في تطورٍ جديد للأزمة الأوكرانية، أعلن التليفزيون الحكومي الروسي عن القبض على مواطنين أمريكيين عقب أسرهما خلال معارك خاضها ضمن الجانب الأوكراني وضد القوات الروسية.

وصفت روسيا المواطنين الأمريكيين بـ«المرتزقة» وتوعّدت بأن يقع تحت طائلة عقوبات صارمة ومجهولة بسبب تعقيد الوضع في أوكرانيا، الأمر الذي ساهم في تدفّق آلاف المقاتلين الأجانب من شتّى الجنسيات على ساحات القتال لدعم الطرفين.

ووفقًا لوزارة الخارجية الأمريكية، فإنها وجّهت إلى موسكو عدة أسئلة بشأن مواطنيها لكنها لم تتلقَ أي ردٍّ بعد.

لم تنصّ اتفاقيات جينيف الدولية على بنود تُحدّد طريقة معاملة جيوش الدولة للمرتزقة الأجانب الذين يقاتلون ضمن صفوف الدول المعادية، وهو ما لا يُكسب هؤلاء المرتزقة أي حقوقٍ حال تعرُّضهم للأسر لأنهم لا يُدرجون كـ«أسرى حرب».

لذا، وبرغم التنديدات الدولية الجمّة التي لاحقت الإعلان عن أسر المواطنين الأمريكيين، فإن الكرملين لم يستبعد إعدامهما ليلاقيا نفس مصير المغربي إبراهيم سعدون والبريطاني شون بينر، واللذين أسرهما الروس في ظروفٍ مماثلة أيضًا.

ومنذ احتدام الصراع بين روسيا وأوكرانيا في 2014م، تدفّق المقاتلون الأجانب إلى تلك البقعة الساخنة من العالم للقتال في صفوف الجانبين، وبحسب تقديرات أولية فإن قرابة 17 ألف مقاتل أجنبي ينشطون الآن على الأراضي الأوكرانية، ما يعيد إلى الأذهان جبهات قتال لم ننسَ ما جرى فيها بعد أبرزها سوريا والعراق والشيشان.

روسيا: العالم بأسره يُحاربنا

في فبراير الماضي، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن قرابة 7 آلاف مرتزق يحملون جنسية 64 دولة جاءوا إلى أوكرانيا للمساعدة في صدِّ الهجمات الروسية.

وبحسب روسيا، فإن أغلب هؤلاء المقاتلين أتوا من بولندا -في أبريل الماضي أعلنت موسكو أنها قتلت 30 مرتزقًا بولنديًّا- ثم كندا ثم من أمريكا وفي النهاية تأتي رومانيا في ذيل الدول المُصدِّرة للمقاتلين إلى أوكرانيا.

وزعمت وزارة الدفاع الروسية أنها قتلت من إجمالي تلك القوة الأجنبية قرابة ألفي فرد.

وفي مايو الماضي، كشفت وزارة الدفاع الروسية أنها تعمل على تجفيف منابع تدفّق المقاتلين الأجانب على الأراضي الأوكرانية، معلنةً أنها تستهدف مقرّاتهم بـ«أسلحة دقيقة المدى» ما أوقع منهم المئات من الضحايا.

ورغم أن الدول الغربية أحجمت عن التدخل المباشر في أوكرانيا فإنها لم تمنع مواطنيها من السفر إلى هناك والانخراط ضمن صفوف الجيش الأوكراني، فسمحت لضباط سابقين وخبراء عسكريين بالسفر إلى كييف وتدريب المقاومة الأوكرانية على استخدام الاسلحة الأمريكية.

تعاملت موسكو بصرامة مع هذه الخطوات عبر إعلانها أنها ستتعامل مع أي أجنبي يُقاتل مع الأوكرانيين كــ«مُرتزق»، وبالتالي لن تُطبّق عليه أي من قواعد اتفاقيات أسرى الحرب الدولية.

فيلق عربي يُدافع عن روسيا

في المقابل، فإن الغرب لا يتوقّف عن اتهام روسيا بأنها التي تستعين بالمرتزقة لتنفيذ أعمالها القتالية في أوكرانيا.

ففي أبريل الماضي نشرت «الجارديان» تحقيقًا كشفت فيه أن روسيا استقدمت قرابة 20 ألف رجل من سوريا وليبيا ونشرتهم في منطقة دونباس الأوكرانية. في تقريرها نقلت «الجارديان» عمّا أسمته «مصدرًا أوروبيًا» بأن روسيا استعانت بهؤلاء الأشخاص كقوات مُشاة -فلم تزودهم بمعدّات ثقيلة أو بمركبات مدرّعة- وذلك لمواجهة أعمال المقاومة الأوكرانية التي تستعين بأسلحة خفيفة أيضًا.

وبحسب ما أُعلن، فإن المقاتلين السوريين سيتلقّون رواتب تتراوح بين 600 دولار و3 آلاف دولار شهريًا بحسب الكفاءة القتالية لكل فرد.

تقاطع هذا التقرير التسريبات الاستخباراتية التي تداولتها وسائل الإعلام العالمية والتي كشفت أن الرئيس السوري بشّار الأسد أطلق حملة كبرى لتجنيد السوريين ليُقاتلوا على الأراضي الأوكرانية، وأن بعض طلائع هذه القوات وصلت بالفعل إلى روسيا.

وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان فإن قرابة 40 ألف سوري سجّلت أسماؤهم في قوائم القوات السورية التي يجري الاستعداد على إرسالها إلى موسكو فوجًا تلو الآخر، منها الفرق العسكرية التي تلقّت تدريبًا روسيًّا خلال سنوات الحرب الأهلية الفائتة.

وتلعب الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمرُّ بها سوريا وندرة وظائف العمل دورًا كبيرًا في رغبة آلاف الشباب في التطوّع والقتال تحت الراية الروسية.

ويتقاطع التقرير أيضًا مع المعلومات التي كشفت عنها المخابرات الأوكرانية في مارس بأن روسيا اتفقت مع خليفة حفتر قائد الجيش الليبي لإرسال مقاتلين ليبيين إلى أوكرانيا.

أيضًا، لم يتوقف الغرب عن الحديث المستفيض عن استعانة موسكو بـ«مجموعة فاجنر»، وهي قوة روسية خاصة من 10 آلاف رجل لا تتبع الجيش النظامي لكنها تُموّل من قِبَل رجال الأعمال المؤيدين لبوتين، لذا يُطلق عليها «جيش الظل لبوتين» أو «جيش بوتين».

وبرغم نفي الكرملين المتكرر لأي صلة بينه وبين تلك المجموعة فإن معلومات استخباراتية أوروبية أكدت أن روسيا استعانت بتلك المجموعة القتالية الغامضة في عددٍ من جبهات القتال التي لا تُريد أن تتورّط فيها موسكو علنًا وهو ما حدث في ليبيا والسودان وموزمبيق ومالي وسوريا، كما يُعتقد أنها خاضت معارك شرقي أوكرانيا عام 2014م.

هذا الحديث لم يقتصر على التخمينات الإعلامية، وإنما اتهمت أوكرانيا -رسميًا- أفرادًا من تلك المجموعة القتالية بِارتكاب جرائم حرب على أراضيها لمعاونة الجيش الروسي في تنفيذ خططه العسكرية التي تمزّق وحدة التراب الأوكراني بلا هوادة.

وبحسب خبراء أمنيين، فإن الجنود العرب لن يُغيّروا كثيرًا من مسار الحرب؛ فهم لا يُجيدون لغة البلاد ولا يعرفون شيئًا عن تضاريس أوكرانيا، لذا فإن جنود فاجنر هم وحدهم القادرون على إحداث الفارق.

ووفقًا للخبراء، فإن تلك الخطوة وإن كانت تعكس يأس الروس من تحقيق النصر بمفردهم، فإن لها عواقب خطيرة بسبب عدم خضوع هؤلاء الجنود لأي رقابة من أي نوع، ما يُتيح لهم ارتكاب المذابح وانتهاك حقوق المدنيين دون خشية من أي ملاحقة قضائية لأي جهة قضائية دولية.

وهو ما يُعين تلك الوحدات على تنفيذ مهام قتالية يسهل التبرؤ منها لاحقًا، مثلما حدث حينما كشفت المخابرات الأوكرانية أن مجموعات المرتزقة الروس يحاولون تنفيذ عمليات نوعية في عُمق البلاد مثل اغتيال عددٍ من قادة البلاد، وعلى رأسهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ورئيس أركان الرئاسة أندري يرماك ورئيس الوزراء دينيس شميهال.

هذه الخطوات الروسية في تجنيد المرتزقة أجبرت بابا الفاتيكان على التخلّي عن حياده الشهير واضطر للإدلاء بتصريحات سياسية نادرة اعتبر فيها أن استعانة الروس بالمرتزقة «سلوك وحشي».