبان الفلك: يستطيع ابتلاع الكون كله

هو أقوى الثعابين على الإطلاق، ويعيش في النار السابعة، ويستطيع ابتلاع كل الخليقة، بحسب ما جاء في قصص «ألف ليلة وليلة»، وبالتأكيد لا يمكن الاعتماد على ألف ليلة وليلة كمصدر معلوماتي، إلا أنها لم تخترع الأمر وإنما يبدو أنها استوحته من الخيال الشعبي.

ففي مصادر أخرى كـ«الذخائر والتحف» للقاضي الرشيد بن الزبير، نلاحظ تصورات أسطورية عن الثعابين، منها أن ملكًا هنديًا يدعى «داهمي» أرسل للخليفة العباسي المأمون مجموعة هدايا، ضمنها ثعبان قوي وضخم لدرجة تمكنه من ابتلاع فيل كامل بفمه، في وسطه نقط بيض مغروزة بالدر، وهذا الثعبان إذا جلس على ظهره مريض بالسل لمدة 7 أيام يخف من مرضه!

العنقاء: الكائن المستحيل

من أكثر الكائنات شيوعًا في التراث العربي، وجاء ذكرها في حشد من المصادر، وسميت عنقاء لأن عنقها كان به بياض كهيئة الطوق، وقيل إنها طائر يظهر عند مغرب الشمس، ويحكي ابن الكلبي أن أهل الرس كان لهم نبي يسمى حنظلة بن صفوان، وكان بأرضهم جبل يسمى «دمخ»، فكان ينتابه طائر كأعظم ما يكون، له عنق طويل، فيه من كل لون.

وكان الطائر يقع منقضًا على الطير فيأكلها، فجاع وانقض على صبي فذهب به، فسمي «عنقاء مغربًا» لأنه يغرب بكل ما أخذه، ثم انقض على جارية ترعرعت وضمها إلى جناحين له صغيرين، بجانب جناحيه الكبيرين، ثم طار بالجارية فشكا الناس أمره إلى نبيهم، فدعا عليه فسلّط الله عليه آفة فهلك، فضربها العرب مثلاً في أشعارهم وأمثالهم، ودائمًا يعتبرونه مؤنثًا.

لكن كثيرين فطنوا إلى أنها كائن خرافي ولم يره أحد، ولذلك ضربوا مثلًا بذلك فقالوا إن «المستحيلات ثلاثة: الغول والعنقاء والخل الوفي»، ضاربين المثل بها لإثبات عدم وفاء البشر.