مشروعات الجيش هي عرق وزارة الدفاع، ولن نسمح للدولة بالتدخل فيها.

اللواء محمود نصر، مساعد وزير الدفاع للشئون المالية والمحاسبية

حصلت وزارة الدفاع المصرية خلال الأشهر الأخيرة على امتياز عدة عقود من وزارات: الصحة والنقل والإسكان والشباب، تتجاوز قيمتها المليار دولار؛ وذلك لتنفيذ مشاريع البنية التحتية العملاقة. وقد برر مجلس الوزراء المصري تفضيله للجيش على الشركات الخاصة لتنفيذ هذه المشاريع – والتي تتمثل في بناء الطرق السريعة الجديدة وبناء مساكن لذوي الدخل المنخفض، وتجديد المستشفيات العامة ومراكز الشباب – على أساس الكفاءة والانضباط التي يتمتع بهما الجيش في تنفيذ المشاريع.

لم يكن تكليف الجيش بمشاريع البنية التحتية المحلية سلوكًا جديدًا من السلطات المصرية، ولكن تجدد دور الجيش في الشؤون الداخلية للبلاد وخاصة منذ الإطاحة بمحمد مرسي في يوليو/تموز 2013؛ ليكون البديل الدائم للقطاع الخاص، إضافةً إلى عزل المشروعات الخاصة بالجيش عن خزينة الدولة والذي كان واضحًا في تصريح مساعد وزير الدفاع محمود نصر في مؤتمر إعلامي بأن «مشروعات الجيش هي عرق وزارة الدفاع، ولن نسمح للدولة بالتدخل فيها».


المؤسسات التجارية التابعة للجيش

المؤسسة العسكرية مرشحة لمزاحمة الشركات الرأسمالية الكبرى، وليست الشركات المتوسطة التي يعاملها الجيش كمقاول فرعي subcontractor ، كما أن دور القوات المسلحة المتعاظم في تنفيذ هذه المشروعات حل محل الشركات الكبرى (كـأوراسكوم والمقاولين العرب) في عدد من المشروعات.

عمرو إسماعيل، الباحث بمركز كارنيجي للأبحاث والدراسات السياسية

في أعقاب إزاحة محمد مرسي في 3 يوليو/تموز 2013، تزايد حجم أعمال المؤسسة العسكرية في المشروعات الاقتصادية، ودخلت كشريك في عدد من المشروعات، أبرزها مشروع لإسكان محدودي الدخل بقيمة 40 مليون دولار، كانت تشترك فيه الهيئة الهندسية للقوات المسلحة مع شركة (أرابتك) الإماراتية، قبل أن تنسحب منه الهيئة الهندسية بقرار من الرئيس عبدالفتاح السيسي وتحل وزارة الإسكان بديلًا لها بعد تحول المشروع لإسكان متوسطي الدخل، كما شاركت الهيئة الهندسية للقوات المسلحة مع دار الهندسة في أعمال تنفيذ مشروع قناة السويس الجديدة.

هذا بخلاف العدد الكبير من المشروعات التنموية ومشروعات البنية التحتية التي يقودها الجيش، كما يذكر أن مساهمة القوات المسلحة بهذا الدور الموازي لمهامها الرئيسية تتم بواسطة 4 أجهزة تابعة لها، وهي:

1. جهاز مشروعات الخدمة الوطنية

أنشئ جهاز مشروعات الخدمة الوطنية في عام 1979؛ بهدف مساعدة الجيش المصري على تجنب الاعتماد على سوق القطاع الخاص للحصول على البضائع. وقد أنشأ هذا الكيان شركات يسيطر عليها الجيش، وتستثمر في قطاعات مختلفة من الاقتصاد المحلي.

يعمل تحت مظلة هذا الجهاز حاليًا قرابة العشر شركات تغطي مجموعة واسعة من القطاعات، منها شركات: النصر للكيماويات الوسيطة، العريش للأسمنت، الوطنية للبترول، الوطنية لإنتاج وتعبئة المياه (صافي)، مكرونة كوين، الوطنية لاستصلاح وزراعة الأراضي، النصر للخدمات والصيانة (كوين سيرفس)، مصر العليا للتصنيع الزراعي، مصنع إنتاج المشمعات البلاستيك، بخلاف قطاع الأمن الغذائي الذي يتبع الجهاز. فعندما تتجاوز كميات أي من السلع التي تنتجها هذه الشركات احتياجات الجيش تباع في الاقتصاد المحلي كجزء من التزام الجيش بما يسمونه (المسؤولية الاجتماعية).

2. الهيئة العربية للتصنيع

أنشأت كل من مصر والمملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة الهيئة العربية للتصنيع عام 1975؛ في محاولة لتدشين اتفاقية الدفاع العربي المشترك. ولكن بعد أن وقعت مصر معاهدة سلام مع إسرائيل عام 1979، انسحبت الدول العربية الأخرى منها، وأصبحت مصر المالك الوحيد للمشروع.

تركز الهيئة على توفير احتياجات معدات الدفاع للقوات المسلحة المصرية، وتستخدم القدرات الفائضة لدعم مشاريع التنمية المجتمعية في مجالات البنية التحتية وحماية البيئة والنقل. وتدير الهيئة أحد عشر مصنعًا في جميع أنحاء مصر، والتي تنتج المعدات العسكرية والمدنية، ولها العديد من المشاريع الدولية المشتركة مع الدول الأوروبية وأمريكا والتكتلات الآسيوية.

3. الهيئة الهندسية للقوات المسلحة

وهي الهيئة العسكرية المتخصصة في مجالات الإنشاءات العسكرية والمدنية، ومشروعات البنية التحتية والطرق والكباري، وبناء المدارس، ومجالات التنمية السياحية وتطوير المنشآت الرياضية، ومشروعات الإسكان الاقتصادي، والتخطيط العام للمدن.

في مايو عام 2014، قال مدير الهيئة الهندسية للقوات المسلحة إن الجيش قد نفذ 473 مشروعًا إستراتيجيًّا وخدميًا في سنة ونصف. تشمل هذه المشاريع تنفيذ 150 ألف وحدة سكنية لمتوسطي الدخل، والإشراف على تطوير أكثر من 3000 كيلومتر من شبكة الطرق، وحفر آبار مياه في توشكى، وإنشاء محطة تحلية مياه في سيناء، وتطوير 43 مستشفى تابعة لوزارة الصحة، وتطوير 47 منطقة عشوائية في القاهرة والجيزة بالتعاون مع وزارة التطوير الحضاري (تم الانتهاء من 7 مناطق منها بتمويل من مجلس الوزراء واتحاد البنوك)، وإنشاء البنية الأساسية لـ 10 ألاف فدان في الفرافرة.

4. الهيئة القومية للإنتاج الحربي

هيئة عسكرية تمتلك أكثر من 15 مصنعًا للصناعات العسكرية والمدنية (الأجهزة الكهربائية والإلكترونية بشكل أساسي). وتعد تلك الهيئة صاحبة الصفقات التجارية للجيش على المستوى الوطني بل توسعت لتشمل أيضًا صفقات مع شركات أجنبية مثل جنرال إلكتريك، وشركة لوكهيد مارتن، وميتسوبيشي، وغيرها. وبعيدًا عن المعدات العسكرية، تغطي تلك الصفقات الدولية المنتجات غير العسكرية مثل أجهزة التلفزيون وسيارات الجيب وأجهزة الكمبيوتر اللوحي.


إدارة أراضي الدولة للمؤسسة العسكرية

عمرو إسماعيل، الباحث بمركز كارنيجي للأبحاث والدراسات السياسية

خلال عهد السيسي، تبدلت ملامح المعادلة الاقتصادية للجيش، فأصبح المالك والمستثمر الوحيد لأراضي الدولة، حين أصدر السيسي قرارًا جمهوريًا رقم 57 لسنة 2016، والذي خصص بشأنه أراضي العاصمة الإدارية الجديدة، وتجمع زايد العمراني، المزمع إنشاؤهما على ما يناهز 16 ألف فدان، لجهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة، كي تضطلع بتنفيذ المشروع.

كما نص القرار على إنشاء شركة مساهمة تتولى إدارة اﻷراضي، وتضم مساهمات من جهازي مشروعات أراضي القوات المسلحة، ومشروعات الخدمة الوطنية.

لقد تمثل دور جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة خلال سنوات مبارك في تحصيل التعويضات المالية من الخزانة العامة للدولة نظير الأراضي المقام عليها معسكرات أو مواقع عسكرية؛ (أي الأراضي التابعة للقوات المسلحة، بصفة مباشرة)، وهو الدور الذي تبدل خلال ولاية السيسي بعد قراره الرئاسي بمنح الجهاز الصلاحيات ذاتها الممنوحة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية، بالسماح له بإنشاء شركات مساهمة هادفة للربح.

يجعل هذا الأمر من المؤسسة العسكرية فاعلًا رئيسيًّا في عملية الاستثمار، بما تملكه من أراضٍ، سواء بتأسيس شركات أو كشريك مع رأس المال العربي أو الأجنبي، والدخول في مشروعات التنمية العقارية، والصناعية، والخدمات اللوجستية، كما هو الأمر في مشاريع العاصمة الإدارية الجديدة والإسكان المتوسط. وقد جرى تخصيص أراضي كلا المشروعين لجهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة كي تضطلع بتنفيذ المشروع.


الشئون المعنوية «شركة إنتاج فني عسكرية»

إمبراطورية الجيش تكونت مع عصر التحرير الاقتصادي منذ الثمانينيات، وتطورت مع تطور الرأسمالية الكبرى التي تمايزت العلاقة بينهما بين علاقة تكامل في مرحلة معينة، وتنافس على أراضي الدولة في أخرى.
اهتمام المؤسسة العسكرية بالجانب الفني هو فرعي عن انغماسها في السياسة؛ بهدف احتكار السلطة والثروة، وهذا لا يعد من مهامها الأصيلة؛ لأن دور المؤسسة العسكرية هو الدفاع عن الوطن، وهذا هو دورها الأساسي الذي نعتز به جميعًا.
نادر الفرجاني، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة

في فترة ليست ببعيدة ظهرت وزارة الدفاع المصرية بثوب جديد؛ وهو إنتاج أغانٍ، وأفلام وثائقية، وتسجيلية، ممثلة في إدارة «الشئون المعنوية»؛ لإيصال رسالة سياسية ما للشعب المصري، ولعل أغنية «انزل وشارك» التي أنتجتها الإدارة؛ من أجل دعوة الشعب المصري للنزول للتصويت على دستور لجنة الخمسين، وتوالى بعدها إنتاج الأغاني، سواء لإيصال رسالة ما، أو لهدف وطني، وآخر هذه الأعمال أوبريت بعنوان مصر اللي بجد.

وفي مارس/آذار 2015، وقبل بداية «المؤتمر الاقتصادي» بشرم الشيخ، أنتجت إدارة الشئون المعنوية بوزارة الدفاع أغنية بعنوان «إيد على إيد»؛ من أجل دعم المؤتمر الاقتصادي، والأغنية من غناء الطفل «سيف الله مجدي»، ويعرض فيديو الأغنية مشاهد لبعض المشروعات التي قامت بها القوات المسلحة.

وفي إطار الاحتفال بافتتاح عدد من المشروعات الإستراتيجية القومية، في منطقة «بورسعيد»، ضمن خطة تطوير مشروع قناة السويس، أنتجت إدارة الشئون المعنوية بوزارة الدفاع أغنية «بنكمل حلم بكرة»، في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، والأغنية من غناء «كورال» الأطفال، ومشاهد الأغنية عبارة عن بعض الأطفال يرتدون الزي العسكري، ومشهد يظهر فيه الرئيس المصري، ذو الخلفية العسكرية، «عبد الفتاح السيسي»، أثناء افتتاح مشروع تنمية منطقة شرق بورسعيد.

وفي فبراير/شباط 2016، نشر الموقع الرسمي لوزارة الدفاع أغنية بعنوان عارفين مصر عايزة إيه، في ظل الاحتفال بتنفيذ 34 مشروعًا نفذتها الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة، والأغنية من غناء المطرب «محمد فؤاد»، ومن إنتاج إدارة الشئون المعنوية.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2015، نشر موقع وزارة الدفاع فيلمًا وثائقيًا بعنوان «حياة شهيد»، ويدور الفيلم حول قصة أحد الجنود الذين خاضوا حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، والفيلم بطولة «أحمد عبدالعزيز»، وإنتاج التليفزيون المصري، بالاشتراك مع إدارة الشئون المعنوية.

من الممكن أن نرى قريبًا للمؤسسة العسكرية شركات إنتاج خاصة بها، خاصةً وأن السياق القانوني الموجود الآن يسمح لها بالدخول في الكثير من المجالات مثل: النشاط الاجتماعي، والاقتصادي. وبذلك تكون إمبراطورية الجيش لا تقتصر على الشركات والأراضي فحسب، بل امتدت لتدخل المجال الفني من أوسع أبوابه. ما تستخدمه المؤسسة العسكرية لخدمة أهدافها هو حق لها، ولكن ما تستخدمه من أموال وأراضٍ للدولة لخدمة أهداف سياسية فهو من حق الشعب.

المراجع
  1. القوات المسلحة المصرية وتجديد الامبراطورية الاقتصادية
  2. إمبراطورية الجيش الاقتصادية: دعم السلطة الحاكمة يهدد نفوذ القطاع الخاص
  3. The Military Crowds Out Civilian Business in Egypt
  4. The 21 Most Miserable Countries In The World
  5. Demanding order, el-Sissi turns to military to rebuild Egypt