خرج «سليمان» من عيادة الطبيب. جلس لحظات على مقعد بجانب التمرجي وأخرج سيجارته الكيلوباترا، وراح يُدخِّن. يُفكِّر في الجرح الذي لا يريد أن يطيب، وفيما قاله الطبيب: «إن لم يطب الجرح سنضطر لإجراء جراحة». ظهرت لمعة الخوف في عينيه، جراحة؟ والجرح لا يريد أن يطيب؟ يعني جرح على جرح؟

أوضح له التمرجي أن الجراحة تعني البتر، وأن كلمة «الجراحة» أسهل بالنسبة للمريض، يستعملها الأطباء لأنها مقبولة عن «كلمة» البتر.

سوف يتم بتر القدم؟ لن يتحمل. سوف يموت قبل أن يتم البتر. الطبيب على حق؛ البتر كلمة وحشة جدًا، كأن الموت ينظر إليك من داخلها بعيون لامعة.

يُدخِّن بجانب النافذة في صالة شقته مُنتظرًا أوان نزوله ليجلس مع الشلة في شارع البحر.

قطع سليمان المسافة من رصيف جامع الشيخة صباح حتى الحديقة، كأنه يصعد جبلًا، لا يستطيع أن يدوس على قدمه اليسرى ويتعكز على عصاته، بادره «وجيه» قائلًا:

– أنت اتأخرت و«محفوظ» اتأخر؟

رد سليمان بزهق:

– «محفوظ» عيان!

جلس بجانب صديقه وقال بغضب:

– الجرح لا يريد أن يطيب.

تبسّم وجيه وقال:

– اصبر، الصبر مفتاح الفرج.

قال سليمان:

– الصبر مفتاح 13.

مال بوجهه على العصا يحاول أن يسندها:

– ضبطت السكر لكن الجرح لا يريد أن يطيب.

بدا الخوف على وجه سليمان، شعره الأشيب الخفيف المتناثر، وشاربه المُشعث جعل محاولته لإخفاء الخوف، تظهره أكثر:

– الجرح لا يطيب ويريدون أن يجروا جراحة.

نظر بتعجب إلى وجه صديقه:

– أتعرف ماذا يعني ذلك؟

انتظر إجابة صديقه بلا جدوى. كان وجيه يختلس النظر إلى جسم بائعة الشاي:

– يعني جرح على جرح، تصدق؟

قال وجيه ضاحكًا:

– وداوني بالتي كانت هي الداء.

لم يبتسم سليمان مُستغرقًا في فكرة الجرح على الجرح:

– لن أتحمل سوف أموت.

أشار وجيه إلى بائعة الشاي وقال:

– جديدة!

لم يسمعه سليمان، وأسند وجهه على رأس العصا.

انتبه وجيه إلى صمت رفيقه فحاول المزاح قائلًا:

– يا عم، لا تحمل طاجن ستك، ربك يدبرها.

نظر سليمان بدهشة إلى وجه زميله الحليق وحذائه اللامع وشاربه المشذب:

– طاجن ستي؟ إنت بتقول طاجن ستي؟

ضرب كفًا بكف وقال:

– تصدق إنك ما عندك نظر.

جاءت البنت التي تصنع الشاي وقدمت له شايه السادة، فلم ينتبه إليها مُنساقًا وراء الغضب:

  • إنت رخم رخامة يا جدع! عمري ما شفتها على حد.

توقفت ابتسامة وجيه في منتصفها. غام وجهه وبدا شاربه خطًا على طرف شفته، ووجهه متغضن مثل شخص ظهر عمره الحقيقي من تحت قشرة الزواق:

إنت بتكلمني أنا يا سليمان؟

– لأ، بكلم أبويا… أقول لك هيقطعوا رجلي، تقول لي طاجن ستي؟

– أنا يا سليمان؟

– أنت يا جدع ما فيش دم في عروقك؟

في لمحة، امتدت يد «وجيه» وصفع وجه «سليمان»، الذي امتدت يده بتلقائية إلى كوب الشاي وطس به رفيقه، وقام بالعصا يواصل الضرب فيه، إلا أن بائعة الشاي وضعت نفسها بينهما وجاء بعض المارة وأبعدوهما، لكن سليمان ظل منفعلًا:

– راجل ما عنده دم، عايش عالة على بنته، ويسرقها أيضًا. ويصرف فلوسها على القهوة… لا يكفيك أن البنت تأويك في بيتها تقوم تسرق فلوسها؟

  • إنت راجل فاضي، لا تفكر إلا في الهلس، تريد أن تقضي الوقت تضحك على الرائح والجاي ولا تحترم سنك ولا ترفع عينيك من فوق جسم البنت الغلبانة بائعة الشاي.

– اسفخس عليك رجل واطي.

عندما هدأ سليمان وجد نفسه يقف على رصيف جامع الشيخة صباح. هناك في جهة الأخرى من الطريق، حيث مكان تجمعهم لسنوات بعد سن المعاش، لم يكن هناك غير بائعة الشاي ترتب أوانيها.

مضى في طريقه في حارة ضيقة يفكر أن حلقة الجنينة قد تبدّدت، ولم يعد هناك غير البتر. البديل هو الغرغرينا تسري في الجسد كله. لن أبتر قدمي، سوف تزحف الغرغرينا وننتهي من هذا الهم.

دخل الشقة وجلس على الكنبة يراقب ضوء الشمس ينسحب من فوق الجدار المواجه لباب الشقة. أخرج سيجارته وراح يدخن.

(انتهت)