في كرة القدم يبقى عامل الوقت هو الأهم على الإطلاق. هناك دومًا وقت مثالي لكل حركة داخل الملعب، بل إن الإيمان بمهارة أحد اللاعبين ومدى قدرته على إحداث الفارق يحتاج أيضًا للوقت. فلا يكفي أن يتألق لاعب خلال مباراة ليسرق قلوب الجماهير.

على الرغم من كل ذلك هناك مشاهد استثنائية لا يحتاج فيها المشجع للوقت كي يوقن أنه أمام لاعب مختلف. حدث ذلك عندما خطت أقدام اللاعب المالي أليو ديانج أرض الملعب رفقة النادي الأهلي. أدرك الجميع أن هذا الرجل مختلف تمامًا بدنيًا عن لاعبي الدوري المصري.

يختلف الشق البدني عن نظيره الفني في مدى الوضوح للمشاهد العادي غير المعني بتكتيكات كرة القدم، ولذا فنحن هنا لسنا بصدد تقييم أداء الرجل فهو بالطبع متفوق بدنيًا. أما عن الشق الفني فالرجل يحدث الفارق فيما يتعلق باستعادة الكرة تحديدًا والحفاظ على تفوق وسط الأهلي فيما يتعلق بالاستحواذ ضد منافسيه.

تلقى ديانج الإشادة من المتخصصين قبل الجماهير ثم مع الوقت أصبحت النغمة السائدة للحديث عن ديانج هي أنه لن يستمر كثيرًا في الملاعب المصرية وأن مسألة احترافه أوروبيًا مسألة وقت.

أدرك الأهلي سريعًا ثمن ما يملك وجدد تعاقد لاعبه ليشمل التعاقد خمس سنوات تنتهي في العام 2026. تلقى اللاعب بالفعل قبل موسم 2022-2021 عرضًا من فريق جالطا سراي أكد البعض أنه وصل لقيمة 6 ونصف مليون يورو رفضها الأهلي وأكد أن قيمة اللاعب أكبر من ذلك وردد البعض أن الأهلي حدد 10 ملايين يورو للتنازل عن اللاعب.

بدأ الموسم ولاحظ الجميع أن مردود اللاعب قلّ بشكل واضح ليصبح السؤال المنطقي: هل كان على الأهلي بيع اللاعب أم الحفاظ عليه حتى نهاية عقده لأن الأهلي كبير وليس ناديًا يهدف للاستثمار في اللاعبين كما يؤكد البعض.

حسنًا، تلك المعضلة التي تتعلق بالتوقيت المثالي لبيع لاعب. ما هي نقطة النقاش المرجوة من هذا الحديث؟ دعنا إذن نتناول أطراف المعادلة جميعها لنحاول تحليل الموقف.

لماذا كل الانتقالات ليست مجانية؟

الأهلي ليس وحده بالطبع، يحاول كل نادٍ الاستفادة القصوى من بيع لاعبيه ولذا فهناك دومًا مبالغات فيما يتعلق بأرقام الصفقات المبرمة كل عام. مع ظهور أندية المليارات في الصورة أصبحت الأرقام في زيادة غير منطقية بالمرة.

هدأت الأمور قليلًا بفعل الأزمات الاقتصادية التي شهدها العالم مؤخرًا، فعام 2022 يشهد عددًا قياسيًا فيما يتعلق باللاعبين المرجح انتقالهم لأندية جديدة كصفقات مجانية بعد انتهاء عقودهم.

مبابي وروديجير وبوجبا والقائمة تطول، ربما تعتقد الآن أن الحل المنطقي لمجابهة مطالبات الأندية هو انتظار اللاعب لحين انتهاء عقده ببساطة، بعيدًا عن صعوبة ذلك فنيًا لكن حتى على المستوى الاقتصادي فالإجابة لا أيضًا.

الحقيقة أن وصف هذه الانتقالات بأنها مجانية هو وصف مخادع تمامًا. والسبب ببساطة أن وكلاء اللاعبين يحلون محل الأندية بمطالبهم الضخمة إزاء اللاعبين غير المرتبطين بعقود، كما أن رواتب اللاعبين الذين ينتقلون في صفقة انتقال حر تميل إلى التضخيم وهو ما ينتج عنه غالبًا تأثير دومينو في باقي عناصر الفريق.

قبل أربع سنوات انتهى عقد اللاعب الألماني إيمري تشان رفقة ليفربول، رفض اللاعب تجديد عقده وقرر الذهاب إلى اليوفنتوس. لم يكن تشان لاعبًا فذًا أبدًا بل إنه ليس لاعبًا من الفئة الأولى في مركزه عالميًا، لكن كان على الفريق الإيطالي أن يدفع عمولة لوكيله 16 مليون دولار حتى يفوز بسباق التعاقد مع اللاعب.

لم يتوقف الأمر هنا فقد اضطر البيانكونيري أن يقنع تشان باللعب في إيطاليا عن طريق تقديم راتب سنوي كبير قدره 5 ملايين يورو بعد الضرائب. وكلاء لاعبي يوفنتوس الآخرين استخدموا بعد ذلك صفقة إيمري تشان كدلالة لطلب زيادة في أجور لاعبيهم. في غضون بضعة أشهر تم الإعلان عن زيادات لأجر لاعبين مثل ميراليم بيانيتش وسامي خضيرة وأليكس ساندرو.

المثير هنا أن كل الأسماء السابقة لا تستحق من الأساس كل تلك الضجة لكنه تأثير الدومينو الذي أحدثه تشان ووقع في فخه إدارة اليوفي.

ربما البقاء على اللاعب عن طريق عقد طويل الأجل هو الحل المنطقي. حسنًا، بيير أوباميانج لا يوافق على هذا الطرح.

سنة العقد

هناك مصطلح في سوق الانتقالات يسمى سنة العقد. يشير هذا المصطلح إلى أن أداء اللاعب يتحسن خلال السنة الأخيرة من عقده بشكل واضح. أشارت دراسة قام بها باحثون طليان في معهد الاقتصاد والإدارة الفرنسي IESEG، وأجريت على 275 لاعبًا في دوري الدرجة الأولى الإيطالي بين عامي 2012 و 2014، أن أداء اللاعبين كان أفضل في العام الأخير من عقودهم بشكل ملفت.

في المقابل يستغل المديرون الفنيون الأمر أيضًا، حيث أكد رالف رانجنيك مدرب اليونايتد أنه حتى لو كان أداء بوجبا الجيد فقط لإظهار ما يكفي لعقد جديد في مكان آخر فذلك سيعود بالنفع على الفريق في الأخير. المثير هنا أن بوجبا لم يقدم أداء جيدًا حتى في سنة العقد!!

لكن أوباميانج لم يفعل، لقد قدم موسمًا جيدًا للغاية في سنة العقد مما أدى في الأخير إلى رضوخ أرسنال لمطالباته المالية وتجديد العقد لكن النتيجة كانت كارثية. تراجع مستوى أوباميانج كثيرًا بمجرد حصوله على هذا العقد. ربما يرجع السبب لأنه لم يكن مقتنعًا بمشروع أرسنال من البداية بل إنه أخر تجديد التعاقد في انتظار إشارة من نادي برشلونة، وهو ما حدث بعد ذلك.

هذا يشير إلى علاقة دوافع اللاعبين للتألق بالتقدير المادي الذي يحصلون عليه. يبدو الأمر محيرًا هنا لأن طبقًا لعالم النفس في بلاكبيرن روفرز الدكتور آندي هيل فإن الأموال التي يحصل عليها اللاعب وزيادتها بعد تألقه هي ضرورية للغاية لأنها تعبر عن التقدير النفسي الذي يسعى إليه دومًا لاعب كرة القدم.

ربما هنا نصل إلى نتيجة منطقية بين الرأيين وهي أن محاولة إقناع اللاعب عن طريق عقد طويل بمبالغ مرتفعة ستكون نتيجته سيئة بالطبع، أما إذا كان اللاعب مقتنعًا من الأساس بمشروع الفريق ففكرة مكافأته نظرًا لتألقه اللافت تصبح منطقية للغاية.

حسنًا يتبقى هنا رأي أخير وأعتقد أن الكثير يردده في مصر دون سبب منطقي، وهو أن النادي هو الأهم والعقد شريعة المتعاقدين وليلعب اللاعب حتى آخر مباراة في عقده دون النظر لأي عرض مقدم، وإذا اهتز مستواه فإن النادي لا تلوى ذراعه ودكة الاحتياط مأواه المنطقي حينئذ.

هنا ننتقل إلى أمثلة تبدو حزينة للجميع.

دراما دكة الاحتياط

في الواقع هذا الرأي لا يختص بالأهلي وجماهيره فقط فأندية أوروبية كثيرة لجأت لعقاب دكة الاحتياط في كثير من الأحيان، لكن الحقيقة أن النتيجة دومًا تأتي غير مفيدة. قرر الفرنسي رابيو ألا يجدد عقده رفقة باريس سان جيرمان والعقاب كان موسمًا طويلاً دون مشاركة أساسية والنتيجة أن النادي لم يستفد باللاعب واللاعب تأثرت مسيرته كثيرًا بعد ذلك.

ويسلي شنايدر أيضًا خرج من الأنتر بسيناريو مماثل والنتيجة أنه خرج إلى جالاطا سراي رغم أنه كان يستطيع إكمال مسيرته بشكل أفضل، الأمثلة هنا كثيرة والنتيجة ثابتة. لا يستفيد أحد على الإطلاق، ربما بهذا قرر رانجيك إشراك بوجبا لآخر لحظة.

حسنًا، لنعد للسؤال ذاته مرة أخيرة: هل على الأهلي بيع ديانج سريعًا؟

يجب أن يفطن مسئولو الأهلي أنه من الصعب إقناع لاعب بتجاهل عروض أوروبية هو درب من الخيال، كما أن انخفاض مردود ديانج عامل مهم وأن شعوره بأن مع تألقه سيزداد تمسك الأهلي به هو عامل خطر.

يجب أن يثق اللاعب أن النادي يقف جواره في قصة احترافه، ربما يرضى النادي بمبلغ أقل من دوري أفضل، على سبيل المثال إذا كان الحديث عن اهتمام نيوكاسل باللاعب حقيقيًا فيجب على الأهلي التساهل في قيمة البيع لا المطالبة في العائد المادي على اعتبار ان نيوكاسل نادٍ ملياري جديد.

لاعب مثل ديانج يجب متابعة العروض المقدمة إليه بشيء من التفاهم لأنه سيصبح فيما بعد أملًا للاعبين أفارقة جدد سيعرفون أن الأهلي بوابة جيدة نحو أوروبا. الأهلي عظيم في عيون أبنائه لكنه أبدًا لن يكون مثل أندية أوروبا للاعب محترف.

على الأهلي بيع ديانج دون شك إذا كانت رغبة اللاعب هي اللعب في أوروبا حتى لا يصبح بوجبا جديدًا أو أوباميانج آخر وحتى لا يحوله الأهلي إلى رابيو حزين.