صارحتني صديقة برغبتها في الذهاب إلى الطبيب النفسي؛ لأنها لم تعد على طبيعتها، فقد أصبحت تنسى باستمرار وعود أبرمتها، أو محادثات أجرتها مع زوجها في ذات اليوم، كذلك يخبرها زوجها أنها تسمع أشياء لم تحدث والغريب أن هذه الأمور تحدث فقط مع زوجها!

أخبرتها بتدوين كل ما يحدث في يومها، إضافة إلى تسجيل المحادثات، ولكن بعد فترة وجدت أن كل ما يخبرها به زوجها مجرد وهم! وقد اعتقدت خطأ أنها مريضة. فما الحيلة النفسية التي مارسها هذا الزوج، ولأي سبب، وما الحيل النفسية الأخرى التي قد تستخدم للتلاعب بك؟

سياسية الإيهام بأنك موهوم

إنارة الغاز
 

تعرف هذه الحيلة باسم Gaslighting، وقد ظهر هذا المصطلح في فيلم أمريكي قديم، ونشأ من إيهام زوج لزوجته برؤيتها أشياء غير حقيقة كخفوت ضوء المصباح، والذي كان يخفض بريقة كل يوم عن اليوم السابق بتقليل الغاز المستخدم لإضاءته؛ ليوهم زوجته بالجنون والمرض ومن هنا جاء لفظ Gaslighting.

تعتمد حيلة الوهم على تشكيكك بذاتك من خلال إخبارك بأمور لم تحدث قط مع التبرير بأنك أصبحت تنسى هذه الأيام، أو عندما تتحدث مع شخص في أمر ما ثم بعد فترة ينفي هذه المحادثة، فتعتقد أنك مجنون أو هناك خلل بذاكرتك.

توجد بعض المواصفات أو العلامات الخاصة لمن يستخدم حيلة الوهم عليك، ومنها ما يلي:

  • يصر هذا الشخص على قولك أشياء محددة أو فعلك أمورًا لم تحدث قط.
  • يثير شكوك الآخرين من حولك بشأن حالتك النفسية، أو العقلية، أو السلوكية.
  • قد يخبرك بأنك حساس جدًا أو مجنون عندما تعبر عن احتياجاتك أو مخاوفك.
  • يحاول تحريف الأحداث أو إعادة سردها لنقل اللوم إليك.
  • يصر أنه على حق دائماً ويرفض رأيك ويحاول السيطرة بآرائه.

من يُمارس عليه هذه الحيلة قد يشك بذاته ويعتقد أنه قد جن بالفعل، إضافة إلى ظهور أعراض أخرى ومنها:

  • شعوره بضرورة الاعتذار طوال الوقت.
  • فقدان الثقة بالنفس.
  • الشعور بالتوتر، والعصبية، والقلق.
  • وجود شعور ملح بأنه ليس على صواب، أو لم يفعل الأمر بالطريقة الصحيحة.
  • الاضطراب، والتبلد العاطفي، وفقدان الأمل.
  • الإحساس بعدم إمكانيته فعل أي شيء صحيح.

يمكن أن تمارس هذه الحيلة من قبل عدة أشخاص من حولك مثل: الزوج، أو الزوجة، أو أحد الوالدين، أو الأصدقاء، أو الرؤساء في العمل، وذلك في محاولة منهم لفرض سيطرتهم والتحكم بزمام الأمور، فتكون أسهل حيلة هي خلق الشكوك بداخلك عن نفسك، وتدمير ثقتك بذاتك؛ ليتمكنوا من السيطرة وتنفيذ آرائهم.

قد تمارس هذه الحيلة بواسطة السياسيين أيضًا عندما ينكرون أحداثًا موثقة بالفيديوهات أو لها شهود، كذلك قد يستخدم بعض الأطباء حيلة الوهم أحيانًا عندما يخبرون المريض أنه يتوهم الأعراض، أو أنه يبالغ في الشعور بالألم.

لا يمكننا إنكار وجود بعض الأشخاص المصابين بالفصام، وهو مرض نفسي يتوهم فيها المريض أمورًا لم تحدث، ويسمع ويرى أشياء غير حقيقية، ولكن هذا يختلف عن حيلة الإيهام بأنك موهوم التي يكون فيها الضحية معافى من الأمراض النفسية.

الابتزاز العاطفي

يستخدم الابتزاز العاطفي للتأثير على الطرف الآخر في العلاقة وفرض السيطرة عليه، من خلال التهديد لتنفيذ متطلباته حينها يخضع الضحية لطلبات من يبتزه عاطفيًا؛ بسبب الخوف منه، أو الشعور بالذنب، أو بسبب التأثير عليه عاطفيًا، حيث يستغل من يستخدم هذه الحيلة نقاط ضعف الآخر وما يعرفه عنه من معلومات ليستخدمها ضده.

الابتزاز العاطفي هو نوع من الابتزاز النفسي الذي يحطم ضحيته بالتهديدات المتتالية، ليجعلك متوترًا وقلقًا باستمرار، وعادة تكون الضحية ممن يحاولون إرضاء الآخرين، ويتجنبون الخلافات واللوم، ولديهم خوف من الهجر، وغالبًا ما ينتهي بهم الحال في عزلة ووحدة، ويعانون من الاكتئاب والقلق.

مثال 1: إن تركتني سأقتل نفسي.

مثال 2: إذا تركتِ المنزل ستكونين طالقًا.

مثال 3: إن لم تفعل ما أقول سأتركك وحدك. 

إليك بعض العلامات التي تدل على وجود ابتزاز عاطفي في العلاقة ومنها ما يلي:

  1. إذا كنت تعتذر باستمرار عن أشياء لم تفعلها أو لست المذنب فيها مثل: سلوكيات الطرف الآخر السلبية، أو انفعالاته.
  2. عندما تشعر بأن العلاقة لها مسار واحد، أي أن هناك متحكمًا مهيمنًا على العلاقة بأكملها، وهو من يستخدم الابتزاز العاطفي.
  3. إذا وجدته يصر على رأيه، حتى وإن كانت على حساب سعادتك وراحتك.
  4. عندما تشعر بأنك تحت تأثير التهديد المستمر بضرورة الطاعة والامتثال له.

سياسة الاختفاء المفاجئ

يعتمد فيها الشخص على الاختفاء من دون وجود أي مبررات أو إنذار سابق، ويقطع كل سبل التواصل مع الطرف الآخر، ويحدث الاختفاء المفاجئ في العلاقات العاطفية، وكذلك في بيئة العمل عندما يختفي الموظفون فجأة من دون سبب واضح، أو إنذار مسبق بترك العمل.

من يمارس عليه حيلة الاختفاء المفاجئ يشعر بأن هناك عيبًا فيه، ويساوره الشك بذاته بأنه السبب في اختفاء الطرف الآخر.

تحدث هذه الحيلة في وقتنا الحاضر بنسبة كبيرة خصوصًا على الإنترنت، حيث شجعت مواقع التواصل الاجتماعي الاختفاء المفاجئ، فقد وجد أن 25% من الرجال والنساء قد تعرضوا لحيلة الاختفاء المفاجئ في علاقاتهم العاطفية.

يلجأ بعض الأشخاص لاستخدام هذه الحيلة للهروب من المواجهة والمسؤولية، مما يجعل الطرف الآخر يتساءل: ماذا فعلت ليختفي؟

قد يعاود الشخص المختفي الظهور مرة أخرى ونادرًا ما يعتذر، وإنما يقدم مبررات غير حقيقية لغيابه، وقد يحاول الظهور على مواقع التواصل الاجتماعي بطريقة غير مباشرة كوضع إعجاب، أو متابعة، أو إرسال رسالة عبر شخص وسيط بينكما.

الصمت العقابي

يلجأ بعض الأشخاص إلى استخدام الصمت عند وجود مشكلة خصوصًا إذا كان هو المخطئ، فيتجنب التحدث تمامًا ويتلاعب بنفسية الآخر، ويكون أشبه بالابتزاز وتتحول إلى علاقة غير سوية نفسيًا.

يحدث الصمت العقابي في مختلف العلاقات بين الآباء، والأبناء، وكذلك بين الأزواج، وهي حيلة لفرض السيطرة والتحكم بالآخر.

يجب التفرقة بين الصمت العقابي كحيلة ابتزاز شرسة، والتزام الصمت في الخلافات حتى تهدأ الأمور، والتي عادة يرجع فيها الشخص إلى نقطة الخلاف للنقاش مرة أخرى مع الطرف الآخر، فقد يرغب الشخص الهدوء والعزلة لفترة؛ ليرتب أفكاره، ويحلل الأمور، ثم يحل الخلاف الذي نشب.

لا يعود من يستخدم الصمت العقابي إلى موضوع الخلاف، بل يستمر في الصمت أطول فترة ممكنة؛ ليجعل ضحيته تشعر بعدم الاستحقاق، والاضطراب، والحيرة، وكذلك يشعر بعدم الحب، والأذى، وعدم أهميته، مما يدفعه لبذل كل السبل ليعود الود والكلام مرة أخرى بينهما.

إليك بعض العلامات التي تدل على استخدام الشخص للصمت العقابي لاكتساب القوة والسيطرة ومنها ما يلي:

  1. يرفض التحدث، أو حتى التواصل البصري، أو الرد على المكالمات، والرسائل.
  2. يلجأ إلى الغضب والسلوك العدواني؛ لإسكاتك وقمعك والتحكم في سلوكك.
  3. يستخدم الصمت العقابي كوسيلة أساسية للتعامل مع جميع الخلافات.
  4. يرفض الصلح أو التحدث؛ حتى تتوسل إليه بكل السبل وتتذلل له.
  5. يطلب منك الاعتذار والاستسلام له كي يتحدث معك.

حيلة إلقاء اللوم عليك

إشارة
 

تعرف هذه الحيلة في العامية بـ«سياسة قلب الترابيزة» حيث تعتمد الحيلة على إلقاء اللوم على الشخص الأضعف في العلاقة، عندما يبدأ بالشكوى من تصرفات شريكه، أو عند تعبيره عن مشاعره، حينها يحاول الطرف المؤذي التلاعب بنفسية الطرف الأضعف.

يلجأ الأشخاص لاستخدام هذه الحيلة؛ لفرض سيطرتهم على العلاقات وتنفيذ ما يرغبون به، إضافة إلى التهرب من المسؤولية، وبدلًا من اعترافهم بخطئهم يديرون أصابع الاتهام للضحية أو الطرف المظلوم في هذه العلاقة، مما يدفعه إلى الشك بذاته، وينصرف عن شكواه، أو مشاعره المهملة.

مثال 1: تشتكي صديقة إلى الأخرى بأنها كذبت عليها ولا ينبغي عليها الكذب، فتجيب الأخرى «قد كذبت بسبب انفعالك وعصبيتك ولولا ذلك ما كذبت قط».

مثال 2: تحاول الزوجة إخبار زوجها بأنه لا يتعامل مع أهلها بطريقة لائقة، ليكون رده «إنك تعتقدين ذلك لأنك حساسة بصورة مبالغ فيها».

يقع تحت تأثير هذه الحيلة الشخصيات الحساسة، أو من يفضل استخدام الدفاع وتجنب الخلافات، وبالتالي يستغل الطرف الآخر هذه الصفات ليفرض سيطرته ويتحكم بالطرف الأضعف، كذلك يستخدم نقاط ضعف أو عيوب الطرف الآخر؛ لاستخدامها ضده وليبرهن على لومه له.

لا تؤثر حيلة إلقاء اللوم على البالغين فحسب، بل يكمن خطرها عندما يمارسها الآباء على الأطفال؛ لأنهم في هذه المرحلة تتشكل شخصيتهم وهويتهم، ويصدقون كل ما يقوله الآباء عنهم، ومن ثِم يكبر الطفل وهو غير سوي نفسيًا.

مثال: إذا كنت طفلًا مؤدبًا فلن أضطر إلى معاقبتك!

كيف أتعامل مع هذه الحيل النفسية؟

يمكنك تفادي السم إذا عرفت موضعه، كذلك يمكنك تفادي هذه الحيل والتعامل مع من يمارسها بعد إدراكك ماهيتها، وهذه أول خطوة في التعامل مع الحيل النفسية، فإدراكك لهذه الحيل يمكنك من وضع حدود مع من يمارسها عليك، إضافة إلى عدم جدوى تأثيرها كما كانت تفعل سابقاً.

إليك بعض النصائح التي تمكنك من الحفاظ على سلامتك النفسية والعقلية:

  1. يجب صنع حدودك النفسية مع الآخرين وتختار ما هو مسموح وغير مسموح والحدود التي لا يمكن تخطيها مهما كلف الأمر، فذلك سيجنبك كثيرًا من الأذى.
  2. تحدث مع من يمارس عليك هذه الحيل بأنك تدرك جيدًا ما يفعله، وعليه التوقف عن استخدامها فلن تجدي نفعًا بعد الآن.
  3. يجب تدوين كل ما يحدث وتسجيل المحادثات إذا كنت تشك في ممارسة حيلة الوهم عليك، فذلك سيجعلك تتأكد من حقيقة الأمور.
  4. لا تتخل عن علاقاتك الاجتماعية سواء مع الأصدقاء أو الأقرباء بخاصة الموثوق بهم؛ لأن العزلة التامة والتعامل مع الأشخاص المؤذية يزيدان من نجاح حيلهم النفسية ويضعفك أكثر.
  5. طور نفسك واعتنِ بها واخلق وقتِا للعناية بذاتك، ولا تفقد ثقتك بنفسك؛ لأنها هذه الحيل تفقدك روحك شيئًا فشيئًا.
  6. إذا استخدم أحد الأشخاص الصمت العقابي معك لا تبذل كل السبل لإرضائه ليتحدث معك، بل قدر ذاتك ولا تخضع لحيلته وسيطرته، ولا تعبأ بصمته وتجاهله تمامًا، ومارس أي شيء يسعدك.
  7. إذا تعرضت لحيلة الاختفاء، فيجب التفرقة بين الأشخاص وطبيعة العلاقة أولاً، فإذا كانت علاقة عابرة لم يمر عليها سواء لقاء أو 2 فيجب تجاهله تمامًا، أما إذا كانت علاقة استمرت لشهور أو كان شريك حياتك، فعندها يجب التدقيق في الأسباب ومدى صدق الشخص في إعادة العلاقة.
  8. يمكنك استشارة طبيب نفسي إذا وجدت أنك تحتاج إلى المساعدة لتخطي هذه المحنة.

بعد أن تعرفت على هذه الحيل النفسية المستخدمة للتلاعب بك، عليك أن تسأل نفسك: هل صادفت يومًا شخصًا مارس عليك هذه الحيل، وماذا ستفعل الآن للتعامل معه؟ بالتأكيد لا تسمح لأي شخص بالتلاعب بك وتدميرك نفسيًا، ومن ثم إصابتك بالاكتئاب وانعدام الثقة بالذات.