إن تفوق تل أبيب فى معظم المجالات – وخاصة العسكرية – على الدول العربية خلال الـ 20 عام السابقة، بسبب أن الأفكار الإستراتيجية الإسرائيلية كانت أكثر جدوى مما كان عليه الجانب الآخر.
الكاتب والباحث الإسرائيلي «جيدي جرينشتاين»

الدول المتخلّفة وحدها هي التي تعيش في الماضي ولا تجابه تحديات الحاضر، بل إن تعلقها بذلك الماضي ربما لا يكون سوى عرض لعجزها عن مواجهة حاضرها. وتمثل الدول العربية حالة قياسية لذلك التعلق بالماضي، الذي يعبّر عن نفسه في كافة المجالات تقريبًا، في السياسة كما الثقافة والمجتمع.وبينما تنظر الأمم المتقدمة والصاعدة للمستقبل، بقي العرب وحدهم يبيعون المستقبل بالماضي، في معاشهم وقضاياهم؛ ما قصر الخطاب العربي على الحقوق التاريخية دونما تعاطٍ جدّي مع حقائق الحاضر وتحديات المستقبل. لا غرابة أن فقد التعاطف الدولي، فليس من المنطقي أن يقتنع العالم بخطابات دول فاشلة وفاسدة ومستبدة، تعيش أوضاعًا بائسة وتعلي قيمًا متخلفة تجاوزها الزمن وألقاها التاريخ وراء ظهره.إن الأنظمة العربية التي اعتادت المتاجرة بعداوة إسرائيل هي في الواقع ومن الناحية العملية أفضل داعم وحليف لإسرائيل بحضورها المعادي للحداثة وأدائها المدمر للتقدم، فالتخلف الذي كرّسته ليعيشه العرب على جميع المستويات هو أكبر دعاية لإسرائيل وأعظم دعم لوجودها.ولهذا نعرض فيما يلي مقارنة موجزة بين حال العرب وإسرائيل من خلال بعض المؤشرات الرئيسية؛ بما يكشف لنا عن الأسس التي يقيّمنا بها العالم في مقابل عدونا، وكيف يكون منطقيًا أن يقدّره ويحترمه فيما لا يأخذنا على محمل الجد.


مؤشرات القوة

اقتصاديًا:

في عام 2013، أنتج ثمانية مليون إسرائيلي ما يربو على الـ 290 مليار دولار كناتج محلي إجمالي، فيما أنتج 377 مليون عربي (47 ضعف) 2853 مليار دولار (أقل من عشرة أضعاف)؛ أي أن الإسرائيلي الواحد أنتج ما يقارب إنتاج خمسة مواطنين عرب.وإذا أخذنا بالاعتبار علامات التخلف النوعي، كضعف التنويع الإنتاجي وارتفاع نسبة الإنتاج الأولي والاستخراجي في الناتج العربي، وركّزنا فقط على الفارق الكمي باستبعاد البلدان التي يغلب عليها هذا الطابع النوعي كالبلدان النفطية؛ فإن الصورة الكمية تكون أسوأ، ويكفي مثالاً المقارنة بين إسرائيل ومصر كنموذج لبلد عربي كبير بل الأكبر، وغير نفطي (بالأساس)، ولديه قدر من التنوع الإنتاجي ربما يكون الأكبر بين جميع البلدان العربية، إذ نجد أن الناتج المحلي الإجمالي لمصر (التي يبلغ عدد سكانها أكثر من عشرة أضعاف عدد سكان إسرائيل) لنفس العام بلغ 272 مليار دولار (أي 94% من الناتج الإجمالي الإسرائيلي)؛ أي أن الإسرائيلي الواحد ينتج تقريبًا ما يعادل إنتاج عشرة مصريين.

حظيت إسرائيل بالمرتبة 34 عالميًا في مؤشر الديموقراطية لعام 2015 متفوقة على كافة الدول العربية.

وبينما تغطي صادرات إسرائيل وارداتها بنسبة 90%، فإن النسبة لمصر 34% ولتونس 76% وللمغرب 57% وللجزائر 83% وللأردن 40%، ولا يختلف الوضع سوى في الدول النفطية التي تغلب الصادرات الأولية على هيكل صادراتها؛ ما يعني عجز الاقتصادات العربية عن إشباع الاحتياجات الداخلية لأسواقها، فضلاً عن ارتهانها بأحوال الأسواق الدولية، مقابل قوة واستقلالية أعلى للاقتصاد الإسرائيلي.

سياسيًا:

حظيت إسرائيل بالمرتبة 34 عالميًا (من 167 دولة) في مؤشر الديموقراطية لعام 2015، الذي تقوم صحيفة The Economist، بقيمة 7.77 (من عشر درجات) كديموقراطية معيبة، فيما حظيت مصر بالمرتبة 134 عالميًا كنظام سلطوي بقيمة 3.18، وبعدها السودان في المرتبة 151 كنظام سلطوي كذلك بقيمة 2.37، ثم المملكة العربية السعودية في المرتبة 160 كنظام سلطوي أيضًا بقيمة 1.93؛ ما يشير أن إسرائيل تتمتع بدرجة أعلى نسبيًا من تداول السلطة والمشاركة الشعبية في القرار السياسي مقارنةً بالدول العربية.كما بلغ مؤشر انخفاض درجة الفساد لعام 2014 في إسرائيل 59.3 (من 100 درجة)، بينما بلغ في مصر 28.6، وفي تونس 39.2، وفي العراق 13.7، وفي المملكة العربية السعودية 43.7، وفي المغرب 33.3، وفي سوريا 23.3، وفي اليمن 19.4؛ ما يعني درجة أعلى من الشفافية والحكم الصالح في إسرائيل بالمقارنة بالدول العربية التي تعاني إهدارًا هائلاً للموارد بسبب الفساد وضعف وانحراف أجهزة الحكم والإدارة.وفي مؤشر الدول الهشة لعام 2014، الذي يرتب الدول تنازليًا وفقًا لمدى عدم استقرارها، تحتل إسرائيل (مع الضفة الغربية) المرتبة 67 من مجموع 178 دولة، بينما يحتل السودان المرتبة الخامسة، واليمن المرتبة الثامنة، والعراق المرتبة الـ 13، وسوريا المرتبة الـ 15، ومصر المرتبة الـ 31، وليبيا المرتبة الـ 41؛ بما يشير لدرجة أعلى من الاستقرار السياسي والاجتماعي في إسرائيل، هما نتيجة طبيعية لما سبق من وضع اقتصادي جيد وإدارة سياسية ديموقراطية نسبيًا وانخفاض لدرجة الفساد.

عسكريًا:

لن ندخل هنا في المقارنات التقليدية القائمة على مقارنة القدرات القتالية لإسرائيل وللدول العربية مفردة أو مُجتمعة؛ أولاً لأنها مكررة بما لا يدع مجالاً للفائدة من ذكرها، وثانيًا لضعف دلالتها كون الإرادة الغربية حاسمة في ضمان قدر من التفوق الإسرائيلي، وهو أمر واقع بقدر ما في تضخيمه من برانويا، لكن المحوري هنا والذي كثيرًا ما تم تجاهله هو معيار «القدرة الذاتية» على إنتاج السلاح، فهذه القدرة الذاتية هى ما تضمن التفوق طويل الأجل والمستقل عن التأثيرات الخارجية.

تحتل إسرائيل حاليًا المرتبة العاشرة على مستوى العالم في تجارة السلاح المتطور عالي التقنية.

وهنا نجد أن أفضل الدول العربية في هذا المجال كمصر، بالكاد تقوم بتجميع وإنتاج وأحيانًا تعديل بعض الأسلحة الخفيفة والمدرعات البدائية لنقل الجنود، وفي أفضل الأحوال تنتج بعض الأسلحة الثقيلة تحت إشراف أمريكي، بينما تستورد الأسلحة المتطورة بالكامل من الخارج، فيما تُعد إسرائيل اليوم الدولة رقم عشرة على مستوى العالم في تجارة السلاح المتطور عالي التقنية، وتشمل قائمة عملائها دولاً كالصين والهند وأمريكا نفسها، واحتلت المركز العاشر عالميًا في صادرات السلاح خلال الفترة 2009 – 2013.

كما صدّرت إسرائيل أسلحة عام 2013 بحوالي سبعة مليارات دولار، مقابل الدول العربية التي تمثل مستورد صاف للسلاح.


مؤشرات المشروعية

وهي التي تنقسم إلى:

حضارية:

تنفق إسرائيل على البحث والتطوير حوالي 4% من ناتجها المحلي الإجمالي خلال السنوات الأخيرة، فيما تنفق مصر فقط 0.4%، والعراق 0.04%، والكويت 0.1%، والإمارات 0.49، ولا توجد بيانات معروفة للغالبية المتبقية من الدول العربية.وبينما تمتلك إسرائيل وحدها ست جامعات ضمن أفضل 500 جامعة في العالم (منها اثنتان ضمن أفضل مئة)، فإن العرب لا يملكون سوى خمس جامعات ضمن المئة الأخيرة من تلك الخمسمئة، واحدة مصرية وأربع سعودية.كما بلغ عدد المقالات العلمية المنشورة في إسرائيل في عام 2011 عدد 6096 مقالة علمية، فيما بلغ عددها في مصر 2515، وفي العراق 96، وفي سوريا 110، وفي السودان 69، وفي المملكة العربية السعودية 1491، وفي الجزائر 599، وفي المغرب 386.ولهذا لا غرابة أن بلغت قيمة صادرات إسرائيل عالية التقنية 8825 مليون دولار لعام 2011، فيما بلغت لتونس فقط 732 مليون دولار، ولمصر حوالي 128 مليون دولار، وللجزائر 2.4 مليون دولار، وللأردن 115 مليون دولار، وللملكة العربية السعودية 206 مليون دولار، وللسودان 294 مليون دولار.وتؤكد كل هذه المؤشرات التفوق العلمي لإسرائيل، وقوة وتقدم اقتصادها سواء من جهة نتاجه المادي أو من جهة رأسماله البشري، بالمقارنة بالدول العربية التي يعتمد كثير منها على المواد الأولية التي لا تتطلب تقنية عالية أو رأسمال مادي وبشري محلي متقدم.

إنسانية:

يتم حساب مؤشر التنمية البشرية للأمم المتحدة كمقياس مُقارن مُركب من العديد من المؤشرات الداخلية، أهمها متوسط العمر المُتوقع عند الولادة وحالة التعليم والصحة ونصيب الفرد من الدخل القومي ومستوى المعيشة والرفاهية والرعاية الاجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص … إلخ، والهدف منه إعطاء صورة عن الحالة الإنسانية العامة لكل بلد من بلدان العالم، وتُرتب فيه الدول ترتيبًا تنازليًا من الأفضل للأسوأ.وفي تقرير عام 2014، تحتل إسرائيل المرتبة 19 من مجموع 195 دولة، تليها قطر كأول بلد عربي بعدها في المؤشر في المرتبة 31، ثم المملكة العربية السعودية في المرتبة 34، ثم الإمارات في المرتبة 40، والبحرين 44، والكويت 46، وليبيا 55، وعمان 56، ولبنان 65، والأردن 77، وتونس 90، والجزائر 93، وصولاً لمصر في المرتبة 110، وسوريا 118، والعراق 120، والمغرب 129، واليمن 154، وأخيرًا موريتانيا 161.ويؤكد المؤشر اهتمام إسرائيل برأسمالها البشري، ورفعها لنوعية حياة مواطنيها لدرجة تقارب مواطني الدول المتقدمة، بينما تنحط معظم الدول العربية بنوعية حياة مواطنيها، حتى في كثير من الدول النفطية الغنية التي لا يمكنها الاحتجاج بضخامة عدد السكان أو ضعف الموارد.


اتجاهات العلاقات الإسرائيلية كمًّا وكيفًا

تمتلك إسرائيل ست جامعات ضمن أفضل 500 جامعة في العالم (منها اثنتان ضمن أفضل مئة).

في ضوء ما تثبته المؤشرات القليلة السابقة من إمكانات وقدرات تعزز الموقع الدولي لإسرائيل، نجد من المنطقي أن تتزايد معدلات التبادل التجاري وتتعزز العلاقات السياسية والعسكرية بين إسرائيل وباقي دول العالم.ومما له دلالة فارقة أن العلاقات الإسرائيلية الصينية في مجال التعاون العسكري قد سبقت العلاقات الدبلوماسية الرسمية، والتي توثّقت وتعززت حتى أصبحت إسرائيل اليوم ثاني أكبر مورد سلاح للصين بعد روسيا، كما تزايد التبادل التجاري بين البلدين حتى وصل عام 2010 لرقم 7.65 مليار دولار أمريكي؛ ما يمثل 150 ضعف الرقم عام 1992 عندما تم إعلان العلاقات الدبلوماسية رسميًا بين البلدين، فضلاً عن تزايد التعاملات في مجالات الاتصالات والإلكترونيات والزراعة والطب والطاقة المتجددة وسائر أشكال التكنولوجيا الحديثة التي تتفوق فيها إسرئيل ولا تستطيع الصين الحصول عليها من الغرب.وقد عملت إسرائيل في ذات الاتجاه بتعزيز العلاقات على جميع المستويات مع دول كبرى أخرى كالهند وروسيا وتركيا، ومع الكثير من الدول الصغيرة والفقيرة كدول أفريقيا، وعلى رأسها دول منابع النيل، ويأتي هذا التوجه ضمن إستراتيجية إسرائيل الساعية لكسر عزلتها الدولية وإرساء قواعد علاقات دبلوماسية كاملة مع كل الدول وخصوصًا الخمس الكبرى دائمة العضوية بمجلس الأمن، وعلى رأسها الصين التي صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحق شامير يومًا بأن إقامة علاقات إسرائيلية معها يعني إنهاء عزلة إسرائيل.وقد ساعد كسر الحصار السياسي العربي على إسرائيل في تمكينها من تعزيز انفتاحها الاقتصادي على العالم، فبعد عام واحد من اتفاق أوسلو ازدادت الصادرات الإسرائيلية للدول الآسيوية بنسبة 33%، كما ارتفع الاستثمار الأجنبي المباشر فيها من 400 مليون دولار عام 1991 إلى 3.6 مليار دولار عامي 1996/1997، ليصل إلى 6.7 مليار دولار عام 2014.وعلى ذلك، توضح الأرقام والإحصاءات السابقة أن الصراع العربي الإسرائيلي لم يعد يتعلق فقط بالحدود السياسية والمعارك العسكرية ومفاوضات السلام، ولكنه أصبح متعلقًا أيضًا بالوضع السياسي والاقتصادي لـ «إسرائيل» مقارنةً بالدول العربية، وهو الأمر الذي بات يصب في صالح «إسرائيل» بشكلٍ جليّ.