هو الصديق الحقيقي لدولة إسرائيل.

هكذا بادر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتهنئة دونالد ترامب بفوزه برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أكد على أن العلاقة بين الولايات المتحدة و«إسرائيل» هي علاقة متينة مبنية على قيم ومصالح مشتركة وعلى مصير مشترك، مشددًا على أنه سيواصل مع ترامب تعزيز التحالف الفريد القائم بين بلديهما وقيادته إلى قمم جديدة.

بينما ذهب وزير التعليم الإسرائيلي واليميني المتطرف «نفتالي بينيت» في تهنئته لترامب إلى حد قوله: «إن انتصار المرشح الجمهوري يُشكّل فرصة للتخلص من السعي نحو حل الدولتين مرة واحدة وإلى الأبد، وهو فرصة لإسرائيل للتراجع فورًا عن فكرة الدولة الفلسطينية في وسط البلاد، التي من شأنها المس بأمننا».


وعود براقة

لم يكن هذا التفاؤل المفرط في «إسرائيل»، وما قابله من تجهم وتشاؤم لدى الفلسطينيين، من قبيل المفاجأة، فمعظم المحللين والخبراء قد أكدوا قبل ذلك أن وصول ترامب إلى البيت الأبيض يعني منح إسرائيل امتيازات ومساعدات عسكرية تفوق ما قدمه سلفه أوباما. فالأمن الإسرائيلي سيكون بمثابة خط أحمر للرئيس الأمريكي الجديد، وهو أعلنه صراحة خلال حملته الانتخابية، بالإضافة إلى أن جملة من التغييرات المتوقع حدوثها في عهده، والتي ستعمل بشكل أكبر على تعزيز العلاقات العسكرية بينهما.

أما الرأي العام العالمي والعربي فقد آمن أيضًا أن ترامب هو الرئيس الذي كانت تنشده «إسرائيل»، خاصة بعد سماعهم لخطاب ترامب أمام منظمة «أيباك» (لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية) أثناء حملته الانتخابية.

وفيه، وعد في يومه الأول في المكتب البيضاوي أن ينهي التعامل مع اليهود على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية في الولايات المتحدة، وأكد على علاقته الودية مع نتنياهو وعلى سعيه لجلب الاستقرار والسلام لإسرائيل. وأشار إلى أن الفلسطينيين يُعلّمون أبنائهم الكراهية والعداء لليهود، وأنه سيعمل على إنهاء ذلك. وانتقد فكرة احتفاء المجتمع الفلسطيني بمن يقتل اليهود، وأكد ضرورة العمل على عدم استمرار ذلك بعد الآن. وأخيرًا، وعد ترامب بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، كدلالة على اعترافه بأن القدس هي عاصمة «إسرائيل».

صحيح أن جميع مرشحي الرئاسة الأمريكية يكونون مدفوعين إلى إطلاق تصريحات قوية ووعود براقة أمام هذه المنظمة خلال حملاتهم الرئاسية، لكن تصريحات ترامب كانت الأقوى من بين سابقيه، خاصة وأن برنامجه الانتخابي يمتلك وعودًا جريئة أخرى، متسقة إلى حدٍ بعيد مع تصريحاته أمام «أيباك».


ولكن

تصريحات ترامب أمام الأيباك كانت الأقوى والأجرأ بين سابقيه، خاصة أنها جاءت متسقة مع برنامجه الانتخابي.

رغم كافة المؤشرات السابقة إلا أن هناك قراءة مغايرة تلوح في الأفق، وتمتلك حزمة من الأسباب والمؤشرات التي تبدو منطقية إلى حد بعيد.

هذه القراءة تشي بأن التفاؤل الإسرائيلي في غير محله، ورغم كل ما سبق قد يصبح ترامب خلال السنوات الأربع القادمة هو الخطر الأكبر على مستقبل إسرائيل، وتنطلق هذه القراءة من الفرضيات الآتية:

يمتلك ترامب القدرة على المناورة، فهو مستعد للنكوص عن تعهداته عندما يتبين أن هذا ما يخدم مصالحه، فهو براجماتي من الدرجة الأولى.

1. لا أحد يعي حدود المناورة لدى ترامب وتوجهاته الحقيقية، فهو قادر، وقد يكون مستعدًا دائمًا، للنكوص عن تعهداته، والعمل بعكسها تمامًا عندما يتبين أن هذا ما يخدم مصالحه، فترامب قد يكون يمينيًا، لكنه براجماتي بدرجة أكبر بكثير.

2. إن المنظمات اليهودية واللوبي الصهيوني الداعم لإسرائيل في الولايات المتحدة لن يكون قادرًا على ممارسة الضغوط على ترامب؛ لأنه ليس في حاجة إلى الدعم المالي بفضل ثروته الطائلة.

3. يستطيع ترامب أن يطلق تصريحات براقة وقوية، لكن دون إعطاء وعود حاسمة، فيراه البعض أنه يتحرك على الهامش بين الوسط المعتدل واليمين الراديكالي فيما يتعلق بشئون الشرق الاوسط. فهو يعلن تأييده المطلق لإسرائيل، لكنه يلقي عليها مسئولية غياب السلام. وهو يستنكر الاتفاق النووي مع إيران، لكنه لا يلتزم بإلغائه منذ اليوم الأول له في الحكم. وهو وعد بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، لكنه يرفض تأييد توحيد المدينة.

4. رغم امتلاك نتنياهو لعلاقات جيدة مع المعسكر الجمهوري في الولايات المتحدة، لكن يجب الانتباه إلى أن ترامب ليس جزءًا من هذه المؤسسة، فهو زعيم سياسي جديد، لا أحد يمتلك اليقين بشأن توجهاته السياسية، كما أنه لا يعتبر نفسه مُلزَمًا بأي أيديولوجية معينة، أو يقبل بأي قواعد للسلوك السياسي الجمهوري، بدليل أن جزءًا كبيرًا من برنامجه الاقتصادي جاء مخالفًا تمامًا للتوجهات الجمهورية في هذا الشأن.

5. في عهد ترامب، قد تتضاءل مساحة المناورة السياسية لدى الحكومة الإسرائيلية في التفاوض بشأن المقترحات الأمريكية لحل الصراع. فإذا ما قرر ترامب طرح مشروع سلام جديد، غير متوافق مع رؤى نتنياهو، قد يعمل الأخير على المناورة في محاولة منه لتضييع الوقت؛ بغية إفشال ذلك المشروع، ولكن ترامب قد يضع سقفًا زمنيًا محددًا، ويطالب نتنياهو بالالتزام به دون تردد. ومن غير المستعبد أن يلجأ ترامب لتجميد المساعدات من أجل ممارسة ضغط سياسي على إسرائيل لقبول تصوراته؛ أي أن تصورات ترامب السياسية بشأن حل الصراع قد تكون غير قابلة للنقاش أو التفاوض.

6. رأت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية أنه عقب انتخاب ترامب بدأ في التراجع عن شجرة وعوده الصارمة والحادة والخيالية أحيانًا تجاه إسرائيل في حملته الانتخابية. ففيما يتعلق بوعده في حملته الانتخابية بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت» عن مستشار ترامب «وليد فارس» قوله في هذا الشأن: «رؤساء كثيرون أطلقوا مثل هذا الوعد، أيضًا ترامب وعد بذلك، لكن عليه أن يوفر إجماعًا لتحقيق ذلك»، وهو تصريح اعتبرته الصحيفة تمهيدًا لتراجع ترامب عن وعده.

7. رأى بعض المحللين الإسرائيليين أنهم عانوا قبل ذلك كثيرًا من الوعود البراقة للسياسيين، فمع انتخاب مناحيم بيجين رئيسًا للحكومة عام 1977، كان قد وعد الناخبين بعدم الانسحاب حتى من شبر واحد في سيناء ثم انسحب حتى الشبر الأخير. وكذلك آرييل شارون «بلدوزر الاستيطان» الذي هدم المستوطنات في سيناء (كوزير للدفاع في حكومة بيجين)، ثم في قطاع غزة عام 2005 كرئيس للحكومة.

المراجع
  1. "نتنياهو مهنئاً ترامب: صديق حقيقي لإسرائيل"، موقع قناة الحرة، 9 نوفمبر 2016.
  2. إيلان بن تسيون وستيوارات وينر، "بينيت: فوز ترامب هو فرصة لإفشال فكرة الدولة الفلسطينية"، موقع تايمز أوف إسرائيل، 9 نوفمبر 2016.
  3. عبدالله زقوت، "ترامب سيفوق أوباما في مساعداته العسكرية لإسرائيل"، موقع العين الإخباري، 14 نوفمبر 2016.
  4. حيمي شليف، "ترامب هو الخطر الأكبر على إسرائيل"، موقع الغد، 3 فبراير 2016.
  5. "ترامب يصدم إسرائيل"، موقع سبوتنيك، 14 نوفمبر 2016.
  6. صالح النعامي، "تحذيرات في إسرائيل من سلبيات فوز ترامب برئاسة أمريكا"، موقع عربي 21، 17 أكتوبر 2016.
  7. Amos Harel, “Impossible to Second-guess Trump on Israel, Russia and Iran”. Haaretz, 10th November 2016.