محتوى مترجم
المصدر
مركز بيجن السادات للدراسات الاستراتيجية
التاريخ
2016/10/06
الكاتب
إفرايم إنبار

هناك عدد من الخبراء الإسرائيليين باتوا يرون أن التقديرات الحكومية بشأن أنفاق حماس في غزة هي أمر مبالغ فيه؛ لذلك عارضوا خطة وزارة الدفاع الإسرائيلية لبناء حائط سري باهظ التكلفة حول قطاع غزة يصل لعمق عشرات الأمتار، مبررين ذلك بأنه أمر غير منطقي ومضيعة للوقت والجهد فضلاً عن أنه يمنح حركة حماس انتصارًا على مستوى العلاقات العامة.

وفي هذا الإطار يأتي مقال أستاذ العلوم السياسية «افرايم انبار»، على موقع مركز بيجن-السادات للدراسات الإستراتيجية، بعنوان: «أنفاق غزة تجتذب كثيرًا من الاهتمام غير المنطقي»، وفيه تحدث عن أن الأنفاق المستخدمة في شن الهجمات، والتي قامت بحفرها حركة حماس من غزة إلى داخل «إسرائيل»، تمثل أهمية للعلاقات العامة «للإرهابيين»، فهي ترسم صورة مزعجة تزيد بشدة إدراك الإسرائيليين للتهديدات.

«الإرهابيون» يريدون أن يكونوا مصدرًا للخوف ويبدو أن الأنفاق تحقق ذلك الهدف، على الرغم من إمكانيتها التدميرية المحدودة.

في السادس والعشرين من يناير/كانون الثاني الماضي 2016، منح غادي أيزنكوت قائد القيادة الشمالية العسكرية بالجيش الإسرائيلي ميزة لـ «إرهابيي» حماس بتصريحه الذي قال خلاله: «إن مواجهة التهديدات القادمة من الأنفاق كانت المهمة رقم واحد للجيش خلال العام الحالي».

حماس تريد أن تصبح الأنفاق مصدرًا للخوف بالنسبة للإسرائيليين، على الرغم من إمكانيتها التدميرية المحدودة.

وأظهرت تصريحات أيزنكوت أنه أعطى الأولوية للتهديدات القادمة من الأنفاق على تهديدات أخرى مثل القدرة الصاروخية المتنامية لحزب الله اللبناني شمال «إسرائيل» أو التهديد القادم من داعش في سيناء، والأكثر من ذلك، أنه قلل من شأن التهديدات النووية القادمة من إيران.

على نحو مماثل، قام وزير التعليم نفتالي بينيت بالمبالغة في التهديدات القادمة من أنفاق حماس، بل واتهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأنه ترك الحكومة دون أن يُعلمها بالتهديد الكبير لتلك الأنفاق حتى بدأت عملية الجرف الصامد.

وانتقدت مسودة تقرير مُسربة من مراقب الدولة أيضًا نتنياهو، ووزير الدفاع آنذاك موشي يعلون، ورئيس الأركان العامة بالجيش الإسرائيلي آنذاك بيني جانتز؛ لفشلهم جميعًا في توقع التهديد القادم من أنفاق حماس.

على أية حال، ففي صيف عام 2014 بدأت «إسرائيل» هجومًا بريًا لتدمير الأنفاق التي تمر إلى داخل «الأراضي الإسرائيلية»، وأعقب ذلك قتال عنيف لا سيما في الشجاعية، أحد أحياء مدينة غزة، وقُتِل خلال مرحلة الهجوم البري 41 جنديًا إسرائيليًا، وجُرح آخرون، وانتهت تلك المرحلة بعد تدمير 32 نفقًا.

في أعقاب تطوير منظومة القبة الحديدية، والتي حيّدت إلى حد كبير التهديد الصاروخي من غزة، أصبحت الأنفاق أداة مهمة في ترسانة حماس العسكرية، فهي تعدّ تحديًا منخفض التقنية ويصعب التعامل معه تمامًا.

وحتى الآن، حققت الجهود الإسرائيلية لتطوير تقنيات تحديد مواقع الأنفاق نجاحًا جزئيًا، وعلى الرغم من ذلك، فإن القدرة الممكنة للأنفاق لإحداث ضرر كبير لإسرائيل محدودة.

فعليًا، تتيح الأنفاق تنفيذ «هجمات إرهابية» أو اختطاف أموات أو أحياء من الإسرائيليين. وفي الوقت الذي يتأثر فيه السكان الإسرائيليون حول غزة بشكل مباشر وينتابهم القلق بشكل واضح، فإن ذلك النوع من التهديدات المقلقة دون شك ليس بالجديد.

إن «الأعمال الإرهابية» دائمًا ما كانت تعتبر من قبل المؤسسة الأمنية الوطنية «أمرًا ثانويًا» بالنسبة للمخاطر التي تؤثر على سلامة «إسرائيل» الإقليمية أو تهدد وجودها، فلا يمكن للأنفاق أن تُهدد الأهداف الإستراتيجية داخل إسرائيل مثل محطات الطاقة أو المطارات، كما فعلت صواريخ حماس في الماضي.

يُعد الاستثمار في الدفاع ضد الصواريخ أمرًا مهمًا، لكن إنفاق الأموال من أجل إيقاف آثار الأنفاق يُعد أقل أهمية، فالموارد المحدودة تقتضي أن يحظى الإنفاق بأولوية بما يتماشى مع الحجم النسبي للتهديدات التي قد تواجهها «إسرائيل».

على الرغم من ذلك، فإن مؤسسة الدفاع، يدعمها في ذلك وزير الدفاع أفيجدور ليبرمان، تخطط لمشروع عملاق لبناء جدار بطول 60 كيلومترًا حول قطاع غزة سيصل عمقه لعشرات الأمتار.

في البداية، سيتم نصب قطاع تجريبي بتكلفة 600 مليون شيكل (158 مليون دولار)، وفي حال إتمام ذلك الجدار الذي يشبه «خط ماجينو» (خط من التحصينات القوية المستديمة اعتمدته فرنسا بعد انتصارها في الحرب العالمية الأولى لتجنب أي عدوان مرتقب خاصة من ألمانيا)، فإنه سيصبح أحد أكثر المشاريع تكلفة في «تاريخ إسرائيل».

تمتلك حماس مهندسين بارعين قد يتمكنون من اختراق الجدران الخرسانية للجدار المزعم بناؤه حول غزة لوقف تهديد الأنفاق.

الأولوية الكبرى المخصصة من قبل «إسرائيل» لمشكلة الأنفاق غير مبررة تمامًا؛ وذلك للأسباب التالية:

أولاً: من غير الواضح مدى فعالية جدار غزة المقرر إقامته في منع مشروعات أنفاق حماس؛ بمعنى أنه يمكن اختراق الجدران الخرسانية، كما يظهر في حالات سرقات البنوك، لذا لا ينبغي على «إسرائيل» أن تقلل من براعة المهندسين الذين يعملون لدى حماس في ذلك الصدد.

ثانيًا: يحول هذا المشروع الطموح الموارد عن تمويل المزيد من الاحتياجات الهامة للقوات الإسرائيلية، والمثال الأكبر على ذلك هو إهمال القوات البرية بسبب الاعتبارات المالية. فتعزيز القوات البرية يُعد ضرورة في التعامل مع التهديدات التي تلوح في الأفق من الصواريخ الدقيقة وعدد من الاحتمالات الخطيرة الأخرى.

ثالثاً: إن الجهد الكبير في التعامل مع تهديدات الأنفاق يعمل على التضخيم غير الضروري لقوة «العدو» في إيذاء «إسرائيل»؛ لذا فإن مشروع الجدار الضخم يُعد بمثابة هدية للعلاقات العامة بحماس.

الأكثر من ذلك، هو أن توقيت ذلك المشروع يُعد مثيرًا للجدل، حيث إن ثمة دلالات على أن حركة حماس أُنهِكت، وكان لجولات العنف أثر كبير على الحركة في غزة.

الأمر يبدو كما لو أن إستراتيجية «جز العشب» الإسرائيلية والعزل الإقليمي المتزايد لحماس قد خلقت قليلاً من الردع للحركة، وتبدو حماس مُحجِمة عن الشروع في الأعمال القتالية.

يبدو أن السياسات الداخلية هي ما تحرك مشروع بناء هذا الجدار حول غزة، وهو الذي يهدف إلى تهدئة المخاوف المفهومة لسكان المنطقة الجنوبية فيما يتعلق بالتهديدات القادمة من الأنفاق، كما أنه يُخفّف الضغط السياسي المستمر على الحكومة، حتى تقول إنها تفعل كل ما هو ممكن.