التسمية والنشأة الأولى

تنتسب الفرقة النصيرية العلوية إلى «أبي شعيب محمد بن نصير النميري البصري» المتوفي في 270هـ/ 883م. ولا تحظى النصيرية بمداخل مطولة في كتب المقالات والفرق كما حظيت مثيلاتها من الفرق المندثرة المندرجة تحت الزيدية والإمامية والخوارج وغيرها من الفرق. ولكنّ شذرات قليلة جدًّا عن نشأة الفرقة وصلتنا في كتب فرق الشيعة للنوبختي (ت 312هـ) ومقالات الإسلاميين للأشعري (ت 324 هـ) والمِلل والنِحَل للشهرستاني (ت 548هـ).

تنتسب النصيرية إلى محمد بن نصير النميري، وتعرف أيضًا بالعلوية، نسبة إلى علي بن أبي طالب باعتبار حلول الإله فيه، أو نسبة إلى الإمام العاشر علي الهادي.

ويبدو أنّ الاسم الأول الذي عرفت به الفرقة في القرن الثالث، هو النميرية، وليس النصيرية، نسبة إلى نفس الرجل محمد بن نصير النميري. هكذا ورد اسمها عند النوبختي والأشعري، والذين كانا معاصرين لنشأة الفرقة تقريبًا. أمّا الشهرستاني، الذي توفي بعد نشأة الفرقة بقرنين من الزمان فقد أسماها «النصيرية» و هو الاسم الذي ظلّ ملازمًا لها حتّى الآن.

أمّا الاسم الآخر الأكثر شهرة و معاصرة فهو «العلوية» و يبدو أنّ الاسم يعود للانتساب المباشر إلى الإمام «علي بن أبي طالب»، و هو ليس بالأمر المستبعد، فتأليه علي بن أبي طالب، أو الزعم بأن الإله قد حلّ فيه هو الاعتقاد الأساسي للفرقة. ولكن، هناك احتمال آخر لأصل التسمية، وهو الانتساب لـ «علي الهادي» (ت 254 هـ) الإمام العاشر من أئمة آل البيت لدى الشيعة الإثنى عشرية.

يخبرنا النوبختي، أنّ ثمّة اختلافًا بين فرق الشيعة حول تحديد الإمام العاشر بعد «محمد الجواد» (ت 219 هـ)، الإمام التاسع من أئمة أهل البيت، هل هو ابنه عليّ «الهادي» أم ابنه موسى. وكان من بين القائلين بإمامة «علي بن محمد»، فرقة «شذّت» وقالت بنبوة محمد بن نصير هذا، وأنّه مبعوث من قبَل «الحسن العسكري» (ت 260هـ) الإمام الحادي عشر من أئمة أهل البيت. إذًا فهناك احتمال أنّ العلوية هي نسبة للإمام علي الهادي، وليس علي بن أبي طالب.

أيًّا ما كان، فإنّ النوبختي الشيعي يتفق مع كل من الأشعري و الشهرستاني الذين ينتسبان لأهل السنّة أنّ النصيرية من فرق الشيعة الغالية. ومن بين خمسة عشر فرقة شيعية غالية يحصيها الأشعري، وإحدى عشر فرقة شيعية غالية يحصيها الشهرستاني، تستطيع النصيرية وحدها البقاء حتى وقتنا الحاضر مع اندثار واختفاء الفرق الغالية الأخرى.

والغلاة كما يعرفهم الشهرستاني هم «هؤلاء هم الذين غلوا في أئمتهم حتى أخرجوهم من حدود الخليقية، وحكموا فيهم بأحكام إلهية». إذًا يكاد يكون الغلوّ مرادفًا للحلولية، أي الاعتقاد بحلول الإله في الإنسان، أو «ظهور الروحاني بالجسد الجسماني» وظهور الله بصورة أشخاص، كما نقل الشهرستاني من مقالات النصيرية.


الاعتقادات الأساسية

الاعتقاد الأساسي للنصيرية كما أسلفنا هو تأليه علي بن أبي طالب، ففي أحد كتبهم المسمّى بالمجموع للخصيبي، وهو أبرز وأهم داعية للفرقة، يوصف علي بن أبي طالب بأنّه أحد صمد، لم يولد ولم يلد، وأنه قديم لم يزل، والشهادة عندهم هي أشهد أن لا إله إلا عليّ بن أبي طالب. و يواصلون ادّعائهم أنّ عليّ هو الذي خلق محمد، و أنه هو حجاب علي ومسكنه. أمّا رسول عليّ فهو «سلمان الفارسي»، في زعمهم.

لا يجد العلويون أي تناقض في الجمع بين تأليه عليّ و حب ابن ملجم، قاتل عليّ، لأنّه في نظرهم قد خلّص اللاهوت من الناسوت

ولا يجد العلويون أي تناقض في الجمع بين تأليه عليّ و حب ابن ملجم، قاتل عليّ، لأنّه في نظرهم قد خلّص اللاهوت من الناسوت. ويعتقد العلويون في تناسخ الأرواح. فيتصورون أن الإنسان إذا مات شريرًا، ولد من جديد نصرانيًّا أو مسلمًا حتى يكفر عن سيئاته، أمّا الذين لا يعبدون عليًّا فيولدون من جديد على شكل كلاب، أو إبل، أو بغال أو حمير. وللنصيرية اعتقاد في تعظيم الخمر ، ولذا فهم يقدّسون شجرة العنب.

ويذهب الشهرستاني إلى أنّ منشأ اعتقادهم بألوهية عليّ جاء من مذاهب الحلولية والتناسخية، كما جاء من من اليهودية والمسيحية. يقول الشهرستاني في المِلل والنِحَل «فربما شبهوا واحدًا من الأئمة بالإله، و ربما شبهوا الإله بالخلق» ويضيف ليحدد تشابه الاعتقاد بينهم وبين بعض مذاهب اليهودية والمسيحية «إذ اليهود شبهت الخالق بالخلق، والنصارى شبهت الخلق بالخالق. فسرت هذه الشبهات في أذهان الشيعة الغلاة، حتى حكمت بأحكام الإلهية في حق بعض الأئمة».

كما تعتقد العلوية النصيرية بوجوب إخفاء عقيدتهم، فهي عندهم سر مصون يخطئ من يذيعه. وليس أدّل من قدسية السرية عندهم، وأنّها من أساس عقيدتهم قلّة ما هو مدوّن عن مذهبهم في كتب المقالات والفرق العامّة، مقابل الفرق الأخرى التي تجاهر بمعتقداتها.

ومن أهم الوثائق الكاشفة عن معتقدات النصيرية، نص مستفتي توجه بسؤاله إلى ابن تيمية (ت 728) حيث يفصح المستفتي عن كثير من عقائد النصيرية في عصره. فبالإضافة لما تمّ ذكره من معتقدات، يضيف مستفتي إبن تيمية أنهم ينكرون وجود البعث والنشور والجنة والنّار في غير الحياة الدنيا، وإنّ الصلوات الخمس عندهم عبارة عن خمسة أسماء هي: علي، وحسن وحسين، ومحسن وفاطمة. والصوم عبارة عن اسم ثلاثين رجل وثلاثين امرأة.

ويسمّي النصيرية شعائرهم بالقدَّاسات. ومن قدَّاساتهم: قدّاس الطيب لكل أخ حبيب، قدّاس البخور في روح يدور، في محل الفرح والسرور، و قدّاس الآذان. (للمزيد حول معتقدات الفرقة النصيرية، راجع مذاهب الإسلاميين، عبد الرحمن بدوي).


التراث الكتابي

نظرًا لأن مذهب الفرقة النصيرية يشترط سرية الاعتقاد، فإن كتب ومؤلفات مشايخهم غير معروفة وغير متداولة. ولكنّ جهود المستشرق الفرنسي «ماسينيون» أفضت عن الكشف عن كثير من مؤلفاتهم التي لا يزال معظمها مخطوطًا.

يكاد عدد مشايخهم الذين ألّفوا أعمالاً تحوي أصول مذهبهم يصل إلى خمسين شيخًا عاشوا ما بين القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي حتى الوقت الحاضر. كما أنّ مجمل الأعمال التي حصرها ماسينيون بالفعل من تراث النصيرية يصل إلى حوالي 130 عمل. وأهم مشايخ النصيرية على الإطلاق هو «أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن حمدان الخصيبي» المتوفّى في حلب عام 346هـ أو 357هـ وله عشرة أعمال منها كتاب الهداية الكبرى وكتاب المائدة وكتاب عقيدة الديانة. ولكنّ أهمها على الإطلاق كتاب «المجموع» ويسمّى كذلك كتاب الدستور. وبعض النصيرية يحبون الانتساب إليه فيقولون عن أنفسهم «نصيرية خصيبية». ومن أهم الكتب التي تلخص الديانة النصيرية والموجهة لأتباعها كتاب «تعاليم النصيرية» التي وردت في شكل سؤال وجواب استهلّت بسؤال «من الذي خلقنا؟» و إجابة: «علي بن أبي طالب».

أمّا الأعمال المعاصرة التي تتناول النصيرية فمن أهمها «الباكورة السليمانية في أسرار الديانة النصيرية» لمؤلفه سليمان الأضني المنشور في بيروت عام 1863م. والذي كشف النقاب عن كثير من أسرار النصيرية، وتحدّى خفاء معتقداتهم. وسليمان الأضني ابن من أبناء الفرقة، كان متشكّكا في مذهبها فتحول إلى المسيحية. وحين نشر كتابه، عاقبته طائفته بإحراقه حيًّا حين ظفروا به.

أمّا أشهر الكتب المعاصرة فهو كتاب «تاريخ العلويين» لمحمد أمين غالب الطويل الأضني (المتوفي في 1932 م) والمطبوع في اللاذقية عام 1924م.


أعياد النصيرية وفرقهم الفرعية

أهم الكتب التي تعرض لأصول المذهب النصيري على الإطلاق كتاب «المجموع» للخصيبي، ويسمّى كذلك كتاب الدستور، يليه كتاب «تعاليم النصيرية».

يحتفل النصيرية بعيد الفطر في أول شوال، وعيد الأضحى في الثاني عشر من ذي الحجّة، كما يحتفلون بمعظم أعياد الشيعة فيحتفلون بعيد الغدير في 18 ذي الحجة، وعيد عاشوراء في العاشر من محرّم، وعيد الغدير الثاني في التاسع من ربيع الأول، كما يحتفلون بأعياد مذهبهم الخاصة مثل عيد الفراش في ذكرى تعريض علي بن أبي طالب نفسه لقريش بدلاً من النبي، وذكرى وفاة سلمان الفارسي في الخامس عشر من شعبان. ويحتفلون كذلك بأعياد فارسية مثل عيد النوروز في أول الربيع، وعيد المهرجان في أول الخريف.

أما عن فرقهم الفرعية، فللنصيرية أربع طوائف انقسمت حسب الاختلاف في الآراء العقدية الفرعية إلى الحيدرية والشمالية والكلازية والغيبية. ولكن الفرقتين الباقيتين حتى الآن هما الكلازية والحيدرية. أمّا الحيدرية فتنتسب إلى «علي الحيدري» زعيم النصيرية في القرن التاسع الهجري. أمّا الكلازية فينتسبون إلى شيخهم «محمد بن يونس كلازو جرّاني» المتوفي في القرن الحادي عشر الهجري في أنطاكية، الذي ألّف عدّة كتب منها كتاب التأييد، وكتاب الجدول النوارني وكتاب الباطن.

وموطن الخلاف بين الحيدرية والكلازية هو الخلاف في مسكن الإله و هو عليّ، فالأولى تقول إنّ عليًّا حالّ في الشمس، والثانية تقول إنّ عليًّا حالّ في القمر.

بقيت كثير من عقائد النصيرية كما هي حتى الآن، ولكن المذهب دخلته مؤثرات تاريخية أخرى، حتى وصل لصورته المعاصرة، والتي تنفكّ تمامًا عن الإسلام.