كانت الصُّدف ولا تزال مِحورًا أساسيًّا في حَيواتنا، من مِنَّا لم تتدخل الصدفة يومًا ما لتُشكِّل مسارًا في حياته؟

وحياة العلم كحَيواتنا، تستطيع الصدف أن تُجدِّد عطاء العلم للبشرية. وفي هذا المقال نَسردُ لكم قصص اكتشافات علمية لَعبت الصدفة دورًا هامًّا فيها.

1. أشعة «إكس» أو الأشعة السينية

مُنذ أن تم اكتشافها وحتى الآن، تُعد الأشعة السينية أداة مُنقِذة في أيدي الأطباء وغيرهم؛ فهي تكشف الأشياء غير المرئية.

كان للصدفة دَور عظيم في ذاك الاكتشاف، ففي عام 1895 حينما كان الفيزيائي الألماني «فيلهلم كونراد رونتجن» يُجرى تجاربه على أشعة الكاثود لاكتشاف قدرتها على النفاذ خلال المواد المختلفة، وبينما كان أنبوب الأشعة مُغطًى بورق قاتم، فوجئ بوجود تغييرات على الألواح الفلورية، وفَسر ذلك بأن ثمة أشعة غير مرئية قد اخترقت الأوراق مُسببة ذاك الأثر.

فيما بعد اكتشف رونتغن قدرة تلك الأشعة على اختراق الأنسجة، وفي سنوات قليلة وصل هذا الاكتشاف إلى مشارق الأرض ومغاربها، واستُخدم في أوروبا وغيرها للكشف عن كسور العظام وحصوات الكلى، وحتى في تحديد موضع استقرار طلقات الرصاص في أجساد المصابين.

بفضل هذا الاكتشاف استحق مُكتشفه جائزة نوبل عام 1901، ليُصبح أول عالم يحصل على جائزة نوبل في الفيزياء.

2. النشاط الإشعاعي

على الرغم من آثارها الجانبية العنيفة تظل المواد المُشعة سلاحًا فعَّالًا في مواجهة بعض الأمراض القاتلة، كالسرطان. والمادة المشعة هي أي مادة تتكون من ذرات غير مستقرة، وتُصدِر إشعاعات مؤينة أثناء تحللها، كاليورانيوم المُشع.

بعد أن عَلم الفيزيائي الفرنسي «هنري بيكريل» باكتشاف الأشعة السينية، قرر أن يَدرس الخصائص الفسفورية لملح اليورانيوم. اعتقد في البداية أن جزيئات هذا الملح تمتص الأشعة السينية من الشمس لتعكسها على الألواح الفوتوغرافية فيما بعد.

وفي يوم ما أخذ ملح اليورانيوم والألواح الفوتوغرافية ليُجري تجربة تحت ضوء الشمس ليحسم شكوكه، ولكن الشمس لم تسطع في ذلك اليوم، وعلى الرغم من ذلك كانت آثار الإشعاع واضحة على الألواح الفوتوغرافية، بفضل تلك الغيوم، أدرك بيكريل أنه يُمسك مواد مشعة بنفسها وليست عاكسة للإشعاع.

3. الميكروويف

لا يكاد يخلو بيت في عصرنا الحالي من ذاك الصندوق السحري الصغير، القادر على تحويل طعامنا من بارد إلى ساخن، أو من نيء إلى مطهي.

في القرن الماضي، حينما دارت رحى الحرب العالمية الثانية بين دول المحور ودول الحلفاء، كانت  «الرايثيون» (إحدى شركات الدفاع الأمريكية) قد كلفت المهندس «سبنسر» بتطوير أجهزة الرادارات ليصبح لدول الحلفاء الأفضلية في الحرب، وبينما كان «سبنسر» يتفقد معمله، وتحديدًا عندما كان بقرب أنابيب الماجنترون المُستخدمة وقتها في أجهزة الرادار، لاحظ أن قطعة الحلوى التي كانت في جيبه قد بدأت في الذوبان، فأثار ذاك الحدث دهشته، وكَلف «سبنسر» أحد معاونيه بإحضار بعض حبوب الذرة ليضعها بجانب الماجنترون، ليُفاجئ بها قد تحولت إلى حبات فشار.

عَكف «سبنسر» على تقصي الحقائق حول أسباب هذه الظاهرة، وبعد أن اكتشف قدرة موجات الميكروويف على تسخين الطعام، تمكَّن من الحصول على براءة اختراع لهذا الاكتشاف المذهل.

لم يمضِ الكثير من الزمن ليتم تصنيع أول فرن ميكروويف في العالم، ويستفيد منه ملايين الأشخاص حول العالم.

4. البنسيلين

على الرغم من تصاعد تحذيرات المجتمع العلمي بأسره من الاستخدام غير المُنضبط للمضادات الحيوية، فإنه لا أحد يستطيع أن يُنكر أنها أنقذت ملايين الأرواح من أمراض عِدة منذ اكتشافها وحتى الآن.

حين غاب العالم الاسكتلندي «ألكسندر فلمنج» عن معمله عام 1928 لقضاء عُطلة ثم عاد، كان قد ترك أطباق بكتيريا في معمله، فوجئ أن نمو البكتيريا في الأطباق لم يَكن منتظمًا، يبدو أن هناك شيئًا ما قد ثبَّط هذا النمو، إنها فطريات دخيلة لا تنتمي لهذا الوسط. وبفحصها تبيَّن إنها فطريات «بنيسيليوم».

عرف فلمنج فيما بعد أن هذه الفطريات فى صراعها على البقاء تُنتج سُمومًا لقتل مُنافسيها لتستحوذ على الموارد. وتمكن فلمنج لاحقًا من استخلاص هذه المادة التي قتلت البكتيريا ليُصبح البنسيلين أول مضاد حيوي عرفته البشرية.

5. الزجاج غير القابل للكسر

في بداية اختراع السيارات كان الزجاج المُستخدَم فيها مصدر خطورة بالغ، بمجرد أن تصطدم السيارة ولو حتى اصطدامًا خفيفًا ينكسر الزجاج مُتبعثرًا ويصيب السائق، وربما أماته.

قبل أكثر من 100 عام، وبالتحديد عام 1903، كان الكيميائي والرسام والمخترع الفرنسي مُتعدد المواهب «إدوارد بيناديكتس» في معمله حينما سقط منه كأس زجاجية وتنكسر، رُبما يُصنَّف هذا كحدث مُتكرر لا يستحق التوقف عنده، لكن الذي يستحق التأمل حقًّا هو أن الكأس انكسرت وظلت متماسكة ولم تتناثر أجزائها!

كانت الكأس تحتوي على نترات السيليوز التي منعت الزجاج من التبعثر في حال الكسر، بعدها استُثمرت فكرة هذا الاكتشاف في صناعة الزجاج المقاوم للكسر، عن طريق دمج طبقتين من الزجاج بينهما طبقة من السيليلوز.

بدأ استخدام هذا الاكتشاف في صناعة زجاج السيارات عام 1927، وبفضله نجا الملايين من الأشخاص الذين كانوا عُرضة للإصابة أو الوفاة من الزجاج المتطاير عند اصطدام السيارة أو عند اصطدام رؤوسهم بالزجاج.

6. التفلون

لا يقتصر استخدام التفلون على أدوات الطهي وحسب، بل أيضًا في العمارة والاتصالات وغيرها.

ففي عام 1938، وإبان تطوير المواد المُبردة (كغاز الفريون)، كان الكيميائي الأمريكي «روي بلينكيت» عاكفًا على اختبار غاز الفلوروكربون كمادة مُبردة، وبعد ضغط الغاز وتبريده في حاوية، فتح الحاوية وانتظر خروج الغاز، ولكن بلا جدوى، ثم قطع الحاوية ليجد أن الغاز قد تحول إلى مادة شمعية بيضاء.

فيما بعد، دَفع الفضول هذا العالم إلى دراسة الخصائص الكيميائية والفيزيائية لهذه المادة، ليكتشف قدرتها على تحمل الحرارة ومنع الالتصاق.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.