عندما ضرب الزلزال تركيا وسوريا شعرت به في منزلي، أصابني بالخوف والهلع على الرغم من قلة مدته، فهو لم يتجاوز عشر ثوانٍ، كانت لحظات عصيبة فقد تيبست في مكاني، ماذا أفعل؟ فهذا الزلزال أقوى بكثير من الزلازل التي حدثت خلال الأسابيع الماضية، هل أوقظ أهلي الغارقين في النوم؟ هل أهرب بعد إيقاظهم؟ وإلى أين نذهب؟ هل السلم قرار صائب في هذا الوقت أم نحتمي أسفل المنضدة؟

هل شعرت يومًا عزيزي القارئ بالهزات الأرضية تخرق اتزانك وتحكمك؟ هل أصبت بخوف حتى وإن كان الزلزال بقوة ضعيفة على مقياس ريختر؟ إذا لم تشعر بالخوف ولم تعاصر أي زلزال فهنيئًا لك، ولكن إذا كنت من الناجين من الزلزال خاصة النوع القوي والمدمر منه، فعادة لن تكون على سجيتك النفسية خلال الأعوام القادمة.

ما العواقب النفسية للناجين من الزلزال؟ 

قد تعتقد للوهلة الأولى أن الزلزال مخيف عند حدوثه، ومؤلم عند وجود ضحايا من قتلى أو مصابين أسفل الركام فقط، وإذا نجا المرء من الزلزال ولم يفقد أحد المقربين فسيكون على أفضل حال، فهو لم يُصَبْ ولم يمت، وكذلك لم يذق مرارة الفقدان، ولكنه قد يعيش السنوات الباقية من عمره في ترقب ورعب مستمر نتيجة هذا الحادث الذي لم يستغرق سوى ثوانٍ معدودة.

إليك بعض التبعات النفسية التي تؤثر على حياة الناجين من الزلازل، ومنها ما يلي:

1. الاكتئاب والقلق

يصاب الناجون من الزلازل بالاكتئاب والقلق وتظهر هذه الاضطرابات النفسية عليهم في صورة بعض الأعراض مثل:

قد تحدث هذه الأعراض أحيانًا وتختفي في أوقات أخرى، ولكن إذا استمرت لفترات طويلة عندها يجب الذهاب فورًا إلى طبيب نفسي مختص.

اقرأ أيضًا: الاكتئاب: هل تعرف ما هو حقًّا؟

2. اضطراب ما بعد الصدمة 

هو اضطراب نفسي يحدث بعد التعرض لموقف نفسي عصيب مثل: القتل، أو مشاهدة أعمال عنيفة، أو الوجود في أماكن الحروب أو الصراعات، بالإضافة إلى التعرض للكوارث الطبيعية المهددة للحياة مثل الزلازل، والبراكين.

عادة ما يصاب 15% من السكان بهذا الاضطراب بعد وقوع الزلزال، وتظهر أعراض اضطراب ما بعد الصدمة في صورة ما يلي:

  • كوابيس.
  • الشعور بالوحدة والانعزال.
  • عدم الراحة والاستقرار.
  • ذكريات متكررة من الماضي.
  • الشعور بالذنب. 

قد يتعافى البعض بعد الزلزال من اضطراب ما بعد الصدمة، والبعض الآخر قد يظل أسيرًا لهذا الاضطراب لسنوات عديدة.

3. فوبيا الزلازل

الفوبيا هي الخوف الشديد، وغالبًا ما ترتبط الفوبيا بحدث مؤلم ومخيف بشدة لتظل مع الشخص فيما بعد، وفي حالة الزلزال فإنه يتكون لدى المرء خوف شديد تجاه الزلزال تحديدًا كمحاولة للتحكم في الزلزال إن حدث مرة أخرى؛ ليظل جهازهم العصبي دائمًا على المحك، وإذا واجه زلزالًا آخر ولم يتمكن من التحكم فيه يتفاقم الأمر لديه ويصاب بالقلق والتوتر.

4. الحاجز العقلي

يظل الناجي من الزلزال يكرر المشهد في ذاكرته باستمرار بصورة أشبه بالسجن والحواجز التي بدلًا من أن تحيط بجسده فإنها تحيط بعقله، فيذكر نفسه بما حدث ويأسر عقله في هذا المشهد فحسب.

يفضل إدراج الناجي في روتين يساعده على العودة لحياته الطبيعية، وإخراج مشهد الزلزال الذي يسيطر على ذاكرته كي يشعر بعد ذلك بالأمان في بيته من جديد بدلًا من شعور التهديد المستمر.

5. اليقظة المفرطة

 يزداد التنبه لدى الناجين من الزلزال حيث تكون حواسهم على أشدها لترقب أي محفز أو إشارة لوقوع الخطر كما حدث سابقًا في الزلزال الذي قد نجوا منه، فعندما يسمع أي صخب حتى لو بسيط فقد ينتفض ويجري من مكانه فزعًا نتيجة الخوف من إعادة مشهد الزلزال المؤلم.

قد يفزع الناجي من مجرد لمسة مباغتة من أحد المقربين أو الأصدقاء، فجسمه في حالة من التحفز المفرط وترقب لأي خطر قد يهدد حياته أو أمانه.

اقرأ أيضًا: كيف تحدث الزلازل وما هي المناطق الأكثر عرضة لها؟

تأثير النجاة من الزلزال على الأطفال 

يتأثر الأطفال نفسيًّا بالزلازل، فليس كما يعتقد البعض «هم مجرد أطفال وسينسون ما حدث»، لكن الحقيقة أن هذا الحدث قد يظل محفورًا في ذاكرتهم، ويجعلهم يصابون باضطراب ما بعد الصدمة كما يحدث مع الكبار، وأكثر الفئات عرضة للخطر في حالة الزلزال هم الأطفال وكبار السن.

كشف أحد الأبحاث الذي حاول معرفة التأثير النفسي للزلازل على الأطفال أن هناك ارتفاعًا في معدلات الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة، والاكتئاب، والخوف المتعلق بالزلازل لدى الأطفال والمراهقين، وقد يسهم العلاج السلوكي الذي يركز على التحكم في علاج خوف أو فوبيا الزلازل.

الزلزال حدث كوني طبيعي لا يمكن التنبؤ به، وبالتالي لا يمكن التحكم فيه، ولكن يمكن ببعض الاحتياطات واتباع إرشادات السلامة التحكم في تقليل نسب الخسائر.

يعتمد العلاج السلوكي الذي يركز على التحكم على تشجيع المصابين بفوبيا الزلازل على التعرض الذاتي للموقف المخيف تدريجيًّا؛ لتعزيز التحكم الداخلي لديهم، ومن ثم نتمكن من تسهيل فرص التعافي من صدمة الزلزال.

لا يتوقف تأثير الزلزال على الاضطراب النفسي فحسب، بل يمتد ويؤثر على النمو البدني والمعرفي والإدراكي لدى الطفل، خاصة إذا فقد أحد أحبته من الوالدين أو الإخوة، ويصعب التعافي من هذا الخلل إلا إذا تم التعامل مع الحالة مبكرًا وعلاجها من صدمة الزلزال.

اقرأ أيضًا: اضطراب ما بعد الصدمة: كيف تتعامل مع تبعات الكوارث والحروب؟

الآثار المرضية التابعة للنجاة من الزلزال

لا يقتصر تأثير الزلزال على الجانب النفسي للناجين فحسب، وإنما يمتد إلى الإصابة بالأمراض الجسدية، ومنها ما يلي:

1. الأمراض المزمنة

وجد أن المصابين بالأمراض المزمنة مثل: أمراض القلب ومرض السكري عرضة بنسبة أكبر لتفاقم حالاتهم عند حدوث الزلزال، وترتفع فرص إصابتهم بالسكتة الدماغية والأزمات القلبية خلال الشهر الأول وحتى بعد مرور 3 أعوام من الزلزال.

وجد أيضًا أن الناجين من الزلزال عرضة بنسبة أكبر للإصابة بمرض السكري، ويرجع الإصابة إلى العامل النفسي نتيجة التعرض لضغط عصبي.

تتدهور حالة المصابين بالأمراض المزمنة أيضًا جراء تهدم المؤسسات الطبية وتلف السجلات الطبية؛ مما يؤدي إلى فقدان المعلومات الخاصة بكل حالة ومعرفة الأدوية المناسبة، فتُهمل حالتهم الصحية وتزداد سوءًا.

الانتقال من مكان لآخر وعدم وجود نظام يومي طبيعي كما كان سابقًا بعد تهدم المنازل يُرغم الناجين من الزلزال على تغيير نمطهم الغذائي رغم إرادتهم، والذي قد يكون عاملًا في تدهور حالتهم الصحية.

2. الإصابة بالأمراض المعدية

تخلق الزلازل جوًّا ملائمًا لانتشار العدوى مثل الأمراض المنقولة عبر الماء مثل: الكوليرا، وفيروس الكبد الوبائي أ؛ نتيجة تدمر نظام الصرف الصحي وكذلك تساعد الملاجئ المزدحمة في انتقال العدوى أكثر مثل: الحصبة، وأمراض الجهاز التنفسي.

3. عدوى الجروح

يتسبب انهيار المنازل في الموت المفاجئ والإصابات، والتي تتراوح بين جروح بسيطة وكدمات وإصابات بالغة وكسور وحروق، بالإضافة إلى استنشاق كميات كبيرة من الغبار.

إذا لم تعالج هذه الإصابات فورًا وظلت بحالتها للأيام التالية والأسابيع المقبلة، فإنها تتفاقم نظرًا لتلوثها بالبكتيريا الموجود في الأتربة وحطام المنازل، والذي بدوره قد يؤدي إلى بتر الأطراف، أو الإصابة بتعفن الدم الذي يسبب الوفاة.

النجاة والتيقظ العاطفي

كما يصاب الناجون بأمراض جسدية ونفسية جراء الزلزال فإن الضرر قد يحدث تغييرًا يمكن الاستفادة منه في مجال التيقظ العاطفي، وقد يخلق خبراء في المجال العاطفي.

وجدت إحدى الدراسات التي حاولت دراسة السمات النفسية والعصبية والعاطفية لبعض الطلاب الذين يعيشون في المناطق المتضررة من الزلازل أن هؤلاء الطلاب لديهم قدرة مرتفعة على توقع التهديدات، بالإضافة إلى قدرتهم العالية في التعرف على تعبيرات الوجه.

تميز الناجون من الزلزال في هذه الدراسة في التعرف على الوجوه وتعبيراتها بصفة خاصة، وتقييم المشاهد العاطفية التي عُرضت عليهم بالمقارنة بمجموعة أخرى لم تتعرض لكوارث الزلازل من قبل.

التعرض لصدمة الزلزال يجعل الحواس منتبهة أكثر ومتيقظة تجاه التهديدات، مما يطور من الخبرة العاطفية بشكل تدريجي، لكننا ما زلنا نحتاج إلى دراسات أخرى.

اقرأ أيضًا: هل يمكن التعافي نفسيًّا من صدمات الكوارث الطبيعية؟

أخيرًا، التعرض لصدمة الزلزال وفقدان الأحبة والمقربين ليس بالأمر اليسير، ولكننا في الحياة لمدة قصيرة وسنفارقها، ومن الصعب العيش ونحن نكابد كل هذه الآلام، لذا إذا كنت أحد الناجين من الزلازل المدمرة وتشعر بأنك لست على ما يرام فلا تتردد في التوجه لأحد المختصين النفسيين وطلب المساعدة.