للمرة الرابعة في التاريخ، أعلنت منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ بسبب فيروس زيكا. كانت المنظمة أعلنت حالة الطوارئ ثلاث مرات فقط سابقًا بسبب فيروس الإيبولا وإنفلونزا الخنازير وشلل الأطفال. وكنتيجة لذلك الإعلان فإنه من المتوقع أن تبدأ الحكومات في التنسيق بخصوص وقف انتشار هذا الفيروس.


تاريخ المرض

تم اكتشاف المرض لأول مرة عام 1947م حينما أصيب أحد قرود الريص في غابة زيكا في أوغندا بحمى غير معروفة، حيث تمكن العلماء حينها من عزل فيروس جديد من القرد المريض، وتمت تسميته فيروس زيكا. وبعد عام من ذلك الحادث وُجد الفيروس في ناموسة من نوع الزاعجة الأفريقية Aedes africanus مما ساعد على تحديد ناقل الفيروس. لم يستطع العلماء عندها إيجاد أي دليل على وجود عدوى بشرية بذلك الفيروس، لكن تم تسجيل أول حالة إصابة بشرية بالفيروس عام 1952م في أوغندا و تنزانيا. وقد سجلت حالات تفشي مرض فيروس زيكا في أفريقيا والأمريكتين، وآسيا وجزر المحيط الهادئ.

على الرغم من أن الفيروس قد تم اكتشافه في أربعينيات القرن الماضي، إلا أن كثيرًا من الناس لم يسمعوا عنه حتى بداية هذا العام، حيث كانت حالات تفشي المرض متفرقة وصغيرة طوال العقود الماضية، إذ لم تسجل إلا 14 حالة مؤكدة من الإصابة بالفيروس حتى عام 2007م، وكذلك لم يتم تسجيل أي حالات تسبب فيها المرض بضرر كبير على المرضى خلال تلك الفترة.

في عام 2015م، تفشى المرض في البرازيل بصورة ضخمة مصيبًا أكثر من مليون شخص، مما أدى إلى تغيير وجهة نظرنا عن المرض، حيث يكتشف العلماء يومًا بعد يوم أن الفيروس قد يكون أكثر خطورة مما كنا نعتقد مسببًا تلفًا بأدمغة الأجنة مما يؤدي إلى مشاكل صحية وإدراكية مستعصية، وفي ضوء تلك الأدلة، قامت منظمة الصحة العالمية بإعلان حالة الطوارئ في الأول من فبراير 2016م.

في الوقت الحالي، ينتشر الفيروس في النصف الغربي من الكرة الأرضية بمعدل سريع، وتقوم أكثر من 20 دولة حاليًا بمحاولات لكبح جماح المرض، ومن المتوقع أن يغطي فيروس زيكا الأمريكتين هذا العام (باستثناء كندا وشيلي حيث لا يتواجد بهما نوع البعوض الناقل للمرض).


ما هي أعراض الإصابة بالمرض؟

ليس من الممكن حقيقة الإجابة عن هذا السؤال إجابة قاطعة، حيث أن 25% فقط من المصابين بالفيروس تظهر عليهم أعراض مرضية، مما يعد أحد الأسباب الهامة التي تجعل من الصعب تتبع المرض، حيث لا يدرك معظم المصابين بالفيروس أنهم يحملون المرض، ومن ثم فإنهم لا يذهبون إلى الطبيب، وعلى الرغم من عدم ظهور الأعراض، فإن الحاملين للمرض يمكنهم أن ينقلوا المرض لغيرهم عن طريق البعوض.

غالبًا ما يكون المرض خفيفًا في الأفراد الذين تظهر عليهم الأعراض، ويستمر فقط لمدة تتراوح من يومين إلى سبعة أيام. أكثر الأعراض التي تظهر على هؤلاء الأفراد شيوعًا هي الحمى والطفح الجلدي وغالبًا ما يصاب المريض بالتهاب الملتحمة، وألم العضلات والمفاصل. وتتشابه تلك الأعراض مع أعراض الإصابة بمرض حمى الضنك Dengue Fever الذي ينقله نفس النوع من البعوض. نادرًا ما يتعرض المريض لمضاعفات مرتبطة بالجهاز العصبي، لكن تم فعليًّا تسجيل بعض الحالات التي تعرضت لمضاعفات من هذا النوع.

على الرغم من أن المرض عادة لا يسبب ضررًا جسديًّا كبيرًا، إلا أن العلماء قد لاحظوا أن بعض الحالات المصابة بالمرض (في كل من البرازيل و بولينيزيا الفرنسية) تم تشخيصها في وقت لاحق بمرض متلازمة غيلان باريه وهو مرض عصبي نادر يقوم فيه الجهاز المناعي للإنسان بمهاجمة الخلايا العصبية الطرفية، مما يؤدي إلى ضعف العضلات وقد يسبب الشلل.

كذلك وُجدت أدلة على ارتباط فيروس زيكا بعيب خلقي هو مرض «صِغَرُ الرأس» الذي يتميز بعدم اكتمال النمو العقلي، وبصغر حجم الرأس، حيث تم تسجيل 3174 حالة مشتبه بها في الإصابة بذلك العيب الخلقي (بتاريخ 2 يناير 2016 في البرازيل) مقارنة بأقل من 150 حالة تم تسجيلها عام 2014م بمعدل زيادة حوالي 20 ضعفًا. وقد تم عزل الفيروس من السائل الأمنيوسي للسيدات اللاتي يحملن أطفالًا مصابين بذلك العيب الخلقي، وكذلك تم عزله من أدمغة الأطفال المصابين بذلك العيب الخلقي ممن فارقوا الحياة خلال 24 ساعة من الولادة. لكن هذا الارتباط لم يتم تأكيده تمامًا بعد، حيث يعكف العلماء حاليًا على دراسة ذلك الارتباط ومحاولة تفسير كيفية تسبب الفيروس بالإصابة بذلك العيب الخلقي، كما تقوم وزارة الصحة البرازيلية على تأكيد الحالات المشتبة بها، وخلال تلك العملية فإنهم ينفون حالات أكثر من الحالات التي يؤكدونها حيث تم تأكيد 270 حالة، ورفض 462 حالة حتى 29 يناير 2016م، ومن بين تلك الحالات التي تأكيدها تم إيجاد رابط بين 6 حالات فقط وبين الإصابة بفيروس زيكا.


كيف ينتقل المرض من شخص لآخر؟

ينتقل المرض بصورة أساسية عن طريق نوع معين من البعوض وهو “الزاعجة المصرية” وهو نفس نوع البعوض المسئول عن نقل مرض الحمى الصفراء، وتثبت بعض التجارب أن بعوضة النمر الآسيوي يمكنها نقل الفيروس أيضًا، مما يعتبر مصدرًا للقلق، حيث أنها أكثر انتشارًا في الولايات المتحدة الأمريكية الملاصقة لمنطقة الانتشار الحالية، مما ينذر بمزيد من الانشار للمرض.

تشير بعض الأدلة إلى وجود طريقة أخرى لانتقال المرض، حيث تشير بعض الأبحاث الطبية إلى إمكانية انتقال المرض عن طريق العلاقة الجنسية بين الزوجين، ويدعم ذلك التوجه أنه من الممكن عزل الفيروس من السائل المنوي للذكور المصابين بالفيروس.


هل يوجد علاج أو لقاح للمرض؟

للأسف لا، حيث لم يكن المرض حتى القريب العاجل يشكل خطرًا كبيرًا على صحة الإنسان، ومن ثم فقد كانت الأبحاث على ذلك الفيروس محدودة للغاية، إلا أن الانتشار الحالي للمرض سوف يحفز تمويل الأبحاث حول هذا الفيروس، كذلك فقد دعت منظمة الصحة العالمية الباحثين للعمل على اختراع لقاح ضد الفيروس، وكذلك تطوير آليات تشخيص أكثر دقة، لكنه من المرجح أن تحتاج تلك الأمور لسنوات.


لماذا خرجت الأمور عن السيطرة في أمريكا الجنوبية بهذه السرعة؟

هناك عدد من الأسباب المحتملة التي قد تكون تسببت بالموقف الحالي، وكذلك يتكشف لنا المزيد من المعلومات مع مرور الوقت.

السبب الأول هو أن فيروس زيكا لم يكن يشكل خطرًا حقيقيًّا على الإنسان، فعلى سبيل المثال لم يكن المرض على لائحة الإبلاغ في الولايات المتحدة، أي أن الطبيب حال تشخيصه لإصابة أحد الأشخاص بالفيروس لم يكن مطالبًا بالإبلاغ عن تلك الحالة كما هو المتبع مع الأمراض الأكثر خطورة. بعبارة أخرى، لقد أُخذنا على حين غرة.

السبب الثاني هو أنه لم يتم تسجيل أي إصابات بالمرض في نصف الكرة الغربي حتى تم تسجيل إصابة الناس بالمرض في جزيرة القيامة (قبالة شواطئ شيلي) عام 2014، مما يعني أن جميع قاطني الأمركيتين معرضون للإصابة، حيث لا يحمل أي منهم أجسامًا مضادة للفيروس من إصابات سابقة تساعده على مقاومة العدوى.

السبب الثالث هو أن فصيلة البعوض الذي ينقل المرض منتشرة في جميع أنحاء أمريكا الجنوبية، بالإضافة إلى أن الكثير من الناس يعيشون في مجتمعات تتميز بكونها مناسبة تمامًا لانتشار وتكاثر البعوض حيث تزيد الرطوبة، وتقل التهوية، ويتم تخزين المياه في المنازل (بسبب عدم وجود مصدر نظيف لمياه الشرب)، وغيرها من الظروف البيئية التي تدعم تكاثر البعوض، ومن ثم فإنه ليس من المستغرب أن ينتشر المرض بشكل جنوني في مثل هذه الظروف.

بالإضافة إلى أن انتشار فيروس زيكا هو جزء من الظاهرة المخيفة المتمثلة في انتشار العديد من الأمراض الاستوائية التي تنتقل من خلال البعوض كحمى الضنك وفيروس شيكونجونيا في مناطق من العالم لم تعرف تلك الأمراض من قبل. لا يستطيع الباحثون فهم سبب تلك الظاهرة بالكامل، لكنهم يرجّحون أن لازدياد شعبية السفر العالمي والاحتباس الحراري يدٌ في تلك الظاهرة.


هل يمكن أن ينتقل الفيروس إلى منطقة الشرق الأوسط؟

الإجابة ببساطة نعم!، حيث تتواجد نوعية البعوض القادرة على نقل المرض في بعض دول المنطقة، وقد دعا د. علاء العلوان المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط في 31 يناير 2016م، حكومات المنطقة إلى العمل معًا للحفاظ على الإقليم وحمايته من هذا الفيروس. وقال د. العلوان : “ينتشر فيروس زيكا بواسطة البعوض الزاعج، وهو النوع نفسه من البعوض الذي ينقل حمى الضنك والحمى الصفراء وحمى التشيكونغونيا. لم يبلغ عن حالات إصابة بالفيروس حتى الآن في إقليمنا، ولكن هذا النوع من البعوض موجود في العديد من البلدان هنا، لذلك ينبغي على قادة الحكومات اتخاذ خطوات لمنع الفيروس من الانتشار إذا كان المسافرون العائدون من البلدان المتضررة مصابين بالفيروس”.


كيف يمكن أن نحمي أنفسنا من الفيروس؟

على المستوى الفردي، فإن الطريقة الوحيدة لحماية نفسك من الإصابة بالعدوى هي تجنب لدغات البعوض، ومن الممكن القيام بذلك من خلال استخدام المستحضرات الطاردة للحشرات، وارتداء الملابس التي تغطي أكبر قدر من الجسم قدر الإمكان، واستخدام الحواجز المادية مثل الشبكات، والأبواب المغلقة والنوافذ، وتفريغ أي حاويات بها مياه راكدة؛ لأنها غالباً ما تكون مواقع خصبة لتكاثر هذا البعوض.

أما على مستوى الدول والحكومات، فإن الدكتور العلوان يحث جميع الدول على ما يلي:

  • تعزيز المراقبة للكشف المبكر عن الإصابة بفيروس زيكا، وخاصة بين المسافرين العائدين من الدول التي ينتشر فيها الفيروس حاليًا.
  • توخِّي الحذر لمواجهة أي زيادة في عدد الأطفال الذين يولدون في الآونة الأخيرة مع تشوهات خلقية أو متلازمات عصبية، بدون سبب طبي واضح لها.
  • تعزيز المراقبة في البلدان التي يوجد فيها بعوض الزاعجة المصرية، لاكتشاف تجمعات البعوض عالية الكثافة.
  • توسيع نطاق أنشطة الحد من تجمعات البعوض، خاصة مواقع تكاثرها مثل المياه الراكدة، وذلك من خلال الرش في الأماكن المغلقة وإشراك المجتمعات المحلية.
  • رفع مستوى الوعي لدى الناس الذين يعيشون في البلدان عالية المخاطر حيث تقع حالات حمى الضنك والشيكونغونيا والحمى الصفراء، والتأكيد على تدابير الحماية الشخصية لمنع لدغات البعوض، وخصوصًا خلال النهار وهو الوقت الذي تميل فيه هذه الأنواع من البعوض للدغ.

وكما هو متفق عليه بموجب القانون الدولي، يجب على جميع البلدان أن تعمل معًا بإبلاغ منظمة الصحة العالمية عن أي حالة اشتباه بالمرض حتى يمكن اتخاذ الإجراءات اللازمة للمساعدة على منع انتشار الفيروس.

ولا توصي منظمة الصحة العالمية، حاليًا، بفرض أي قيود على السفر أو التجارة ولكن سيُنظر في هذا القرار دوريًا لأن الوضع يختلف بين بلد وآخر. وتوصي منظمة الصحة العالمية المسافرين أيضًا بالاطلاع على النصائح الصحية الوطنية ذات الصلة قبل السفر إلى أي بلد ظهر به الفيروس.

المراجع
  1. 1
  2. 2
  3. 3
  4. 4
  5. 5
  6. 6
  7. 7
  8. 8
  9. 9
  10. 10
  11. 11
  12. 12
  13. 13
  14. 14
  15. 15
  16. منظمة الصحة العالمية تدعو حكومات شرق المتوسط لاتخاذ خطوات للوقاية من فيروس زيكا