يعد عباس موسوي من أبرز رموز الحركة الشيعية في لبنان، فقد تولى منصب الأمانة العامة لحزب الله في فترة حرجة، ورغم قصر مدة مكوثه في هذا الموقع فإن سيرته لها حضور وتأثير حتى اليوم، ويعد ضريحه مقصداً دينياً يؤمه الزوار، وتُقام الفعاليات والاحتفالات في الذكرى السنوية لاغتياله.

ولد موسوي عام 1952 في أسرة شيعية لبنانية لأبوين ينتسبان إلى آل البيت، فلَقَب موسوي يشير إلى موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين، رضي الله عنه، الذي يعتبره الشيعة الإمامية سابع إمام لهم، ولذا كان عباس يعتمر عمامة سوداء منذ صغره كدلالة على هذا الانتساب العائلي.

وبناء على نصيحة من رجل الدين الشيعي والزعيم اللبناني الشهير موسى الصدر الموسوي، مؤسس حركة أمل، التحق عباس بالحوزة العلمية المعروفة بـ«معهد الدراسات الإسلامية» التابعة للصدر في مدينة صور جنوب لبنان. وبعد انتهائه من الدراسة بلبنان، ذهب إلى النجف بالعراق بناء على نصيحة الصدر ليدرس عند ابن عم موسى الصدر، المرجع الشيعي المعروف محمد باقر الصدر.

ولما عاد موسوي إلى لبنان في صيف 1973، بعد غياب دام أربع سنوات، تزوج موسوي ابنة عمه سهام وهي في الرابعة عشرة من عمرها، التي اشتهرت في ما بعد بـ«السيدة أم ياسر»، وسافرت معه إلى العراق في نفس العام، وظل يزور لبنان كل عام بعد ذكرى عاشوراء ويُطلع موسى الصدر على أخبار الساحة العراقية إلى أن عاد نهائيًا إلى بلاده عام 1978 فرارًا من ملاحقة الأمن العراقي.

العمل الدعوي

يحكي حسن نصر الله، أمين عام حزب الله، أنه درس على يدي موسوي في النجف منذ عام 1976. وبعد هروبهما من العراق، أسس موسوي حوزة «الإمام المنتظر» في لبنان في فبراير/ شباط 1978، ودرس فيها للطلاب اللبنانيين العائدين معه من العراق. لاحقًا، جمع موسوي في حوزته عددًا من المعلمين العائدين من النجف، كما أسس مدرسة «السيدة الزهراء» الدينية للفتيات، وأشرفت عليها زوجته أم ياسر ودرَّست بها، ويقول نصر الله إنها ربما تكون أول «مدرسة حوزوية للأخوات في البقاع منذ مئات السنين»، وما زالت تعمل حتى اليوم.

وينسب إلى الموسوي تأسيس أول عمل تبليغي شيعي منظّم في البقاع انطلاقًا من تلك الحوزة، حيث كان يوزع أتباعه على البلدات والقرى، ويتم إرشادهم وتوجيههم ويتم اختيار الموضوعات وطريقة النقاش، وكذلك تأسيس صلاة الجمعة في بعلبك وقرية النبي شيت وفي أماكن أخرى، وهو ما لم يكن معهودًا لدى شيعة البقاع (كان صديقه راغب حرب يقيم الجمعة في قرية جبشيت بالنبطية).

كان أهل عباس يقيمون في الشياح، وعائلته في الضاحية الجنوبية ببيروت، ولكنه اختار الذهاب إلى البقاع، حيث ترجع أصوله إلى قرية النبي شيت البقاعية، ورفض عرض المرجع الشيعي، محمد حسين فضل الله، بتولي إدارة حوزته ومدرسته، وعرض مشابه من الشيخ محمد مهدي شمس الدين، وبدأ بمجموعة صغيرة من الطلاب وشقة صغيرة في مدينة بعلبك بعدما استشار موسى الصدر وفضل الله وباقر الصدر وغيرهم وحصل على دعمهم وتمويلهم، وشرع في تأسيس عمل تنظيمي هناك بعيدًا عن الرقابة الأمنية.

وبعد عودة صبحي الطفيلي من إيران عام 1979 (تزامل الرجلان في النجف لفترة قصيرة في بداية السبعينيات) شارك عباس في دعم الحوزة. ويقول إنه كانت هناك جمعية في بعلبك تملك مدرسة، فأقنع الطفيلي رئيس الجمعية، محمد عباس ياغي، بضم المدرسة للحوزة، وانتقلت الحوزة الى هذا المكان وتشكلت لها إدارة. وشارك الرجلان في تأسيس «تجمع العلماء المسلمين» في البقاع شرق لبنان عام 1979 تأثرًا بالثورة الإيرانية، وهو تجمع محلي ضم فقهاء من السنة والشيعة.

وفي أبريل/ نيسان عام 1980، أعدم النظام العراقي المرجع الشيعي البارز محمد باقر الصدر بتهمة التخابر مع طهران، وقيل إن آخر رسائله قبل إعدامه تضمنت تفويض عباس كوكيل له في الأراضي اللبنانية. وبعد موته اتخذ عباس المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، روح الله الخميني، مرجعية له.

في قمرة القيادة

ومع الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، أرسل الحرس الثوري الإيراني ضباطاً عملوا على تشكيل فصائل مسلحة لمحاربة قوات الاحتلال، والتحق عباس وطلابه بأول دورة تدريبية أجراها الحرس الثوري في قرية جنتا بالبقاع. وبحسب نصر الله. فإن أكثر الجلسات الداخلية لتأسيس حزب الله ووضع وثيقته الأساسية وخطوطه العريضة تمت في مبنى حوزة الإمام المنتظر، حيث قصدها الشباب الشيعي من مناطق الجنوب وبيروت التي هاجمتها القوات الإسرائيلية للحصول على التدريب العسكري. وكان عباس من ضمن مؤسسي حزب الله الذين زاروا طهران لأخذ المشورة الشرعية والدعم من الخميني لبدء العمل، وهو حينها مرجع التقليد لمعظمهم.

في عام 1985، ترك موسوي البقاع وتوجّه إلى الجنوب اللبناني بعد تسلمه مسؤولية شورى الجنوب في حزب الله، وسكن في مدينة صور، وكان المسئول الإعلامي والثقافي في الحزب. وفي عام 1987، سافر إلى باكستان بناء على دعوة وجهتها إليه «حركة تنفيذ الفقه الجعفري» هناك ليمثّل حزب الله في مؤتمر كشمير الدولي في إسلام آباد، ومن هناك انتقل إلى أفغانستان حيث كانت إيران تدعم فصائل شيعية مسلحة خلال الحرب ضد السوفيت، وشارك لبعض الوقت في الجبهة الإيرانية خلال الحرب بين بغداد وطهران.

وفي أيار/ مايو 1991، انتُخب موسوي ليُصبح ثاني أمين عام لحزب الله خلفًا لصبحي الطفيلي، بعد خلافات الأخير مع طهران في عدد من الأمور، ولذلك عمل الموسوي على تسوية هذه الخلافات. وعلى الرغم من قصر المدة التي قضاها في هذا المنصب التي لا تتجاوز التسعة أشهر، فإن موسوي استطاع توحيد البيت الشيعي عبر إجراء مصالحة بين حزب الله وحركة أمل، منهيًا حالة الاقتتال المسلح بين الطرفين، ومستغلًا حاجة طهران ودمشق إلى التقارب على خلفية تصدع الاتحاد السوفيتي واهتمام الرئيس الإيراني القوي آنداك، علي أكبر هاشمي رفسنجاني، بفك عزل الجمهورية الإيرانية الوليدة.

كان موسوي همزة وصل مميزة بين المكونات الشيعية في لبنان، فعلى الصعيد الشخصي، هو تلميذ موسى الصدر، مؤسس حركة أمل، وهو في نفس الوقت رجل دين شيعي متأثر بالثورة الإيرانية.

الاغتيال

في 16 فبراير/شباط 1992، وبعد كلمة ألقاها عباس موسوي في جنوب لبنان في إحياء الذكرى الثامنة لاستشهاد صديقه، الشيخ راغب حرب، تعقبت مروحيات إسرائيلية موكبه على طريق بلدة تفاحتا، وأطلقت صواريخ على سيارته، فقُتل مع زوجته أم ياسر، وطفلهما الصغير حسين، وقيل إن الخطة الإسرائيلية الأصلية كانت تهدف إلى خطف الرجل لكن تم تعديلها إلى اغتياله بدلًا من اختطافه نتيجة صعوبة تنفيذ الهدف، وكان ذلك بأمر من رئيس الأركان الإسرائيلي آنذاك، إيهود باراك، الذي طلب تدمير الموكب كاملاً لضمان عدم إفلات موسوي.

تم تنظيف بقايا الجثة المتفحمة بعد انتشالها من سيارته المرسيدس، ولفها بكفن ووضعت في تابوت، ولم يسارع حزب الله إلى إجراء مراسم الدفن بسبب انتظار وصول وفد إيراني للمشاركة في المراسم واختيار خليفة له، ويقال إن عماد مغنية، أبرز القادة العسكريين للحزب، خشي أن تتحول الجنازة إلى مقتلة بسبب التزاحم.

وتم التوافق على اختيار تلميذه حسن نصر الله ليخلفه في منصب أمين عام الحزب، وسارت الجنازة في موكب كبير إلى مسجد الإمام علي في بعلبك ومنها إلى قرية النبي شيت.

ويعتبر الكاتب الإسرائيلي، رونين بيرجمان، في كتابه «انهض واقتل أولاً: التاريخ السري لعمليات الاغتيال الإسرائيلية»، أن اغتيال الأمين العام السابق لحزب الله يعد نقطة تحول في الصراع بين الجانبين، فالحالة التي أثارتها واقعة الاغتيال استغلها الحزب في الحشد والتجنيد وتعزيز صورته كحركة مقاومة تبارز الاحتلال، وأصبح ضريح الموسوي في النبي شيت، مزارًا دينيًا يؤمه الجمهور الشيعي والزوار الإيرانيون، ومكانًا لإقامة المراسم الدينية، وأطلق حزبه عليه لقب «سيد شهداء المقاومة»، وأقيم له نُصب تذكاري في موقع اغتياله بقرية تفاحتا تُقام عنده فعاليات وعروض فنية لإحياء ذكراه السنوية، وأنتج مؤيدو الحزب مواد مصورة ومقروءة ومسموعة لتمجيد ذكراه وإبراز سيرته.