جاء غزو روسيا لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022، عندما كان العالم لا يزال يتعافى من آثار وباء كوفيد-19 الذي دمر الأرواح وسبل العيش، فمع اكتشاف اللقاحات في أواخر عام 2020 وأوائل عام 2021 كان هناك تفاؤل بأن العالم سوف يعود قريباً إلى الحياة الطبيعية، ولكن الغزو الروسي لأوكرانيا والعقوبات الاقتصادية التي فرضها المجتمع الدولي على روسيا جاءت لتحطم آفاق الانتعاش العالمي السريع.

برز الغزو الروسي لأوكرانيا كصدمة خارجية لسلاسل الإمدادات الغذائية العالمية، التي تنذر بآثار مقلقة على الأمن الغذائي والتغذية في العالم بشكل عام وأفريقيا بشكل خاص، حيث تهدد الحرب الروسية الاوكرانية بإفشال الجهود الوطنية والعالمية للقضاء على الجوع والفقر وتحقيق أهداف التنمية المستدامة في القارة الافريقية.

إن الحرب الروسية الأوكرانية تهدد بكارثة عالمية جديدة، وذلك بإغراق إفريقيا في خطر متزايد من المجاعة والحرمان، حيث يتمثل التأثير الأكثر وضوحاً للحرب على أفريقيا في ارتفاع أسعار الوقود والغذاء والتضخم وعدم الاستقرار المالي، فالقارة الأفريقية تواجه بالفعل تحديات ديموغرافية هائلة واعتماد مفرط على الواردات، إضافة إلى الهشاشة الاقتصادية.

ففي حين أن أفريقيا لم تتعاف تماماً بعد من التداعيات الاجتماعية والاقتصادية لوباء كوفيد-19، فإن الصراع بين روسيا وأوكرانيا أصبح يشكل تهديداً رئيسياً آخر للعديد من البلدان الأفريقية، ففي غضون أسابيع قليلة فقط من بدء الحرب الروسية الاوكرانية ارتفعت أسعار القمح العالمي وعباد الشمس، كما ارتفعت أسعار النفط الخام إلى مستويات غير مسبوقة.

وتعد كل من أوكرانيا وروسيا من بين أهم الدول التي توفر سلال الخبز في العالم، حيث يوفرون معاً حوالي 30% من القمح والشعير، و20% من محصول الذرة، وأكثر من نصف زيت عباد الشمس؛ فأوكرانيا هي أكبر مُصدِّر لزيت عباد الشمس، ورابع أكبر مُصدِّر للذرة، وخامس أكبر مُصدِّر للقمح، وتعد أوكرانيا أيضاً مصدراً رئيسياً للقمح لبرنامج الغذاء العالمي الذي يوفر مساعدات غذائية لـ115.5 مليون شخص في أكثر من 120 دولة.

تعتمد عديد من الدول الأفريقية على واردات المواد الغذائية والأسمدة من روسيا وأوكرانيا، حيث تحصل نيجيريا على ربع وارداتها من القمح من روسيا وأوكرانيا، وتستورد السنغال ما يصل إلى 650 ألف طن من القمح من روسيا، وتعتمد كل من الكاميرون وتنزانيا وأوغندا والسودان بنسبة تتجاوز الـ40% على القمح الأوكراني، ويأتي كل القمح المُباع في الصومال تقريباً من أوكرانيا وروسيا، فيما تُعد دول شمال أفريقيا (الجزائر، ومصر، وليبيا، والمغرب، وتونس) مُستهلكة كبيرة جداً للقمح، حيث تعتمد دول الشمال الأفريقي بنسبة تقدر بحوالي 80% على القمح والحبوب القادمة من روسيا وأوكرانيا.

وقد أدت الحرب الروسية الأوكرانية بالفعل إلى تفاقم أزمة الأمن الغذائي التي بدأت في الظهور في عديد من البلدان الأفريقية، فالبلدان الأفريقية هي أكثر ضحايا الآثار الاقتصادية لهذه الأزمة، حيث منعت الحرب الصادرات الغذائية التي تمثل 40% من إمدادات الغذاء الأفريقية من مغادرة موانئ أوكرانيا، فمع الحرب شحت الإمدادات الغذائية وتضاعفت أسعار زيت الطهي الذي يأتي أيضاً من أوكرانيا وروسيا، وارتفعت أسعار المواد الغذائية المرتفعة بالفعل في القارة بنسبة 20%، وهي أعلى نسبة منذ التسعينيات طبقاً لمؤشرات منظمة الفاو.

وقد أدت الارتفاعات الحادة في الأسعار الحالية إلى تحولات عديدة في الدول الأفريقية، حيث اضطر المواطنون إلى تغيير عاداتهم الغذائية والتحول إلى المواد الغذائية الأساسية الأرخص ثمناً والمنتجة محلياً، مثل الكسافا أو الذرة الرفيعة، وقد حذّرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) وبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة من مجاعة محتملة في عدة أجزاء من أفريقيا ومن تفاقم أزمة الأمن الغذائي، فالحرب الجارية لا تهدد الأمن الغذائي فحسب بل يمكنها أيضاً إشعال الصراع وزعزعة استقرار الحكومات والنظم السياسية الأفريقية بخاصة في البلدان الأكثر فقراً، حيث تؤدي زيادة أسعار المواد الغذائية المحلية إلى تدهور شديد في الرفاه الاجتماعي والاقتصادي ويمكن أن تؤدي إلى أعمال عنف دراماتيكية، يطلق عليها في كثير من الأحيان «أعمال العنف بسبب الغذاء».

ولسوء الحظ فإن حرب روسيا على أوكرانيا وخسائرها التي لا هوادة فيها ما زالت مستمرة وبعيدة عن الحل، وذلك على الرغم من الجهود المختلفة التي يبذلها المجتمع الدولي لخفض التصعيد وإنهاء الحرب، وحتى إذا انتهت الحرب اليوم فسيشعر العالم بتأثير الاضطرابات في أسواق الطاقة والسلع الغذائية لسنوات مقبلة، وفي الأخير تثير تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية على الأمن الغذائي في أفريقيا ثلاثة أسئلة ذات صلة وهي:

  1. لماذا القارة التي تحتوي على 60% من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم غير قادرة على إطعام نفسها؟
  2. لماذا يصعب على المناطق الأفريقية التي لديها فوائض غذائية أن تمد من يعانون من العجز؟
  3. كيف انتقلت الدول الأفريقية من دول منتجة للغذاء ومكتفية ذاتياً نسبياً في السبعينيات إلى دول مستوردة صافية للغذاء؟

ستساعد الإجابة على هذه الأسئلة في رسم طريق للمضي قدماً نحو الأمن الغذائي الدائم والمستدام في القارة الأفريقية، فعلى غرار الطريقة التي اجتمعت بها الدول الأوروبية لبدء العملية التدريجية لتقليل الاعتماد على الطاقة الروسية استجابة للصراع الأخير، كذلك يمكن لأفريقيا أن تبدأ في التخلص من اعتمادها الخارجي على السلع الزراعية الأساسية، فالأزمة الحالية المتمثلة في انعدام الأمن الغذائي الحاد التي تفاقمت بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا تقدم فرصة لإصلاح السياسة الزراعية للقارة لضمان قدر أكبر من الاكتفاء الذاتي.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.