بيتار نقي إلى الأبد.

لم تكن تلك الكلمات سوى شعار مقيت اتخذه مشجعو فريق «بيتار القدس» الإسرائيلي ليُشهِروا به إيمانهم الراسخ بالعنصرية ضد كل ما هو غير يهودي، ليثبتوا بذلك أن العنصرية داخل دولتهم المزعومة استشرت حتى داخل الرياضة التي تنص كافة قوانينها الدولية على التسامح، إلا أنها في «إسرائيل» أبت إلا أن تكشف عن الوجه القبيح للعنصرية داخلها.


عنصرية بنكهة يمينية

من قبل قيام «إسرائيل» المزعومة، ومنذ تأسيس فريق «بيتار القدس» عام 1936 وهو معروف بعنصريته ضد العرب والمسلمين، على مستوى لاعبيه ومشجعيه، وحتى الآن لم يتخلص من هويته اليمينية المتطرفة.

ارتبط نادي بيتار القدس منذ تأسيسه بالسياسة بشكل وطيد، وبعد عام 1948 ارتبط باليمين الإسرائيلي متمثلاً في حزب الليكود.

وقد رسّخ فريق بيتار نفسه في مجال كرة القدم كبيت للقادمين من الطوائف الشرقية، الذين تم قمع حقوقهم وثقافتهم منذ قيام إسرائيل. فتدفق الإسرائيليون من الأحياء الفقيرة من كافة أنحاء البلاد إلى مباريات بيتار، التي أصبحت تُحسَب على حكم اليمين، والتي عُرفت بعنصريتها وكراهيتها للعرب. وبدأت تُسمع في مباريات الفريق هتافات ضد اللاعبين ذوي الأصول العربية والمسلمة الذين لعبوا بين صفوف الفرق الأخرى.

ومنذ تأسيسه، ارتبط نادي بيتار القدس، أو باسمه العبري «بيتار يرشاليم»، بالسياسة بشكل وطيد، ففي عام 1947 أصدر المندوب السامي البريطاني أمرًا بحظر حركة بيتار التي تأسست عام 1936 بسبب العنف، بدعوى أنها حركة غير قانونية، إذ ضمت لاعبين ينتمون إلى حركة «إيتسل» (منظمة عسكرية حاربت ضد الحكم البريطاني وضد الفلسطينيين قبل قيام دولة الاحتلال).

وقد غيَّر أصحاب الفريق اسمه إلى «نورديا يروشاليم»، وظل هذا الاسم حتى الإعلان عن قيام «إسرائيل» عام 1948 وخروج البريطانيين من فلسطين، وحينها عادت تسمية الفريق من جديد إلى «بيتار يرشاليم».

وقد ذكرت التقارير الإسرائيلية أنه في عام 1954 سجل الفريق أول إنجاز له؛ إذ استطاع الترقي إلى الدرجة الأولى لدوري كرة القدم في تل أبيب، لكن هذا النجاح لم يدم طويلاً وعاد الفريق إلى الدرجة الثانية. وفي خمسينيات القرن الماضي، بدأ النادي يجذب إلى صفوفه مشجعين من الجانب اليميني الإسرائيلي.

وأصبح نادي بيتار القدس ملاذًا لمنتسبي حركة حيروت (اليمين الإسرائيلي المتطرف آنذاك). فتلك السنوات مهدت الطريق لصقل هوية الفريق وانتسابه إلى اليمين الإسرائيلي الذي أصبح بعد ذلك فريقًا يتضامن مع الليكود، حيث ارتبط حزب الليكود، وهو الوريث السياسي لحركة «الإتسل»، بفريق كرة القدم.

فعلى سبيل المثال، عمل رئيس الكنيست الإسرائيلي، روبي ريفلين، رئيسًا للفريق خلال السبعينات. وتحت إشرافه، وبالتوازي مع الانقلاب السياسي الذي حدث في إسرائيل في العام 1977 (مع تسلم «الليكود» برئاسة مناحم بيجن زمام السلطة)، حظي فريق بيتار بأول لقب له، كأس الدولة عام 1976.

وجدير بالذكر أنه في عام 1960 شمل علم الفريق اللونين الأسود والأبيض، وبعدها تم إدراج اللون الأصفر له، وفي العام نفسه صعد الفريق على أرض الملعب لأول مرة بالزي الأصفر، الذي يعكس الكراهية والعنصرية.


«الموت للعرب»: هكذا تربعت الـ«لا فاميليا» على عرش العنصرية

يُعرف مشجعو فريق كرة القدم بيتار القدس، وخاصة المعروفين باسم منظمة «لا فاميليا»، بعنصريتهم ضد كل ما هو غير يهودي. وقد اشتهر هؤلاء بالاعتداء على غير اليهود، فقد اعتدوا على عامل فلسطيني في مجمع المالحة التجاري في القدس وهم يرددون شعارات عنصرية ومسيئة للعرب، حتى أن عبارة «الموت للعرب» باتت شعارًا ملازمًا لمشجعي هذا الفريق.

وفي كل مباراة بين فريق بيتار القدس وأي فريق عربي أو فريق يهودي يلعب في صفوفه عربي، تحشد الشرطة قوة كبيرة من عناصرها في الملعب ومحيطه، ويعمل جهاز المباحث ساعات إضافية عشية كل مباراة كهذه؛ في محاولة لمنع اعتداءات عناصر «لا فاميليا» على لاعبي أو مشجعي الفريق الخصم.

وجدير بالذكر أنه طيلة السنوات الماضية لم يلق سلوك مشجعي فريق بيتار القدس معارضة أو تنديد من جانب إدارة الفريق أو مدربيه أو لاعبيه، ولا من جانب السياسيين، علمًا بأن أبرز سياسيي الصف الأول نجدهم من بين مشجعي هذا الفريق، مثل رئيس الحكومة السابق، إيهود أولمرت، ووزير الدفاع الحالي، أفيجدور ليبرمان.

لكن ما حدث في فبراير عام 2013 قلب الأمور في هذا الفريق رأسًا على عقب، فقد أقدم أعضاء في منظمة «لا فاميليا» على إحراق مكاتب إدارة الفريق؛ احتجاجًا على التعاقد مع لاعبين مسلمين من الشيشان وضمهم إلى صفوف الفريق، وطالبوا بأن فريقهم لابد أن «يبقى نقيًا» من المسلمين. وقد سبق إحراق المكاتب احتجاجات أخرى، جرت خلال الأسابيع التي سبقت تلك الأحداث أثناء المباريات.


لا صوت يعلو فوق صوت الـ«لا فاميليا»

يبدو أن سطوة «لا فاميليا» ونفوذها داخل الفريق وتأثيرها على جمهور مشجعيه وإدارته ولاعبيه كبير جدًا، فحسب صحيفة هآرتس، فإنه خلال السنوات الماضية نشأت علاقات جيدة بين قسم من اللاعبين في الفريق وقادة منظمة «لا فاميليا». إلا أن هذه العلاقات تطورت بسبب خوف اللاعبين من سطوة أعضاء هذه المنظمة. وقال أحد لاعبي الفريق، ولم تذكر الصحيفة اسمه، «إنهم يسيطرون على المدرجات في الإستاد وبإمكانهم محو أي لاعب».

ووفقًا لتقرير هآرتس، فقد طلبت إدارة بيتار القدس من اللاعبين التعبير عن تأييدهم لإحضار اللاعبين الشيشانيين، ومعارضة عنصرية المشجعين، وقد أجرت القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي مقابلة مع اللاعب «كوبي مويال»، ولكن بعد أن علم مشجعو الفريق بذلك هددوا اللاعب «بإنهاء مستقبله الكروي»؛ الأمر الذي دفع مويال إلى مطالبة محرري البرنامج التلفزيوني بتخفيف حدة أقواله.

كما دُهش المسئولون في النادي عندما التقوا عددًا من المشجعين المتطرفين وتعرضوا لتهديدات منهم في حفل ابن كابتن الفريق السابق، أفيرام بروخيان، وقالت مصادر في النادي إن «الخوف يدفع اللاعبين إلى دعوة أولئك المشجعين إلى احتفالات، وهم يهددون اللاعبين بشكل حقيقي». ويُشار إلى أن بروخيان نفسه كان قد عبّر في وقت سابق عن أنه سيكون سعيدًا برؤية لاعب عربي في بيتار القدس، لكن تحت ضغوط مارسها عليه أعضاء في «لا فاميليا» تراجع عن تصريحه هذا.


قضاء عنصري رغم أنف الفيفا

اشتهر مشجعو فريق بيتار القدس «لا فاميليا» بعدائهم الشديد لكل ما هو عربي، حتى أن عبارة «الموت للعرب» باتت شعارًا ملازمًا لهم.

في أعقاب هذه الأحداث العنصرية المتوالية من قِبل مشجعي نادي بيتار القدس، وبعد فشل الشرطة والاتحاد العام لكرة القدم في إسرائيل والجهات الأخرى المسئولة عن كرة القدم هناك في التعامل مع هذه الأحداث، قررّ «مركز مساواة للدفاع عن حقوق المواطنين العرب في إسرائيل» والائتلاف لمناهضة العنصرية توجيه رسالة للاتحادين الدولي والأوربي لكرة القدم، مطالبين إياهما بالتحقيق في التصريحات ومظاهر العنصرية التي تشوب كرة القدم الإسرائيلية بشكل عام، وعلى وجه الخصوص كل ما يتعلق بفريق بيتار القدس.

تمثّل عقاب أحد لاعبي الفريق نتيجة تصريحاته العنصرية والمُحرِّضة على العنف ضد العرب في تلقيه لمحاضرات ضد العنصرية.

وكان رد الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا FIFA) أنه قام بتوصية لجنة الطاعة التابعة له بالتحقيق في التصريحات العنصرية التي شهدتها كرة القدم الإسرائيلية في السنوات الأخيرة، وعلى وجه الخصوص من جانب مشجعي ولاعبي ومدراء فريق بيتار القدس، الذي حصل على كأس الدولة عام 2009، والذي شوهد لاعبوه خلال احتفالات الفوز بالكأس، وتحديدًا مهاجم الفريق «عاميت بن شوشان»، وهو يهتف «أنا أكره كل العرب»، إلى جانب أحداث الاعتداء على عمال تنظيف عرب في إستاد تيدي عام 2010، ورشق حافلة فريق اتحاد أبناء سخنين بالحجارة وتحطيم نوافذها بعد خسارتهم منهم في فبراير 2011، فضلاً عن حادث الاعتداء على عمال نظافة عرب في مجمع مالحة التجاري في أعقاب فوز بيتار القدس في إحدى المباريات.

ولكن بدا جليًا أن القضاء الإسرائيلي قد استشرت فيه رائحة العنصرية، فاتخذ كل الإجراءات والتدابير التي تدل على مدى انحيازه لبني جلدته واستفحال التمييز العنصري بداخله، حيث أن الاتحاد العام لكرة القدم والشرطة الإسرائيلية فشلا في محاكمة المسئولين عن فريق بيتار القدس، واللاعب بن شوشان بتهمة التحريض على العنصرية، كما لم تقم الشرطة والنيابة العامة بمقاضاة أي من المعتدين على العمال العرب في مالحة وتيدي، واقتصر العقاب الـتأديبي الذي تلقاه بن شوشان في حينه، على تلقيه لعدد قليل من المحاضرات ضد العنصرية.

لذا، فإن حالتي التطرف والعنصرية في فريق بيتار القدس، ليسا استثناءً كما يحاول السياسيون الترويج هناك، بل إنها حالة أصيلة داخل المجتمع الإسرائيلي، فهي جوهر وأساس تشكيله.

المراجع
  1. "بيتار القدس.. فريق الأكابر الإسرائيلي المُحرم على العرب"، موقع دوت مصر، 13 يوليو 2015.
  2. "عنصرية مشجعي بيتار القدس تتفاعل في الإعلام الإسرائيلي"، موقع BBC عربي، 11 فبراير 2013.
  3. مروة محمد، "عنصرية إسرائيل في المستطيل الأخضر.. نادي بيتار القدس يرفض ضم لاعبين مسلمين.. يحظى بدعم اليمين اليهودى المتطرف.. ومبارياته مع أبناء سخنين الفلسطينى تتحول إلى ساحة حرب"، موقع بوابة فيتو، 9 مايو 2016.
  4. "عنصرية مشجعي فريق بيتار القدس ليست حكرًا على نفر ضئيل فقط"، موقع مدار المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، 14 فبراير 2013.
  5. "الفيفا تعلن أن لجنة الطاعة التابعة لها ستفحص عنصرية فريق بيتار القدس تجاه العرب"، الائتلاف لمناهضة العنصرية في إسرائيل، 6 أغسطس 2012.