المودودي: وصول الإسلاموية إلى مصر

إذا كان من الواضح أن فكر أبي الأعلى المودودي ما زال ساريًا حتى الآن في عقول أبناء تيار الإسلام السياسي في مصر -وإن لم يكن الأكثر رواجًا [1] كتنظير «ديني – سياسي – اجتماعي – اقتصادي – دولتي» كذلك- إلا أن هناك من يجادل بأن الانتقال من خطاب البنا إلى خطاب المودودي، على الصعيد المصري، قد تم وبرغم «التمايز بين الواقع المصري والعربي الذي ظهرت فيه وانتشرت جماعة الإخوان المسلمين» عن الواقع الهندي الذي تبلورت فيه «الجماعة الإسلامية»؛ التمايز الذي جعل من دعوة الشيخ البنا وجماعته حركة لصيقة بالواقع، تسعى لتطويره وأسلمته من داخله، وهي لصيقة بفئاته وتياراته، فلم تبدأ انقلابية على هذا الواقع، مستعلية على تياراته الأخرى كما كان شأن دعوة الأستاذ المودودي وجماعته … فلما حدث وتوارت قيادة الشيخ البنا، العاملة في إطار الشرعية القانونية، وسيطرت على أغلب البلاد العربية نظم ثورية وانقلابية ذات طابع شمولي، وعقلية عسكرية في الأساس، وأثمر الصراع بين هذه النظم وبين «جماعة الإخوان» دخول الحركة الإسلامية السياسية في محنة من السجن والتعذيب بلغت حد المأساة اللاإنسانية، افتتح الباب على مصراعيه، في طول البلاد الإسلامية وعرضها، لمشروع المودودي -وليس لمشروع البنا- في البعث الإسلامي. فلقد غاب إطار الشرعية القانونية، الذي جعل البنا يعمل كجزء من نسيج المجتمع لصيق بفئاته وتياراته الفكرية والسياسية، وعلت أصوات «الشباب« بالحديث -بعد المحنة- عن الثمرات السلبية لنمط العمل من خلال «الشرعية القانونية»، وشهدت ساحة العمل الإسلامي انعطافة شبابية عارمة نحو تصور المودودي لسبيل البعث الإسلامي وأدواته. وغدا أمير «الجماعة الإسلامية» الباكستانية -بعد استشهاد الإمام البنا- الملهم الأول لفصائل الشباب الإسلامي على امتداد عالم الإسلام.

وزاد من جاذبية هذا الطريق «الإسلامي – الانقلابي» تصاعد مخاطر التغريب، والغزو «الصليبي – الصهيوني»، الذي زادت هيمنته بعد انحسار المشروع القومي الناصري بهزيمة سنة (1967م)، وانحسار الهالة عن الحركات الثورية «الثورية – الماركسية»، ببروز الاتحاد السوفيتي: دولة «عظمى»، لا «ثورة»، وانكشاف حقيقة هذه الحركات كرافد تغريبي، مثلها كمثل الرافد الليبرالي -مع اختلاف الموقف الاجتماعي- فكلاهما رافض للتمايز الحضاري ولخصوصية الهوية، وكلاهما ساعٍ إلى التبشير بنوع من التبعية للنموذج الغربي الذي يحتذيه![2]

وإن كان هناك أيضًا من يحاجج بأن المودودي قد صاغ أفكاره وتصوراته، بل ومفاهيمه، في سياقٍ هندي ظل يتطور، وظل خطاب المودودي يتطور معه كذلك، مراجعةً ونقدًا لخطابه [3]، إلا أن الأحداث التي يشهدها واقع البلدان العربية الآن تنطق، وبكل وضوح، بأفكار المودودي التي صاغها في قالب «منهاج الإسلام الانقلابي» الذي لا يتراجع خطوة عن هدفه الأسمى في تسيُّد الدولة بالكامل والهيمنة على أجهزتها بشكل لا يسمح لأي مختلفٍ معهم؛ ولو كان مسلمًا أو غير مسلم، بأن يصوغ أي تصور من شأنه أن يعطل مسيرتهم في إدارة الدولة الإسلامية التي يسعون لها. وهذه الأفكار المودودية نفسها هي التي يتبناها الآن تنظيم داعش وغيره من التنظيمات التي لا تجد حلاً للتغيير سوى العنف والإكراه فيما يتعلق بفرض مناهجهم الفكرية والسياسية التي يؤيدونها بالفعل الذي يتفجر، بناء عليه، سيل من الدماء لا ينقطع.

إن ذلك يعني أن بذرة العنف قارة في بنية خطاب المودودي، وإن كان في طور تبلوره في البدايات، حتى وإن راجع المودودي أفكاره، تظل موجودة؛ تظهر حينًا وتتخفى حينًا آخر تبعًا للمرحلة التي يشهدها الفكر المودودي في تفاعله مع واقعه وما يطرأ عليه من مستجدات.

وإذا كان «الشكل التعبيري للخطاب في حال الاستضعاف إنما يختلف بالكلية عن الشكل الذي يأخذه في حال التمكين. إذ فيما يمارس الخطاب في حال الاستضعاف ضروباً من التخفي والمراوغة، فإنه يتحلل منها تمامًا في حال تحقيقه للسيطرة والتمكين؛ وبحيث يكون التعبير بالتصريح، وليس بالإشارة والتلميح»[4]، إلا أن المودودي، كساعٍ وراء تنظيرٍ تأسيسي لخطابٍ جديدٍ متعلق بالسيطرة على مقاليد الدولة، كان لا بد له أن يبلور خطابه بما لا يدع مجالًا أمام أي مسلم أن يتقاعس عن تنفيذ وتفعيل هذا الخطاب لكي يحتل هذا الخطاب مشهد الصدارة -منفردًا ومغردًا خارج سرب باقي الخطابات مع التأكيد على كتم أنفاس هذه الخطابات كذلك من خلال إقصائها- في الدولة.

إن ذلك يعني أن خطاب المودودي في بداياته كان لا بد له أن يحمل في طياته ضرورة التغيير بكل الوسائل سعيًا وراء الهيمنة مهما تكلَّف الأمر، وهو ما يبدو على أنها الرغبة في التمكين -من خلال تأسيس الدولة الإسلامية كما يراها المودودي- كمحرك للمودودي ليمارس، من خلال خطابه، العنف والإقصاء وطرد كل الحلول التفاوضية، بأي درجة كانت، من حساباته.


في حضور الهوية الدينية النافية للآخر

لما حدث وتوارت قيادة الشيخ البنا، ودخلت الحركة الإسلامية في محنة من السجن والتعذيب، افتتح الباب على مصراعيه لمشروع المودودي في البعث الإسلامي.

في تحليله لظاهرة الإسلاموية المعاصرة، يذهب ياسين الحاج صالح لإطلاق مصطلح «اللاشكل السيد» على الإسلام. ويُقصد باللاشكل السيد «تمرد بنية الإسلام الذاتية، كدين أولًا وأساسًا، على توظيفات متنوعة لا تنبع منه ولا يسعه أن يستجيب لها بمرونة».

ياسين حاج صالح
المفكر السوري ياسين حاج صالح

وإذ يصبح المفهوم «هو الواقع وقد حاز شكلًا، أو صورة ذهنية، تمكِّننا من حده إدراكيًا، أي من تعقُّلِه وجعله موضع تفكير منظم، وكذلك من تعميمه وتداوله مع آخرين»، فإن الإسلام السياسي يعجز عن أن يخلق مفهومَا واضحًا أو على الأقل شبه محدد الملامح للإسلام/ الدين. يبرز ذلك من خلال مقولات مؤسسي التنظير لهذا الخطاب «المودودي وحسن البنا»، ومن قاموا بمحاولات للتدارك، في وسطية مذمومة من الإسلاموية الراديكالية والعلمانية على السواء، مثل يوسف القرضاوي. (الإسلام دين ودولة)، أو كما أورد ياسين قول حسن البنا بأن الإسلام «دولة ووطن أو حكومة وأمة، وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء…»، أو قول القرضاوي بأن الإسلام «دين ودنيا عقيدة وشريعة، عبادة ومعاملة، دعوة ودولة، خلق وقوة».

ويلاحظ ياسين أن الأزمة هنا -نقصد أزمة إسلام «اللاشكل السيد»- تنبع من أنه يمكنك أن تضيف له أي ثنائية جديدة، وسيصير هضمها سهلًا؛ فيمكن أن نضيف، مثلًا، أنه «قرآن وسلطان، كتاب وحديد، جماعة وعقيدة، فطرة ورياضة، هوية ووجود… إلخ».

الإسلام المعاصر حركة سياسية، تنشغل بأمور الدعوة في محيط أبناء الحركة نفسها (وخارجها، استثناءً، للاستقطاب والحشد)، وتُمارس الاستعلائية، على المسلمين من خارج الحركات السياسية الإسلامية [5] وغير المسلمين، لكن الهدف الأسمى يبقى سياسيًا بالأساس.

ينكر الإسلاميون المشكلة، ولا يدركون الأفول الموضوعي للسيادة الإسلامية السياسية والمعرفية، فينزلقون إلى التعسف والعنف والجنون.

يذهب ياسين إلى ذلك أيضًا، فـ «اللاشكل الإسلامي ليس مسألة معرفية إذًا، وإنما هو مسألة سياسية. مسألة سلطة ونفوذ وتأثير. ومن شأن حكم يقوم على إسلام البنّا والقرضاوي أن يكون آلة ساحقة لقرض البشر وتعليبهم واستعبادهم باسم الله. أو هو نظام سخرة أو عبودية مُعمَّم، من شأنه أن يدرَّ ثروات مهولة على القائمين عليه … (بمعنى آخر)، امتناع الإسلام على التعريف أو لا شكله يتوافق كل التوافق مع تعزيز السلطة الشخصية غير المراقبة وغير المقيدة لقادة الإسلام من مشايخ وعلماء وزعامات سياسية. أي يتوافق مع الدكتاتورية والطغيان».

وهي، لذلك، تسعى للتجييش والحشد، والتعبئة من خلال الشعارات، شأنها شأن أي إيديولوجيا معاصرة أخرى. لا يمكنك تعقُّل منطق هذه الحركة أو تتبع نظام معقوليتها لأنها لا شكل محدد لها؛ وما لا شكل له يستعصي على الفهم، وبالتالي فإنه «لن يصلح موضوع تفكير ونقاش، وسيمتنع تداوله وتعميمه، وإقناع الغير به. وهو ثانيًا لن يعُمَّ بغير التلقين والفرض والتكرار، وصولًا إلى العنف والعسف».

ونذهب إلى أن الإسلام أو سؤال الإسلام يمثل إشكالية [6]، لا مشكلة كما يوضح ياسين، بغض النظر عن تغَوُّل [7] الإسلام أم لا.

وإذ يصبح الإسلام إشكالية، فإن الاشتباك معه يصبح أمرًا واجبًا. ولكنه يجب أن يكون اشتباكًا معرفيًا، يقارب الدين الإسلامي بما هو ثقافة متسيدة في المجتمعات العربية. لن تجدي خطابات العلمانية الرافضة، الساعية للقطيعة معه، ولن تجدي كذلك خطابات الإسلاميين أو خطاب المؤسسة الدينية الرسمية (الأزهر كمثال)، في التعامل مع هذه الإشكالية. ونشك للغاية في قدرتهم على إبداع أو خلق آفاق لحلول جديدة. لاحظ أساسًا أن الطرفين (العلماني المتطرف، والإسلاموي) يؤججان الصراعات بينهما، ويتساجلان، وكأن كلًا منهما شرط بقاء الثاني وإغنائه. يحتاج كلاهما الآخر بمعنى أصح لإنتاج تنظيرات، إما ضد الإسلام أو من خلاله؛ دفاعًا عنه أو في هيئة خطابات اعتذارية [8].

ووفق رؤية ياسين، فالإسلاميون (وبشكل عام من يرون أن الإسلام هو الحل) «ينكرون المشكلة، ولا يدركون الأفول الموضوعي للسيادة الإسلامية، السيادة السياسية والسيادة المعرفية. فينزلقون إلى التعسف والعنف والجنون؛ والآخرون (يقصد من يرون – بشكل عام – أن الإسلام هو المشكلة) لا تعنيهم السيادة، أو لا يدركون أن حداثة سيدة وعامة في مجالنا متعذرة من دون صراع مع الإسلام، فلا ينتجون معقولية جديدة، ولا ثقافة جديدة. أقصى طموحهم الالتحاق بالغرب. لكن ماذا يستفيد الغرب من ذلك؟ وماذا يستفيد العالم؟ دع عنك ماذا نستفيد نحن».

ما أريد قوله: لا تَمَركُز حول الإسلام (إما باعتباره المشكلة أو الحل)؛ ليس هو المشكلة الوحيدة ولا الأكبر! كذلك لا يمكن تبرئة الدين وإخراجه من دائرة الفعل، بخلعه من موقع الفاعل والتعامل معه كمفعولٍ به، على الدوام، بامتداد التاريخ. لا سيما الإسلام الذي يبدو وكأن الحديث عن فصل الدنيوي عن السياسي، فيما يتعلق بالجغرافيات التي تشرَّبته ثقافيًا حتى النخاع، ضربٌ من ضروب الهذيان المُخْلِص!


[1] فقد كان المودودي مفكرًا – مناضلًا – إثاريًا، يكتب للجماهير، ومن ثم فلقد استخدم «التحريض العاطفي» مع «الفكر النظري المنضبط»، ولجأ إلى «العبارات المجازية» مع «المصطلحات العلمية»، وشاع جميع ذلك واختلط في سياق صياغاته لنظريات سياسية إسلامية هي أشد ما تكون حاجة إلى الصياغة الدقيقة المنضبطة، لتعلقها بالإسلام من ناحية، ولما يترتب عليها من الحكم على عقائد الناس من ناحية أخرى … (كما أنه) زعيم شعبي وخطيب مفوه … كما أنه يستثير عزائم الجماهير ويستنهض هممهم ويستجيش مشاعرهم … وضروري، لهذه الأسباب أن يستخدم الأسلوب الخطابي الحماسي، الذي من طبيعته المبالغة في التحذير من التقصير في الواجبات، والترهيب من الوقوع في شعب الكفر، والشدة في إصدار الأحكام العامة. [انظر: أبو الأعلى المودودي والصحوة الإسلامية، محمد عمارة، ص: 14، 16]. وإن كان يمكن القول بأن الخطابة كانت تُستخدم في الأوقات التي يلزم لها أن تغطي -بطبيعتها كخطابة تستلب مشاعر المستمعين- على عدم انضباط منطق الفكر المودودي، بل وفي بعض الأحيان غيابه تمامًا!ويقول: «ولقد عاش المودودي حتى رأى فكره وتجربته ومنهجه في البعث يتعدى حدود الهند وباكستان … فلقد امتلكت أفكاره جاذبية – وخاصة لدى الشباب -على امتداد عالم الإسلام والجاليات الإسلامية في البلاد الأوروبية والأمريكية- امتلكت جاذبية وسلطاناً لم يتيسرا لأفكار غيره من أعلام الصحوة الحديثة والمعاصرة في عالم الإسلام … فلقد رأى فيها الكثيرون «التصدي المناسب» لعنف التحدي التغريبي الذي يهدد الهوية الإسلامية بالمسخ والنسخ والتشويه … (ويمكننا أن نقول) إن المودودي يُقرأ في ثماني عشرة لغة فيها كل لغات العالم الإسلامي … وكل لغات الحضارات الكبرى في العالم الذي نعيش فيه!». انظر: المصدر السابق، ص: 49، 50.[2] انظر: المصدر السابق، ص: 9، 10. ويمكن القول بأن تيار الصحوة الإسلامية المعاصرة قد احتضن فكر المودودي احتضاناً كاملاً، كمرجع يتم التشبث به بكل قوة أو يتم نقده أو تبرير مفاهيمه ونحو ذلك.[3] «…فأحد قادة «الجماعة الإسلامية» –التي أسسها المودودي، والإشارة هنا للدكتور أحمد خورشيد، وبحثه المنشور في مجلة «المسلم المعاصر» العدد رقم 31، رمضان سُنَّة 1402 هـ، ص: 8، 9- يشير إلى تغير واختلاف المفهوم الأيديولوجي في باكستان، ذات الأغلبية المسلمة، عنه في الهند، ذات الأغلبية غير المسلمة، وأثر ذلك على تغيُّر (الحقائق الموضوعية التي تكون مفهوم عملية الحركة الإسلامية). [انظر: المصدر السابق، ص: 14][4] انظر: «حزب النور بين الدين والسياسة»، مقال للدكتور/ علي مبروك، نُشِر بجريدة الأهرام المصرية في 23 أكتوبر، 2014.[5] انظر على سبيل المثال تأويل صبحي صالح (أحد أعضاء حركة الإخوان المسلمين) لآية «أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ» (البقرة: 61)، بأنه لا يجب على المسلم المنتمي لحركة الإخوان المسلمين الزواج بغير مسلمة من نفس الحركة، باعتبارها الـ «خير» المنصوص عليه في الآية، وهو ما يحيل بالطبع لكون المسلمة من خارج حركة الإخوان هي الـ «أدنى». انظر في هذا الفيديو شرحه لما قال، وهو شرح أو تبرير يزيد الأمر سوءاً فقط: https://www.youtube.com/watch?v=5hEHRuQuct4.[6] نتبنى هنا تمييز جورج طرابيشي بين المشكلة والإشكالية؛ فالمشكلة – بالتعريف – عنده «كل مسألة يمكن الإجابة عنها، بعد الدرس والتقصي، بطريقة علمية أو برهانية»، بينما الإشكالية هي «كل مسألة أو مجموعة مسائل تكتنف الإجابة عنها صعوبات وتبدو قابلة لأجوبة متعددة، بل متناقضة، هذا إن لم تستوجب أصلًا تعليق الحكم بانتظار توفر شروط أفضل للإجابة، سواء أمن منظور وضوح الرؤية لمضمون الإشكالية، أم من منظور تقدم وسائل المعرفة، أم من منظور تطور الممارسة التاريخية التي من شأنها أن تسهِّل ما كان يبدو معقداً أو أن تحل عملياً ما كان يبدو غير قابل للحل نظريًا، (وبالتالي، فالإشكالية)، بخلاف المشكلة، لا تتحرى عن جواب، وكم بالأولى عن جواب يقيني، بقدر ما تُعني بصياغة السؤال وبسَوْقه إلى مجال الوعي وبالتحريض على البحث عن جواب، أو أجوبة، عنه.[7] يُعَرِّف ياسين التغوُّل الإسلامي بأنه «اجتماع اللاشكل أو اللامعنى مع العنف المهول»، ويراه بما هو «تحوُّل اكتمل في سبعينات القرن العشرين، حين اكتمل ظهور غولّين آخرين؛ الدولة والغرب. منذ ذلك الحين أخذ العالم العربي يغرق في اللاسياسة واللاعقلانية واللاإنسانية. لا سياسة تجدي مع الدول المتغوّلة. ولا سياسة تجدي مع الغرب المتغوّل. ولا حتى التبعية والخضوع كذلك».والإسلام، حين يجيب على كل شيء، من خلال لاشكله السيد، وحين يتغول، فإن السياسة لا تجدي معه كذلك. صار الإسلام، حينئذ، سياسة وعقلًا وإيديولوجيا بشرية … أي أن يفقد شكله، يمسي غولًا … (وبالتالي فهو) ينشط بعنف من أجل أن يكون دولة وعقلًا وسياسة. العنف هو نتاج التعسف الكامن في الرؤية (الإسام دين ودولة)، وحلها المستحيل في الآن نفسه. أو لنقل إن هذا التغول رؤية وقوة، وعقيدة متناقضة ذاتياً وعنف منفلت».[8] نشير هنا للمحة هامة لياسين مفادها أن الوقوف ضد التسفيه المضاد للإسلام ممتنع على أرضية التعسف الإسلامي المعاصر. وبمعنى آخر، فهما نبتتان يتشاركان تربة واحدة، ترويان بنفس الماء، لكن تنمو كل منهما في اتجاه مغاير للأخرى!
المراجع
  1. ياسين الحاج صالح: أساطير الآخرين، نقد الإسلام المعاصر ونقد نقده (دار الساقي، بيروت، لندن، ط1، 2011).
  2. جورج طرابيشي: هرطقات – عن الديموقراطية والعلمانية والحداثة والممانعة العربية (دار الساقي، بيروت، لندن، ورابطة العقلانيين العرب، ط3، 2011).
  3. محمد عمارة : "أبو الأعلى المودودي والصحوة الإسلامية"، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة.