محتوى مترجم
المصدر
معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي
التاريخ
2016/06/07
الكاتب
أوفير وينتر

في خطاب بتاريخ 17 مايو 2016، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن العلاقات المصرية الإسرائيلية سوف «تصبح أكثر دفئًا بمجرد حل القضية الفلسطينية». ظاهريًا، ليس هناك شيء جديد في هذا الخطاب، الذي جاء على خلفية الاستعدادات لمؤتمر السلام الذي عُقد في باريس يوم 3 يونيو، تقارير عن اتصالات لعقد قمة إسرائيلية فلسطينية تحت رعاية مصرية، وجهود لضم حزب الاتحاد الصهيوني إلى ائتلاف الحكومة الإسرائيلية.حيث جعلت مصر دائمًا تحسين العلاقات مع إسرائيل مشروطًا بالتقدم في مسيرة التسوية الإسرائيلية الفلسطينية. وعلى غرار ذلك، ربطت مبادرة السلام العربية التطبيع بين إسرائيل والدول العربية باتفاق إسرائيلي فلسطيني.ومع ذلك، يظهر انفتاح مصر الحالي نحو سلام «دافئ» في سياق جيوسياسي جديد يحمل رسالة ذات مغزى: فالتطبيع لم يعد يقدم فقط طُعم يهدف إلى تشجيع إسرائيل على دخول عملية السلام، بل أصبح يعكس المصالح الحقيقية لمصر ومصالح دولٍ عربية أخرى في خلق «نظام إقليمي جديد» سوف يتضمن جهودًا تعاونية أكثر انفتاحًا مع إسرائيل من أجل الاستقرار الأمني والرفاه الاقتصادي في المنطقة.سجل إعلان السيسي تتويجًا لسلسلة من الخطابات من قبل مسئولين كبار سابقين بالدولة المصرية والجيش، والخبراء المستقلين الذين ظهروا مؤخرًا في الصحافة المصرية، داعين لإعادة تقييم التحفظات التقليدية المتعلقة بـ «درجة حرارة» علاقات البلاد بإسرائيل.أكدت المقالات المنشورة بصحف مصرية داعمة للحكومة، ومنها الأهرام والمصري اليوم، على أنه من المنظور المصري، تُلبّي «تدفئة» العلاقات مع إسرائيل حاجةً واقعية، و«لا تعني تبادل الأحضان والقبلات» مع الإسرائيليين.حيث تمت مقارنة سياسة السيسي بسياسة السادات، من حيث هدفها؛ تحقيق سلامٍ شامل بين الدول العربية وإسرائيل وقدرتها على القيام بالتعديلات اللازمة لتلبية احتياجات العصر والظروف الإقليمية. كحال تعهد السلام التاريخي الخاص بالسادات، قُدمت مبادرة السيسي الجديدة كنقطة تحولٍ إستراتيجية تتجاوز حل الصراع العربي الإسرائيلي وحل المشكلة الفلسطينية.فإن كان سلام النصف الثاني من السبعينيات مع إسرائيل جزءً من مبادرة مصرية أوسع لتبني توجه موالٍ لأمريكا، فإن السلام الدافئ مع إسرائيل خلال الفترة الحالية يُقصد به في الواقع ملء الفراغ الذي خلّفه خفض نطاق المشاركة الأمريكية في المنطقة، ويهدف إلى تحقيق ذلك عبر تأسيس محاور إقليمية جديدة، والتي ستوّحِد فيها مصر ودول الخليج وإسرائيل قواهم.حمل خطاب السيسي صدىً لمبادرة جامعة الدول العربية عام 2002، والتي كان من المفترض أن تقدم له الشرعية العربية من أجل توسيع التطبيع بين مصر وإسرائيل. وفي ذات الوقت، تحيد الخلفية الجيوسياسية لإعلان السيسي جوهريًا عن تلك الخاصة بالمبادرة العربية.تناولت مي عزام، التي نشرت سلسلة مقالاتٍ بالمصري اليوم تحت عنوان «هل العرب مستعدون لسلام دافئ؟» الاختلافات بين مبادرة عام 2002 والجهود الدبلوماسية الحالية. حيث زعمت أن القضية الفلسطينية لم تعد ترأس الأجندة العامة العربية، كما أن الانسحاب الإسرائيلي من هضبة الجولان لا يعد حاليًا أملًا مناسبًا، في ضوء الحرب في سوريا؛ وأن منظمتي المقاومة، حزب الله وحماس، تُعتبران من قبل بعض الدول العربية منظمتان إرهابيتان منبوذتان. وبالتالي، كما هو مُبيّن بمقالات عزام وآخرين، يخدم السلام الدافئ مع إسرائيل المصالح الإستراتيجية الأساسية لمصر في مجالين:

المجال الأمني

حيث ستساهم العلاقات الأوثق مع إسرائيل في التعاون العربي الإسرائيلي ضد الأعداء المشتركين الذين يهددون حاليًا السلام والاستقرار في المنطقة، وأبرزهم إيران والتنظيمات الإرهابية الإسلامية والسلفية الجهادية. ووفق عزام، «معظم الحكومات العربية بالفعل لا يعتبر إسرائيل عدوته الألد، ويضع دولًا أخرى في مكانة أعلى على مقياس العداء والكراهية».أعرب الخبير محمد على إبراهيم، الذي تناول أيضًا مسألة دفء السلام، عن أمله أن مثل هذا التطور سيسمح للعلاقات السرية التي كانت موجودة منذ فترة طويلة بين إسرائيل والمحاور العربية السنية بأن تخرج للنور، وأن يساعد الجانبين على تشكيل جبهة إقليمية مشتركة تكون بمثابة جدار محصن في مواجهة «البحر الهائج الذي تبتلع أمواجه الدول والشعوب».كما شدد على أن حدوث تقدمٍ في عملية السلام الإسرائيلي الفلسطيني سينظر إليه كلطمة على وجه إيران ووكلائها، الذين كانوا يستغلون القضية الفلسطينية من أجل الإطاحة بالحكومات العربية العلمانية، وتقسيم الدول العربية بطول الخطوط الطائفية، وقتال السنة تحت الشعار الوهمي «الجهاد من أجل تحرير القدس».

المجال الاقتصادي

حيث قُدم حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من قبل خبراء مرتبطين بالنظام كتمهيد لإقامة أطر عمل جديدة في الشرق الأوسط يتم من خلالها تسهيل التعاون في مجالات الطاقة والنقل والتجارة. مثلما أوضح مساعد وزير الخارجية السابق، محمد حجازي؛ يمكن دمج إسرائيل ضمن النظام الاقتصادي الجديد رهن إنهاء الاحتلال، والاعتراف بقرارات الأمم المتحدة، والقبول بحل الدولتين، والاستعداد للتفاوض بشأن التأسيس لمنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. وفي مقالٍ نُشر في يناير 2016 بالأهرام، عبّر حجازي عن أمله أن «الأرباح الاقتصادية – إلى جانب الاستقرار والأمن والسكون الذين سيتحققون عبر التعاون الإقليمي الذي بدأته مصر – ستكون بمثابة حافز لإسرائيل للتخلي عن عزلتها الإقليمية الحالية».

كما رسم اللواء سمير فراج، الرئيس السابق لإدارة الشئون المعنوية للقوات المسلحة المصرية، آفاقًا لجهود التعاون بين مصر وإسرائيل واليونان وقبرص حول اكتشافات الغاز في البحر المتوسط. كما أكد في مقالٍ نُشر بالأهرام في فبراير 2016 على أن «البحر المتوسط أصبح الساحة الأهم التي ستؤثر على الأمن القومي المصري في المستقبل القريب»، وأوصى بإقامة علاقات ثقافية واقتصادية ودبلوماسية أوثق مع الدول المتوسطية المجاورة وتوقيع اتفاقات لضمان المصالح المصرية الحيوية.

قُدم التأسيس للسلام الدافئ بين مصر وإسرائيل كتغيير نوعي في السياسة السائدة، وليس كخطوة تكتيكية، بما أن – وفق عزام – «التطبيع مع إسرائيل، والتوصل لحل للقضية الفلسطينية، والاستقرار والأمن القومي لمصر والسعودية، والحرب ضد الإرهاب؛ جميعها أمور مترابطة». كما أشارت إلى الحاجة والضرورة المصرية لتعزيز «تحولٍ في المبادئ التي تعلمنا على أساسها، والتي أصبحت جزءًا من مبادئنا الأساسية»، من أجل أن نتكيف مع النظام الناشئ حديثًا.في مقال نُشر بعد خطاب السيسي، ذكر كاتب عمود بالمصري اليوم، ينشر تحت الاسم المستعار «نيوتن»، أنه بعد عقود من العيش جنبًا إلى جنب مع إسرائيل، حان الوقت لمصر لتُحدّث «برنامجها النافذ» لتمكينها من جني ثمار السلام بين البلدين. كما اقترح استبدال «قانون الإعداد لحالة الحرب»، الذي كان مطبقًا في مصر منذ عام 1968، بـ «قانون الإعداد لحالة السلم والنهضة والتقدم». فمن وجهة نظره، أثبتت التفاهمات الأمنية الجديدة بين مصر وإسرائيل بصدد نشر قواتٍ في شبه جزيرة سيناء «وجود الثقة المتبادلة والتنسيق الذي يخدم مصالح كلا البلدين؛ وكلاهما يجب تطويره واستغلال كامل فوائدهما عبر إنهاء حالة اللاسلم واللاحرب».تشهد أصوات السلام التي علت مؤخرًا في مصر، والتي ظهرت في الدوائر الداخلية للنظام المصري وما وراءها، على حقيقة أن هناك رياحًا جديدة تهب على أرض النيل بالنسبة للفرص الحقيقية لتغيير وضع إسرائيل في المنطقة.تُقدم الآن البرامج التي تُبدي بتباهٍ شعارات مثل «الشرق الأوسط الجديد» و«التعاون الإقليمي» – والتي أثارت ترددًا وشكوكًا في العالم العربي حين اقترحتها إسرائيل في الماضي – إلى إسرائيل بوصفها مبادرات عربية. ومع ذلك، لا تزال هذه البرامج موضوعًا لنقاشٍ عامٍ محتدمٍ في مصر وأنحاء العالم العربي، وستجد الأنظمة العربية الأمر صعبًا للغاية أن تمضي بها قدمًا إن لم تكن مصحوبة بخطوات ملموسة تعكس تقدمًا كبيرًا في عملية السلام الإسرائيلي الفلسطيني.وضعت مصر شرطين مسبقين للمضي قدمًا في عملية التطبيع مع إسرائيل: تجميد البناء في المستوطنات، وبدء مفاوضات جادة لتأسيس دولة فلسطينية مستقلة داخل حدود 1967 عاصمتها القدس. حيث يُنظر إلى التوصل إلى حلٍ دائمٍ للقضية الفلسطينية كخطوة ضرورية في تحولٍ مستقبلي كامل إلى السلام الدافئ، رغم أن أزمة القيادة في الساحة الفلسطينية والانقسام بين غزة والضفة الغربية يُمثلان عائقين في طريق إدراك هذا الهدف.ومن جانبها، يتعين على إسرائيل الانتباه جيدًا للفرصة الحالية لكي تندمج كشريك شرعي في النظام الإقليمي الناشئ حديثًا، وفي الوقت ذاته، ينبغي أن تستوعب تمامًا تكاليف تحقيق هذه الرؤية.