مثل التيار السروري نقطة تحول في تاريخ الحركة الإسلامية في المملكة العربية السعودية منذ سبعينات القرن المنصرم، حتى صارت من أكبر التيارات الإسلاموية المتواجدة في المملكة، وقد أحيط التيار منذ نشأته بالعديد من الهالات والانتقادات لموقفها الفكري والأيديولوجي.

فمن هو مؤسس هذا التيار؟ وما هي أيديولوجيته؟ وكيف صار أقوى التيارات الإسلاموية في المملكة؟ وما موقفه من القضايا المعاصرة؟

بالرغم من حداثة نشأة التيار السروري في المملكة، إلا أنه استطاع أن يكن فاعلا لا غنى عنه في الساحة السياسية والاجتماعية، ومع ذلك الأكثر للأطروحات الجديدة، نستعرضها من خلال رصد محطات تطوره.

مثلت السرورية في بدء الأمر جسرا للعبور الأيديولوجي من الفكر الإخواني إلى العقيدة السلفية، وهو ما جعل أولى الانتقادات الموجه للتيار كونه إخوانيا، فإلى أي مدى يتلاقى السروريون مع الإخوان.


الموروث الإخواني

وقبلت ظلم ذوي القربي وعداواتهم، ولا أعتقد أن أحدا في العالم الإسلامي ظلم من إخوانه ورفاق دربه السابقين مثلما ظلمت
محمد سرور، مؤسس تيار السرورية

تعتبر جماعة الإخوان المسلمون المؤسسة في 1927م على يد الإمام حسن البنا، والجماعة الإسلامية في الهند والتي أسسها المودودي هما مهد حركات الإسلام السياسي المعاصر، والتي أخذت في الانتشار في ربوع الأرض، تأثرا واختلافا أيديولوجيا وحركيا معها.

انتمى «محمد سرور زين العابدين» السوري الأصل إلى جماعة الإخوان في سوريا، حتى وصل إلى مراتب القيادات الوسطى بالجماعة، ومع تطور المتغيرات المحلية إبان المرحلة الستينية والتي شهدت العديد الأحداث السياسية منها فك الارتباط السياسي للوحدة العربية بين مصر وسوريا، واستفراد البعثيين بالحكم السوري، ومن هنا انقلبت أجواء العمل السياسي للجماعة في سوريا وتصادمت مع النظام على غرار صدام إخوان مصر مع الناصرية.

انتهى الأمر بحدوث انشقاق داخل الجماعة السورية إلى فريقين فريق يتبنى الصدام وآخر يتبنى المهادنة، كان سرور ممن يتبنون الاتجاه الآخر إلى جوار عصام العطار.

في هذه الأثناء كانت أفكار سيد قطب تنتشر كالرعد بين صفوف الإسلامويين، فتبناها سرور كما تأثر بأفكار محمد قطب شقيق الأول، هاجر سرور كما فعل آخرون من سوريا إلى المملكة العربية السعودية، فعمل مدرسا للرياضيات والدين في معاهد المملكة خاصة في منطقة القصيم.


جماعة فلاح

انتهى المطاف بسرور في المملكة وعمل على نشر أفكاره، بل سعى إلى اعتماد شكل جديد من النشاط الإسلامي متفاهما ومتقاربا مع الرؤية العقائدية الوهابية، وبدأت أفكار سرور تنتشر في منطقة القصيم، وبالرغم من محاولات المواجهة من قبل شبكات الإخوان في السعودية والتي رأت أنه الممكن التقارب مع التيار الجديد.

كان كتابه «دراسات في السيرة النبوية» مرجعا تأسيسا لفهم الإسلام المعاصر مستنبطا دروسها من السيرة النبوية، محذرا فيه من خطورة تقليد الرجال واعتبار أقوالهم وآرائهم مناهج وأدلة شرعية لا يجوز مخالفتها، وهنا ربما تكون الإشارة إلى هؤلاء الذين سبق وأن انفصل عنهم.

يبدو تأثره بالمنهج المهادنة الإخواني والذي انفصل عن الجماعة مناصرة له، ذلك حينما دعا إسلاميو الجزائر في أعقاب تعطيل نتيجة الانتخابات، واندلاع الحراك المسلح قائلا: يا دعاة الإسلام لم يحن وقت القطاف.

بالرغم من الدور الذي لعبه سرور في تأسيس الحركة الوليدة في المملكة، إلى أن ظل يؤكد على أنه ليس قائدا للحركة فهو ليس عالما، مشيرا على أنه لا يريد تحميل التيار الجديد مسئولية أخطائه السابقة. بينما تولى قيادة الجماعة فلاح العطري ولذلك سميت في البداية بجماعة فلاح.

قررت المملكة تهجير سرور فطلبت منه مغادرة البلاد في 1973م ومنها رحل إلى الكويت آثر انفصاله عن الإخوان، وهناك سرعان ما التحق بأسرة مجلة المجتمع التي كان يصدرها الإخوان المسلمون بالكويت.


وجاء دور المجوس

قد منحناه وشاحا ووساما من دمانا ومضينا للإمام ندمر الشرك ونجتاح الظلاما ليعود الكون نورا وسلاما

اقتبس سرور في بدايات كتابه المثير للجدل «وجاء دور المجوس» هذه الأبيات لشاعر الإخوان يوسف العظيم، والذي أبدى فيه إعجابه بنجاح الثورة الإيرانية، كما استشهد بما جاء في بيان التنظيم الدولي للإخوان في الدفاع عن الثورة الإيرانية، كما أشار إلى موقف تنظيم الإخوان الدولي من الحرب العراقية الإيرانية والتي دعم فيها الإخوان إيران على العراق، منتقدا إياه واعتبره موقفا عاطفيا إنشائيا، يخلو من قراءة الأحداث وما سيترتب عليه، مؤكدا على أن هذا الشعور المتعاطف كان من طرف واحد وهو الإخوان.

كما انتقد سرور موقف بقية التيارات الإسلامية المفتونة بالثورة بالإيرانية ومن بينها جماعة المودودي الإسلامية، مشيرا أنه لا يمكن لأحد قد أيد الثورة الإيرانية قد قرأ عن معتقدات الشيعة الرافضة.

هاجم سرور بقوة الثورة الإيرانية في بدايات الثمانينات، محاولا استقراء ما سيترتب على الثورة الإيرانية، وتأثيرها السياسي والديني على العالمين العربي والإسلامي، ولذلك يعتبر من أوائل من تنبأ بسياسات إيران في المنطقة باكرا.

وما يهمنا من كتابه هو تباين موقفه مع المكون الإيديولوجي المتعاطي مع الثورة الإيرانية، فيمثل خطا فاصلا وناظما بينها، لتبدأ مرحلة ومحطة جديدة للسرورية.


ملامح متزاوجة

بدأت مرحلة تأسيس التيار السروري منذ منتصف الستينات ولاقت رواجا فكريا وشعبويا منذ السبعينات، وخلال تلك الفترة لم يكن قد أطلق على التيار «السرورية» ولكنه عرف بـ «جماعة فلاح» كما ذكرنا، كما أنه يبدو هناك تأثرا في البدايات بالموروث الفكري لجماعة الإخوان المسلمين وخاصة الموروث الحركي.

بدأ إطلاق مسمى السروري على الجماعة في نهاية السبعينات بعد أن غادر سرور المملكة إلى الكويت، إنما يبرز دور سرور الفكري والإيديولوجي في قيادة هذا التيار بالرغم من أنه لم يتقلد آنذاك أدوارا تنظيمية، وهو ما يمكن أن يعزى إليه نجاح التجربة.

استخدم السروريون مسميات تمييزية عن الإخوان ومنها الشباب والصالحين والطيبين، فيما أشاروا إلى أنصار جماعة الإخوان بالزملاء الآخرون، فيما تميز التيار الوليد بعدم سعيه لتكوين هيكلي تنظيمي من منطلق وحدة جماعة المسلمين، في حين أن الانتماء لحزب أو جماعة بعينها يكسر هذه الوحدة، وهم بذلك يخالفون منهج الإخوان المسلمين في التنظيم.

فيما تقارب التيار مع الجماعة في الأدوات والأنشطة الاجتماعية التي يمكن من خلالها كسب مناصرين وأعضاء جدد، ومنها استهداف الشباب صغيري السن، وتوظيف حلقات حفظ القرآن، ولجان التوعية الإسلامية، والاهتمام بالتنشئة الاجتماعية للأطفال، والتغلغل في المراكز الحساسة والهيئات الرسمية، في المدارس والمساجد.

المراجع
  1. ستيفان لاكروا، زمن الصحوة: الحركات الإسلامية المعاصرة في المملكة العربية السعودية، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2012
  2. سمير رمزي، التيار السروري الجهادي : الفقه والهياكل والارتباطات، المكتب العربي للمعارف
  3. محمد سرور، وجاء دور المجوس، 2008