مفاجأة كبرى شغلت العديد من المنصات الإعلامية الغربية في الأيام القليلة الماضية، تخص المخرج الأمريكي «ستانلي كوبريك» كتلك التي أحدثها فيلم «الهبوط على سطح القمر». ﻻ ينفك كوبريك عن صناعة المفاجآت حتى بعد وفاته بعشرين عامًا تقريبًا.نشرت إحدى القنوات على موقع يوتيوب الفيديو أعلاه، وهو شريط مصور لحوار مسجل مع «كوبريك»، يظهر في الشريط المخرج الياباني «جونيتشي ياوي»، ويقوم بمحادثة كوبريك تلفونيًا. وعلى الرغم من عدم ظهور كوبريك بشخصه في هذا الشريط إلا أن العديد من وسائل الإعلام الغربية تناقلت هذا الشريط الذي يمثل كشفًا كبيرًا، حيث يقوم فيه كوبريك بشرح النهاية الغامضة لفيلم «2001: أوديسا الفضاء 2001: A Space Odyssey»، والذي تواترت النظريات والتأويلات المفسرة لهذا الفيلم وهذه النهاية، غير أن المفاجأة أن رؤية كوبريك تختلف عن كل التأويلات السابقة.أما قصة ظهور هذا الحوار فلا تقل غموضًا وغرابة عن موضوعه، ففي عام 1980 عكف المخرج الياباني جونيتشي ياوي على تصوير فيلم وثائقي عن التجارب الخارقة للطبيعة، واختار أن يقوم باستكشاف فيلم «The Shining» لستانلي كوبريك، من خلال إجراء مجموعة من الزيارات والمقابلات. لم يخرج هذا الفيلم الوثائقي إلى النور، غير أن المفارقة أن مجموعة من اللقطات الخام لهذا الفيلم بلغت مدتها ساعة و24 دقيقة، تم بيعها على موقع eBay في عام 2016، ليتم اقتطاع هذا الشريط المصور لحوار ياوي مع كوبريك ونشره على الإنترنت، فقط منذ أيام قليلة.

يقول «لى أونكريتش»، مدير إستوديو Pixar وأحد أكبر معجبي كوبريك، نقلاً عن أحد العاملين بشركة Warner Brothers، والذي قام باصطحاب المخرج الياباني في جولة في مواقع تصوير فيلم The Shining، أن كوبريك كان موجودًا بالإستديو في هذا اليوم، ولكنه لم يرغب في إجراء المقابلة أمام الكاميرا، ولهذا كان البديل أن تكون المحادثة تليفونية.يقول كوبريك شارحًا نهاية الفيلم:

لقد تجنبت فعل ذلك (يقصد شرح الفيلم) منذ ظهور الفيلم للمرة الأولى. حينما تقول الأفكار تبدو أنها حمقاء، لكن إذا ما تم تناولها دراميًا يستطيع المرء أن يشعر بها. كان من المفترض أن تكون الفكرة هي أن رائد الفضاء قد تم التقاطه بواسطة كيانات أشبه بالإله، مخلوقات من الطاقة والذكاء النقيين بلا أي هيئة أو شكل. وضعوه فيما يمكن وصفه بأنه حديقة حيوان بشرية لدراسته، وتمر حياته بالكامل من تلك النقطة في هذه الغرفة، دون أن يكون لديه أي إحساس بالوقت، كما لو أن الوقت قد مر في الواقع كما يمر في الفيلم. علي أية حال، عندما تنهي هذه المخلوقات عملها، وكما يحدث في العديد من الأساطير من جميع الثقافات في العالم، يتم تحويله إلى نوع ما من الكائنات الفائقة، وتتم إعادته إلى الأرض، وتحويله إلى نوع من «سوبر مان»، وعلينا أن نخمن فقط ما يحدث عندما يعود. إنه نمط الكثير من الأساطير، وهذا ما كنا نحاول تقديمه.

في مقابلة أخرى مع كوبريك، وبسؤاله عما إذا كان فيلم «2001: أوديسا الفضاء 2001: A Space Odyssey» يمكن اعتباره -على مستوى أعمق- فيلمًا دينيًا، أجاب كوبريك أن مفهوم الإله هو في القلب من فيلم «أوديسا الفضاء» ولكن ليس على أي صورة تقليدية مجسمة للإله. وأضاف: «أنا ﻻ أؤمن بأي من ديانات الأرض التوحيدية، لكنني أعتقد أنه بإمكان المرء بناء تعريف علمي مثير لتعريف الإله».

اقرأ أيضًا:ستانلي كوبريك: كبيرهم الذي علمهم السحر

وفي الحوار نفسه، أكد كوبريك على رفضه التام لتقديم أي شرح أو تفسير للفيلم، فهو يرى أن الفيلم تجربة ذاتية للغاية، تصل إلى المشاهد على مستوى داخلي من الوعي، تمامًا كما تفعل الموسيقى. وعن التأويلات المختلفة للفيلم يقول:

أنت حر في التكهن كما تشاء حول المعنى الفلسفي والاستعاري للفيلم
وهذه التكهنات تشير إلى أنها نجحت في إمساك الجمهور على مستوى عميق جدًا -، لكنني لا أريد أن أقدم للمشاهد خريطة مفتاحية لقراءة الفيلم لأنه في هذه الحالة سيشعر بأنه مضطر لمتابعتها أو متخوف من عدم القدرة على متابعتها وقراءتها.

غير أننا يمكننا أن نلمس في هذا الحوار إرهاصات لرؤية كوبريك لفيلم «أوديسا الفضاء»، وخاصة فيما يتعلق برؤيته لنظرية التطور، حيث يقول:

عندما تفكر في الخطوات التكنولوجية العملاقة التي صنعها الإنسان في بضعة آلاف من السنين، هل يمكنك أن تتخيل المسار التطوري الذي اتخذته أشكال الحياة القديمة؟ فقد يكونون قد تطوروا من أنواع بيولوجية إلى كيانات آلية خالدة، وبعد ذلك على مدى عدد ﻻ يحصى من الدهور، يمكن أن يخرجوا من شرنقة المادة التي تتحول إلى كائنات طاقة وروح نقية. ستكون إمكاناتها غير محدودة وذكاؤها غير قابل للإنجاز من قبل البشر.

طوال 50 عامًا، كانت النهاية الغامضة لفيلم «2001: أوديسا الفضاء 2001: A Space Odyssey» موضع جدل بين أجيال من محبي السينما ودارسيها، حيث قدمت العديد من النظريات تفسيرات محتملة متنوعة للفيلم ككل وللنهاية بشكل خاص، ولكن الآن وللمرة الأولى، أزالت مقابلة كوبريك الغموض عن هذه النهاية، لتقطع الطريق على المزيد من النظريات والتأويلات.