بمجرد ذكر اسمين متنافسين في كرة القدم، تنتج إجابة دبلوماسية متكررة، أظنها بدأت بقوة مع الصراع بين «مارادونا» وبين «بيليه»، والتي تؤكد أن المقارنة لا داعي لها وعلينا أن نستمتع بهما معًا.

إذا كنت من المقتنعين بهذه الإجابة، فإن كرة القدم لن تروق لك تقريبًا، حيث إنها ومثلها من الألعاب تعيش على هذه الصراعات المتكررة بتغير التواريخ وباختلاف الأسماء، سواء أندية أو لاعبين، حيث تسعى الجماهير دائمًا للبحث عن نقطة تحسم النقاش لصالحها، وفي ذلك السعي يكمن أحد أهم أسباب متابعة أحداث كرة القدم باستمرار.

وفي حالة صراع المصري «محمد صلاح» والجزائري «رياض محرز»، فإن الجماهير العربية لن تهدأ حتى تحسم الصراع لأحد الطرفين.

مع كل هدف، كل لقب، كل مباراة، وكل مراوغة أو تسديدة من أي منهما، تكون فرصة جديدة لفتح النقاش ومحاولة حسم الصراع لأي طرف. وبلا شك، لا يوجد أي فرصة لأن تكون المقارنة لا داعي لها إطلاقًا، حتى لو لم يكن لها داعٍ فعلًا.

مقارنة ضد رغبة محرز

في منتصف عام 2020، أكد الجزائري في تصريحات لشبكة «Bein Sports» أن تلك المقارنة نشأت فقط في عقول الجماهير، وحقيقة الأمر أنه لا يهتم لها أصلًا. في الواقع، لم يهتم محرز من البداية بالدخول في مثل هذه المنافسات. حتى أنه لم يكن يرغب في ترك فرنسا، أو بالأحرى لم يرغب في ترك حرية اللعب الموجودة في أندية فرنسا.

قبل 10 سنوات تقريبًا من تاريخ هذا التصريح، كان رياض صاحب الـ19 عامًا آنذاك، يلعب لأكاديمية لوهافر في دوري الدرجة الثانية الفرنسي، وقد قام برفض الانضمام إلى باريس سان جيرمان أو مارسيليا، وهو ما فُسر من قبل البعض بانعدام الرغبة في الدخول إلى هذا المستوى العالي والمتطلب تكتيكيًا لدرجة قد تدفعه لأن يغير من نمط اللعب الخاص به.

انضم الجزائري إلى نادي ليستر سيتي في عام 2014، أثناء متابعة الفريق الإنجليزي للاعب آخر داخل أكاديمية لوهافر، وربما اختيار فريق ليس على مستوى صفوة الفرق الإنجليزية قد يؤكد صدق الادعاء السابق، برفضه اللعب في مستوى عالٍ من المنافسة. ويمكن دمج ذلك على تمسكه الشديد فيما بعد بعدم ترك ليستر لمدة استمرت 18 شهرًا وثلاث محاولات للمغادرة، تحققت أخيرًا لصالح مانشستر سيتي.

تطرق موقع «The Athletic» لتلك النقطة في النقاش، وذلك في مطلع موسم 2020/2021، حيث أكد أن أغلب زملاء رياض بمانشستر سيتي يعانون من إفراطه الزائد في الاستحواذ على الكرة، وهو ما يدفعنا لأن نتأكد أن الصراع الذي يخوضه رياض محرز مع الكرة قد يختلف كليًا عما يفضله صلاح.

مقارنة ضد مركز صلاح

واقعيًا، لو حاولنا البحث عن سبب خلق هذه المقارنة ضد رغبة رياض، سنجد أن هناك عاملين بارزين؛ الأول هو جنسيتهما العربية، والثاني هو مركزهما في الجناح الأيمن. لكن حتى هذا المركز الذي يشارك فيه صلاح أغلب أوقات لعبه، ليس الأفضل بالنسبة له حسب تصريح «يورجن كلوب».

انتقل الفرعون المصري إلى ليفربول بعد تجربة أكثر من ناجحة مع روما الإيطالي. وبعد وصوله إلى إنجلترا انفجر تهديفيًا بدرجة يجب أن نتعامل معها بكونها إنجازًا لا يسهل تحقيقه. ذلك الانفجار التهديفي جعل كلوب يشير إلى تحول مهم في مسيرة صلاح داخل «الريدز».

في ختام عام 2018، تلقى ليفربول هزيمة أمام فريق تشيلسي بقيادة «ماوريسيو ساري»، كان لهذه الهزيمة تأثير كبير على شكل أصحاب الرداء الأحمر طوال ما تبقى من الموسم، حيث اعتمد المدرب الألماني على تركيبة جديدة تُوصف برسم 4-4-1-1، يكون الرقم 1 الأخير فيها، هو محمد صلاح، أي كمهاجم صريح أو وهمي، لا يهم.

رسم ليفربول بـ 4-4-1-1 والتي يظهر فيه صلاح كمهاجم وحيد
صورة توضح رسم ليفربول بـ 4-4-1-1 والتي يظهر فيه صلاح كمهاجم وحيد.

شرح يورجن ذلك التحول في مارس من عام 2018، بأن صلاح في روما كان يلعب على الجانب الأيمن من الملعب فقط لأنه يتشارك مع «إدين دزيكو» في خط الهجوم، لكن في تركيبة من «فيرمينيو» وصلاح و«ماني»، فإن صلاح هو المهاجم الحقيقي في هذه التركيبة، لأن الألماني يعرف أن صلاح يمكن أن يكون مهاجمًا وحيدًا بالفعل.

يهتم صلاح بتسجيل الأهداف أكثر من أي شيء آخر، تمركزه في الملعب، سواء على الرواق الأيمن أو في القلب، لا يعبر بطريقة كاملة عن الدور الذي يطلبه منه كلوب في ليفربول، ما قد يدفعنا للتأكد من أن إقامة مقارنة بين جناح أقرب لمهاجم وبين جناح أقرب لصانع لعب، إنما هي من وحي الخيال بالفعل.

ليس ككل الأجنحة

أولًا، لنعترف أن تواجد محرز في تشكيلة السيتي كأساسي لم يكن بالكثافة الكبيرة التي تدفعه للمنافسة في الصراع التهديفي بقوة كما يفعل صلاح، ما يعني أننا لا نحاول وضع صلاح كمهاجم فقط بسبب الفارق في الأهداف بين كليهما، «خلال موسم 2020/2021 – 31 هدفًا لصلاح مقابل 14 لمحرز».

بينما يعود الاختلاف إلى نوع الدور المطلوب من جناح مانشستر سيتي، سواء كان محرز أو غيره، ومن جناح ليفربول، وهنا نقصد محمد صلاح بالتحديد. لأن كليهما يمتاز بصفات تختلف عن الآخر، يفهمها كلوب ويفهمها «جوارديولا» وربما كافة المحللين من كل العالم، لكنها لا تظهر بسهولة في المباريات ولا تظهر بسهولة أيضًا في الجانب الرقمي من اللعبة.

فمن حيث التمركز ظاهريًا، كلاهما يلعب على طرف الملعب، وكذلك فإن عدد المراوغات لا يمثل فارقًا شاسعًا بينهما، بل بالعكس يتفوق صلاح نسبيًا -نعم لقد كُتبت الجملة بشكلٍ صحيح. بينما يكمن الاختلاف في نوع كل لاعب منهما في تنفيذ ذلك الإحصاء الرقمي.

يقول «نومان»، أحد أشهر محللي البريميرليج على موقع يوتيوب، إن تواجد صلاح على أحد طرفي الملعب خلال عملية تحول لاعبي ليفربول من وضعية الدفاع للهجوم، يكون بغرض الحصول على مساحة خالية في عمق الملعب فقط، والأكيد أن طرف الملعب هو المكان الأمثل لتلك المهمة، تمامًا مثلما يفعل محرز.

في حين وقت الاستحواذ في الثلث الأخير من الملعب، يأتي دور صلاح الأهم وهو البحث عن المساحات في العمق.

حسنًا، يمكن للأرقام هنا تأكيد تلك الرؤية بوضوح أكثر. يبلغ عدد المرات التي كان محمد صلاح هو الهدف فيها من التمريرة من قبل أحد لاعبي ليفربول خلال موسم 2020/2021، 2599 مرة، من بينهم 511 مرة بتمريرات عمودية على مرمى الخصم، بمعنى أنها لا تتجه نحو طرفي الملعب. صلاح يلمس الكرة داخل منطقة جزاء الخصم في 9 مرات على الأقل لكل 90 دقيقة.

بعد التواجد في العمق، يظهر الاستغلال الأمثل لقدرات صلاح، حيث يمكن وصف الفرعون المصري بأنه أحد أميز لاعبي الدوري الإنجليزي في إنهاء الفرص من لمسة واحدة.

أجنحة مانشستر سيتي الواسعة

يؤكد موقع Breaking the lines أن رياض يملك جودة نادرة في اللمسة الأولى للكرة أيضًا، لكنها لمسة مختلفة، لمسة لا يمكن إثبات جودتها من خلال الإحصائيات أو ترجمة هذه اللمسات لأهداف، على عكس الحال مع صلاح.

هل تتذكر أنانية محرز ومعاناة أصدقائه في مانشستر سيتي منها؟ حسنًا، في التقرير ذاته تؤكد الأرقام أن الجزائري هو ثاني صانع فرص بين لاعبي الـ«سيتيزنس» بعد «كفين دي بروين». وعليه، فإن جوارديولا يجب أن يضع محرز في أفضل نقطة لصناعة الفرص، وأكيد أنها ليست في عمق الملعب، لأنه يملك كيفن بالفعل هناك.

صورة تشرح تمركز رياض محرز كجناح أيمن واسع التموضع.
صورة تشرح تمركز رياض محرز كجناح أيمن واسع التموضع.

يتمركز الجزائري على طرف الملعب في خط هجوم خماسي -شبه ثابت للاعبي مانشستر سيتي، ينتظر أن تتحول الكرة باتجاهه ليستغل لمسته الأولى ليكون في موضع خطير على مشارف منطقة الجزاء الخصم أو داخلها. يظل محرز على الطرف مهما حدث على الجانب الآخر من الملعب، هذا هو دوره.

الإنكار العاطفي

يعرف المدرب الإسباني أن قدرات لاعبه الجزائري في التسجيل لا تتساوى مع ما يملكه محمد صلاح، وكذلك يعرف كلوب أن الفرعون المصري لا يملك اللمسة الأولى التي تجعله يحسم صراع 1 ضد 1 في أسرع وقت ممكن مثلما يفعل رياض محرز، وبالتالي يحاول كل منهما وضع لاعبه في أفضل مكان لاستغلال قدراته.

الاختلاف في أدوار كل لاعب مع كل فريق قد تبدو واضحة لكل الجماهير بلا استثناء، ولسبب مجهول، لا يُلحق بها الاعتراف بأن نوع كل لاعب مختلف عن الآخر، مختلف حتى بالدرجة التي قد تقتل المقارنة في طور التكوين.

ولكن لأن هناك سببًا لا يخص كرة القدم يحافظ على تلك المقارنة، سببًا جغرافيًا، أو ديموغرافيًا، فربما لو كان محرز فرنسيًا وصلاح مصريًا، أو كان صلاح إيطاليًا ومحرز جزائريًا، لما كان لهذه المقارنة وجود من الأساس. لكن لأنهما عربيان، ستظل المقارنة شيقة وستظل تُدرج ضمن الإنكار العاطفي، وستظل محاولاتنا للتأكيد أن لا داعي لها فعلًا، محاولات بلا طائل.