دعني أسألك بشكل مباشر: ما هو المشهد الأول الذي يتبادر إلى ذهنك عندما تفكر في عمرو السولية؟ هدف الأهلي الأول في نهائي القرن أم المراوغة التي تعرض لها في خسارة نهائي 2017؟ تمريرة هدف صلاح في السنغال واقتراب حلم المونديال أم الهدف العكسي والخروج من بطولة العرب؟

لا يمكن أبدًا أن تنهي تلك المعضلة في رأسك دون حيرة. السولية هو أحد أهم لاعبي مصر حاليًا، لكن مسيرته دومًا محاطة بمشاهد مثيرة، مهاري ويجيد التحكم في مسار المباراة لكنه يبدو أحيانًا أقل شراسة من زملائه.

دعنا نخطو خطوات السولية ذاتها لنحاول فهم اللاعب الأهم داخل مصر في نظر الكثيرين.

ليس ابن الإسماعيلية لكنك تحسبه كذلك

يعتقد الكثيرون أن عمرو السولية ابن الإسماعيلية، ربما لأنه ظهر صغيرًا في أهم مدن القناة لكرة القدم، لكن الحقيقة أن السولية ابن المنصورة. بدأ لعب كرة القدم في مركز شباب منية سمنود ولم يختلف أحد على موهبته الكبيرة حتى أنه في عامه الحادي عشر كان يلعب ضد لاعبي الفريق الأول.

والده لاعب كرة سابق لم يحالفه الحظ في الظهور لكنه قرر الإيمان بموهبة ابنه حتى النهاية. كان إيمان الوالد عميق بموهبة عمرو لدرجة أنه قرر الذهاب به لاختبارات فريق بلدية المحلة حيث التقطه كابتن ناصر النني والد لاعب أرسنال الحالي محمد النني وضمه للفريق.

لا يمكن أبدًا أن يخفى لاعب كرة قدم جيد في هذا السن عن أعين الإسماعيلية. انضم السولية إلى الإسماعيلي في عامه الثاني عشر وكان لزامًا عليه أن يحضر من سمنود إلى الإسماعيلية ثلاث مرات في السبوع.

تكفل الوالد بتلك الرحلة عن طريق الاتفاق مع سيارة نصف نقل حيث يجلس عمرو في المقدمة بجوار السائق بينما يبقى والده في صندوق السيارة المكشوف يكافح الهواء والبرد ويمني نفسه بمسيرة مكتملة للابن.

بمجرد أن أكمل السولية عامه الرابع عشر أصبح متاحًا له البقاء في استراحة اللاعبين في النادي. عاش عمرو وحده في الإسماعيلية منذ أن كان في الرابعة عشر، تشرب الرجل كرة القدم على طريقة الإسماعيلية، تلك المدينة التي تحيا على كرة القدم دون مبالغة.

ظهر السولية صغيرًا رفقة الدراويش وكأنه قطعة دُمغت بمهارة البلد وكرتها المميزة، كرة جميلة ومتناغمة لكنها ليست تنافسية على أي حال.

ظهر عمرو مسددًا للكرات بشكل لافت للنظر وموزعًا للكرات وصانعًا للعب من خط الوسط، هنا يجب عليك أن تنتبه أن حسني عبدربه هو من جاور السولية حينئذ في خط وسط الفريق. وأن يلمع أحدهم بجوار حسني في الإسماعيلية ليس بهين.

حسنًا، موهبة فذة وظهور لافت في سن صغيرة يتذكره الجميع، وعلى الرغم من ذلك لم يرتدِ السولية قميص المنتخبات إلا في الفريق الأول. هنا نأتي لقلب المعضلة.

صناعة النجوم وأهلي النجوم

من المؤكد أنك تتذكر كأس العالم تحت 20 سنة الذي أقيم في مصر عام 2009. كان نجم تلك المرحلة هو المدرب التشيكي ميروسلاف سوكوب ومساعده هاني رمزي. كان عمرو قد لعب للفريق الأول مباراة وحيدة لكنه وجد نفسه رفقة 150 لاعب في تقسيمة أجراها سوكوب ومعاونوه للاختبار ولم يلاحظه أحد.

لعب السولية بعد ذلك عدة مباريات في الدوري لكن المسئولين برروا غياب الرجل بأن قائمة كأس العالم كانت قد أعدت بالفعل، وهكذا لم نرَ السولية في قائمة المنتخب الأكثر غرابة في تاريخ مصر.

أما عن المنتخب الأوليمبي فقد كان أحد أفراد منتخب لندن 2012 لكنه أصيب أربع مرات متتالية في العضلة الأمامية ووجد نفسه خارج القائمة في الأخير. لم يكن السولية بدنيًا لاعبًا مميزًا أبدًا في الصغر وربما ذلك هو الخيط الآخر الذي يجعلك متحيرًا.

مثلما تشرب كرة الإسماعيلية عانى مما تعاني منه فرق الأقاليم من سوء تدريبات بدنية أو متابعات لإصابات اللاعبين أو حتى التجاهل الإعلامي والرسمي. حتى ما اكتسبه السولية من حياة احترافية لما عاشه وحيدًا في سن صغير لم يشفع له في تجربة معايشة في فياريال الإسباني.

نجح صلاح والنني بدنيًا في اختراق هذا الحاجز بمجهود شخصي وبكثير من التوفيق في البداية، لكن السولية ابن نفس الجيل لم يستطع أبدًا أن يتجاوز ذلك وبقي دومًا لاعب وسط مميز لكنه قليل الإنتاجية على المستوى البدني.

كان البديل المنطقي للاحتراف هو اللعب في قمة الهرم الكروي في مصر. النادي الأهلي كان يعلم جيدًا أن هذا اللاعب سيكون حلقة من سلسلة لاعبي الإسماعيلي المحببة والأهلي يجيد صناعة النجوم بالثقة أولًا ثم بالكرة ثانيًا. وعلى عكس العادة لم يكتسب الرجل الثقة سريعًا في الأهلي بل أصبح نسخة أسوأ من نسخة الإسماعيلي.

ربما لأن لاعب خط الوسط في الأهلي ذا الطابع الهجومي يحتاج دومًا لقدرات بدنية تمكنه من التصدي لمرتدات متوقعة في مساحات كبيرة، أو لأنه في الإسماعيلي كان بطل المحافظة ويغفر له دومًا. مع مرور السنين حدث ما أوضح لنا سبب المشكلة.

النضج وكرة القدم الحقيقة

ظل السولية مثار شك حتى وصل فايلر إلى القاهرة. عاد السولية إلى نسخته القديمة بل وأصبح آكثر كمالًا من ذي قبل. والسبب ببساطة أن السيد فايلر كان من أنصار كرة القدم الحقيقية والمباشرة والبسيطة، كما أنه قرر سريعًا أن اللاعب الجاهز هو الأهم وليس الأسماء.

طبقًا لذلك ابتعد حسام عاشور عن الصورة وظهر ديانج في الوسط ثم حمدي فتحي بعد ذلك. أخيرًا شعر السولية بإمكانياته فالرجل ببساطة يحتاج للاعب ذي جهد وفير بجواره. عاد للتسديد والصناعة واستمر الأمر بعدما تواجد موسيماني خاصة باللعب بثلاثي دفاعي.

أصبح السولية مفتاح الأهلي الأهم للفوز بالمباريات تباعًا، وعلى الجانب الآخر لا يمكنك أبدًا أن تغفل ما اكتسبه من نضج واضح. بطريقته الهادئة وصوته الخفيض كان له فرصة التعلم وتقبل الانتقاد ومحاولة التحسن المستمر.

تغيرت الصورة النمطية عن السولية شيئًا فشيئًا، لكنه دومًا كان الرجل تعيس الحظ في المشاهد الأخيرة.

نهائي العرب: التعامل باللقطة

انعكس التطور الهائل والثقة في الأداء سريعًا على الجانب الدولي. حيث حمل الرجل شارة الكابتن ووصل بمصر لنصف نهائي كأس العرب في بطولة كان نجمها الأبرز وفي الثانية الأخيرة من المباراة تسبب السولية بخسارة المنتخب بهدف عكسي.

تلك الأمور لا يمكنك التحكم بها أبدًا في كرة القدم. شعر الكثيرون بغصة بعد الخسارة حتى أن البعض تمنى لو أن الهدف العكسي سجله أي لاعب آخر . لكن على الجانب الآخر عاد الحديث عن مدى جودة الرجل على مستوى المنتخبات، وكيف أن بعض اللاعبين لا يعول عليهم دوليًا.

تتحكم اللقطة الجذابة دومًا في آراء مشجعي كرة القدم بل وبعض خبرائها، حتى أن البعض كان يؤكد أن فرجاني ساسي هو لاعب الوسط الأهم في مصر بينما كان السولية الذي لا يجيد بروزة لقطاته يقدم أداءً وأرقامًا وإفادة تفوق التونسي كثيرًا.

تتعلق الجماهير دومًا باللقطة الأخيرة. لو كانت تلك اللقطة جيدة تصبح لاعبًا جيدًا أما إذا كانت لقطة سيئة تصبح لاعبًا سيئًا على الفور.
السولية من برنامج الريمونتادا

لقطات السولية السخيفة تضعه دومًا في مرمى نيران التشكيك، وأغلب الظن أن لاعبًا آخر كانت ستتجه مسيرته نحو الهاوية. لكن الرجل الذي لعب كرة القدم وحيدًا اعتاد الهدوء والسير في العاصفة وصولًا لهدفه.

القطعة الأهم دون شك

اكتمل نضج السولية تمامًا وساعده تألقه خلال السنوات الثلاث الأخيرة على فرض شخصيته في الفريق. أصبح من المعتاد أن يصيح في وجه زملائه بالفريق كونه من كبار الفرقة. تم تثمين التحاماته أكثر من أي وقت مضى، والسبب أنه أصبح يجيد اختيار التوقيت، بعد أن أراحه زملاؤه من مجهود لم يكن يجيده.

يلعب السولية كرة القدم بالعقل قبل الجسد. تلك هي نوعية أدائه وإن شعر البعض أنها منتقصة لكنها تبقى مميزة ونادرة. هناك ألف لاعب وسط يركض مثل الروبوت ووحده السولية قادر أن يرسل المهاجم بالكرة لزيارة الشباك.

أدركت الجماهير ذلك أخيرًا. تفهمت جماهير الأهلي أن القطعة الأهم في خط هجوم الفريق هي السولية. أدركت جماهير مصر الأمر أخيرًا بعد تجربة اللعب بالسولية وبدونه التي مر بها المنتخب خلال بطولة أفريقيا الأخيرة.

حصل الرجل على التقدير المستحق أخيرًا. الآن يمكننا الإجابة على معضلة السولية، المشهد الذي يجب أن يتبادر إلى ذهنك عند الحديث عن السولية هو المشهد الحالي، فقط شاهد الرجل الآن واحكم، هل هناك من هو أهم منه وبذات الأدوار في خط الوسط؟