نعى ناشطون حقوقيون وسياسيون سعوديون يوم الجمعة الماضي، الإصلاحي السعودي البارز عبد الله الحامد، بعد وفاته في محبسه إثر تدهور صحته وتعرضه لجلطة قلبية.

الحامد أكاديمي وحقوقي وأديب وأحد أهم دعاة التغيير السياسي نحو الملكية الدستورية والمناداة بحقوق الإنسان والحريات في المملكة العربية السعودية. وقد وصف الصحفي السعودي الراحل جمال خاشقجي الحامد في هذا السياق بأنه مانديلا السعودية.

ملامح من سيرة الحامد الذاتية

ولد عبد الله الحامد في قرية القصيعة بمدينة بريدة في منطقة القصيم في الـ 12 من يوليو/تموز 1950. بدأ الحامد دراسته الابتدائية في القصيعة، انتقلت أسرته في العام 1958 إلى مدينة بريدة حيث استكمل مشواره التعليمي حتى التحاقه في جامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، بكلية اللغة العربية.

حصل الحامد على الماجستير في عام 1974، وعين محاضرًا بكلية اللغة العربية في عام 1975. وفي 1979 عمل الحامد عميدًا لمعهد تعليم اللغة العربية في الرياض لمدة ست سنوات، وترقى في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لأستاذ مساعد في 1981 ثم أستاذ في 1988.

تمتع الحامد بعضوية مجلس إدارة النادي الأدبي بالرياض عدة سنوات، وكانت له عديد من الإسهامات الثقافية الصحفية في أبرز الجرائد والمجلات السعودية، وعبر الإذاعات السعودية أيضًا ومن خلال الفعاليات الثقافية المختلفة عن الأدب العربي الحديث واللغة العربية كالندوات والمؤتمرات، داخل العربية السعودية وخارجها.

فكر الحامد ومشروعه السياسي والحقوقي

كانت الفكرة الأساسية التي تمثل عنوانًا لفكر ومشروع عبد الله الحامد هي: الملكية الدستورية، التي تسمح للشعب باختيار أعضاء مجلس الوزراء، من خلال الانتخابات الحرة، وهو ما اعتبره الراحل الوسيلة السلمية التي ستمكن للشعب سياسيًا، وستقضي على الفساد داخل المملكة.

انتقد الحامد نهج علماء الشريعة في السعودية، الذي يركز على الجوانب الفردية كقضايا الطهارة والعبادات وغيرها، ويغفل عن الحقوق المدنية والسياسية، كما انتقد الحامد النزعة الجبرية ومفهوم «ولاية المتغلب» في التراث الفقهي الإسلامي.

دعا الحامد إلى ما أسماه بـ «الجهاد المدني» من خلال إنشاء مؤسسات المجتمع المدني والصحف والقنوات الفضائية، ومراكز الأبحاث والتقنية والإعلام. اعتبر الحامد أن السكوت عن المنكرات السياسية، هو من الكبائر والمعاصي الكبرى، في الوقت ذاته اعتبر الحامد أن العنف ليس هو الحل، وأن العلاج الناجع لتلك الظاهرة، هو السماح بالتعبير السياسي السلمي.

كانت أولى إسهامات الحامد البارزة في العمل الحقوقي والسياسي في السعودية، هي مشاركته في تأسيس لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية، مع عدد كبير من الأكاديميين السعوديين في أواسط عام 1993؛ بعد اندلاع حرب الخليج الثانية.

شارك الحامد مع العديد من الناشطين الإصلاحيين السعوديين في أبرز الفعاليات المنادية بالإصلاح السياسي الدستوري، من خلال بيانات صدرت عام في 2003 بتوقيع نحو 100 شخصية سعودية بارزة، دعا فيها هؤلاء إلى التحول إلى الملكية الدستورية، وتحقيق الفصل بين السلطات الثلاث؛ التشريعية والتنفيذية والقضائية، والقضاء على الفساد الحكومي.

في عام 2009 شارك الحامد في تأسيس الجمعية السعودية للحقوق المدنية والسياسية (حسم). وفي عام 2013 شارك الحامد إلى جانب العديد من الإصلاحيين السعوديين البارزين في التوقيع على عريضة تحت عنوان «رؤية الأمة الحالية والمستقبلية»، دعت إلى إعطاء المواطنين السعوديين حقوقهم الأساسية وإجراء الإصلاحات الدستورية، مثل الانتخابات، والفصل بين السلطات، ووقف الاعتقالات السياسية.

للحامد العديد من المؤلفات منها 7 دوايين شعرية، و15 كتابًا في الفكر الإصلاحي السياسي والحقوقي، من أبرزها كتب: «حقوق الإنسان بين نور الإسلام وغبش فقهاء الطغيان» و«البرهان بقوامة الأمة وسيادتها على السلطان» و«الكلمة أقوى من الرصاصة» و«ثلاثية المجتمع المدني» و«المشكلة والحل».

السجن والاعتقال المتكرر

تعرض الحامد للاعتقال والسجن من قبل السلطات السعودية سبع مرات، وكانت المرة الأولى في 15 يونيو\حزيران 1993 برفقة 14 أكاديميًا آخرين من الداعمين للجنة الشرعية للحقوق والإصلاح. بعد الإفراج أصر الحقوقي عبد الله الحامد على مواصلة نشاطه الحقوقي والسياسي فاعتقل للمرة الثانية في عام 1994، ثم اعتقل للمرة الثالثة في عام 1995 بعد ذكره في أحد كتبه أنه لا يوجد صاحب سمو ولا صاحب دنو في الإسلام.

في 16 مارس/آذار 2004، تعرض الحامد للاعتقال مرة أخرى مع شخصيات إصلاحية سعودية. آخر مرة تعرض فيها الحامد للاعتقال كانت في مارس/آذار 2013، حيث حكم عليه بالسجن 11 عامًا ومنع من السفر 5 سنوات بعد الإفراج، بدعوى محاولته تشويه سمعة المملكة، ونقض البيعة مع الحاكم، وإنشاء جمعية غير مرخصة.

طيلة لحظات محاكمة الحامد الأخيرة، ظل الحامد يردد داخل قاعة المحكمة «النهر يحفر مجراه» و«أنه لا يمكن اعتقال النشطاء جميعًا، فهم كالزرع ينبت كل يوم». كما كتب ضمن آخر تغريداته على تويتر ليلة النطق بالحكم «السجن انتصار للمشروع، ومن السجن تشعل الشموع».

يقول عبد الله العودة ابن الداعية الشهير المعتقل «سلمان العودة» في مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست، إن عبد الله الحامد توفي بعد دخوله في غيبوبة وهو في السجن. ووفقًا لعائلته، حُرم الناشط السعودي من إجراء عملية قسطرة قلبية. وبعد أن فقد الوعي، تُرك الحامد حسب شهود عيان، لساعات ملقى على الأرض قبل نقله إلى وحدة العناية المركزة في مستشفى الشميسي بالرياض، حيث فاضت روحه إلى بارئها.