فضيحة فساد جديدة تورّط فيها أحد أبرز أعضاء «دونالد ترامب»، الرئيس الأمريكي الأسبق، وهذه المرة بواسطة جاريد كوشنر زوج ابنته، ووزير الخزانة الأمريكي ستيف مونتشين، بعدما جمعا كمًّا ضخمًا من الأموال الخليجية بعد فترة وجيزة من مغادرتهما البيت الأبيض.

وبحسب تحقيق صحفي نشرته «نيويورك تايمز»، فإن منوتشين نجح في استقطاب 1.5 مليار دولار من الإمارات والكويت وقطر بعد 3 أشهر فقط من مغادرته عمله، أما كوشنر، والذي كان يعمل كبيرًا لمستشاري ترامب، فلقد اقتنص ملياري دولار من السعودية عقب مغادرته منصبه بـ6 أشهر فقط.

هذه الأموال أتت في صورة استثمارات خليجية مُنحت للثنائي الأمريكي عقب قيامهما بجولة في الشرق الأوسط لإقناع أثرياء الخليج بتمويل ما يُعرف بِاسم «صندوق أبراهام».

ونشأ هذا الصندوق عقب إقرار اتفاق السلام بين الإمارات وإسرائيل، ليجذب استثمارات مشتركة من الخليج والولايات المتحدة لصالح تنفيذ مشروعات تنموية في الدول العربية التي تقبل التطبيع مع إسرائيل.

لم يستمر هذا الصندوق طويلاً في العمل بعد رحيل ترامب من السُلطة بعدما قرّر الرئيس الحالي جو بايدن تجميده. لكن- وبحسب «نيويورك تايمز»- فإن كوشنير ومنوتشين أطلقا صندوقًا آخر خاصًّا يقوم بنفس المهمة ولكن بشكل غير رسمي وبعيدًا عن سيطرة حكومية هذه المرة.

الصندوق الجديد

وفي نهاية العام الماضي، أعلن كوشنر إطلاق صندوقه الاستثماري الخاص أفينيتي بارتنرز Affinity Partners، بعدما أمّن له 3 مليارات دولار تمويلاً، متوقّع أن يستثمرها في الشركات الأمريكية والإسرائيلية التي تبحث عن فرص توسُّع في الشرق الأوسط.

وبحسب مصدر لـ«رويترز»، فإن كوشنر يهدف من هذا الصندوق لبناء «ممر استثماري» بين إسرائيل والسعودية، يزيد من إمكانية التعاون بين رجال الاعمال الإسرائيليين والخليجيين.

وهو ما أكده موقع «وول ستريت جورنال»، الذي كشف أن الصندوق السعودي مرّر لكوشنر موافقته على استثمار أمواله في الشركات الإسرائيلية لأول مرة في التاريخ.

وقال مائير ليتفاك أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في جامعة تل أبيب، إن السعودية ترسل إشارة إلى العالم بأسره بأنها جادة في ترسيخ علاقاتها مع إسرائيل، واعتبر ليتفاك أن هذه الخطوة محاولة من السعوديين لإيجاد حلفاء ضد إيران تحسبًا من أي انسحاب أمريكي من المنطقة.

فيما علّق إيتاما رابيونوفيتش السفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة أن هذه الخطوة تمثّل «تطبيعًا ماليًا» بين السعودية وإسرائيل.

وهو ما يتّسق مع ما سبق وأن صرّح به ابن سلمان في مقابلة مع صحيفة «أتلانتيك» الأمريكية، بأنه لا ينظر إلى إسرائيل بأنها عدو بل كـ«حليف محتمل».

أين المشكلة إذن؟

فور طرح الأمر للتدوال الإعلامي، شكّك أستاذة قانون أمريكيون في أن سهولة حصول كوشنر على هذا التمويل الخليجي ترجع إلى أنه خلال وجوده في منصبه استغلّ تلك الفترة لتعزيز علاقاته التجارية بقادة الشرق الأوسط ورجال أعمالها تحسبًا للحظة يعود فيها مرة أخرى إلى عمله الخاص.

وبحسب الصحيفة، فإن منوشين زار الخليج العربي أكثر من 18 مرة خلال عمله وزيرًا للخزانة (4 سنوات)، مكّنته من تطوير علاقات مباشرة مع شخصيات خليجية بارزة مثل ياسر الرميان محافظ صندوق الاستثمارات العامة السعودي، والشيخ محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات، وأيضًا محمد بن سلمان ولي العهد السعودي.

هذا الرقم يعدُّ مثيرًا للانتباه إذا ما قارنّاه بـ8 رحلات فقط قام بها وزراء الخزانة الأمريكية ما بين عامي 2006 و2016م.

أيضًا، زار كوشنر الخليج 10 مرات على الأقل، مكّنته من إقامة صداقة استراتيجية مع ابن سلمان، تجلّت ثمارها خلال أزمة مقتل الصحفي جمال خاشقجي، عبر الدعم الذي أبداه كوشنر لصديقه ولي العهد.

وهو ما ينسجم مع ما بذله ترامب وفريقه من جهودٍ حثيثة للتقرُّب إلى الرياض، فمنذ أن تولّى منصبه كانت مُستقر أولى رحلاته الخارجية، وخلال أزمة خاشقجي أعلن ترامب أكثر من مرة أنه سيحمي ولي العهد من عواقب تلك الأزمة. وهي العلاقة التي بقيت قوية حتى بعد خروج ترامب من البيت الأبيض وظهرت في سلسلة من الرحلات التي قام بها كوشنر إلى الرياض، هذه المرة من دون صفة رسمية ولكن بصفة اقتصادية.

وفي تعليقها على هذه الخطوة، اعتبرت كاترين كلارك أستاذة القانون في جامعة واشنطن أن هذا السلوك ينطوي على تضارب مصالح و«رائحة كريهة للغاية».

ما يُضاعف من هذه الشكوك- ومن الرائحة الكريهة- أن أعضاء مجلس إدارة تلك الصناديق أعربوا عن رفضهم الاعتماد على كوشنر تحديدًا في إدارة تلك المحافظ الاستثمارية الضخمة، وأن كفاءته لا تؤهله لإدارة هذا الكم من الأموال ولا تلقي حجم الراتب المرتفع الذي يتقاضاه، ورغم ذلك تم تجاهُل هذه الاحتجاجات واستمرّ تدفّق المال على صهر ترامب.

فيما يقول المُحلل السياسي ستيف بنين، إنه بحلول يناير 2021م أدرك كوشنر ومنوتشين أن منصبيهما سيزولان مع الرحيل المرتقب لترامب، لذا فإنهما سعيا بشكلٍ محموم لتأمين مستقبليهما عقب الخروج من السُلطة.

وأضاف: ما يُعقد الأمور، أن ترامب قد يعود إلى السُلطة ومعه رجاله بالطبع، وهو ما يضيف بُعدًا فاسدًا لتلك الصفقات، فالسعوديون حينما منحوا كوشنر تلك الأموال لم يكونوا يكافئونهم على الصداقة المتبادلة وحسب، بل كانوا يفكرون في إمكانية وصول ترامب للحُكم مُجددًا، وعندها لا بد من الوفاء بتلك الديون.