يحكم قاضي الأمور المستعجلة في المنازعات المستعجلة المتعلقة بتنفيذ الأحكام والسندات الواجبة التنفيذ، ويحكم أيضًا في الأمور المستعجلة التي يخشى عليها من فوات الوقت.

«محكمة الأمور المستعجلة» لازمت قراراتها حالة من الجدل، فلم يكن القرار الذي صدرته بسريان اتفاقية تيران وصنافير في اليومين الماضيين على الرغم من إلغائها من قبل المحكمة الإدارية العليا والمختصة بهذا الشأن الحالة الأولى لتلك المحكمة.

و على الرغم من أن القانون رقم 26 لعام 1938 عرّف الأمور المستعجلة بأنها الحالات التي يلجأ أحد فيها إلى القضاء لوصف حالة قائمة أو لإجازة عمل مستعجل صيانة لحقوق الطرفين من الضياع أو لتهيئة وسائل إثبات عند فصل الخصومة في أساس الدعوى، إلا أن تلك المحكمة كثيرًا ما وضعت نفسها في مجال للجدل بسبب قرارتها والقضايا التي تستند إليها وتفصل فيها والتي يكون معظمها ذا طابع سياسي.


1. عن المستعجل واختصاصه

«القضاء المستعجل»: وفقًا للهدف الذي أنشئ له يقصد به الفصل في المنازعات التي يخشى عليها من فوات الوقت، فصلا مؤقتًا لا يمس أصل الحق، وإنما يقتصر على الحكم باتخاذ إجراء وقتي ملزم للطرفين بقصد المحافظة على الأوضاع القائمة أو احترام الحقوق الظاهرة، أو صيانة مصالح الطرفين المتنازعين.

وبالتالي القضاء المستعجل هدفه الأساسي عدم البحث في موضوع النزاع وإنما اتخاذ تدابير وإجراءات سريعة وتثبيت واقع يخشى زواله أو الحفاظ على حق قائم أو أي شيء يخشى عليه من ضياع فرصة المحافظة عليه، فالأمور المستعجلة كما عرفتها المادة 78 من قانون أصول المحاكمات المدنية الفقرة الرابعة هي «المسائل التي يخشى عليها من فوات الوقت».


2. ما يترتب على أحكام القضاء المستعجل

كل ما يصح أن يترتب على هذه الأحكام هو إجراء مؤقت يأمر به القضاء لحماية الحقوق المتنازع بشأنها من الأخطار التي تتهددها إذا تركت من غير هذا الإجراء أو يأمر به لإخلاء طريق التنفيذ من العقبات أو لوقف التنفيذ متى كان غير واجب، ولا يصح أن يترتب على الحكم المستعجل أي مساس بأصل الحق المتنازع بشأنه أو أي تفسير للأحكام والسندات الواجبة التنفيذ.

ومعنى ذلك أن يكون للخصوم دائمًا حق الالتجاء إلى قاضي الموضوع وعرض موضوع النزاع عليه ليفصل فيه ويكون حكمه ملغيًا أو مؤيدًا لما قضى به القاضي المستعجل من الإجراءات الوقتية، والمثل الظاهر لهذه القاعدة هو الدعوى المستعجلة بطلب إيقاف التنفيذ والدعوى الموضوعية بطلب بطلان إجراءات التنفيذ، فإذا حكم برفض طلب إيقاف فلا يترتب على ذلك الحكم بعدم قبول دعوى البطلان وإذا حكم بإيقاف التنفيذ فلا يترتب على ذلك حتمًا الحكم ببطلان الإجراءات.

كذلك الحال في الدعوى المستعجلة بوقف البناء فالحكم بوقف البناء بناءً على حق ظاهر لا يمنع قاضي الموضوع من الحكم بعدم وجود الحق، ولا غرابة في ذلك كله لأن قاضي الأمور المستعجلة ليس له في دائرة الاختصاص القضائي ما لقاضي الموضوع من سلطة ووقت غير محدودين لتحري حقيقة الواقع فيما يدعيه الخصوم.


3. ما الفرق بين القضاء العادي والمستعجل؟

أولًا قصر مواعيد الإعلان بالحضور، فهي في القضاء المستعجل أقصر من مثلها أمام المحاكم الموضوعية.

ثانيًا في النفاذ، فإن الأحكام المستعجلة واجبة النفاذ المعجل ولو لم ينص فيها على ذلك بخلاف الأحكام الأخرى فإنها لا تكون واجبة النفاذ معجلاً إلا في أحوال مخصوصة، كما أن الأحكام المستعجلة يصح تنفيذها بنسختها الأصلية وهذا أمر غير جائز بالنسبة للأحكام الأخرى.

ثالثًا ميعاد الاستئناف، هو خمسة عشر يومًا بالنسبة للأحكام المستعجلة مع أنه ثلاثون يومًا بالنسبة للأحكام الجزئية وستون يومًا بالنسبة للأحكام الابتدائية، يضاف إلى هذه الفوارق فارق عظيم وهو أن الأحكام المستعجلة لا تحوز قوة الشيء المحكوم فيه بالمعنى المعروف بالنسبة للأحكام الأخرى، كما أن الأحكام المستعجلة تفقد مفعولها بزوال توقيتها أو بصدور حكم نهائي في الموضوع.


4. صراع الأمور المستعجلة والمحاكم المختصة

لم يكن قرار حكم محكمة الأمور المستعجلة بشأن اتفاقية تيران وصنافير والذي جاء عكس ما صدر عن المحكمة الإدارية العليا الأول من نوعه، فقد أصدرت محكمة الأمور المستعجلة في الفترة الأخيرة أحكامًا ذات طابع سياسي، وهذا الأمر ليس بالجديد بالنسبة إلى المحكمة التي استخدمها نظام مبارك كثيرًا لتخطي أحكام الدستور والدستورية العليا.

أبرز تلك النماذج في عهد مبارك وقف حكم منع تصدير الغاز لإسرائيل، وعودة المرشحين المرفوضين الصادر ضدهم أحكام قضائية من القضاء الإدارية لإجراء الانتخابات، بالإضافة إلى عودة الحرس الجامعي التابع لوزارة الداخلية.

وفي الفترة الأخيرة على الرغم من أن القضاء الإداري أصدر حكمين برفع الحظر عن أموال اللاعب المصري محمد أبو تريكة، لكن حكم الأمور المستعجلة عطل تطبيق حكم القضاء الإداري لحين صدور قرار من محكمة جنايات القاهرة في يناير الماضي، بقبول طلب النائب العام المصري بوضع نحو 1500 شخص على قوائم الكيانات الإرهابية، من ضمنهم محمد أبو تريكة.


5. المستعجل ورغبات النظام

ظهرت في الآونة الأخيرة بعض ملامح التفاف محكمة الأمور المستعجلة على بعض الأحكام القضائية التي صدرت عن محاكم متخصصة وسلطتها تفوق سلطة المستعجلة، رغمًا عن المادة 191 من الدستور المصري، التي تنص على أن محاكم مجلس الدولة تختص دون غيرها بنظر منازعات التنفيذ على أحكامها، كما أن حكم الإدارية العليا لا يجوز الطعن عليه ولا وقف التنفيذ إلا عن طريق الإدارية العليا وفقط بحسب القانون.

مما فسره عدد من القانونيين على أن السلطة تستخدم تلك المحكمة لفرض وتقنين رغباتها السياسة عن طريق أحكام قضائية صادرة من الأمور المستعجلة، وإن كانت تيران وصنافير هي النموذج الأخير من تلك الرغبات السياسية التي حاولت محكمة الأمور المستعجلة تحقيقها للنظام، إلا أن تلك الرغبة سبقها عدد من الأحكام القضائية التي خدمت بشكل مباشر الوضع السياسي بمصر وخاصة عقب 30 يونيه.

فعقب أحداث 30 يونيه وتحديدًا في فبراير/ شباط 2014 أصدرت محكمة الأمور المستعجلة حكمًا باعتبار جماعة الإخوان المسلمين جماعةً إرهابية، وفي نفس الشهر أصدرت المحكمة حكمًا بحظر حركة 6 أبريل معتبرة أنها حركة تستقوي بالولايات المتحدة الأمريكية، وتنشر الفوضى، وتهدد الأمن والسياحة والاقتصاد.

وفي مارس/ أذار 2014، أعلنت محكمة الأمور المستعجلة حظر نشاط حركة حماس، وأقرت بالتحفظ على مقراتها، فيما لاحق قرار الأمور المستعجلة بأن حركة حماس منظمة إرهابية، قرار محكمة القضاء الإداري في يوليو/ تموز 2015 بعدم الاعتداد بحكم «الأمور المستعجلة» وألغت حكم اعتبار حركة حماس كيانًا إرهابيًّا.

ثم تبع ذلك في يناير/ كانون الثاني 2015 حكم باعتبار كتائب القسام جماعة إرهابية، وعادت نفس المحكمة لتؤكد في حكم جديد أن حركة حماس منظمة إرهابية.

وفي 11 يناير/ كانون الثاني الماضي وافقت محكمة الأمور المستعجلة على طلب وزارة لمنع التظاهر أمام مجلس الوزراء، الطلب الذي تقدم به عدد من المتظاهرين ورفضته الداخلية بالرغم من أن المحكمة الدستورية أكدت عدم دستورية تحديد وزير الداخلية لمكان بعينه، واختتمت تلك الأحكام بذلك القرار الذي تعلق باتفاقية تيران وصنافير والتي حكم بها القضاء المستعجل بسريانها على الرغم من قرار الإدارية العليا بإبطالها.


السلطة والسياسية واستقلال القضاء

عندما تفقد النظم مشروعيتها تبحث عن ورقة توت تسترها عن طريق قرارات قضائية أو فنية.

هذا ما أكده الدكتور طارق البشري الحال عندما يلجأ النظام إلى القضاء متحكمًا فيه في كتابه «القضاء بين الاستقلال والاحتواء»، الذي تحدث فيه عن ضرورة استقلال القضاء واحترام النظام الحاكم له.

حيث أكد الكاتب في كتابه على أنه عندما تكون نظم الحكم قوية وتستند إلى مسوغات شرعية سياسية وثقافية فإنها تحترم استقلال القضاء، والعكس صحيح تمامًا، فيما استعرض جزءًا من تاريخ النضال القضائي لتحقيق ذلك الاستقلال الذي تعرض لعمليات متكررة من النظم السياسية المختلفة للانتقاص منها عام 1951 وعام 1968 وعام 1969 الذي سمي بعام مذبحة القضاة، مؤكدًا على أن تاريخ القضاء المصري هو تاريخ الصراع بين الاستقلال والاحتواء.

ذلك الصراع الذي يعاد إلى الأذهان مع القرارات القضائية المتتالية مؤخرًا والتي صدرت عن محكمة الأمور المستعجلة وفسرها العديد بأنها أحكام مسيسة الهدف منها إرضاء النظام الحاكم، وأشار مؤلف الكتاب أيضًا على أن خضوع القضاة للتأثيرات السياسية أو الهيئات المتعارضة والمتعاركة بالمجتمع تجردهم من استقلاليتهم؛ لأن القاضي المصري لابد أن لا يخضع إلا للقانون الذي يطبقه.

فيما أشار «البشري» في كتابه إلى أن ذلك الوضع الذي أصبح عليه القضاء المصري يعيد إلى الأذهان مرحلة السيادة المنقوصة وإلى المحاكم المختلطة التي أنشئت في عهد الخديوي إسماعيل عام 1870 وألغيت عام 1949 والتي كانت غالبًا تنصف الأجنبي على المواطن المصري.

المراجع
  1. قضاء الأمور المستعجلة
  2. «الأمور المستعجلة» توقف حكم منع تصدير الغاز لإسرائيل
  3. الحرس الجامعي في مصر: بين أحكام القضاء الاداري والقضاء المستعجل
  4. محكمة الأمور المستعجلة ..4 أحكام فى 6 أشهر أثارت الجدل
  5. القضاء الإدارى يقضى بإلغاء قرار التحفظ على أموال أبو تريكة
  6. خالد على
  7. حيثيات حكم محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بإدراج جماعة الإخوان ضمن المنظمات الإرهابية
  8. حكم بوقف وحظر أنشطة حركة «6 إبريل» بجميع المحافظات
  9. محكمة مصرية تلغي حكما باعتبار حماس منظمة إرهابية
  10. محكمة الأمور المستعجلة بمصر تقضى باعتبار كتائب القسام منظمة إرهابية
  11. بعد حكم الأمور المستعجلة بنقلها إلي الفسطاط قوي حزبية ترفض دعوات التظاهر ضد تيران وصنافير
  12. القضاء المصري بين الاستقلال والاحتواء