نحن -البرازيليين- معروفون بفننا، ولن أتوقف عن فعل ما أوصلني إلى ما أنا عليه.
البرازيلي أنتوني سانتوس، جناح مانشستر يونايتد الإنجليزي.

بهذه الكلمات، تحدى «أنتوني» العالم متمثلًا في النُقَّاد، الصحفيين، والأهم مدربه الهولندي «إيريك تين هاغ»، الذي صرَّح علنًا بأن سلوك لاعبه على أرض الملعب يحتاج لتصويب. لماذا؟ لأنه قام بتنفيذ حركته الشهيرة بالدوران حول الكرة، من دون أي يُقدِّم أي إفادة فنيّة لفريقه الذي كان يحاول الفوز.

انتقاد «أنتوني» ليس سوى تكرار لسوء التفاهم بين لاعبي كرة القدم البرازيليين المهووسين بالاستعراض، وكرة القدم الأوروبية التي تجد في مثل تلك الحركات التي يقوم بها اللاعبون بعفوية تشَّبُها بالمُهرِّجين.

وبغض النظر عن أن الأندية الأوروبية نفسها تدفع ملايين الدولارات موسميًا لاستقطاب هؤلاء المُهرِّجين، كيف يمكن أن تكون طريقة اللعب البرازيلية سببًا في الانتقادات الواسعة، وفي نفس الوقت لطاقة تدفع ملايين البشر حول العالم لمساندة حفنة من اللاعبين المهرة البرازيليين بكأس العالم؟ دعنا نُفتِّش عن الأسباب.

أصحاب مبدأ

البرازيل لا يُمكن أن تلعب بشكل أسوأ.
بيليه منتقدًا طريقة لعب البرازيل تحت قيادة كارلوس ألبرتو بيريرا.

وصف بيريرا، الذي توِّج لاحقًا مع منتخب البرازيل بلقب كأس العالم 1994 في الولايات المتحدة الأمريكية مدى صعوبة الإشراف على منتخب البرازيل بالعمل لإرضاء نحو 150 مليون إنسان. وحتى ينجح في ذلك، ربما على الفيفا أن تمنح البرازيل استثناء، بأن تشارك في كأس العالم بخمس قوائم مختلفة: فريق يلعب كرة القدم الهجومية فقط، وآخر يلعب كرة دفاعية، وثالث يلعب بإبداع الإبداعية، ورابع يمتلك الخيال، وفريق وطني خامس يلعب كرة قدم تنافسية.

بيليه، وإن بدا متطرفًا في آرائه، حاله كحال كثير من جماهير كرة القدم، سواء داخل البرازيل أو خارجها، لم يجد متعة في مشاهدة منتخب نجح في الظفر بكأس العالم؛ لأنه فقط لم يلعب على الطريقة البرازيلية (Jogo Bonito). ومع ذلك نجد أن نسبة كاسحة من عشَّاق منتخب البرازيل حول العالم أكثر انبهارًا بمنتخب 1982 ومدربه «تيلي سانتانا»، الذي قدَّم كرة قدم يعتقد أن الأفضل في تاريخ كرة القدم الدولية، حتى وإن لم يتوَّج بلقب البطولة المقامة في إسبانيا بنهاية المطاف.

إذا تذكر الناس، بعد 40 عامًا، هذا الفريق، فذلك لأنه كان جيدًا جدًا. لا أعرف ما إذا كان يتم تذكر بعض الأبطال بقدر ما يتم تذكر هذا الفريق.
الإسباني بيب غوارديولا، المدير الفني لمانشستر سيتي الإنجليزي.

هنا يمكننا أن نستنتج أول أسباب التي قد تدفع أي شخص للتعلُّق بمنتخب البرازيل: وهو التمسُّك بالأسلوب الذي يُميِّز لاعبي منتخب البرازيل جماعيًا وفرديًا عن سائر المنتخبات طوال تاريخ كأس العالم. هذا الأسلوب الذي يُعبِّر عن هوية بلد بأكملها، وجدت هويتها في هذه الطريقة تقوم على الاستمتاع بلعب كرة القدم، بعد أن عاشت فترة طويلة ككلب ضال.

الندرة النسبية

بعد الخسارة بسباعية أمام ألمانيا في 2014، وجد منتخب البرازيل نفسه مجددًا أمام اختبار الهويّة بعدما كان قد تخطى هذا الشعب بأكمله كارثة «ماراكانا» عام 1950.

في العقد الثاني من الألفية الثالثة، اتضح أن الأمر أكثر تعقيدًا؛ حيث أدّت العولمة إلى تراجع نموذج اللعب البرازيلي المرادف للبهجة، واتباع أسلوب آخر أكثر صرامة. لكن في الواقع، ربما لم تكن السباعية سببًا في تغيُّر الهوية، بل نتيجة لها. فكيف ذلك؟

 في عام 2003، بعد عام واحد فقط من نجاح البرازيل في حصد لقب كأس العالم بكوريا الجنوبية واليابان، تغير كل شيء عندما اشترى الملياردير الروسي «رومان أبراموفيتش» نادي تشيلسي الإنجليزي. منذ ذلك الوقت، تحولت اللعبة تمامًا، بجانب صفقات الرعاية والبث التلفزيوني الضخمة، دخلت الاستثمار الأجنبي عالم كرة القدم، الأمر الذي جعل كرة القدم الإنجليزية أكثر قدرة على استقطاب أفضل النجوم حول العالم.

مستوى لاعبينا أسوأ من الناحية الفنية، ولا نعرف كيف نطور اللاعبين كما اعتدنا أن نفعل في الماضي. يبدو أن البرازيل تقوم ببساطة بتطوير أنواع مختلفة من اللاعبين عما كانت عليه من قبل: لاعبون أكثر ملاءمة لأسلوب اللعب في الدوري الإنجليزي الممتاز.
مانو مينزيس، المدير الفني السابق لمنتخب البرازيل

دون تخطيط مُسبق، تحتوي قائمة منتخب البرازيل المشاركة في كأس العالم «قطر 2022» على مجموعة من أكثر أفضل لاعبي كرة القدم مهاريًا، وعلى رأسهم «نيمار»، لاعب باريس سان جيرمان الفرنسي، و«فينيسيوس جونيور»، لاعب ريال مدريد الإسباني، و«رافينها»، لاعب برشلونة الإسباني، إضافة لآخرين ممن يمتلكون نفس سمات اللاعب البرازيلي التقليدية.

وبما أن اللاعب المهاري أصبح عملة نادرة فعلًا، كنتيجة لما وصفه «كريس وادل»، نجم الكرة الإنجليزية السابق، بسنوات من محاولة الأوروبيين قتل الإبداع داخل اللاعبين لصالح التكتيك، ربما تمثِّل المجموعة البرازيلية الحالية، بقيادة «نيمار» طوق النجاة لمبدأ «المتعة البرازيلية»، وتحرير جيل كامل من المشجعين الذين يمنحون أفضلية للنتائج على الجماليات. الأمر الذي لن يتحقق سوى بعد التتويج بنجمة مونديالية سادسة.

لأننا نكره الرأسمالية

بما أنك قد قمت بالضغط على هذا الرابط، نفترض بداهة أنك تمتلك رغبة حقيقية في التعرُّف على الأسباب التي قد تدفعك كمشجع عربي محايد لمساندة المنتخب البرازيلي بكأس العالم دونًا عن غيره.

نحِ تعريف المتعة من وجهة نظر البرازيليين جانبًا، وغض الطرف عن رغبة أي مشجع كرة قدم في مشاهدة مراوغة برازيلية من آن لآخر، بل تناسى كرة القدم تمامًا لوهلة.

لربما يعد انتصار كرة القدم في ثوبها البرازيلي انتصارًا حقيقيًا لمشجع كرة القدم العادي، الذي سئم روتين العمل، والشقاء بحثًا عن دخلٍ أفضل، ومكانة اجتماعية أكثر تميزًا، عبر ساعات طويلة من العمل الممل. نعم هذا ما جنته عليك الرأسمالية: ساعات طويلة من الروتين دون إبداع، تعني أنك ابنًا للمؤسسة التي تنتمي لها، والعكس بالعكس.

بالطبع لا نقصد أنّ هؤلاء البرازيليين مساكين يستحقون الشفقة، بالعكس تمامًا، فراتب «نيمار» الأسبوعي مثلًا قد يضمن لمدينة بأكملها قوت يومها. ومع ذلك، فانتصار الحُرية البرازيلية على البراغماتية، قد يعني أن نظرة أصحاب رؤوس الأموال المتعالية على كرة القدم، كرياضة تهدُف لتحصيل أكبر عوائد ممكنة لا لتسلية الجماهير، تحتاج فقط لإعادة نظر.

بطبيعة الحال، لا يمكن فصل كرة القدم عما حولها. اللعبة تأثرت بالفعل بالتوجُّه الرأسمالي، وبما أنّ اللاعب في النهاية موظف، تمامًا مثلك، عليه أن يلعب بالطريقة التي تتناسب مع وجهة نظر صاحب رأس المال: طريقة أكثر تحفظًا، أكثر قدرة على حصد الألقاب.

في النهاية، وحتى إذا ما كنت رأسماليًا محبًا للأرقام، يؤمن أن متعة كرة القدم تكمُن في تسجيل الأهداف، دعنا نُخبرك أن الأرقام تقف في صف منتخب البرازيل أيضًا، فمنذ عام 1966 وحتى 2018، طوال 13 نسخة من كأس العالم، تمتلك البرازيل ثاني أعلى معدّل فارق أهداف بالمباراة الواحدة، بفارق ضئيل جدًا عن منتخب ألمانيا.