قبل لحظات من النهاية

طوال عشر سنوات تواجد ريبيري وروبن بألوان قميص فريق بايرن ميونخ، إنهما جزء من تاريخ هذا النادي. العديد من الأهداف والعديد من الألقاب حققناها رفقة الرجلين، فلنجعل النهاية مثالية إذن. دعونا لا ننسى «هكذا نحن mia san mia».

هكذا تحدث المذيع الداخلي لملعب الأليانز أرينا قبل المباراة الختامية للدوري الألماني والتي يحتاج بايرن ميونخ أن يفوز بها ليحقق لقب البوندسليجا، وهو ما يتزامن مع المباراة الأخيرة للثنائي روبن ريبيري. يبدو المشهد مثيرًا إذن، لكن هناك داخل غرفة تبديل الملابس كان المشهد أكثر درامية.يجلس الرجلان على مقعدين متجاورين داخل غرفة جمعتهما لعشر سنوات متتالية. بدت الغرفة التي تشبه مكعبًا أحمر قانيًا صامتة كما لم تكن أبدًا، لا أثر لعشر سنوات من الصراخ والغضب والفرح والانتصار. يبدو الرجلان عاريي الصدر رغم القميصين المعلقين فوق رأسيهما، إنهما لن يتحدثا أبدًا.كسر حاجز الصمت أخيرًا صاحب القميص رقم 10 الهولندي أريين روبن ناظرًا إلى زميله ذي الندبة الواضحة على الوجه:

تبدو تلك الندبة مريعة بالفعل يا فرانك، ولكن هل تعلم؟ أنت من دونها أكثر قبحًا.
يضحك فرانك ريبيري ثم ينظر إلى صديقه:

قدماك لن تخذلاك أبدًا

يقولون إن الله يبعث للأطفال الفقراء بعصافير كناريا تغرد داخلهم، تغنيهم عن قسوة الحياة بموسيقى داخلية لا يستطيع أن يوقفها أحد. تبقى تلك العصافير هي الملجأ في مواجهة ظروف الفقر والتنمر والإحباط.

ما زلت أذكر المرة الأولى التي سمعت فيها العصفور يصدح داخلي. لم يكن أحد يقترب مني أبدًا، فقط يشيرون إليّ من بعيد. انظروا إلى ذلك الطفل ذي الوجه المشطور، مائة غرزة كانت كفيلة لجعل وجهي أقرب إلى خريطة. ندبة تبدأ من الحاجب وتمر بجوار العين ثم لا تتوقف سوى بعد أن تعبر الفك الأيمن لوجهي. أخبروني أني لم أكن أكمل العامين عندما طرت من زجاج نافذة السيارة محطمًا إياه بوجهي مما استلزم مائة غرزة لكي يلتئم الجلد الممزق مرة أخرى تاركًا لي تلك الندبة. أحدهم اقترب مني ضاحكًا ليمرر يديه فوق ندبة وجهي. لم أحاول أن أمنع يده من ملامسة وجهي. كان يمر بأصبعه بطول وجهي بينما عيناه موجهتان مباشرة إلى عيني، منتظرًا مني أن أبكي على الأغلب.هنا تدخل عصفوري الصغير للمرة الأولى، غنى لي أغنية طفولتي المفضلة ليهدئني ثم قال لي أن أنظر أنا الآخر في عيني ذاك الكريه الذي اقترب مني. تلك الكراهية هي التي ستجعلني أقوى. قدمي لن تخذلني أبدًا. ولدت للعب كرة القدم، وكرة القدم لا تعترف بوجه ذي ندبة أو وجه صافي الملامح. سأطير بعيدًا رفقة كرة القدم. تمامًا مثلما أخبرني عصفوري الذي لم يفارقني صغيرًا أو طوال مشواري مع كرة القدم.


الأحدب و إرث لا يتحمله أحد

كوازيمودو «أحدب نوتردام»، فرانكشتاين، ذو الندبة. لم يتوقف الأمر عند الصغر أبدًا، طالما نعت بكل تلك الأسماء أثناء لعبي كرة القدم ولكنني لم أهتز أبدًا. طردت في عمر السادسة عشر من أكاديمية ليل للشباب لأنني هزيل جدًا ولن أصبح لاعبًا ذا شأن من الناحية الأكاديمية، لكنني لم أتوقف. كنت أعمل مع والدي كعامل بناء في الصباح وفي المساء أتدرب رفقة نادي اليس.ربما لا أذكر تهشم الزجاج الذي فعلته بوجهي صغيرًا لكنني أذكر جيدًا مضرب البيسبول الذي هشم زجاج سيارتي أو كاد بعد أن هددني مسئول بنادي جالاطاسراي أنني سأعود إلى النادي التركي بأي ثمن. كنت قد قررت الرحيل بعد أن توقفوا عن إعطائي راتبي لأكثر من ثلاثة أشهر.حتى بقميص المنتخب تحملت ما لا يتحمله أحد؛ إرث زيدان. أنت زيدان الجديد، الرجل القادر على حمل فرنسا للمجد. وبين أداء مخيب وأربطة كاحل ممزقة لم أقدم شيئًا رفقة فرنسا.


ميا سان ميا 1

في كل مرة كنت أحتاج أن أبقى وحدي ليغرد لي عصفوري الصغير مرة ثانية. أنت تلعب كرة القدم ولا شيء أكثر من ذلك، أنت غير مسئول عن كراهية البعض لك، أنت لا دخل لك بإرث زيدان.إلا أن كل ذلك كان مختلفًا بين جدران أليانز أرينا. هل تسألون لماذا ريبيري بايرن مختلف؟ لأنني نلت التقدير هنا، لأنني آمنت بالـ ميا سان ميا، لأنني كنت بحاجة إلى رفيق. نعم، إنه أريين روبن.وصلت إلى بايرن أولاً، جئت من مرسيليا في صيف عام 2007 بعد أن جذبت انتباه العالم خلال نهائيات كأس العالم 2006 ثم انضم روبن بعد مرور موسمين، وصل بسمعة كبيرة وألقاب مع أندية تشيلسي مدريد، لكنني ما إن رأيته أدركت على الفور.هذا الرجل عانى قبل ذلك. هذا الرجل ربما لا يملك ندبة على وجهه لكن روحه لم تسلم من الندوب. هذا الرجل مثلي تمامًا لديه عصفوره الخاص ويتعامل مع كرة القدم كمسيح مخلص. كنت أعرف أننا سنصبح ثنائيًا ممتازًا. ربما علينا أن نعود للوراء مرة أخرى، هناك في هولندا عندما كان روبن طفلًا صغيرًا.


بداية مبشرة

دعوني أقص حكايتي بنفسي. أقدم ذكرياتي مع كرة القدم كانت في الشارع، لعبت أيضًا في الملاعب الصغيرة في المدرسة وفي الفريق المحلي لقريتي. لم يمر الكثير من الوقت حتى أيقنت أنني أسرع من البقية، كنت أطير بالكرة دون أن يدركني أحد.كنت ما زلت طالبًا في المدرسة عندما لعبت بالصف الأول لفريق جرونجن الهولندي. لا لم أشعر بغيرة من حولي، أنا قصتي لم تشكلها الدراما في البداية، لكنني حصلت على القسط الوفير من تلك الدراما فيما بعد.من جرونجن إلى إيندهوفن، لاعب العام ولقب الدوري. أصبح خروجي من هولندا مسألة وقت. التقطتني عين السير فيرجسون لكن أموال أبراموفيتش ذهبت بي إلى تشيلسي. شراكة ناجحة مع ماتيا كيزمان، تصدرنا الصحف تحت عنوان «باتمان وروبن». لم يتردد تشيلسي أن يجلب كيزمان أيضًا. تبدو قصة حالمة طبقًا للرجل ذي الندبة الذي بجواري، ولكن مهلًا، الدراما كلها بدأت من لندن.


قدم يمنى كارثية

كنت أركض أقصى يمين الملعب مستغلًا سرعتي المعهودة، إلا أن لاعب روما أوليفييه داكور ركلني من الخلف. تمامًا مثلما يفعل أحدهم في عراك شوارع. نهضت سريعًا وسددت بعض اللكمات لداكور بمعاونة كيزمان، ثم فجأة لم أستطع أن أقف على الأرض.

كنت ملقى على الأرض أتأوه بينما يلتف الجميع حول داكور مذكرين إياه أنها مجرد مباراة تحضيرية للموسم الجديد. يتحدثون أنها إصابة بسيطة بالطبع فالرجل كان يسدد اللكمات منذ لحظات. لكنني لم أنهض ولم أتوقف عن الصراخ. أعلن الطبيب فيما بعد أنني لن أنهض دون مساعدة ولمدة ستة أشهر أخرى، فهناك كسر في عظمة مشط القدم اليمنى.لم يجد داكورت ما يبرر به فعله. إنه سريع للغاية، ماذا عساي أن أفعل؟ إنه سريع لكنه يمتلك قدمًا يمنى ضعيفة للغاية. تلك هي مأساتي إذن، قدمي اليمنى.


الحال ينقلب تمامًا

ما زال حديث يوهان كرويف عني يتردد في أذني للآن: «إنه يملك موهبة هائلة في قدمه اليسرى لكن قدمه اليمنى مصنوعة من الشوكولاتة».أنا لا أنكر ذلك، لا يمكنني فعل أي شيء بقدمي اليمنى. يريد المدربون من اللاعبين الصغار العمل على كلا القدمين، ولكنني لا أوافق على ذلك أبدًا، أنا أملك قدمًا يسرى استثنائية وهي خير من قدمين جيدتين.ثم حدث ذلك الألم والأيام التي لا تنسى. أخبرني الأطباء أنها آلام منطقية فحالتي هي اشتباه بالإصابة بسرطان الخصية. لا أعرف كيف يمكن أن ينقلب الحال خلال قليل من الأيام هكذا.لكنني نجوت من السرطان والتأمت قدمي ثم تألقت رفقة تشيلسي لتعاودني الإصابات. خرج مورينهو يتحدث عن ضيقه تجاه استعدادي للتعافي من إصاباتي المتكررة. ثم أصبح ذلك هو النمط السائد للحديث عني، الرجل الزجاجي كثير الإصابات.أن تتحول من الرجل الأول إلى لاعب محل شك بخصوص الاعتماد عليك هو أمر مهين. حضر دروجبا وشيفتشينكو لتشيلسي فقررت الرحيل لمدريد.


ما حدث في لندن تكرر في مدريد

في موسمي الأول حققت لقب الدوري وهزيمة برشلونة بأربعة أهداف ثم في موسمي الثاني لعبت فترة من أفضل فتراتي مع كرة القدم. في ذلك الموسم تحديدًا بدأت أسطورة روبن الذي يقطع لداخل الملعب ثم يسدد أقصى يسار المرمى.ثم ماذا؟ ما حدث في لندن تكرر في مدريد.محاولًا أن يتحاشى النظر في وجهي أخبرني المدير الفني بيليجريني أني خارج حساباته للموسم القادم. لم يكن الأمر مفهومًا على الإطلاق، لقد كنا نتحدث أمس عن مهامي خلال الموسم القادم. شعر بيليجريني أنه مدين لي بتفسير وكان الحديث مباشرًا وموجعًا في آن واحد.لقد أتى فلورنتينو بيريز برونالدو وبنزيما والونسو وكاكا. أخبرني المدرب أنه لا يريدني أن أغادر لكن السيد بيريز حسم الأمر. ثم خرجت إدارة الريال تبرر بيعي بنفس النغمة التي التصقت بي دون منطق. إنه كثير الإصابات، يجب أن يتم بيعه الآن قبل أن ينخفض سعره. لقد أتينا برونالدو فما الحاجة لروبن إذن؟للمرة الثانية يقرر أحدهم أني لا أصلح للعب دور الرجل الأول، وللمرة الثانية يبرر متخذو القرار أن إصاباتي المتكررة هي السبب. توقع الجميع أنني سأنتهي سريعًا، لكنني أصبحت أفضل مع الوقت. على عكس توقع الجميع كنت أنا من يضحك أخيرًا. حدث ذلك بالطبع بعد أن ذهبت إلى أرض تثق كثيرًا في أبنائها.


ميا سان ميا 2

كان لابد للقصة أن تنتهي يومًا ما. دعنا نرتدي تلك القمصان للمرة الأخيرة ونخرج لنفعلها كما اعتدنا طوال عشر سنوات. دعنا نطلق العنان للعصفور الصغير.

بدأت العمل مع أخصائي تقويم العظام في سنتي الأخيرة في ريال مدريد، وأوضح أن كل شيء في جسدي يجب أن يكون جيدًا. أنا أشبه سيارة Formula One – إذا كان هناك مسامير صغيرة ليست جيدة، فسوف ينفجر محركي. لكن ذلك لم يكن السر أبدًا، إنه الإيمان الذي منحه لي بايرن ميونخ، الإيمان بأنني الأفضل وأنني ركيزة أساسية في الفريق. ركلة جزاء ضائعة في نهائي دوري أبطال أوروبا كانت كفيلة أن يكرهني الجميع، لكنني وجدت الإيمان هنا. ثم ماذا حدث؟ جلبنا الكأس في السنة التالية.ميا سان ميا يا أصدقائي. نحن ما نحن عليه. أنا روبن صاحب القدم اليسرى الاستثنائية واليمنى عديمة الجدوى، لكنني عملت حتى وصلت للقمة. هكذا تعلمت في بايرن ميونخ وهكذا أصبحت أفضل رغم السن. لقد قل معدل إصاباتي، حتى العودة من الإصابات كانت بشكل أفضل كل مرة. إنه الإيمان يا صديقي.قاطعه الفرنسي أخيرًا:

هل انتهيت؟ نعم ولكنني لدي سر صغير لك، أنا أيضًا أملك عصفورًا صغيرًا بداخلي. لكنك لم تقل لي ذلك أبدًا. -إنه أمر شخصي أيها الرجل ذو الندبة. حسنًا، لقد توقف عصفوري الصغير عن الغناء. غادر صدري مساء أمس بلا رجعة. شعرت به يطير عاليًا نحو السماء. ربما هو الآن داخل طفل صغير آخر، يغني لأجله مثلما غنى لأجلي. ماذا عنك؟
ماذا عني؟ لقد كنت أمزح بالطبع ولكنني أؤمن تمامًا بالعصفور خاصتك.

ربما تبدو قصة خيالية للثنائي لكن من المؤكد أن كل تلك الأحداث حقيقية تمامًا، ومن المؤكد أن الثنائي روبن ريبيري هما ثنائي متوافق تمامًا، وجدا بعضهما البعض في فترة ذروة التألق لكليهما وبعد الكثير من التشكك في قدراتهما. والفضل الأول في تألق الثنائي هو نادي بايرن ميونخ بالطبع، ذلك الفريق الذي آمن بالثنائي فردّا له الجميل على أكمل وجه. قصة روبن ريبيري هي قصة أن تتواجد في مكان يؤمن أن طبيعتك الشخصية هي أفضل ما لديك، في مكان شعاره ميا سان ميا.

أشعر أن لدينا عقولًا متشابهة جدًا، وقد ساعد ذلك على إنشاء اتصال لا يصدق على أرض الملعب. بادئ ذي بدء، نحن نحب اللعبة، لكننا نحب على وجه التحديد المواقف الفردية، بالإضافة إلى تحديد الأهداف وتسجيلها. نحن متشابهان للغاية، وعندما نكون معًا فليس من المفاجئ حقًا أن نحقق الكثير من النجاح. روبن متحدثًا عن ريبيري.