قبل أيام، وتحديدًا في السادس عشر من يونيو/حزيران، نشرت مجلة فورين أفيرز الأمريكية تقريرًا يرصد طارئًا جديدًا حلّ على الساحة السياسية الإيرانية الداخلية؛ ألا وهو عودة الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد للمشهد. نعم، هذا الرجل الذي ينكر الهولوكوست، كما يروق للساسة الغربيين وصمه حين التعرض له بالحديث، وهو الرجل المتشدد الذي ما ربح الكثير من الأصدقاء الدوليين بقدر العداوات التي كوّنها، ناهيك عن النزاعات التي أثارها بقاؤه في السلطة داخل أروقة السياسة في طهران، فبمجرد إعادة انتخابه في 2009م اندلعت الثورة الخضراء، والتي قتل وسُجن لإخماد نارها عشرات الشباب المنتمين للحركة الحضراء والملتفين حول منافسه الخاسر موسوي، وعدّتها أجهزة الجمهورية الإيرانية كأعظم تهديدٍ شهدته الجمهورية الإسلامية منذ الحرب العراقية 1980م، وكان ذلك على لسان قائد الحرس الثوري اللواء محمد علي جعفري، في لقاءٍ له على تلفزيون الدولة الرسمي عام 2013م. كل ما سبق مضافًا إليه المحنة الاقتصادية التي اعترت إيران في سنوات حكمه الأخيرة؛ من جرّاء العقوبات التي فرضتها الدول الغربية على دولته لمحاولة إيقاف برامج التطوير النووي خاصتها، فترك الرجل رئاسة البلاد ومعدل التضخم المالي فيها يتجاوز 46%، بمعدل للنمو لم يتجاوز سالب 6%، بينما انخفضت قيمة العملة المحلية الإيرانية لنحو 300%.مع كل هذا وأكثر، يطلّ نجاد على المشهد السياسي الإيراني اليوم ليهدد بالعودة والمشاركة، ومن المتوقع ألا تثير طلّته الأخيرة تعاطف أصدقائه المتشددين القدامى وداعميه.


أحمدي نجاد مرشحًا رئاسيًا: حسابات المكسب والخسارة

على مدار أشهر قليلة مضت، صال أحمدي نجاد وجال بطول البلاد وعرضها، في العديد من البلدات الإيرانية الصغيرة، وتحدث إلى الناس عبر المساجد مُلوّحًا بإمكانية ترشحه لانتخابات الرئاسة القادمة يونيو/حزيران 2017م. متعللًا في تلويحاته باتهامات للرئيس الحالي حسن روحاني بالفشل في الاتفاق النووي الذي توصلت إليه إيران مع الدول الكبرى في يوليو/تموز من العام الماضي، متذرّعًا في اتهاماته لروحاني باعتقاده أن الاتفاق ضحّى بالمشروع النووي الإيراني في مقابل مكاسب غير محددة المعالم. ويُفهم اهتمام نجاد بفشل المشروع النووي -كما يقول- في السياق الذي حكم فيه الرجل والذي تزايدت فيه العقوبات على إيران وبلغت خلاله العزلة الدولية ذروتها، فقط لأجل إصراره على إتمام المشروع. فإذا ما عدّ الرجل الاتفاق النووي نجاحًا لروحاني، فلماذا فشل هو في إتمامه؟، ولماذا لم يسلك ذات المسار فترة حكمه؟.

أحمدي نجاد يعيد طرح نفسه من جديد لكنه لا يقدم مشروعًا جديدًا، كل ما يقدمه لا يتعدى النقد لروحاني وإدارته.

الأمر لم ينتهِ عند نجاد، إذ انبرى محبوه من طلاب الجامعة المنتمين لتياره المتشدد وأعضاء ميليشا الباسيج في تدشين منصات إلكترونية لنشر تحركاته الميدانية وخطاباته المناهضة لروحاني، وكذلك في نشر ملصقات تحمل عبارات مطالبة للرجل بالدخول مرةً أخرى في معترك السياسة. إحدى هذه اللافتات حملت صورة الرجل وعبارة «أصابنا الجفاف، ونحن بحاجة للغيث» في استجداء واضح للرجل بالدخول إلى الحقل السياسي بعدما تركه في 2013م. إذ يمثل نجاد لهؤلاء حامي حمى الثورة الإسلامية في الداخل والذي قاد حربًا على الإمبريالية العالمية والنظام الرأسمالي الأمريكي المعادي للثورة الإسلامية خارج الحدود مع غيره من الزعماء الثوريين في أمريكا اللاتينية أمثال تشافيز و الأخوين كاسترو.إذا ما سلمنا بتلويحات نجاد بالترشح للرئاسة، فإن عبء إيقافه هذه المرة لن يقع على عاتق معارضيه، فمن سيتكفل بهذا هم مؤيدوه السابقون، وفي هذا الصدد نأتي على قولٍ قاطع لمتحدث باسم إحدى الجماعات الدينية المتشددة، التي كانت يومًا ضمن صفوف مؤيدي الرجل -لم تكشف الصحيفة عن هويته-: «أحمدي نجاد لا يستحق فرصة جديدة»، كما انتقد أحد أعضاء البرلمان شعار الإصلاح الذي يرفعه الرجل، والذي يقصد به إصلاح ما أفسدته إدارة روحاني، مذكرًا نجاد بأن الإصلاح لا يعني أن تستيقظ كل يوم لتبحث عن تصريح شائك للرئيس أو لحكومته!. وعضوٌ ثانٍ بالبرلمان أشار إلى نجاد حتى قبل تلويحه بالعودة للساحة السياسية، مذكرًا إياه بأن عليه ابتداءً أن يطهّر اسمه من اتهامات الفساد التي علقت به في فترة حكمه.كما نود التعريج هنا على نقطة في غاية الأهمية، وهي العلاقة الشائكة نوعًا ما بين أحمدي نجاد ومرشد الثورة، علي خامئي، إذ يُعزى فوز الأول بانتخابات الرئاسة الأولى له في 2005م، لما يمكن أن نسميه دعم المرشد الكامل. فبحسب ممثل الولي الفقيه في حرس الثورة الإيراني الشيخ علي سعيدي فإن الحرس الثوري «قام بهندسة الانتخابات» لصالح نجاد بأوامر مباشرة من مرشد الثورة أو بالأخص بتعليمات ابنه مجتبى، ومعروفٌ في هذا السياق الخطاب الذي وجهه آية الله مهدي كروبي في 20 يونيو/حزيران 2005م لخامنئي مستفهمًا منه عمّا إذا كان الدعم السياسي الذي يتلقاه المرشح الرئاسي نجاد هو دعم المرشد أو فقط نجله. ناهيك بالطبع عما يُشاع بشأن الانتخابات الثانية في 2009م والتي نتج عنها انقسام الشارع السياسي الإيراني وموت وسجن عشرات الشباب المحتجين.كل هذا الدعم لم يمنع صدامًا حدث بين خامنئي ونجاد في فترته الرئاسية الثانية؛ ما يجعل أمر عودته للساحة هذه الأيام من الصعوبة بمكان، فالرجلان اختلفا من قبل بشأن رغبة الرئيس نجاد في إبريل/نيسان 2011م عزل وزير الاستخبارات الإيراني السابق حيدر مصيلحي، وهي الرغبة التي قابلها مرشد الثورة بالرفض؛ ما استدعى تخلف نجاد عن الحضور لمكتبه فترة أحد عشر يومًا متصلة، وخلافات أخرى جرت بين الرجلين أثناء الفترة الرئاسية الثانية (2009-2013م) جعلت نهاية ودّهما سيئة، لا تنبئ بأن ثمة محاولة قد تنجح لعودة نجاد إلى المشهد.ما نقوله للتقليل من فرص عودة الرجل، هو بالطبع ليس بعيدًا عن مخيلة رجل قضى أغلب حياته كسياسي، لكنه بالتأكيد يرى في تأخر النتائج الإيجابية المنتظرة من جرّاء الاتفاق النووي الذي أبرمته إدارة روحاني، فرصةً ذهبية لإعادة طرح نفسه من جديد. أما روحاني فتنتظره مهمة التعريف بمستقبل إيران وما ينتظرها بعد الاتفاق النووي، صحيح أن البطالة لا زالت مستشرية في الشارع الإيراني والاستثمار الخارجي لا زال ضعيفًا، لا سيّما وأن مزيدًا من العقوبات لا تزال تُفرض يوميًا على إيران لمحاولة إثنائها عن تطوير برامجها الصاروخية. وصحيح أيضًا أن روحاني هبط كثيرًا بمعدلات التضخم، وهو بنظر كثير من المتابعين الدوليين يقود إيران في الطريق الصحيح كدولة إقليمية كبيرة، إلا أن جرعة الأمل الزائدة التي بثها في الشارع الإيراني إبان الاتفاق النووي قد تكون هي القاصمة، وهو ما استلهمه أحمدي نجاد ومن ثمّ أعاد طرح نفسه مرةً ثانية. ولا ننسى أيضًا أن جرعة الأمل التي تجرعها الشعب الإيراني جعلت اليد العليا في الانتخابات البرلمانية هذا العام للمعتدلين، لأول مرة منذ اثني عشر عامًا.


سُليماني البديل

الخلافات التي نشبت بين نجاد وخامنئي في فترته الرئاسية الثانية تقلل أيضًا من فرص ترشح الرجل أو على الأقل إذا ترشح فلن يلقى الدعم الذي تلقاه في 2005 و 2009.

قاسم سليماني؛ قائد فيلق القدس، أحد أجنحة الحرس الثوري الإيراني منذ ما يقارب عشرين عامًا، تتصدر صورته الصحف المحلية الإيرانية والدولية المتابعة لأحداث الشرق الأوسط، رجل المهام العابرة للحدود، أصبح مع مرور الوقت نجم الشاشة الأبرز في إيران، حتى أنه في بعض الأحيان يُذكر في مقارنة مع السياسي المحنك والدبلوماسي الشعبوي،محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني الحالي. ويحافظ سليماني، أو يتظاهر، بأنه على ذات المسافة من الفرقاء السياسيين، وهذا يكسبه قوةً كبيرة. هو إذن رجلٌ عسكري، يشهد له الجميع بالكفاءة ويُروَّج له في الإعلام الإيراني على أنه حامي حمى الثورة ورجل المهام الصعبة. حتى بدأت بعض وسائل الإعلام في طرح اسم الرجل مرشحًا رئاسيًا محتملًا، فما احتمالية أن تدخل تنبؤاتهم حيز التنفيذ؟

رغم أنه من المتوقع لسليماني أن يخضع لضغوطات للدفع به كمرشح للرئاسة 2017م، إلا أن دهاء الرجل وحنكته التي اكتسبها كعسكري ستحول بينه وبين ذلك.

يطرح بعض المتابعين اسم الجنرال قاسم؛ لأنه هو القادر على إخضاع أحمدي نجاد إذا ما نفذ تلويحاته بالترشح، وهو القادر أيضًا على هزيمة المرشحين الإصلاحيين، وربما قادر على إبعاد روحاني من السباق، ليحدث سابقةً لم تحدث منذ ثلاثين عامًا؛ أن يكون نصيب الرئيس الإيراني من الحكم فترةً رئاسيةً واحدة!.بالنظر إلى تصريحات بعض الصحفيين والسياسيين، نجد مثلًا الصحفي المحنك، والمنتمي لحزب كوادر البناء الإصلاحي، محمد عطريانفر، يخبر الإصلاحي أفتاب يزد، «قضى سليماني كل حياته في عمله بالحرس الثوري كرجل حرب وهو عمل مقدس، لكن رجلًا في حكمته ودهائه ليس من السهل أن يضع تاريخه الحافل لأجل تجربة، خبرته لا تؤهله لخوضها، لذلك لا أتوقع أن يكون سليماني مرشحًا رئاسيًا محتملًا». وعلى ذات النسق، أخبر المستشار الخاص لروحاني ووزير الطرق والنقل في حكومته، أكبر تركان، بأن «مسألة ترشح سليماني للرئاسة بالنسبة له غير مرجحة»، فهناك عسكريون ذوو تاريخ مشرّف في خدمة الثورة الإسلامية والجمهورية الإيرانية، قد سبقوه إلى معترك السياسة فما جنوا غير ضياع سجلهم والحطّ من قيمتهم أمثال محسن رضائي، قائد الحرس الثوري إبان حرب العراق، ووجهة النظر هذه يتبناها العديد من الصحفيين أمثال بهمان هدايتي، الصحفي بوكالة فارس الإيرانية.لهذه السرديات التي تبدو منطقية، من غير الحصافة أن يطرح سليماني نفسه على الناخبين في انتخابات الرئاسة القادمة 2017م، وعليه إن كان جادًا في الحفاظ على قيمته التي اكتسبها كرجل عسكري ألا يخضع لضغوطات بعض المحافظين الذي لن يجدوا ورقة أربح منه للعب بها. وجدير بالإشارة أيضًا، أن لدى سليماني عداوات خارجية متعددة ناجمة من تزعمه تدخلات الجمهورية الإسلامية غير الأخلاقية، إن جاز لنا وصفها بذلك، في داخل دول المنطقة، في العراق وسوريا.وفي النهاية، فإن الظرف التاريخي يقول إن الرئيس في إيران باقٍ في منصبه لفترتين، منذ تولي خامنئي رئاسة الجمهورية في أغسطس/آب 1981م، حتى رحيل أحمدي نجاد عنها في أغسطس/آب 2013م، رغم ما كانت تعانيه البلاد في فترة حكمه من الأزمات الاقتصادية.كما تشير نتائج انتخابات مجلس الشورى التي جرت في فبراير/شباط الماضي بتفوق المعتدلين والإصلاحيين في الشارع الإيراني، متترسين بما حققوه العام الماضي في يوليو/تموز من إنجاز الاتفاق النووي، والذي من المنتظر أن يفتح السوق الإيرانية أمام الاستثمارات في قادم الأشهر؛ مما سيرفع من أسهم روحاني. فعلى سبيل المثال وقّعت شركة تركيا اتفاقية مع وزير الطاقة الإيراني قبل أيام، لإنشاء سبع محطات لتوليد الطاقة تعمل بالغاز الطبيعي في إيران بتكلفة 4.2 مليار دولار، ومن المفترض وفق الاتفاقية أن يبدأ العمل في إنشائهم في الربع الأول من العام 2017م. ولا ننسى أيضًا أن روحاني ترشح بالأمس، في انتخابات 2013م كمستقل بينما محمد رضا عارف مرشحًا للإصلاحيين. وغدًا في انتخابات 2017م، سيكون روحاني مرشحًا توافقيًا للإصلاحيين والمعتدلين إضافةً لما يتمتع به من علاقات جيدة مع بعض الأطراف المحافظة.