محتوى مترجم
المصدر
The Conversation
التاريخ
2022/3/29
الكاتب
Joseph Wright & Abel Escribà-Folch

مع استمرار الحرب في أوكرانيا، يدق المسئولون في الولايات المتحدة وأوروبا ناقوس الخطر بشأن جرائم حرب مزعومة ارتكبتها القوات الروسية هناك. وصف مجلس الشيوخ الأمريكي والرئيس الأمريكي جو بايدن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه «مجرم حرب»، بعد الحديث عن قيام القوات الروسية باستهداف المدارس والمستشفيات والملاجئ المدنية عمدًا.

في حالة اتهام بوتين رسميًا بارتكاب جرائم حرب، فهناك ثلاثة أنواع من المحاكم التي قد تستدعيه لمحاسبته. نحن دارسون لطبيعة الدكتاتوريين، ونجري أبحاثًا حول كيفية محاسبتهم على أفعالهم، وما توصلنا إليه هو أنه من غير المحتمل أن يُعاقَب بوتين بأي أسلوب من الأساليب المتاحة في أي وقت قريب، بل إنها قد تؤدي إلى المزيد من جرائم الحرب المحتملة.

المحاكم الدولية

تأسست «محكمة العدل الدولية» عام 1945 كجزء من منظومة الأمم المتحدة. يُمكن للمحكمة أن تفصل في النزاعات بين الدول التي تطلب تدخلها طواعيةً فقط. ولا يمكنها مقاضاة الأفراد جنائيًا، ناهيك عن الأشخاص الذين لا يوافقون على سلطتها القضائية.

علاوةً على ذلك، ليس للمحكمة سلطة تنفيذ حقيقية لأحكامها. يمكن لقادة الدول تجاهل أحكامها بكل بساطة، على الرغم من أن سمعتهم قد تتضرر وقد يؤدي ذلك إلى المزيد من العزلة.

وفي الماضي، قُدم بعض زعماء العالم الذين ارتكبوا فظائع في حق شعوبهم، مثل Charles Taylor في ليبيريا وSlobodan Milosevic في صربيا، للمحاكمة أمام «محاكم خاصة» أنشأتها الأمم المتحدة للتعامل مع الجرائم المرتكبة خلال نزاعات معينة. ومع ذلك، لم يتم إنشاء هذه المحاكم إلا بعد ارتكاب الجرائم المزعومة بالفعل.

وعلى جانب آخر، فقد تأسّست «المحكمة الجنائية الدولية» عام 2002، ويمكنها محاكمة الأفراد المسئولين عن الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والعدوان. وقد تم إنشاؤها جزئيًا لتجنب الحاجة إلى محاكم تتأسس خصيصًا لكل نزاع متتالٍ. لذا جاء التصوُّر أن وجود محكمة دائمة من شأنه أن يردع القادة عن ارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الدولي.

بعض الفرص المُتاحة للمساءلة

من خلال هذه الأنظمة الثلاثة، سعى المجتمع الدولي إلى تحميل قادة العالم المسئولية عن أعمالهم الوحشية، لكن هذا قد يكون صعبًا كما أنه يستغرق وقتًا طويلًا.

في عام 1999، أصبح Milosevic أول رئيس دولة يُتهَم بارتكاب جرائم حرب من قِبل محكمة دولية، وهي المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة. وجّهت إليه المحكمة لائحة اتهام بارتكاب جرائم خلال حرب كوسوفو من 1998 إلى 1999، ولكن لم يتم القبض عليه إلا بعد الإطاحة به من السلطة في عام 2000.

وحتى في ذلك الوقت، كان تسليمه من صربيا صعبًا، لأنه رفع دعوى لمنعها، ورفض كلًا من خليفته في الرئاسة Vojislav Kostunica والمحكمة الدستورية اليوغوسلافية، إرساله إلى خارج البلاد لمحاكمته. كان هدف Kostunica من ذلك هو اكتساب أصوات الناخبين الصرب المتعاطفين مع Milosevic.

في النهاية، أدى الضغط الأمريكي إلى محاكمته في عام 2002. لكن Milosevic توفي في عام 2006 قبل إصدار الحكم.

عقوبات غير فعّالة

من غير المحتمل أن يكون لأي من هذه الأدوات الثلاث تأثير كبير، أو أي تأثير على الإطلاق، على قرارات بوتين في أوكرانيا.

أعلنت محكمة العدل الدولية أن الغزو الروسي لأوكرانيا غير مُبرَّر، وحثت على الوقف الفوري للعمليات العسكرية الروسية هناك. لكنها لم تقل شيئًا عن بوتين، لأن المحكمة تنظر في تصرفات الدول وليس في تصرفات أشخاص بعينها، ولا حتى رؤساء الدول. وبعد يوم واحد من تصريح المحكمة أعلن الكرملين رفضه لها.

الهدف الأساسي من وجود المحكمة الجنائية الدولية هو تقليل الحاجة إلى المحاكم الخاصة. ومع ذلك، فإن روسيا، مثلها مثل الولايات المتحدة الأمريكية، ليست عضوة في المحكمة، وتدَّعي أن المحكمة ليس لها سلطة على روسيا أو مسئوليها.

بالإضافة إلى ذلك، فإن روسيا عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لذا يمكنها منع إحالة تلك القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية.

لم يردع بويتن إمكانية تعرضه للمحاكمة عندما قيل إن قواته الأمنية ارتكبت جرائم في الشيشان في التسعينيات، وجرائم أخرى في جورجيا في عام 2008، مثل القصف العشوائي والمتفاوت لأهداف مدنية.

أوكرانيا أيضًا ليست عضوً في المحكمة. لكن في عام 2015، اتفقت المحكمة الجنائية الدولية مع الحكومة الأوكرانية على أن المحكمة يمكن أن تبدأ تحقيقًا في الجرائم المزعومة التي ارتكبتها الجماعات المدعومة من روسيا في شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا منذ فبراير/شباط 2014، عندما غزت روسيا تلك المنطقة وضمَّت شبه جزيرة القرم لأول مرة.

في 3 مارس/أذار 2022، فتحت المحكمة تحقيقًا آخر في جرائم الحرب التي ارتكبها قادة وجنود روس في أماكن أخرى من أوكرانيا. ومنذ ذلك الحين، اشتدت الهجمات الروسية على المدنيين في أوكرانيا.

ليس واضحًا ما إذا كان سيتم توجيه الاتهام إلى بوتين في نهاية المطاف من قِبل المحكمة الجنائية الدولية. ولكن إذا حدث ذلك، فإن العقبة الرئيسية ستكون في قدومه الفعلي إلى المحكمة لمُحاكمته. تعتمد المحكمة على الدول الأعضاء من أجل القبض على المتهمين وإحالتهم إلى لاهاي لمحاكمتهم، وإذا ظل بوتين في السلطة، فمن المُرجَّح ألا يحدث ذلك أبدًا.

العدالة الدولية قد تأتي بنتائج عكسية

من الممكن أيضًا أن تأتي الجهود الدولية التي تسعى إلى تحميل القادة المسئولية عن جرائم حقوق الإنسان بنتائج عكسية.

القادة الذين يواجهون احتمال التعرض لعقوبة بمجرد انتهاء الصراع لديهم حافز أكبر لإطالة أمد القتال. والرئيس الذي يُشرِف على الأعمال العنيفة لديه حافز قوي لتجنب ترك منصبه، حتى لو كان ذلك يعني استخدام أساليب أكثر وحشية، وارتكاب المزيد من الفظائع للبقاء في السلطة.

عندما يكون فقدان السلطة مُكلفًا، فمن المُرجَّح أن يقاتل القادة حتى الموت، كما فعل الديكتاتور الليبي «معمر القذافي»، بعد أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحقه هو وأقاربه في عام 2011.

في المقابل، عندما يأتي فقدان السلطة مع حصانة محلية موثوق فيها من الملاحقة القضائية للحكام السابقين، فقد تساعد حملات العدالة الدولية في حشد المُعارضة المحلية للديكتاتوريين. يمكن أن يُعزِّز ذلك من فرص الانتقال السلمي للسلطة من الحكم الاستبدادي، كما حدث في بعض دول أمريكا الجنوبية في الثمانينيات. ومع ذلك، فإن الجانب السلبي من الحصانة المحلية هو أن الحكام السابقين لا يخضعون للمساءلة القانونية.

العدالة لبوتين؟

إن توجيه لائحة اتهام ضد بوتين أو حتى إجراء تحقيق حوله من قبل المحكمة الجنائية الدولية قد يأتي بنتائج عكسية، بسبب الطريقة التي يحكم بها روسيا. يُطلَق على أسلوبه في الحكم مُسمى «الديكتاتورية الشخصية»، حيث تتركز السلطة في قائد واحد ومجموعة صغيرة من المُقرّبين منه، وليس في حزب سياسي داعم أو في الجيش.

يُظهِر بحثنا أن الحُكَّام الشخصيين هم أكثر عُرضة من القادة الآخرين للتعرض لإطاحة عنيفة من السلطة. وهذا يزيد من فرص محاكمتهم بعد خسارة الحُكم.

عادةً ما يُقوِّض الرجال الأقوياء المؤسسات السياسية، مثل الجيش المتماسك أو الحزب السياسي القوي، حتى يستطيعوا من خلاله هُم وحلفاؤهم الاحتفاظ بنفوذهم حتى بعد التنحي. ونظرًا لعدم قدرتهم على حماية أنفسهم في أوطانهم، غالبًا ما يلتمس الديكتاتوريون المعزولون الحماية في المنفى.

ومع ذلك، فإن الملاحقة القضائية المحتملة التي ستقوم بها المحكمة الجنائية الدولية تجعل من المُستبعد أن تتعهد أي دولة بحماية بوتين في المنفى، لذا قد تكون طريقة إنهاء الصراع هذه غير مطروحة الآن، مما يوفِّر لبوتين حوافز إضافية لإحكام قبضته على السلطة بأي ثمن.

فإذا أراد بوتين تجنب العواقب المترتبة على أفعاله، فإن نهجه الأكثر ترجيحًا هو إطالة أمد الصراع، وتكثيف القمع السياسي في الداخل، والسعي لتحقيق النصر، حتى لو كان محدودًا.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.