من المدهش حقاً، اكتشاف العلماء أنه نادراً ما يشعر المواليد بالغضب نهائياً ولكنهم فقط يستخدمون البكاء للتعبير عن الألم أو الجوع أو الضيق لعدم استطاعتهم التعبير باللغة أو الكلام، حيث يبدأ الغضب في الظهور والتزايد في الفترة العمرية بين 18و24 شهراً. ولكن هناك مشهدًا متكررًا بين الأطفال الصغار، عندما يغضبون يعبرون عن غضبهم هذا بضرب رأسهم في الجدار أو الأرض بشدة، ويشعر الأهل بالشفقة عليهم فيقومون باحتضانهم ومصالحتهم.

في الواقع قد يكون السبب في عصبية الطفل هي رؤيته لهذا التصرف من طفل آخر، حيث إن هناك ما يسمى Mirror Neuron وهي أعصاب توجد بالمخ تؤهل الإنسان للتعلم بالمحاكاة والتقليد لكي نشعر ونتعاطف مع بعضنا البعض، وقد يكون السبب هي العصبية المفرطة لأحد الأبوين فالأطفال هي النموذج المصغر بل مرآة الأبوين والبيئة حولهم، فقد صدقت مقولة «من شابه أباه…..» لأنه بالفعل عندما تريد من طفلك القيام بسلوك معين، فقط عليك القيام به وفعله أمامه عدة مرات وهو سيفعله فوراً. فقد ثبت علمياً أن العوامل الوراثية التي تشكل شخصية الطفل لا تتعدي 25% بينما 75% منها تتشكل بسبب البيئة والعوامل المحيطة وباختلاف التجربة الحياتية من طفل لآخر.

فلماذا يسلك الطفل هذا السلوك العصبي؟ وهل تصرف الأهل بالتعاطف تجاههم صحيح؟ وكيف نحد من هذه العصبية؟


مظاهر العصبية في الأطفال

العدوان الجسدي: كإيذاء جسم شخص آخر بالضرب أو العض أو الرفس أو الدفع الشديد أو استخدام أي أداة حادة.

العدوان اللفظي: وهنا يستخدم الألفاظ المهينة والصراخ والتهديد والوعيد وكل ما يخيف الآخرين.

التخريب: كالتكسير وبعثرة الأشياء، سكب الماء أو الطعام، إيذاء الحيوانات الأليفة أو إيذاء نفسه بضرب رأسه بالأرض أو الجدار.


أسباب عصبية الأطفال

الأسباب النفسية: وهي تحدث بسبب شعور الطفل بالاضطهاد الدائم من أقرانه، وشعوره أيضًا بالإهمال، وفقد الحنان والألفة في المحيط الأسري.

الأسباب التربوية: وهي تنتج من تمييز الأهل لطفل عن آخر، أو حرمانه من مشاركته لرأيه، أو عصبية أحد الآباء فالأطفال كالإسفنج يمتصون كل السلوكيات التي تحدث أمامهم ويفعلوها.

وقد يكون بسبب تدليل الطفل أكثر من اللازم، أو إشعاره أنه مصدر قلق في العائلة، كما يتأثر الطفل بكبت مشاعره ومنعه من البكاء (مفيش راجل يعيط)

الأسباب الطبية: قد تكون العصبية بسبب مرضي مثل التهاب الجيوب الأنفية واللوز أو نقص فيتامين د في الأشهر الأولي من الحمل، مرض الصرع، الإمساك المزمن،اضطراب السلوكوفرط الحركة، مشاكل الإدراك (كالتوحد)، وأيضًا صعوبة النطق ومشاكل التخاطب واستهزاء الآخرين منه، اكتئاب المراهقة.


10 حلول سحرية للتعامل مع الطفل العصبي

1. الانتباه الإيجابي

دائمًا ما ينتبه الآباء والأمهات لسلوك طفلهم السيئ، لكن الانتباه وقت السلوك الجيد هو الأهم على الأطلاق، حيث يجعل الطفل يشعر بأهميته ويجعله يفعل السلوك الجيد كي يصبح محور اهتمام لدى الجميع، لكن تعليق الآباء على السلوك السيئ يجعل الطفل يكرره حتى ينال هذا الانتباه منهم دومًا. فإن إعطاء طفلك 15 دقيقة من الاهتمام الإيجابي هو واحد من أبسط الطرق وأكثرها فعالية للحد من مشاكل السلوك.

2. تجاهل بعض السلوكيات

عندما يشعر الطفل أنه مراقب بكاميرا عيون الآباء، يصبح أكثر توترًا وعصبية، لذا يجب ترك بعض الحرية في تصرفات أطفالكم حتى يكون هناك مجال لتصليح أخطائهم بأنفسهم والاعتماد على ذاتهم، لذلك تجاهل بعض السلوكيات الصغيرة غير الجيدة في بعض المواقف أفضل لمساحة التعامل بينك وبين طفلك.

3. السماح لحدوث النتائج الطبيعية

هناك بعض الأمور التي يرغب فيها الطفل وهي في الواقع لا تشكل خطر عليه، فاتركه يفعلها، ففي بعض الأحيان، يكون السماح بالعواقب الطبيعية أكثر منطقية بدلاً من محاولة إقناع الطفل باتخاذ خيار أفضل. على سبيل المثال، إذا كان طفلك يصر على أنه لا يحتاج إلى أخذ استراحة من اللعب لتناول الغداء، فاسمح له بتخطي الغداء. والنتيجة الطبيعية هي أنه من المحتمل أن يكون جائعًا في وقت لاحق وسيتعين عليه الانتظار حتى تناول العشاء. في النهاية، سيتعلم تناول الغداء في الوقت المحدد.

4. الأوامر الواضحة

كثير من الأحيان تحدث المشكلة نتيجة عدم إنجاز الطفل لمهمه معينه أو عدم تنفيذه لأمر بعينه، وهذا يكن نتيجة عدم فهمه له وعدم وضوح الأوامر المركبة له، فكن صريحًا ومحددًا وركز على المهم فالأهم، ولا تطلب من طفلك تنفيذ سلسة من الأعمال فحتمًا سيفقد أحدها أو كلها، لشعوره بالعجز في تنفيذ كل هذا لذا من الأسهل له أن يرفض. لذا اطلب من طفلك أن يعيد إليك ما سمعه للتأكد من أنه يفهم تمامًا.

5. الدفء الأسري والأحضان

تؤثر البيوت المستقرة على تنظيم ونمو مشاعر أطفالها بشكل جيد غير تلك البيوت غير المستقرة والتي يتعرض فيها الأطفال للقسوة ومشاهدة العنف، كما يحدث ذلك بشكل واضح في البلدان التي تعاني من الحروب والدمار وعدم الاستقرار، مع كل هذا يوجد فروق فردية بين كل طفل وآخر، ولكن الاهتمام بالدفء الأسري يعلم الطفل كيف يتعامل مع المواقف غير الجيدة له والتي تؤثر عليه، ويتعلم إدارة غضبه نتيجة استقرار سريرته وهدوء نفسه الدائم. وانتبه لجعل الأحضان من الروتين اليومي لطفلك على مدار اليوم وفي كل وقت.

6. تعريف المشاعر

باختصار يجب على كل أب وأم معرفة أنه يتوجب عليهم ترك الطفل يشعر بجميع المشاعر ومنها الغضب والضيق حتى يتعلم ويعرف كيفية التصرف عند كل شعور، وأيضاً لا يجب أبدًا أن نوقف تلك المشاعر مهما كانت، بل فقط علينا تعريف وتحديد مشاعره وإظهار التعاطف معه “أنا أشعر بك”، “لو كنت مكانك كنت سأشعر بهذا الشعور ” ومن ثم إعطاؤه الثقة “أنا أثق بك أنك ستجد الحل المناسب”وهذا يسمى تعريف المشاعر أو (Validate Feelings) وهي أداة من أدوات التربية الإيجابية.

7. ركن استجماع النفس

من الجيد أن تعلم طفلك كيف يدير غضبه، وكيف يتعامل مع عصبيته بتخصيص ركن في المنزل أو في غرفة طفلك وتسميته ركن استجماع النفس، ووضع كل ما يمكن استخدامه ليدعوه للاسترخاء وعودته للهدوء، ويكون من اختياره هو، فمثلًا طفلك يحب الرسم أو الموسيقى، نضع في هذا الركن ما يستخدمه كالألوان والأوراق أو تسجيلات لمقطوعات موسيقية هادئة، كما يمكن اختيار الطفل للقصص والمجلات أو للعب لعبه يخرج بها طاقته كالملاكمة ( Boxing ) أو لعبة التنشين Darts، وهذا يحدده الطفل بنفسه وعندما يشعر بالغضب يذهب فورًا لهذا الركن أو يطلب منه الأبوان الذهاب له ومن ثم بعد هدوئه يمكنك الحديث معه حول ما حدث وأخذ التصرف المناسب معه حسب ما تم تحديده.

8. تمارين التنفس

من المهم أن تذكر لطفلك أن مراكز التفكير وأخذ القرار في المخ تتوقف عن عملها أثناء الغضب والعصبية، لذا يجب أن يتنفس الإنسان الغاضب بعمق بأخذ شهيق عميق، ثم حبس هذا الشهيق وعد للرقم 5، ومن ثم إخراج هذا النفس على ثلاث عدات، فهذا يجعل المخ يعود لنشاطه ويعمل جيدًا ويعود الإنسان للتفكير الجيد واتخاذ القرارات وعدم الندم على أفعال تحدث منه دون قصد أثناء غضبه.

9. التشجيع المستمر لما يفعله

مدح الطفل بالكلمات كأنت شجاع. أنت بطل. أنت جميل، تبني طفل مغرور يرى نفسه دومًا هو مركز الكون مهما فعل بسيط أو كثير، وتزداد عصبيته تجاه أي شخص يهمل ذاته أو يتعامل معه كباقي أقرانه، لذلك يجب الإطراء على الأفعال التي يفعلها والإنجازات التي قام بها دون المبالغة في ذلك كأن تقول له “هذا هو تصرف الشجعان” أو هذا عمل الأبطال، فلن يكون ذا شخصية مستقلة بالكلام المعسول أو بالزيف، ولكن لابد أن يكون نتيجة أفعاله وإنجازاته.

10. المكافأة

يمكن أن تكون أنظمة المكافآت طريقة رائعة لمساعدة الأطفال للهدوء أكثر والتحكم في تصرفاتهم، وخصوصًا من يعانون من اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه على البقاء في المسار الصحيح، لذا يمكنك وضع بعض السلوكيات المستهدفة، مثل البقاء على المائدة أثناء تناول وجبة الطعام أو استخدام اللمسات اللطيفة مع الحيوان الأليف بدلاً من إيذائه. وغالبًا ما يشعر الأطفال بالملل من أنظمة المكافآت التقليدية التي تتطلب منهم الانتظار طويلًا للحصول على مكافأة، لذا يجب أن تكون المكافأة فورية وغير مادية حتى لا تتحول لرشوة، مثل وقت إضافي للإلكترونيات أو فرصة للعب لعبة مفضلة معًا، أو قضاء وقت إضافي في قراءة قصة أو سرد حدوته، أو تناول وجبته المفضلة في العشاء وهكذا.

وفي النهاية فإن الحد من عصبية طفلك تعتمد على منظومة متكاملة من الأفعال والتصرفات سواء المباشرة أو غير المباشرة ويجب عليك عدم ترك طفلك لمشاهدة التلفاز والكرتون العنيف، ثم تطلب منه أن يصبح أكثر هدوءًا، وأيضًا ليس منطقيًا أن تعنف طفلك بعلو صوتك الدائم عليه وتطلب منه أن يخفض صوته المزعج، فاهتم باكتمال المنظومة العلاجية ككل من أجل سلامة طفلك الصحي والسلوكي والاجتماعي.