قبل إنشاء السد العالي كانت بلدتنا الرابضة أسفل الجبل الغربى على موعد سنوي مع بطولة ألعاب أولمبية تبدأ منافساتها بعد وصول بحر الدميرة (مياه الفيضان)، وغمرها للأراضي الزراعية وتعطل أهلها عن ممارسة أعمالهم الزراعية، واتساع أوقات فراغهم التى كانوا يقضونها في قعدات السهاري والمصاطب التى ألهمتهم أفكارًا لابتكار ألعاب يشغلون بها أيامهم الطويلة الممتددة بطول أيام الفيضان.

رياضة الرماية

كعادتهم، الصعايدة يبدأون يومهم قبل شروق الشمس؛ ولكن فى أيام الفيضان لا أعمال ولا مشغوليات لديهم، كما لا يمكنهم البقاء فى منازلهم، لذا يتوجوهون إلى قعدات السهاري المنصوبة ليبدأوا ممارسة رياضة الرماية، ولكن بطريقتهم الخاصة.

فهم يسمونها «لعبة الناصوب»، حيث يقومون بنصب شاهد، غالبًا ما يكون بعدد من علب السمن الفارغة فوق بعضها البعض، وتُسمَّى «ناصوب»، يتناوبون على رميه بعدد من الطوب -جمعوه أمامهم- بعد ما جلسوا القرفصاء صفًا واحدًا.

صحيح من يقوم بإصابة الهدف وإسقاطه أرضًا لا يحصل على ميدالية، لكنه يحصل على ثقه معنوية مع لفت انتباه الآخرين إلى مهارته، وأخذها في الاعتبار عند المشاجرة مع عائلته.

رياضة المصارعة

يلعب الصعايدة المصارعة، ولكن تحت اسم اختاروه، وهو «المشابطة». وهي رياضة تبدأ بكلمة «تشابطني»، أي: تقدر تسقطنى أرضًا، يقولها شخص متحديًا واحدًا من الجالسين، وسط تشجيع من الجمع.

تبدأ المشابطة حيث يلف كل منهما زراعيه حول وسط الآخر محاولًا إسقاطه أرضًا، وغالبًا ما تنتهي المشابطة بخناقة لعدم تقبل المهزوم للخسارة.

رياضة سلاح الشيش

ليس لدى الصعايدة شيش، ولكنهم يمتلكون عصًا يحطبون بها، وهو ما يسمى بـ «لعبة التحطيب». وهى لعبة أساسها الدفاع، ولا مانع من الهجوم إن أمكن، حيث يتلقى اللاعب ضربات خصمه على عصاه، ويعتبر أحدهم فائزًا إذا سجل «باب».

والباب هو أن تلمس عصاه جسد خصمه. ولكن التحطيب يختلف عن المشابطة، فلا ينتهي بخناقة، فهو لعبة فتوات، «وضربة عصا التحطيب ملهاش رد»؛ هكذا يقولون.

رفع الأثقال

لم يكن أهل بلدي بحاجة لحديد لرفع الأثقال، وعندهم ذلك الحجر الذي يتبارى الرجال الأشداء في رفعه. فمن ذا الذي يستطيع رفعه فوق كتفه؟

وتكمن شهرة هذا الحجر ومكانته عن أي حجر آخر، ليس في حجمه الضخم وشكله الدائري وملمسه الناعم فقط، الذي يصعب مهمة حمله، ولكن في قصة إحضاره من الصحراء القربية؛ وهي أن صاحبه أحضره بعدما لفه في شاله ووضعه على كتفه وأمسك طرفي الشال بيد، وبالأخرى يغزل صوفًا. لذا كان مقدار شدتك وقوته رهن بالمسافة التي يرتفعها الحجر من الأرض إلى ركبتيك أو بطنك أو كتفك.

الوثب

لم يغلب الناس في تحديد مسافة للوثب وعندهم تلك الترعة الصغيرة ،فكانوا يتراهنون على من يعبرها دون أن يبتل ثوبه. فكانوا يأتون سراعاً ثم يقفزون إلى الشط الآخر وقليل هم أولائك الذيون اجتازوها من أول محاولة.

رياضة السباحة

مع ساعات الظهيرة الأولى، تبدأ منافسات العوم (السباحة)، ويساعد على ذلك الهجير، وامتلاء ترعة «المرة» عن آخرها بمياه الفيضان، فيبدأ المتنافسون في القفز من أعلى سور الكوبري، وتتجلى البراعة والمهارة في أولئك الذين يستطيعون القفز على ظهورهم ومواصلة السباحة حتى نقطة الهدف.

رياضة الهوكى

لم يكن يعرف ناس بلدي الهوكي، ولا شاهدوه من قبل؛ ولكن بيئتهم وظروفهم فرضت عليهم أن يبحثوا عمّا يشغل فراغهم أيام الفيضان، فها هم شغلوا وقت فراغهم نهارًا، وبقي أن يشغلوا ليلهم.

لذا تستحدثوا لعبة أسموها «المطارق»، يلعبونها على ضوء القمر حيث لم تكن الكهرباء وصلتهم. وهي عبارة عن فريقين يتكون كل فريق منهما من عدد من اللاعبين، بيَد كل لاعب عصا مُقوَّس طرفها، صنعوها من جذوع النخل ليضربوا كرة مصنوعة من ليف النخيل بعد تكويره بواسطة حبال من الليف، باتجاه مرمى من الاثنين المنصوبين على طرفى ملعب مساحته أفدنة من الأرض التي لم تطوِها يد الفيضان.

لكن من عيوب هذه اللعبة تركها العديد من العاهات المستديمة في أجساد لاعبيها، كقطع عقلة أصبع أو سنة طارت أو عدد غير محدد من غرز الرأس.

لم تكن هناك جوائز مادية لأولئك الفائزين، ولكن جميعها كانت تكريمات معنوية مع شهرة في قعدات السهاري، وذكرى حسنة في الحكايات الممتدة إلى الآن.

الجدير بالذكر أن كل هذه الألعاب اندثرت وأصبحت من الذكريات، حتى قعدات الناس اختفت واستبدلت بتواصل إلكتروني خالٍ من جمال الطبيعة وحيوتها.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.