حينما ظهر مؤخرًا تسريب عبر وسائل التواصل الاجتماعي نُسب لأمير وأحمد، نجلي رئيس الزمالك مرتضى منصور، كان كل شيء معدًا دون سابق تحضير لتعرف بالضبط كيف تسير تلك المنظومة صغيرة النطاق، التي تدير أخرى من بين الأوسع في إفريقيا والشرق الأوسط، الأولى هي منظومة عائلة منصور، والثانية هي نادي الزمالك.

اللافت لانتباه الكثيرين كانت الطريقة التي بدا بها أمير مرتضى منصور وكأنه يدير كل شيء في مقدرات النادي، كما وصف هو نفسه بأنه «خارج مجلس الإدارة ولكن بصلاحيات رئيس نادٍ»، واللافت للانتباه أكثر هو تلك الحنكة التي بدت في تسييره للأمور، والتي لا تملك حيالها سوى الإشادة بذكاء الرجل الذي عرف كيف يحقق شعبية «حقيقية» بين أوساط جماهير القلعة البيضاء.

ولم يكن أدق وصفًا لعراب العهد الجديد من عائلة مرتضى منصور، سوى جملته التي نصح بها أخاه «ما تيجي نعملها بشياكة» حين كان يقنعه ألا يترشح على مقعد النائب، الذي عانى الزمالك كثيرا من مغبة منافسة نجل رئيس الزمالك عليه، ودخل في إشكاليات قضائية بعد نجاح هاني العتال في الانتخابات قبل الأخيرة وفوزه بها ورفض منصور إدخاله المجلس لتحدث مهاترات نعرفها جميعًا.

«ما تيجي نعملها بشياكة» هي الخلطة الجديدة التي يلعبها أمير مرتضى منصور، مدخلاً ثورة في تفكير نادٍ لم يلعبها أبدًا «بشياكة» وآن الأوان كي يجرب حظه في هذا العالم، بعد 20 عامًا من احتراب داخلي بين إداراته المتعاقبة، يبدو أن أمير يدرك أن السبيل الحقيقي لبدء اللعب «بشياكة» هو إنهاؤه تمامًا وبداية صفحة جديدة مع كل شيء وكل أحد، حتى مع الأهلي!

قدوتي ثابت البطل .. ولكن!

لم أسمع عن مدير كرة في الزمالك على الإطلاق حتى في أيام الورود والقلوب الحمراء وشهور العسل مع الأهلي، جرؤ على أن يقول إنه تعلم إدارة الكرة من ثابت البطل على سبيل المثال، واختيار ثابت البطل شديد «الشياكة» لأنه بينما لا يمكن أن نذكر اسمين كصالح سليم وحسن حمدي لأنهما توليا رئاسة الأهلي وبالطبع ستنعقد المقارنات مع أبيه، فقد اختار أمير الشخص الأمثل لمداعبة جمهور الأهلي وفي ذات الوقت دون أن يخرق ثابتًا من قدوتي ثابت البطل.. ولكن! الزمالك في عهد أبيه، وبالتالي فيمكنك أن تستنتج أنه حتى حينما ينتقي إجاباته يحافظ على ذات «الشياكة».

ولكن تبقى لدى أمير نقطتان واضحتا المعالم أثناء اللعب «بشياكة»، الأولى تتمثل في أن جماهير الزمالك لا يمكن أن توضع في خانة العدو أبدًا، والثانية أن المكان الحقيقي لبسط النفوذ هو غرفة ملابس اللاعبين، هاتان المساحتان اللتان لا يمكن أن يتنازل عنهما أمير، والحق يقال إنه بارع في الحالتين.

في حالة جماهير الزمالك، لا بد من الرد مثلاً على سيد عبد الحفيظ الذي يبادر بالضغط تارة وبالمشاكسة تارات في لعبة اعتيادية بين الأقطاب الكروية المتنافرة، لكن أمير مرتضى منصور نجح في استغلال حالة سيد عبد الحفيظ كي يكسب شعبية كبيرة لدى جمهور الزمالك من كونه الوحيد في نظرهم الذي استطاع أن يقف أمام قدراته الكلامية وجهًا لوجه بنسبة مئوية.

والحق أيضًا أن أمير لم يبتغِ أبدًا دخول معركة كلامية مع سيد عبد الحفيظ قد يخرج منها خاسرًا، يصف هذا دائمًا بأنه «بيعرف يهزر كويس ويقول نكت ويضحك الناس» ولكنه لا يريد أن يلعب هذا «الجيم» على حد وصفه.

إذن فنحن على موعد مع نموذج زملكاوي جديد من نوعه، وبالذات بين آل منصور، نموذج يترفع عن الرد على الأهلي إن بادر أحد مسؤوليه بالاستفزاز، نموذج يعرف جيدًا كم يخسر أي شخص يضع نفسه أمام الأهلي في عراك يكون هو البادئ به، ولذلك فهو يدخل الحرب التي يريدها فقط، لا التي تُفرض عليه، وهذا درس في «اللعب بشياكة» أضاع إغفاله وقتًا كبيرًا على الزمالك، وساهم في توسيع الهوّة مع الأهلي خلال القرن الحادي والعشرين.

هكذا يظلمنا الأهلي!

منذ وعينا جميعًا على كرة القدم المصرية، تطالب الأندية كلها تقريبًا بالمساواة مع الأهلي والزمالك، ولكن الزمالك يرفع سقف المطالبات ليطلب المساواة مع الأهلي، فيبدو الأهلي في أعلى الهرم والكل –على اختلاف الموقع- في زوايا متفرقة منه.

التنظير الزملكاوي الذي قام عليه عشق كثيرين من أبنائه له، هو أننا نستحق أن نكون بمكانة أفضل في بلد ليس فيه الأهلي، أصل الفساد والبلطجة الكروية والاستعلاء فوق المنظومة، لكن تنظيرًا واحدًا متماسكًا لم يخرج حيال الأمر، يكون الأمر في معظم الحالات إتيانًا بحالة مظلومية تصدق أحيانًا وتكذب أخرى، ثم العودة لنسج ذات الكلام وهلمّ جرا.

كانت تلك زاوية أخرى لـ«اللعب بشياكة» عرف أمير مرتضى منصور فقط كيف يروّضها، يمكن أن يكون ذلك اللقاء الذي استضيف فيه بواسطة صدى البلد في 2020 نموذجًا لطرح زملكاوي جديد يؤصل -حقًا- لوجهة النظر الزملكاوية دون مبالغات إنشائية، وفي ذات الوقت يقول ذات ما يقوله مشجعو الزمالك.

انتقى أمير حينئذ قضية كهربا وقضية الاستثمار وقضية مبادئ النادي، طرق على الحديد وهو ساخن حينما كان كهربا في أوج مشكلاته مع الأهلي، لا أحد في الأهلي استطاع تكذيب صوت هادئ غير منفعل يتحدث عن أن «كهربا مضغوط نفسيًا» وقد كان لتوه قد تعرض لأكبر عقوبة تأديبية في تاريخ كرة القدم المصرية، وإذا فسرت ذلك دون إنشائيات بأن سببه هو تأليب الأهلي له على الهروب غير القانوني من الزمالك ثم «بيعه» قضائيًا أمام المحاكم، ستجد أنك تقول رأي مشجعي الزمالك الأكثر تطرفًا ولكن بثوب أنيق ولهجة غير مهتمة بالخصام.

وهذا تحديدًا هو ما ينجح المُحاوِر الأهلاوي دائمًا في أبسط النقاشات أمام نظيره الزملكاوي، بدءًا من قنوات التليفزيون وانتهاء بمشاجرات المقاهي.

باختصار، يحقق أمير مرتضى منصور دومًا بحديثه ذلك الجزء الناقص لدى جمهور الزمالك بين «الأهلي يظلمنا» مكملًا إياه بمنطق جيد لشرح «كيف يظلمنا الأهلي؟».

الأذكى إعلاميًا

لم يكن مسؤول بنادي الزمالك أنجح على الصعيد الإعلامي أبدًا من أمير مرتضى منصور، والأهم من النجاح الإعلامي المتعلق بطريقة الحديث ومضامين اللقاءات، يمكنك أن تحصي نسبة مئوية تفوق الـ 70% من إعلاميي مصر الرياضيين وهم يفتتحون أي حديث عنه بأن «أمير على المستوى الشخصي صديق مقرب لي» حتى مع اختلاف ميولاتهم.

مؤخرًا، بدأ أمير يواري ما انكشف من سوءات بين أبيه وبعض الإعلاميين، الذين باتوا يتبارون في إبراز محاسن أمير مرتضى منصور وأسلوبه الإداري وقراراته الانضباطية ونشاطه المكوكي، حتى لو كان مخطئًا في بعض الأحيان، وهذا أيضًا من أصول «اللعب بشياكة» التي لم يجدها في مصر إلا المنظّر الأهلاوي، ويدرك أمير هذا جيدًا.

يمكنك أن ترى دليلًا على ذلك في عدم تناول القرار المفاجئ بتغيير المدرب وانتداب فيريرا مباشرة قبل لقاء الوداد المصيري في تكرار لذات تجربة كارتيرون الموسم الماضي والتي منيت بذات الفشل أمام الترجي، أو حتى عدم الإبقاء على أسامة نبيه في منصبه مباشرًا لأعمال المدير الفني لحين انتداب آخر جديد وهو الذي قاد الزمالك لـ 6 نقاط من أصل 6 في الدوري قبل وصول فيريرا إلى دكة بدلاء الزمالك.

خرج أمير مرتضى منصور بعد الإقصاء الإفريقي بدقائق ليحمي أباه والقرار الزملكاوي برمته من حملة إعلامية شعواء كان يمكن أن تتطرق إلى موضوع بديهي: «كيف يتكرر الخطأ مرتين في عامين؟» وبدلاً من صب سهام النقد على لجنة عماد عبد العزيز الموسم الماضي حين أقالت باتشيكو وعينت كارتيرون، بات الكل يتحدث بإشادة عن «قرارات انضباطية تاريخية» من مجلس مرتضى منصور تجاه اللاعبين المتخاذلين الذين دفعوا الفاتورة كاملة، دفعوها من وجههم الإعلامي وعقودهم القادمة ومستحقاتهم وصورتهم أمام جماهير النادي، بينما لم يكسب من هذا الموقف العنتري سوى مجلس مرتضى منصور، اعذرني: ألا يعد هذا خروجًا من مأزق صعب بـ«شياكة» حقيقية؟

ورغم دفع اللاعبين الفاتورة، يمكنك أن تدرك أيضًا بسهولة ما يعنيه أمير مرتضى منصور للاعبي الزمالك، أمير الشاب القريب الصديق ذو القرار المصدّق في المسائل الحساسة وأبرزها المستحقات وتجديدات العقود، وكما سبق وقلنا، المساحتان اللتان لا يتنازل أمير عن شعبيته فيهما أبدًا هما: المرجعية التنظيرية عند جمهور الزمالك، وغرفة ملابس الفريق.

وأخيرًا، دعنا نتخيل سويًا أن ما حذر منه أمير أخاه في التسريب كان قد حدث، ووصل أحمد مرتضى منصور الشبيه للغاية بأبيه إلى منصب النائب وفقد موقعه الحالي كعضو مجلس إدارة لاسم آخر، ألم يكن الصدام الزملكاوي ليأتي وشيكًا جدًا بعد شهرين من الانتخابات بدلاً من استقرار تام في مجلس أتى بالضبط كما خطط له أمير؟ برئاسة والده المتوافق مع نائبه، وبـ«كسب أحمد مرتضى منصور عضوًا وضرب أكثر من عصفور بحجر؟». أعرفت الآن كيف يلعبها أمير مرتضى منصور حقًا «بشياكة»؟