اشتملت السياسة الاستئصالية على الاعتقالات الجماعية والمحاكمات الجماعية وأحكام الإعدام الجماعية ومختلف القوانين التي تحظر الأحزاب السياسية والمنظمات الخيرية المرتبطة بالإخوان وإغلاق جميع شبكات التلفزيون الإخوانية. والأهم من ذلك، اشتملت حملة القضاء على جماعة الإخوان المسلمين، التي فازت في خمسة انتخابات متتالية حرة وعادلة خلال فترة التحول الديمقراطي الوجيزة في مصر من 2011 إلى 2012، على القتل الجماعي أيضًا.

يصادف اليوم ذكرى مرور سنتين على مذبحة ميدان رابعة، حيث -وفقًا للتحقيقات التي استمرت لمدة عام من قِبل منظمة هيومن رايتس ووتش – قامت قوات الأمن المصرية بقتل 817 على الأقل من أعضاء ومؤيدي جماعة الإخوان المسلمين والمتعاطفين معها، في وضح النهار. وقد أحرقت قوات الأمن المصرية الأدلة، بما فيها جثث القتلى، وأجبرت العائلات المصرية على القبول بشهادات الوفاة التي تقول إن أحبائهم لقوا حتفهم نتيجة “أسباب طبيعية”. كما قام كل من الشرطة والجيش المصريين بقتل المحتجين المؤيدين للإخوان في عدة مناسبات أخرى في شهري يوليو وأغسطس 2013، بما في ذلك 51 على الأقل أمام مبنى الحرس الجمهوري في 8 يوليو 2013، و 87 آخرين على الأقل في ساحة ميدان النهضة في 14 أغسطس 2013، و 95 آخرين على الأقل عند المنصّة في مدينة نصر في 27 يوليو 2013.

ووفقًا لمنظمة هيومن رايتس ووتش، كان كل المتظاهرين في رابعة والنهضة والحرس الجمهوري والمنصّة ومواقع أخرى عزلًا و”سلميين بشكل كبير”. وتشير الأدلة التي تم جمعها إلى أن قوات الأمن المصرية قد قامت بـ “إطلاق النار بقصد القتل”، بدلًا من السعي لاعتقال أو إصابة أعداد كبيرة من المتظاهرين، وأنه قد تمت الموافقة على هذه السياسات التفريقية من قِبل “أعلى المستويات” في الحكومة المصرية.

وقد جُنِّدت جميع مؤسسات الدولة المصرية لدعم أكثر حملة قمع سافرة في تاريخ البلاد الحديث. لقد قام كل من الجيش والشرطة بشن الجزء الأكبر من العنف، في حين قدَّمت الأجهزة الدينية ووسائل الإعلام الدعم الأيديولوجي الحاسم. وكان للشخصيات الدينية والإعلامية المصرية السائدة، على وجه الخصوص، دورًا أساسيًا. وقامت دعايتهم بالمبالغة في أعداد ضحايا ضابط الشرطة، والإشادة بقوات الأمن بوصفهم أبطال، و -على الأخص -بررت، وفي بعض الحالات، احتفلت بمقتل أعضاء جماعة الإخوان المسلمين والمؤيدين والمتعاطفين معها.


الدعاية الدينية

كما وثقت ذلك في أماكن أخرى، قدَّمت السلطات الدينية الإسلامية والمسيحية دعمًا حاسمًا لحملة القضاء على الإخوان. على سبيل المثال، قام مظهر شاهين، وهو إمام ومؤيد بارز للعسكر، باستخدام برنامجه التلفزيوني للمطالبة بصلب علني لأعضاء جماعة الإخوان. ومباشرة بعد واحدة من أكبر المجازر في القاهرة، كتب بابا المسيحيين الأقباط على تويتر معربًا عن شكره “للجيش المصري المجيد” و”قوات الشرطة المصرية الرائعة” لـ “فتح أبواب الأمل” للمصريين.

وفي محاضراته ومقابلاته، أشار العالم المسلم البارز علي جمعة مرارًا إلى الشرطة بـ “الأبطال” وإلى جماعة الإخوان المسلمين بـ “الخوارج” و”كلاب جهنم”. ولإحالته الثابتة على “الخوارج” أهمية كبيرة. فقد كان الخوارج طائفة إسلامية مهرطقة وغير حديثة، وكثيرًا ما تستدعي الأنظمة المصرية هذه المقارنة للإشارة إلى المعارضة الدينية، سواء كانت راديكالية أو لا.

تأتي تصريحات جمعة، مفتي مصر السابق، في سياق كلامه، الموجه إلى الشرطة، الذي يشير فيه إلى أن أفراد قوات الأمن على “سبيل الله” وأنه ينبغي عليهم ألا يشعروا بالندم على قتلهم المجرمين في الشوارع. وقد استخدم جمعة أيضًا برنامجه التلفزيوني لوضع ختمه الديني بالموافقة على أحكام وعمليات الإعدام الجماعية التي تم إدانتها بشكل واسع من جماعات حقوق الإنسان.

وفي مقابلات تلفزيونية معه في الآونة الأخيرة،ادعى جمعة أيضًا أن علامة الأصابع الأربعة، التي ترفعها جماعة الإخوان المسلمين، والتي ترمز إلى مذبحة رابعة، هي “رمز ماسوني”، وأن أدولف هتلر قد قام شخصيًا بتنظيم “التنظيم الخاص” للإخوان المسلمين.

وقد اتخذت حكومة الرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي، إجراءات للسيطرة على الخطاب الديني في البلاد. فأغلقوا الآلاف من المساجد، واعتقلوا زعماء دينيين ينظر إليهم على أنهم متعاطفين مع الإخوان، ووضعوا سياسات تملي الوقت والموضوع المحددين لخطب الجمعة، ضمن تدابير أخرى. وقد رضخ الزعماء الدينيون لذلك. وقد ادعى العالم الأزهري سعد الدين الهلالي أن السيسي رسول من الله، في حين استخدم عالم آخر خطبة الجمعة لتوثيق معجزة متعلقة بالسيسي. ومؤخرًا، قال الشيخ صبري عبادة، وهو عالم دين وممثل عن وزارة الأوقاف، في مقابلة مع التلفزيون الرسمي أن كل من يدعم الاحتجاجات المناهضة للسيسي “مذنب وتارك لدين الإسلام”.


الدعاية الإعلامية

بدأت دعاية الإعلام المصري المضادة للإخوان قبل الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013، وكُثِّفت منذ ذلك الحين. اتخذت الحملة طابورها من القادة السياسيين الذين يتحدثون بجدية عن “تطهير” البلاد من العناصر النجسة، وشبكات إخبارية فضائية سائدة، سواء مملوكة للدولة أو القطاع الخاص، بالإضافة إلى صحف يومية وأسبوعية، تدعم بقوة الجيش والشرطة في أسوأ فظائعهم المتعلقة بحقوق الإنسان، وغالبًا ما توظف خطابًا قوميًا مفرطًا وداعمًا للعسكر. وقد أشارت وسائل الإعلام بانتظام إلى الشرطة والجيش باعتبارهم أبطال ورموز للأمة، في حين جرت الإخوان باستمرار من الصفة الإنسانية. كما أشارت وسائل الإعلام المصرية عرضًا إلى الإخوان بأنهم غير مصريين وخونة وإرهابيين وساوتهم بالحشرات والحيوانات.

تم تضخيم العديد من نظريات المؤامرة من قِبل وسائل الإعلام المصرية، بما يضمن لوم البعض للإخوان على أعمال عنف لم يقترفونها، واتهام آخرين للإخوان بمحاولة تأجير أهرامات الجيزة وقناة السويس إلى أعداء خارجيين. و اتهمت صحيفة الوفد اليومية الإخوان بالتحالف مع فرسان مالطا لقتل المصريين في 2011، و ادعى مقدم البرامج التلفزيونية محمد الغيطي أن جماعة الإخوان المسلمين، التي تأسست في العشرينيات من القرن الماضي، كان السبب في سقوط إسبانيا المسلمة في القرن الخامس عشر.

وقد كرس الكثير من حجم التغطية الإعلامية للدعم الصريح للسياسات الحكومية الصارمة، بما في ذلك الاعتقالات الجماعية والتعذيب والقتل خارج نطاق القانون وأحكام الإعدام الجماعية، مع مذيعين وضيوف يشيرون في كثير من الأحيان إلى أن الحكومة المصرية الحالية متساهلة أكثر من اللازم مع الإخوان وأنصارهم والمتعاطفين معهم. وفي برنامج على التلفزيون الوطني دعا أستاذ قانون إلى “تكثيف عقوبة الإعدام” عن طريق حرق جثث المتوفين من أعضاء جماعة الإخوان بعد أن يتم إعدامهم من قِبل الدولة.

وقال الفنان الموسيقي هاني شاكر في مقابلة عاطفية مع المذيع التلفزيوني البارز، أحمد موسى، على فضائية صدى البلد، أنه يريد أن يُقتَل المجرمين على الفور دون اعتقال أو تحقيق أو محاكمة. وأوضح أن هذه هي الطريقة التي تجري بها الأمور في الدول الديمقراطية مثل الولايات المتحدة. وقال شاكر: “إن الذي يسرق علبة سجائر من مركز تجاري في أمريكا، يتم قتله”. وقال أيضًا: “يجب ألا تكون هناك أي تحقيقات [في مصر]. لا تحقيقات”.

وقال المذيع التلفزيوني أحمد موسى: “لا أريد القانون. ولا أريد أن أسمع كلمة القانون. نحن بلد لن يتبع سيادة القانون. ولن نعمل في إطار القانون”.

وأضاف شاكر: “نحن في حاجة لاتخاذ موقف حازم ضد أي منتمي للإخوان المسلمين، سواء كان قد ارتكب جريمة أم لا”.

الأهم من ذلك، ركز جزء كبير من الخطاب الإعلامي والشعبي في مصر ما بعد يوليو 2013 على نظريات مؤامرة متعلقة بعلاقات وثيقة بين الإخوان المسلمين والولايات المتحدة واسرائيل وتركيا وقطر. و ادعى أحد كبار أستاذة القانون المصري أن جماعة الإخوان المسلمين كانت عميلة لإسرائيل والولايات المتحدة، و زعم كاتب بارز أن جماعة الإخوان تنفيذ “بروتوكولات حكماء صهيون”. و زعمت صحيفة الوفد في عنوان رئيس على صفحتها الأولى أن الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، عضو نشط في جماعة الإخوان المسلمين. وذكر نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا في مصر على شاشة التلفزيون الرسمي أن شقيق أوباما يموِّل التنظيم العالمي لجماعة الإخوان المسلمين. وبعد أن تم الإفراج عن الأمريكي محمد سلطان أخيرًا من أحد السجون المصرية وتم ترحيله إلى الولايات المتحدة، رد مذيع مصري قائلًا: “إن شاء الله، ستصير مشلولًا”.


تغطية مذبحة رابعة

تناولت وسائل الإعلام المصرية مجزرة رابعة بطرق تتفق مع خط الحكومة. لقد صورت التغطية الإعلامية الشرطة على أنهم أبطال وضحايا، وجماعة الإخوان وأنصارها على أنهم معتدين. وتقف التغطية المصرية في تناقض صارخ مع كل من تقارير حقوق الإنسان المفصلة والتغطية الإعلامية الغربية للمجزرة. وقد اتهمت وسائل الإعلام المصرية باستمرار كل وسائل الإعلام الغربية وجماعات حقوق الإنسان بالإذعان لجماعة الإخوان، و، في بعض الحالات، بالتواطؤ مع الحركة الإسلامية.

كانت تغطية مجزرة رابعة على الشبكتين التلفزيونيتين الشعبيتين أون تي في والفراعين غير متعاطفة مع جماعة الإخوان المسلمين على نحو خاص.أظهرت لقطات أون تي في فض ضباط الشرطة لميدان رابعة بصحبة موسيقى تصويرية من فيلم روكي. وحتى لا تتفوق عليها، لعبت قناة الفراعين لقطات من الفض بصحبة موسيقى من فيلم قراصنة الكاريبي.

وكجزء من مشروع بحثي منفصل، شاهدت تغطية يوم 14 أغسطس 2013 في البرامج الرئيسة على شبكتي النهار وسي بي سي. قال مقدم برنامج الأخبار الرئيس على قناة النهار، آخر النهار، إن الحكومة كانت متساهلة للغاية مع الإخوان المسلمين، وإنه كان ينبغي على الشرطة تفرقتهم في وقت سابق من احتجاجاتهم. وأشار أيضًا إلى أن جماعة الإخوان المسلمين عميلة للولايات المتحدة وقطر وتركيا وإسرائيل، وأن الجماعة قد قتلت العشرات من الأبرياء وأخفت الجثث تحت منصة ميدان رابعة.

كشف ديفيد كيركباتريك من نيويورك تايمز زيف شائعة إخفاء الجثث، التي وردت على نطاق واسع في وسائل الإعلام المصرية. وقد أشاد ضيوف برنامج آخر النهار بالشرطة لممارستها “ضبط النفس”، ولعنوا محمد البرادعي لاستقالته من الحكومة احتجاجًا على انتشار العنف، وتحدثوا عن “مؤامرة أجنبية ضد مصر”، وجادلوا بأنه ينبغي إبعاد أعضاء جماعة الإخوان تمامًا عن السياسة واتهموهم بـ “الخيانة العظمى”.

وفي تغطيتها ليوم 14 أغسطس 2013، أشارت شبكة سي بي سي إلى ضباط الشرطة الذين قتلوا بـ “الشهداء” واحتجت على استخدام جماعة الإخوان للنساء والأطفال كـ “دروع بشرية”. وبدا أن المذيعة دينا عبد الرحمن تشير أيضًا إلى أن المواطنين المصريين قد رفضوا حقًا جماعة الإخوان المسلمين، الذين، كما قالت ضمنًا، ليسوا مصريين حقًا. وقالت: “لا توجد مجموعتين [في مصر]. هناك الأمة المصرية [على جانب] وجماعة الإخوان المسلمين [على الجانب الآخر]”. وتماشيًا مع خطابها، جادل أحد ضيوفها بأن حكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر قد شكل” احتلالًا أجنبيًا” للبلد. وأشاد ضيف آخر بالشرطة لأدائهم “الأفضل من الممتاز” وناقش المؤامرة الإخوانية-التركية-الأمريكية المزعومة ضد مصر. وقد قللت شبكة سي بي سي من قتلى المتظاهرين المؤيدين للإخوان، وركزت بشكل مفرط على العدد القليل نسبيًا من قتلى ضابط الشرطة.


الدعم الشعبي

تشير بيانات استطلاعات الرأي من مركز «بيو» ومؤسسة «زغبي» لخدمات البحوث إلى أن مصر مجتمع منقسم بعمق، مع ما يقرب من دعم نصف المصريين للانقلاب العسكري في 2013 ومعارضة النصف الآخر له. وبعيدًا عن دعم نصف المصريين تقريبًا للنظام السياسي الجديد، فإن البعض على الأقل يؤيد السياسة الحكومية الاستئصالية.

وثق الصحافي ماكس بلومنتال عشرات التغريدات على موقع تويتر من قِبل مصريين، والتي تدعم قوات الأمن، وتبرر العنف الذي ترعاه الدولة، وتلقي اللوم على جماعة الإخوان المسلمين بشأن مقتل أعضائها ومؤيديها. تقول إحدى التغريدات: “ما المجزرة التي تتحدثون عنها؟ هؤلاء الإرهابيين المسلحين الذين يشوهون الأبرياء. لقد قتلوا أنفسهم من الخلف”وتقول أخرى: “الخصم الجيد هو الخصم الميت”، واتهمت عدة تغريدات جماعة الإخوان المسلمين باستخدام النساء والأطفال كدروع بشرية.

وفي أعقاب المجازر،سجلت صفحة فيسبوك الخاصة بالفنان عمرو مصطفى ما يلي: “كل من يكره الإخوان الإرهابيين ويريد لهم إعدامًا جماعيًا بدون محاكمات، [فليضغط] معجب”. وقد أعجب بهذا المنشور أكثر من 8000 من المصريين العاديين، بالإضافة إلى أكثر من مائة تعليق داعم. يعلق أحد القراء “لعل الله يخلصنا منهم”، وآخر “إن أفضل حل هو الإعدام الفوري”، وثالث “مليار إعجاب [لهذا المنشور] ولعل الله يأخذهم أجمعين”.

في كتابه جلادو هتلر المستعدون: الألمان العاديون والمحرقة، يشير الباحث دانيال غولدهاغن إلى أن العديد من الألمان العاديين قد دعموا حملة هتلر الاستئصالية ضد اليهود. ويجادل غولدهاغن أن توصيف الحكومة النازية لليهود قد تمت “مشاركته من قِبل النخب، والأهم، من قِبل عامة الناس” (صفحة 30). ونظرًا لدعوات العنف العديدة من قِبل مواطنين مصريين عاديين في الاتصالات التي تجري شاشة التلفزيون المصري ومقابلات الشارع والمواقع الإخبارية وشبكات التواصل الاجتماعي، فقد آن الأوان لأن نسأل العلماء عن مقدار انخراط سكان مصر في الخطاب الحكومي الاستئصالي.

المصدر | نشر في 13 أغسطس 2015