فيلم «أحلى الأوقات»، الصادر عام 2004، للمخرجة «هالة خليل»، هو فيلم يسرد لنا ببساطة وخفة في مدة ساعتين أحلى الأوقات بالفعل. الفيلم يحكي عن فتاة (سلمى) تسكن في حي المعادي، والذي انتقلت إليه منذ 14 عامًا مع والدتها وزوج والدتها. يبدأ الفيلم بوفاة الأم لتتضح بعده معالم العلاقة غير الوثيقة بينها وبين زوج والدتها (نسيم) وبُعد كل منهما عن الآخر. تبقى في هذا المنزل تشعر بالوحدة إلى أن تصلها تلك الرسائل المجهولة (صورة قديمة لها وصديقاتها بجانب شريط أغاني محمد منير) لتُوقظ بداخلها الحنين.

تعود الفتاة إلى فترة ما قبل انتقالها إلى حي المعادي، تعود إلى حي شبرا للبحث عن صديقات المدرسة ظنًا منها أنهن منْ يرسلن إليها الخطابات، تعود لتجد كلاً منهن على حال غير الحال الذي تركتها عليه، (يسرية) تزوجت ولديها أبناء، و(ضحى) تمت خطبتها وتعمل مع خطيبها بأحد محال الطباعة، حتى هي تغيرت إلى حد لم يتعرفن إليها في البداية.

تعود لتفتش في كل دفاترها القديمة، مدرس أحبها منذ 14 عامًا فأرسل لها جوابًا لم يصلها ورُفِد على إثره. جارها الذي بالكاد تحدثت إليه مؤخرًا ولكنه كان طوال الوقت في انتظار أن تتحدث إليه ولو عن طريق الخطأ. والدها الذي لم تره منذ انفصاله عن والدتها، فتجده غير مُبالٍ بما هي عليه وما كانت عليه طوال تلك السنوات. تفتش بينهم لتجد صاحب الخطابات المجهولة في رحلة تصحبها الموسيقى التصويرية الأيقونية لـ «خالد حمّاد»، وهي أكثر ما يُضفي على الفيلم تلك النوستالجيا.

يعرض الفيلم شعور البطلة بالحنين لتلك الأوقات التي ترى أنها الأجمل في حياتها، حين تلتقي بصديقاتها فيبدأن في سرد ما مررن به من ذكريات سويًا، الحديث عن أحلام الطفولة وذكريات المدرسة وأغنياتهن المفضلة التي كن يستمعن إليها، وبالطبع أغاني محمد منير.

أحلامهن

«يسرية»

الزوجة والأم التي تعمل مدرسة بإحدى مدارس حي شبرا، والتي أضفت السنوات على هيئتها الشكل النمطي للمرأة المصرية العاملة، فهي المعلمة الفظّة التي تُرهِب الفتيات في فناء المدرسة، وهي الأم المسؤولة في الوقت ذاته، تجد يسرية في عودة سلمى ملاذًا لها من كل تلك الأعباء والمسؤوليات المُلقاة على عاتقها.

ترغب في استعادة الأيام التي كانت بها فتاة حرة تخرج برفقة صديقاتها، تتأخر عن واجباتها التي لابد أن تؤديها، تغني وتضحك لتنسى ولو لمدة قصيرة أنها مسؤولة عن بيت وأولاد وواجبات يومية. تبدأ بالتفكير فيما ينقص حياتها، أو ما قد يجعل الحياة ألطف، شيءٌ ما يهوِّن حمل هذه المسئوليات، شيء يكسر الملل، تعبر عن رغبتها في كسر كل هذا الروتين بطلب زهيد جدًا (عايزة ورد يا إبراهيم).

«ضحى»

يتجدد عندها الحلم بالشهرة مرة أخرى، فلطالما تمنت أن تصبح ممثلة، ولكنها قد دفنت تلك الرغبة بداخلها منذ سنوات حين وجدت أن الحياة تأخذ منحى آخر لم ترغب فيه يومًا، حين شعرت أن الحلم بعيد المنال، وأنها هي «ضحى» التي تعمل في أحد محلات الطباعة والتي سيتم زفافها قريبًا على الشخص الذي يعمل معها في نفس المكان.

وهكذا سيتكرر سيناريو «يسرية»، كما يتكرر كل يوم لعشرات البنات في مثل عمرها، ولكنها تجد الفرصة حين تلتقي بنسيم الذي يعرف صديقًا قد يساعدها على بلوغ حلمها، ولكنها تُرَّد خائبة بعد تجارب الأداء التي أثبتت أنها لا تصلح.

«سلمى»

ربما تسبّب فقدان والدتها في مشاعر من التيه والحنين في آن واحد، فهي تتعلق بتلك الرسائل المجهولة لتجد فيها ما تبحث عنه، ربما لشعورها بالوحدة وبعد العلاقة بينها وبين زوج والدتها، لتكتشف بعد موتها أنها تعيش مع رجل لا تعرفه، لم يكن قريبًا يومًا، كما أنها لا ترغب في إصلاح تلك العلاقة مهما حاول هو من جانبه.

تفتش «سلمى» في دفاترها لتجد أشخاصًا يملؤون لها هذه الحياة الفارغة، تشعر بالحنين للأيام التي مضت، ولكنها ترى أنها أخذت من حياتها نصيبها من أحلى الأوقات وأن تلك اللحظات لن تعود.

هل يمر من عمرنا أحلى أوقاته؟

في أحد المشاهد تتحدث سلمى إلى هشام (جارها) عن منزلها القديم الذي سكنته مع والدها ووالدتها في الطفولة، حيث تقول إنها عاشت به أجمل أيام حياتها، وأن تلك الأيام لن تعوَّض، فيرد بأننا نتوهم أن اللحظات الجميلة التي مرت من حياتنا هي أحلى ما فيها، ولكننا في الحقيقة ربما نعيش أحلى اللحظات الآن دون أن ندرك، ولن ندرك إلا حين تمر تلك اللحظات، وحين نتذكرها فنتذكر معها كم كنا سعداء حينها.

عندك مثلًا اللحظة اللي إحنا فيها دلوقتي… بعد عشرين سنة هتفتكريها وهتقولي إنها كانت أجمل شيء في حياتك.

الفيلم شاعري إلى أقصى درجة، بدءًا من القصة التي تتمحور حول فكرة الصداقة والذكريات والحنين إلى الماضي، إلى موسيقى الفيلم التي تلعب دورًا كبيرًا، كونها تُوغِل الفيلم في الشاعرية، ناهيك عن مزجها بأغنيات محمد منير، إضافةً إلى الكادرات الهادئة، والإضاءة الصباحية الناعمة، كل تلك التفاصيل تجعلك تتساءل عن مخرج هذا العمل.

ويصبح الأمر أكثر منطقية حين تجد مخرج هذا الفيلم امرأة، «هالة خليل»، وهي مخرجة مصرية متميزة، تتسم أعمالها بكون أغلبها عن المرأة، ترسم في هذه اللوحة الفنية الهادئة تفاصيل وأحلام وأفكار ثلاث صديقات، فرّقتهن الحياة إلى أن جمعهن خطاب مجهول، فيتشاركن مرة أخرى لحظات سعيدة لن تتكرر، لتبقى ذكرى لديهن عند كل مرحلة جديدة، ولتؤكد لنا أن الحياة ما زال بها الكثير من أحلى الأوقات.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.