في الوقت الذي احتفل فيه المسلمون في كافة دول العالم بعيد الفطر المبارك، قضى الفلسطينيون في قطاع غزة عيدهم فوق حطام منازلهم التي هدمتها غارات دولة الاحتلال الإسرائيلي، في أعقاب تصاعد الأحداث التي بدأت من المواجهات في مدينة القدس، واقتحام المسجد الأقصى، ثم إطلاق الصواريخ من داخل غزة على الأراضي المحتلة، لتبدأ تل أبيب القصف المتواصل للقطاع.

وحتى كتابة هذه السطور (16 مايو/أيار 2021)، ارتفع عدد ضحايا القصف الإسرائيلي على القطاع إلى 197 شهيدًا، من بينهم نحو 58 طفلًا و34 سيدة و15 مسنًا، فيما بلغ عدد القتلى الإسرائيليين 10 أشخاص جرّاء الصواريخ التي انطلقت نحو الدولة العبرية.

رد الفعل الأمريكي

تنوعت الرسائل التي بعثها الرئيس الأمريكي جو بايدن منذ اشتعال الصراع مجددًا، بين ادعائه أن إسرائيل تمتلك حق الدفاع عن نفسها، وما بين الدعوة للتهدئة والحديث عن حق الطرفين في الحياة بسلام، والتأكيد لنظيره الفلسطيني محمود عباس على رفض إجبار الفلسطينيين على مغادرة منازلهم، علاوة على رفض سياسة الاستيطان الأحادية… إلخ.

وقد رأى «عطيان جيلبوا»، الخبير في السياسة الأمريكية بجامعة بار إيلان الإسرائيلية، في مقابلة مع صحيفة «جيروزاليم بوست» قبل عدة أيام، أن أخطاء بادين بدأت قبل إطلاق الصاروخ الأول نحو إسرائيل، مؤكدًا أن التصعيد كان بمثابة الاختبار الذي فشل فيه الأخير.

فمن وجهة نظر الخبير الإسرائيلي، أخطأ الرئيس الأمريكي حين ألغى إدراج جماعة أنصار الله الحوثية في اليمن ضمن قائمة الإرهاب، وهو ما منحهم شعورًا بحرية التصرف كما يشاءون، وبالتالي فعندما تشاهد «المنظمات الإرهابية الأخرى في المنطقة، ومن بينها حماس» ما تقوم به واشنطن، فإنها تبدأ باستغلاله.

الرئيس الأمريكي أغضب تل أبيب كذلك، في أبريل/نيسان الماضي (2021)، حين أصدر قرارًا بإلغاء قرار سلفه الجمهوري دونالد ترامب الذي أوقف مساعدات بقيمة تتخطى 230 مليون دولار أمريكي للفلسطينيين، والذي يُخصَّص الجزء الأكبر منها لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا». وانتقد «جيلبوا» إعادة المساعدات دون شروط، واعتبرها منحة لحركتي حماس والجهاد الإسلامي للقيام بما يحلو لهما.

وكذلك اعترض «جيلبوا» على رفع إدارة «بايدن» العقوبات عن «فاتو بينسودا»، المدعي العام في محكمة العدل الدولية، رغم استمرار قرار المحكمة بالتحقيق في جرائم حرب ارتكبتها سلطات الاحتلال.

عودة إلى الوراء

قبل ما يزيد على أربعة عقود، التقى عضو مجلس الشيوخ الأمريكي جو بايدن بنيامين نتنياهو، الذي كان –حينئذ- أحد الدبلوماسيين العاملين في السفارة الإسرائيلية لدى واشنطن، لتبدأ صداقة الرجلين، والتي اصطدمت بعديد الأزمات، بسبب قائمة طويلة من القضايا امتدت لتشمل اشتعال الأحداث الأخيرة.

على مدار السنوات، ساءت العلاقات بين نتنياهو، الذي أخذ يميل أكثر فأكثر إلى معسكر اليمين، وصديقه «بايدن»، لا سيما خلال تولي الأخير منصب نائب الرئيس الأمريكي (2009-2016)، بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، والذي أثّر سلبيًا على العلاقات بين واشنطن وتل أبيب، تأثيرًا غير مسبوق.

«خليل جاهشان»، المحلل السياسي الأمريكي ذو الأصول الفلسطينية، يرى أن بايدن لا يثق بنتنياهو، والعكس صحيح، على الرغم من العلاقة الطويلة بينهما، واصفًا كل منهما بأنه النقيض السياسي للآخر. فمنذ إبرام الاتفاق مع طهران، عمل نتنياهو على كسب ود أعضاء الحزب الجمهوري حتى دخل دونالد ترامب البيت الأبيض، ليكون الصديق الأفضل لتل أبيب، بحسب وصف رئيس الحكومة الإسرائيلية.

ولم يخفِ «نتنياهو»، خلال الشهور الثلاثة الماضية، تحديه لإدارة بايدن، التي قرّرت التفاوض مُجددًا مع طهران، سعيًا لإعادة إحياء الاتفاق معها، والذي لا يساوي– من وجهة نظر تل أبيب- «قشرة ثوم»، علاوة على مواصلة إسرائيل عملياتها داخل حدود إيران، وكان آخرها الهجوم على منشأة نطنز النووية.

هل يساند «بايدن» الفلسطينيين بالفعل؟

رغم دعوات التهدئة التي أطلقتها الولايات المتحدة، والاتصالات التي تجريها بهدف خفض التصعيد في غزة التي يكسو شوارعها الركام، يرى البعض أن واشنطن ما زالت توفر غطاء لدولة الاحتلال لمواصلة هجماتها، فحتى يوم الخميس (13 مايو/أيار 2021)، لم يعتبر «بايدن»، الذي دخل على خط الأزمة على أطراف أصابعه، أن إسرائيل بالغت في ردها على الصواريخ التي أُطلقت من داخل الأراضي الفلسطينية.

يُشكِّك «جون ألترمان»، مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية، في حجم الجهود التي تبذلها واشنطن من أجل التأثير على الأحداث في الوقت الحالي. ويرى أن «هناك رغبة أكيدة، لدى الولايات المتحدة، ألّا تتخذ أي خطوة لأيام مقبلة، بينما تدافع إسرائيل عن نفسها وترد على الهجمات التي استهدفت المدنيين».

أمّا «نمرود نوفيك»، الذي كان أحد مستشاري رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق شيمون بيريز، فقد أكد أن نتنياهو لن يتمكن من تجاهل واشنطن، إذا ما ضغطت عليه لتحجيم العمليات التي يشهدها قطاع غزة، وقد أشار كذلك إلى قدرة الرئيس الأمريكي على التعامل مع نتنياهو، واختيار لغة الحوار المناسبة للحديث معه، لأنه يدرك طبيعته، والحيل التي يستخدمها عن ظهر قلب.

الوِجهة ليست فلسطين

اشتعال الأحداث مُجددًا تزامن مع اتجاه واشنطن لعدم وضع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على رأس أولوياتها، كي تتجنب- في رأي البعض- مواجهة نتنياهو ملفًا آخر غير ملف الاتفاق النووي الإيراني. لكن سببًا آخر دفع الإدارة الأمريكية لتجاهل الصراع، ففي رأي «لوسي كيرتزر إيلينبوجن»، مديرة برنامج الشرق الأوسط في المعهد الأمريكي للسلام، لم تصل واشنطن إلى هذه النقطة فجأة ودون تخطيط، بل وصفته بالقرار الخطير المحسوب مُسبقًا، إذ لا تجني الولايات المتحدة سياسيًا إلا مكاسب محدودة من استثمار ما لديها لمعالجة القضية الفلسطينية المستمرة منذ عشرات السنوات.

برز ذلك التجاهل في عدم تسمية سفير أمريكي جديد ليمثل واشنطن في إسرائيل، أو إعادة تعيين قنصل في القدس الشرقية لتولي شئون الفلسطينيين، كما خالف بايدن سياسات أوباما وترامب بعد ما لم يُعيِّن مبعوثًا خاصًا للقضايا بين الجانبين.

قبل اندلاع الأزمة الحالية، أدركت واشنطن أنه لا أمل، على المدى القريب، في عقد مفاوضات ناجحة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، في الوقت الذي لم يُبدِ أي طرف منهما استعداده للتنازل أمام الطرف الآخر.

ووفقًا لـ «نيويورك تايمز»، قَبِل بايدن ومستشاروه الوضع القائم، وأصروا على تحويل وجهة السياسة الخارجية الأمريكية من الشرق الأوسط إلى الصين، لا سيما في ظل حالة عدم الاستقرار السياسي الذي تعانيه الحكومة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو، وهو ما جعلها شريكًا لا يمكن الاعتماد عليه. وفي الوقت الذي أعلن فيه الرئيس الديمقراطي دعمه حل دولتين، لم يبذل سوى جهود محدودة لدفع الطرفين لإنهاء الصراع.

وكما يتهم «يائير لبيد»، المُكلَّف بتشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، نتنياهو، بالتسبب فيما آلت إليه الأمور، يُحمِّل الديمقراطيون، ومن بينهم مسئولي الإدارة الأمريكية، ترامب المسئولية عمّا يجري الآن، بسبب تأييده الفاضح للاستيطان الإسرائيلي، ونقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة، دون وضع في الاعتبار ما ستُخلِّفه هذه القرارات من اضطرابات.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.