فاز باريس سان جيرمان بـ 8 ألقاب من آخر 10 بطولات للدوري في فرنسا، فاز البايرن بـ 9 من آخر 10 في ألمانيا، سيطر يوفنتوس على أغلب بطولات العقد الماضي في إيطاليا قبل أن يتراجع قليلًا، فاز الأهلي بـ 8 من آخر 10 دوريات في مصر.

قبل أن يفوز البايرن بألقابه ال9 المتتالية، لم يكن بايرن أو أي فريق آخر حقق أكثر من ثلاثة ألقاب ألمانية متتالية، حيث كان هناك ستة فائزين مختلفين بالبطولة في الستينيات، وأربعة في السبعينيات، وأربعة في الثمانينيات، وستة في التسعينيات وخمسة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قبل أن ينخفض العدد لفريقين فقط في العقد الثاني.

حتي في إنجلترا معقل التنافسية، شاهدنا مانشستر سيتي يحقق الثلاثية المحلية للمرة الأولى في التاريخ، ويحقق الدوري ب100 نقطة للمرة الأولى كذلك، وفاز بـ 3 من آخر 4 نسخ للبريميرليج.

والمتوقع طبقًا لفارق المستوى الرياضي والمالي الحالي أن سيطرة بايرن والسيتي ستمتد، وكذلك سيطرة باريس والأهلي، وهو ما يبدو اتجاهًا لكرة القدم حول العالم وليس مجرد حالات فردية، فهل حان الوقت لإعادة النظر في هذه الدوريات التي تحتكرها أندية معينة؟

فجوات ضخمة

تتزايد الفجوة المالية بين أندية النخبة وباقي الأندية في كل عام، فجوة مادية تتعدد أسبابها وتعود إلى أحداث مضت، لكن نتيجتها أن أندية معينة تمتلك مالًا أكثر من غيرها، فتشتري لاعبين أفضل، فتفوز، فتحصل على مكافآت وعقود رعاية أفضل، فتشتري لاعبين مرة أخرى، وتفوز، وهكذا في متوالية لا تنتهي، ناهيك عن الأموال التي تدخل من خارج اللعبة وتضاعف هذا الأمر.

قلصت هذه الفجوة أندية النخبة إلى أقل عدد ممكن، وهو ما يبدو واضحًا في أغلب المقاييس مثل متوسط عدد النقاط أو عدد الأهداف أو فاتورة الأجور، والتي يظهر فيها ابتعاد عدد قليل من الأندية عن البقية.

جعل ذلك الكثير من الأندية تبتعد عن المنافسة تمامًا، وانقسمت الدوريات إلى فريق أو اثنين يتبادلان الصدارة في كل عام، وباقي فرق الدوري تشاهد البطولة في هدوء دون أن تملك أي طموحات للمنافسة.

ولو حدثت طفرة كما حدث مع موناكو في فرنسا أو لايبزيج في ألمانيا أو المقاصة في مصر، فإن الفرق الكبرى تنقض لإفساد التجربة سريعًا، عندما فاز موناكو بالدوري، كان رد فعل باريس سان جيرمان هو التعاقد على الفور مع مبابي أفضل لاعب في الفريق، بايرن فعل الشيء نفسه مع لايبزيج، جردهم من مدربهم ناجلزمان، وتعاقد مع أفضل لاعبي الفريق دايوت أوباميكانو ومارسيل سابيتزر، وهو ما ينهي المنافسة تمامًا ويعمق الفجوة.

لم ينجُ دوري الأبطال كذلك من الأمر، وأصبحت البطولة الأوروبية حكرًا على عدد محدود من الأندية في السنوات الأخيرة، وآخر بطل مختلف كان بورتو في 2004، ومن بعدها صار وجود نادٍ مثل بورتو أو أياكس في نصف نهائي البطولة حدثًا نادرًا يستحق الاحتفاء.

في الموسم الجاري، أوقعت القرعة أياكس في مواجهة بنفيكا، فقرر نادي بنفيكا التقديم للمباراة بهذا الفيديو الذي يذكر الجميع أن الثنائي كانا من كبار أوروبا قبل أن تلتهمهم الرأسمالية، وتبعدهم الأموال عن المشهد.

تركتنا هذه الفجوات مع الكثير من الملل خلال الموسم بالطبع، يلتقي مانشستر سيتي مع بيرنلي فيفوز عليه بخماسية في كل موسم، ويسحق باريس نانت ونيس بنتائج تاريخية، ويفوز الأهلي على إنبي والمقاصة في كل موسم بدون مشقة، ولا تبدأ الإثارة إلا في مراحل الحسم للبطولات القارية أو في نهاية الموسم، فلماذا سيستمر الجمهور في مشاهدة هذه الدوريات؟

سيظل الكثيرون يتابعون فرقهم بالطبع حتى لو حسم كل شيء، لكن رغم ذلك، تدور اللعبة منذ اليوم الأول حول الإثارة ويفضل البعض أن يشاهد مباراة حماسية متكافئة، وهو ما لا تقدمه لنا الدوريات بشكلها الحالي، فهل حان الوقت لاستبدالها بطريقة أخرى تضمن قدرًا أكبر من الإثارة؟

ألمانيا تبدأ

فكرة إلغاء الدوريات بشكلها الحالي ليست وليدة اليوم، وطرحت عدة مرات في السابق، لكن عادت للواجهة اليوم على يد الاتحاد الألماني لكرة القدم، والذي يرى أن هيمنة بايرن على الدوري قد أفقدته متعته، وحان الوقت لتغير النظام لآخر يقدم بعض الإثارة، وهو ما قد يرفع قيمة الدوري التسويقية التي انخفضت خلال السنوات الأخيرة.

والاقتراح المقدم في ألمانيا هو تحديد البطل عبر دورة مجمعة في نهاية البطولة بين الفرق الأربعة الأولى، أو مباريات فاصلة حيث يلتقي صاحب المركز الأول مع صاحب المركز الرابع، ثم يواجه الفائز منهم، الفائز من صاحب المركز الثاني والثالث.

من وجهة النظر الألمانية فإن الدوري الطويل يجعل اليد العليا للفريق صاحب أكثر عدد من اللاعبين المتميزين، ويتيح عدد المباريات الكبير الفرصة للتعويض.

لكن النظام الجديد سيقدم إثارة أكبر، حيث يمكن أن تحدث المفاجأة في مباراة أو اثنتين دون أن توجد فرصة للتعويض، وهو ما سيسمح لفرق غير بايرن ميونخ أن تحقق البطولة، وهو المطلوب.

مقترحات جديدة

يشارك السيد «مايكل كوكس» محلل «ذا أثليتك» الاتحاد الألماني الرأي، حيث يرى أن كرة القدم تحتاج لإصلاحات هيكلية كبرى حتى تستعيد إثارتها التي فُقدت في السنوات الأخيرة، وقدم كوكس مقترحاته لذلك.

تتعلق هذه المقترحات بشكل المسابقات، وأهمها بطولات الدوري، التي تستمر لفترة طويلة وتستهلك اللاعبين لأقصى حد ممكن.

وأول إصلاح مطلوب، هو تخفيض عدد الفرق في أغلب الدوريات، تتألف أغلب الدوريات من 20 فريقًا، وهو ما يطيل أمد البطولة لـ 38 جولة، وربما لو خفض العدد إلى 16 كما أراد بلاتر قبل عشر سنوات لكان أفضل، عدد مباريات أقل، يعني إجهادًا أقل، وفرصًا أكبر للمفاجأة، وقدرة أقل على التعويض، وإثارة أعلى.

البلاي أوف على الطريقة الألمانية المقترحة فكرة وجيهة كذلك، وتعمل بها بلاد مثل بلجيكا منذ سنوات.

كما تعتمد دوريات مثل بولندا وأسكتلندا أنظمة مختلفة للدوري، فكرتها الأساسية هي لعب نصف البطولة، ثم تقسيم الدوري إلى قسمين، أصحاب المراكز المتقدمة يواجهون بعضهم مرة أخرى في دوري مصغر لتحديد البطل، والقسم الأسفل لتحديد الهبوط.

تعرف دول أمريكا الجنوبية نظمًا مختلفة للدوريات، حيث يعتبر كل دور بطولة منفصلة، بحيث يكون في كل عام بطلان، يلتقيان في آخر السنة لتحديد بطل العام.

ليست هذه كل الأفكار الممكنة، وعدة اقتراحات أخرى قد تعرف طريقها للاتحادات حين يطرح الأمر للنقاش الجاد، والجوهر الأساسي للأفكار جميعها، أنه كلما قل عدد المباريات انخفضت إمكانية التعويض، وزادت فرصة الفرق الأصغر في خطف البطولات، وعادت التنافسية المفقودة.

الأهلى وحيدًا

يقترب الوضع في مصر من ألمانيا بشكل كبير، يسيطر الأهلي على البطولة منذ زمن، والفارق بينه وبين باقي أندية الدوري يزداد يومًا بعد يوم، وفي حين يضم بيرسي تاو من الدوري الإنجليزي فإن عدة فرق من الدوري لا تصل قيمة لاعبيهم مجتمعين قيمة اللاعب.

هذا يجعل بطولة الدوري مجرد مسرحية سخيفة لأغلب الفرق، يلعبون فيها دور الكومبارس بينما يفوز الأهلي ويناوش الزمالك من آن لآخر دون أن يكون لهم أي هدف ممكن، ماذا تفعل أندية مثل إنبي وسموحة والمقاولون والاتحاد في الدوري المصري؟ هي تبتعد عن الهبوط ولا تخشاه وتبتعد عن التتويج ولا تحاول عليه، فماذا يبقى لتطارده طوال العام؟

وفقدان الدافع هو ما يجعل أغلب هذه الأندية لا تسعى للتطور أو تقديم إضافة عن المستوى المعتاد، أو العمل بشكل ذكي لتحقيق أي شيء، وكذلك تنخفض تنافسية الدوري وتقل قيمته التسويقية.

ماذا نفعل؟

لهذه الأسباب، فنحن في أمس الحاجة لتغير نظام الدوري الحالي، والتخلي عن الطريق التقليدية الحالية التي لا تقدم أي شيء، ولا ينتظر معها أي تحسن، والتي تتمسك بها الأندية بحكم التعود ليس أكثر، دون التفكير في ملاءمتها للجميع.

سيساعدنا التغيير في ضبط مواعيدنا مع العالم، وفي رفع مستوى اللاعبين والدوري ككل، ورفع التنافسية وزيادة القيمة التسويقية وبالتالي مداخيل الأندية.

وربما قد يكون الحل في طريقه إلينا دون ترتيب، حيث يناقش الاتحاد الأفريقي الآن دوري السوبر الأفريقي، والذي خرجت بعض تفاصيله لكن لم يكتمل حتى الآن.

ورغم بعض العيوب التي سيجلبها السوبرليج، لكنه لو تضمّن أن نتواجد مع فرق شمال أفريقيا في مجموعة واحدة، فهو سيضمن تواجد الفرق المصرية مع فرق تقاربها في المستوى، فرق مثل الترجي والوداد والرجاء ستكون هي الفرق التي يواجهها الأهلي والزمالك طول الموسم.

من شأن ذلك أن يرفع مستوى الجميع، ويساعد لاعبي الأهلي والزمالك في الوصول لأقصى مستوياتهم ومحاولة التطور لأقصى حد، وهو ما سيعود بالنفع على الكرة المصرية عمومًا.

ومع تخفيض عدد فرق الدوري أو قصره على دور واحد، سيكون أمام كل الفرق المصرية فرصة لاستغلال ذلك ومحاولة الانقضاض على البطولة، وربما قريبًا نرى غزل المحلة أو المقاولون أبطالًا للدوري بعد غياب.