يطلق لفظ «الأنمي» على فن الرسوم المتحركة الياباني، سواء أفلام أو مسلسلات، وهو اختصار لكلمة أنيميشن (animation) والتي تشير إلى الرسوم المتحركة في المطلق. ليس معلومًا على وجه التحديد العام الذي بدأت فيه صناعة الأنمي في اليابان، لكن أقدم أنمي يعود إلى عام 1917، وهو فيلم قصير لا تتجاوز مدته الدقيقتين عن ساموراي يجرب سيفه الجديد. استمر فن الأنمي عبر تاريخه، الذي يمتد الآن لأكثر من قرن من الزمن، في صعود وهبوط وذلك حتى ترسخت مكانته على نحو نهائي كصناعة وفن مع انفجار شعبيته عالميًا خلال العقود الثلاثة الماضية.

ما يميز الأنمي عن أي وسيط آخر للحكي القصصي يكمن في قدرته التعبيرية المذهلة، كيفية التعبير بصريًا عن طيف واسع من العواطف والانفعالات التي يستحيل تنفيذها على هذا النحو بممثلين حقيقيين وسينماتوجرافي حي. مع ازدهار ورواج صناعة الأنمي أقبل العديد من المخرجين نحو التجريب، وإبراز الجماليات والقدرات الخاصة لهذ الفن عبر تبني تيمات غير مطروقة من قبل واكتشاف طرق جديدة للسرد، مع ثراء كبير في الأنواع الفيلمية التي يتبناها (genres).

كل هذا يصل بنا إلى هذه اللحظة التي يتجلى فيها الأنمي كانتصار جديد للمخيلة وكوسيط مدهش واستثنائي للحكايات الإنسانية. هذه 8 أفلام تصحبك في رحلة استثنائية لعوالم الأنمي شديدة الثراء والجمال.


1. Spirited Away

تحفة «هياو ميازاكي» والتي عرضت لأول مرة عام 2001، الحاضرة دومًا على قمة قوائم الأفضل في سينما الأنمي، وأول أنمي يفوز بجائزة الأوسكار كأفضل فيلم تحريك. لا يفتننا ميازاكي هنا فقط بجمالياته البصرية ولا بالحيوية الفائقة التي ينبض بها كل إطار داخل فيلمه، بل أيضًا بالأفكار والتيمات التي يضمنها فيلمه متعدد الطبقات.

الفيلم في أبسط مستوياته هو حكاية الفتاة تشيهيرو ذات العشرة أعوام، التي تفقد والديها بتحولهما إلى خنزيرين حين يضلون الطريق إلى بيتهم الجديد، لتجد نفسها ضائعة ووحيدة في عالم سحري، عدائي وقاسٍ، حيث تهيم فيه أرواح شريرة وكائنات غامضة وقلة من الأرواح الطيبة التي تحاول مساعدتها في الخروج من هذا العالم الخطر.

في رحلة خروجها من هذا العالم تنضج تشيهيرو عبر تجربتها الخاصة، تكتشف نفسها مثلما تكتشف العالم، تعرف الحب والفقد والمعاناة التي تلون هذا العالم. مثلما تطرح فانتازيا ميازاكي رؤية للمجتمع الياباني المعاصر باستهلاكيته المستفحلة واغترابه، تطرح أيضًا أسئلة الهوية: من نحن؟ وكيف تتشكل هويتنا في هذا العالم؟


2. Grave Of Fireflies

الفيلم صدر عام 1988، ويعد أول افلام «إيساو تاكاهاتا» بعد تأسيس إستوديو «جيبلي» رفقة مايازاكي والمنتج توشيو سوزوكي، والفيلم مأخوذ عن رواية للياباني آكايوكي نوساكا. البعض يرى في «قبر اليراعات» أكثر أفلام «جيبلي» قتامة، فيلم صادم عن بشاعة الحرب وعذابات الحياة في زمنها.

تدور تحفة تاكاهاتا في الأيام الأخيرة للحرب العالمية الثانية، حيث يرصد المحاولات اليائسة للفتى سيتا وأخته ذات الأربعة أعوام سيتسوكو من أجل البقاء ومواصلة الحياة وحيدين بعد أن تهدم بيتهما وقتلت أمهما تحت القصف الأمريكي. الفيلم يبدأ بروح سيتا وهي تخبرنا: «هذه هي الليلة التي مت فيها»، حيث نعلم منذ البداية أنه سيموت مشردًا وجائعًا في إحدى محطات القطار.

اقرأ أيضًا:سينما «إيساو تاكاهاتا»: في مديح المسرات الأرضية

يصحبنا تاكاهاتا بعد ذلك عبر تجربة شعورية مزلزلة تجبرنا على معايشة أهوال الحرب مع هذين الطفلين، وحيث نعاين موت سيتسوكو الملائكية البطيء والمرير كمرثية حزينة لاغتيال البراءة في زمن الحرب. ينتهي الفيلم بلقطة بعيدة لشبحيهما يتأملان اليابان المعاصرة ربما كروحين حارستين. يقول الناقد الأمريكي الأشهر روجر أيبرت:


3. Ghost In The Shell

اقتباسًا من مانجا (قصص مصورة) تحمل نفس العنوان ومن تأليف «ماسوموني شيرو»، استطاع المخرج مامورو اوشي رفقة كاتب السيناريو كازونوري ايتو من تحقق إحدى أيقونات الأنمي الحديثة، الفيلم الذي عرض منتصف تسعينيات القرن الماضي وساهم نجاحه الجماهيري الواسع في دفع شعبية الأنمي خارج اليابان إلى حد غير مسبوق.

في مستقبل قريب حيث بدا الامتزاج بين الآلة والإنسان ممكنًا، وحيث من الإمكان استبدال الأجزاء المعطوبة من جسد الإنسان بأجزاء روبوتية، تحاول بطلة الفيلم، وهي محققة تمتلك جسدًا روبوتيا أنثويًا ووعيًا بشريًا، الإيقاع بأحد محترفي القرصنة الإلكترونية ذي قدرات خاصة تمكنه من التلاعب بالعقول البشرية ويسمى «سيد الدمى».

يمزج الفيلم تيمات الخيال العلمي بجماليات الفيلم مع حمولة فلسفية تتأمل في بداية عصر الديجيتال والفضاءات الإلكترونية طبيعة الوعي الإنساني. يتساءل الفيلم عما هو جوهري في الإنسان أو مثلما يتساءل سيد الدمى: «إذا أمكن للروبوت أن يخلق وعيه الخاص فماذا تبقى للإنسان؟» كان للفيلم تأثير كبير على أفلام كثيرة تلته مثل «The Matrix» و«Avatar».


4. Akira

كلاسيكية من كلاسيكيات الأنمي، صدر الفيلم عام 1988 من إخراج «كاتسوهيرو أوتومو» اعتمادًا على مانجا بنفس العنوان من تأليفه أيضًا.

يعتبر الفيلم من بداية الأفلام التي حققت رواجًا جماهيريًا كبيرًا في العالم الغربي. يبدأ بلقطة صادمة لانفجار هائل يدمر طوكيو بالكامل على خلفية حرب كونية. بعد ثلاثة عقود من ذلك، يتم إعادة بناء المدينة، تحتجز السلطات العسكرية تيسو بعد محاولته اعتراض إحدى عملياتها وتقوم بإخضاعه لعدد من التجارب بهدف إطلاق قدرته النفسية الكامنة، لكن الأمور تخرج عن السيطرة.

الفيلم به الكثير من التجريب على صعيد التيمات والأسلوب في فترة كان فن الأنمي يعيد استكشاف إمكاناته الخاصة. الفيلم يتأمل أيضًا الثقافة والهوية اليابانية في ذلك الوقت مثلما طبيعة السلطة وهوس التدمير، كما يقدم مشاهد حركة من أفضل ما قدمته سينما الأنمي، مثلما يعتبر درسًا سينمائيًا في خلق الإثارة والترقب.


5. Perfect Blue

هذا الفيلم يعد بوابة مثالية للدخول لعالم الأنمي بالنسبة لغير المتحمسين لهذا الفن، فهو قادر على تغيير توقعاتك عن هذا الفن تمامًا. عرض الفيلم للمرة الأولى عام 1997 وهو من إخراج «ساتوشي كون» وكتابة «سادايوكي موراي» عبر اقتباس حر لرواية «يوشيكازو تاكوشي» التي تحمل نفس الاسم.

يحكي الفيلم حكاية ميما، مغنية في فرقة ذات جماهرية شاسعة، تقرر الدخول إلى عالم السينما كممثلة. هناك شعور بعدم الرضا لدى ميما من صورتها لدي معجبيها كفتاة رقيقة وبريئة، هناك جانب آخر مظلم يتململ تحت سطح الصورة البراقة، ومع ضغوطات عملها في السينما تبدأ الحالة النفسية لها في التدهور السريع.

فيلم إثارة نفسية ورعب من الطراز الرفيع مع أسلوبية كون المميزة في الحكي البصري واستخدامه المدهش للون في التعبير عن الحالة العقلية لبطلته التي تقف على حافة الجنون. مثلما يضيء كون الكواليس المظلمة لصناعة الفن، يقدم استبصارات سيكولوجية عن طبيعة الهوية وعن الفصام بين الصورة الخارجية للشخص/البرسونا وحقيقة الذات الإنسانية التي تزداد حدة في المجتمعات الحديثة، خاصة في المهن الفنية التي تعزز الصورة الخارجية كانعكاس وحيد للنجم، إذ بإمكان هذا الانعكاس أن يلتهم ذاته الحقيقية.


6. 5 Centimeters Per Second

يشير عنوان الفيلم الذي أخرجه «ماكوتو شينكاي» وصدر في عام 2007 إلى السرعة التي تتساقط بها أزهار الكرز نحو الأرض في الخريف، هذا قانون الطبيعة حيث لا شيء يستمر إلى الأبد. في ظل هذا المعنى الحزين ينسج شينكاي عبر فيلمه المقسم إلى ثلاثة أجزاء متصلة واحدة من أعذب حكايات الحب التي ظهرت على الشاشة.

يصور الجزء الأول مظاهر الانفصال العاطفي بين «تاكاكي» و«أكاي» بعد قصة الحب التي جمعتهما معًا في طفولتهما المبكرة بعد أن انتقلت أكاي بعيدًا لظروف عمل والديها، كما يصور أيضًا محاولة أخيرة للقاء بينهما قبل أن يبتعد تاكاكي أيضًا عن المكان الذي شهد حبهما البريء.

يحكي الجزء الثاني عن حب فتاة تدعى سوميدا لتاكاكي في المرحلة الثانية لكنه لا يزال مأخوذًا بحكاية حبه الأول، ثم يأتي الجزء الثالث ليرصد مصير الشخصيات الثلاثة. ما يميز فيلم شينكاي ليس بساطة السرد ولا عمقه العاطفي الأخاذ أو نظرته الواقعية للعلاقات، بل قدرته على أسر الزمن عبر سينماتوجرافي مدهش في تفاصيلة البصرية ما يجعلك تشعر بمروره وأثره على الشخصيات. فيلم شاعري عن الحب والفقد، عن خريف العواطف وعن أثر الزمن الممتد في كل الأشياء.


7. The Tale of Princess Kaguya

في عام 2013، وبعد غياب 14 عامًا عن سينما الأنمي، يعود «ايساو تاكاهاتا» بما سيصير فيلمه الأخير وتحفته الأجمل «حكاية الأميرة كاجويا»، وهو إعادة تشكيل لواحدة من أقدم الحكايات الفلكلورية اليابانية حيث يعثر قاطع خيزران وزوجته على أميرة ولدت بشكل سحري من نبتة خيزران وتنمو سريعًا بشكل إعجازي.

حتى حين يقارب تاكاهاتا حكاية فانتازية كهذة الحكاية فإنه يسعى لتحقيقها بأقصى واقعية ممكنة. باستخدام الألوان المائية يشكل تاكاهاتا عالمه وشخصياته بأسلوبه المميز وحسه المينمالي، وببساطة تحاكي البساطة النثرية للحكاية يخلق تاكاهاتا ما يمكن أن نسميها أنشودته الأخيرة عن المسرات الأرضية وعن الجمال العابر.

كان على تاكاهاتا أن يمدد الزمن في فيلمه أكثر منه في الحكاية والتي فيها تكبر الأميرة من طفلة إلى مراهقة في ثلاثة شهور من أجل أن يجعلها تختبر أقصى قدر ممكن من البهجة المتاحة في هذا العالم، متعة الحياة وسط الطبيعة والكائنات وتكوين روابط عاطفية مع الآخرين.

في النهاية تكتشف كاجويا حقيقتها ومن أين أتت، لكن هذه البهجة التي اختبرتها كاجويا أثناء إقامتها القصيرة في هذا العالم المليء بالآلام والأحزان تجعلها تفضل الإقامة هنا بدلاً من العودة إلى مملكة القمر المضيئة والخالدة حيث تنتمي، مثل ملاك يفضل السقوط إلى هذا العالم عن الإقامة في سماء النعمة.


8. When Marnie Was There

إن أي قائمة لأعظم أفلام الحرب ستضم بلا شك «قبر اليراعات» لتاكاهاتا.

عن رواية للكاتبة الإنجليزية جوان روبنسون تحمل الاسم ذاته، ومن إخراج «هيروماسا يونيبايشي»، تحقق أول أفلام إستوديو جيبلي بعيدًا عن مؤسسيه «ميازاكي» و«تاكاهاتا». الفيلم صدر عام 2014، ويحكي حكاية الطفلة المتبناة آنا ومعاناتها من وحدة عميقة وعزلة عن الجميع لأنها تدرك موت والديها كنوع من النكران والنبذ.

تقول آنا: «أنا أعيش خارج الدائرة السحرية التي يقيم فيها جميع الناس». ترسلها والدتها بالتبني إلى منطقة ريفية لأنها مصابة بالربو، هناك تقع تحت وطأة سحر لا يقاوم لمنزل يطل على بحيرة، حيث تلتقي بالفتاة مارني والتي تحررها علاقتها بها من صدمة فقد والديها.

الفيلم ليس مغرقًا في الفانتازيا كغالب إنتاج إستوديو جيبلي ولكنه ينتمي للحافة الحرجة بين الواقع والحلم، يفيض بميلانكوليا آسرة وغموض فاتن، ثراء بصري وبناء متقن للشخصيات مع فهم عميق وواقعي لطبيعة شخصيته الرئيسية، فيلم مدهش عن الوحدة والفقد ومحاولة التجاوز.