استيقظ سكان القاهرة اليوم على وقع انفجار هائل داخل الكنيسة البطرسية الملحقة بالكاتدرائية المرقسية بمنطقة العباسية بوسط العاصمة؛ نتيجة زرع قنبلة داخل المكان المُخصص لصلاة السيدات نتج عنه 25 حالة وفاة و35 مُصابًا وفق بيان لوزارة الصحة.

وتأتي تلك العملية بعد أقل من 48 ساعة على عملية استهداف قوة أمنية بشارع الهرم خلفت وراءها 6 قتلى بينهم ضابطان، في سلسلة عمليات إرهابية لم تتوقف منذ الإطاحة بمحمد مرسي من منصب رئاسة الجمهورية.


ما الإرهاب الذي تواجهه مصر تحديدًا؟

عقب اندلاع مظاهرات 30 يونيو/حزيران 2013 والتي نتج عنها عزل القوات المسلحة لمحمد مرسي عن رئاسة الجمهورية، تفجر الوضع الأمني في شمال سيناء خلال عدة عمليات إرهابية راح ضحيتها العشرات من جنود وضباط القوات المسلحة وجهاز الشرطة؛ ما استدعى استنفارًا أمنيًا من الجيش في المنطقة وبدء عمليات عسكرية موسعة؛ قال عنها في مطلع شهر أكتوبر/تشرين الأول اللواء أحمد وصفي قائد الجيش الثاني الميداني وقتها إنها على وشك الانتهاء وفي مرحلة التطهير، وأن الجيش كان بإمكانه القضاء على الإرهاب هناك في 6 ساعات إلا أن الخوف على الأهالي هو ما استدعى حرصًا أكبر.

تلك العمليات العسكرية التي حذر من اللجوء إليها وحدها عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع حينها، في ندوة تثقيفية لضباط الجيش، ومؤكدًا على وجوب تزامنها مع حركة تنمية واسعة للأهالي، مُحذرًا من سيناريو جنوب السودان في اللجوء للحل الأمني فقط.

توجهات السيسي الذي تقلد منصب رئيس الجمهورية بعد ذلك في الحرب على الإرهاب لم تُماثل كلامه أثناء تقلده منصب وزير الدفاع، حيث واجه أهالي سيناء ظروفًا معيشية بالغة القسوة مثلما يصفها العديد من النشطاء والباحثين والصحفيين السيناويين.

بجانب قبضة أمنية شديدة نتج عنها ترحيل عدد كبير من السكان من منازلهم التي قصفتها قواته، بالإضافة إلى عدد كبير من الضحايا، وهو النهج الذي اتبعه في التعامل مع المجتمع المصري كاملاً، والذي يتم فيه استهداف النشطاء والسياسيين والحقوقيين والصحفيين، مصحوبًا بقبضة أمنية طالت عشرات الآلاف، تزامنت مع إجراءات اقتصادية عاصفة بأوضاع عشرات الملايين من الشعب.

وخلال عامين ونصف من حكم السيسي انتقل الإرهاب من شمال سيناء إلى قلب العاصمة التي شهدت عمليات إرهابية متطورة وخطيرة ومتعاقبة، كان من بينها حادث استشهاد النائب العام السابق هشام بركات، والعميد عادل رجائي قائد الفرقة التاسعة المدرعة، بخلاف عشرات العمليات التي استهدفت ضباط وعساكر من الجيش والشرطة، إلا أن حادث الكنيسة البطرسية لا يُشابه كل ما سبق وفق ما يرى «علي الرجّال» الباحث في علم الاجتماع السياسي والمتخصص في الدراسات الأمنية.

وقال الرجّال لـ إضاءات أن عملية تفجير الكنيسة جزء من سلسلة العمليات الإرهابية التي تضرب مصر وإن لم تكن مشابهة لما سبقها، فالجماعات الإرهابية كانت قد توقفت عن استهداف المدنيين سواء لأسباب أيديولوجية أو تكتيكية لعدم خسران الحواضن الشعبية لهم، وذلك بخلاف العمليات الانتقامية ضد الأقباط التي تفجرت عقب فض اعتصام رابعة العدوية والتي استهدفت عشرات الكنائس، وكانت العمليات قد أخذت طابعًا عسكريًا أو اغتيالات انتقائية لرتب وقيادات في الدولة، إلا أن عملية اليوم تعني أن هناك عودة لاستهداف المدنيين لليّ ذراع الدولة.


هل التقصير الأمني متهم؟

المدهش في عملية اليوم أنها استهدفت كنيسة مُلحقة بالكاتدرائية المرقسية، والتي تُعد أكبر الرموز المسيحية في أفريقيا، والتي من الطبيعي أن يحيطها تأمين شديد يصعب اختراقه بالشكل الذي حدث اليوم، والذي تُشير ملامحه الأولى إلى أنه تم تنفيذه بكمية كبيرة من المواد المتفجرة قال البعض إنها بلغت 8 كيلو جرامات، حيث أشار «بولا سامح» الباحث في الشأن القبطي، وأضاف لإضاءات تأكده من أن الكنيسة كان عليها قوات مُشددة للغاية نظرًا لوقوعها بجانب منزله.

إلا أن «مينا منسي» الناشط السياسي كان قد علق على ذلك بأن الكنيسة جزء صغير مُلحق بالكاتدرائية ولها مدخل خاص يطل من على شارع رمسيس، وأن تأمينها أقل بكثير من تأمين الكاتدرائية نفسها، إضافة إلى أن هناك حالة استرخاء أمني في تأمين الكاتدرائية نظرًا لسفر البابا تواضروس إلى اليونان، وهو ما اتفق معه كلام «سالي» إحدى المترددات على الكنيسة والتي قالت لإضاءات أنه منذ فترة كبيرة لا يوجد تفتيش ولا تشديد أمني في الكنيسة وكان هناك نوع من التراخي الشديد في التعامل مع زوار الكنيسة.

وبالرغم من صعوبة مثل تلك العمليات على كل الأجهزة الأمنية حول العالم كما يرى علي الرجّال، إلا أنه يؤكد على أن مسؤولية العملية تقع بالكامل على الجهاز الأمني مُطالبًا بالتحقيق معه ومحاسبته عليه، خاصة وأن مثل تلك العملية يأتي تزامنًا مع القبضة الأمنية الشديدة التي يُعاني منها المجتمع كاملاً، والذي يشهد إجراءات قمع وتضييق غير مسبوقة.


الحركات المسلحة تتبرأ: من يكون وراء الحادث؟

الأمر الأكثر غرابة في حادث اليوم هو إسراع عدة فصائل مسلحة نفي علاقتها بالعملية، فحركة حسم التي كانت قد أعلنت عن مسؤوليتها في حادث تفجير كمين شارع الهرم، سارعت بإصدار بيان قالت فيه «لقد علمنا نبينا حتى ونحن نقاتل ألا نقتل طفلاً ولا امرأةً ولا شيخًا ولا عابدًا في صومعته».

هذا إلى جانب توجيه الاتهام إلى الأجهزة الأمنية بالضلوع في الحادث «لإحداث الفتنة والشقاق بين أبناء الشعب الواحد وإلهاء العوام»، مُشيرة إلى حادث كنيسة القديسين بالإسكندرية أواخر عام 2010، والذي اتهم البعض جهاز الشرطة بالوقوف وراءه.

كذلك فقد قدمت حركة «لواء الثورة» تعازيها لأهالي الضحايا في بيان قالت فيه «إن منهجنا المقاوم يبتعد عن استهداف عموم المدنيين المغلوبين على أمرهم أيًا كانت مواقفهم وآراؤهم الخاصة أو انتماءاتهم الدينية»، تلك البيانات التي تُعطي مزيدًا من الغموض حول الحادث خاصة مع إسراع تلك الحركات في الإعلان عن تبني عدد كبير من العمليات.

بينما اتهم بعض الخبراء العسكريين بوقوف جهاز استخباراتي وراء الحادث، مثلما صرح العقيد حاتم صابر رئيس هيئة عمليات الوحدة 777 والوحدة 999 السابق لجريدة الشروق.


كيف بدت ردود الأفعال؟

Gepostet von Mohamed Gaber am Sonntag, 11. Dezember 2016

غموض الحادث الذي خلف وراءه غضبًا عارمًا من جموع المصريين وخاصة الآلاف التي تجمعت حول الكاتدرائية مرددة هتافات ضد السيسي وضد الشرطة، حيث نادت الجماهير بإسقاط النظام والسيسي.

هذا إلى جانب طرد عدد كبير من المسؤولين على رأسهم وزير الداخلية ورئيس الوزراء من أمام الكنيسة، حيث رفض أهالي الضحايا والمتواجدين هناك مرورهم في حالة من الغضب الشديدة انصبت على النظام وكل رموزه.

كما تم الاعتداء على إعلاميي النظام مثل أحمد موسى ولميس الحديدي وريهام سعيد، وهو ما يحمل الكثير من الدلالات، والتي تُشير إلى بلوغ غضب المصريين مداه من الإجراءات القمعية المؤلمة والاقتصادية المهلكة التي طالت غالبية الشعب، والتي قد تشهد تطورات أكبر.