ذُكرَ الفول في القرآن الكريم، حين سأل بنو إسرائيل نبي الله موسى:

«فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ۖ قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ۚ اهْبِطُوا مِصْرا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ»
سورة البقرة – الآية 61.

الفول البلدي Broad bean اسمه العلمي Vicia faba، وهو من أقدم المحاصيل المعروفة على وجه الأرض. وفي الثقافات القديمة؛ اعتقد الرومان القدمان بأن الفول له علاقة وثيقة بعالم ما تحت الأرض، لما لجذوره من امتدادات وتفرعات طويلة، وآمنوا بأن نبات الفول له القدرة على إعادة الموتى للحياة، واعتقدوا كذلك بأن نباتات الفول هي مساكن لأرواح الموتى، وأن الأزهار رمز للحداد لما تتميز به من وجود بقعة سوداء فيها.

وفي العصور الوسطى، اعتاد الإيطاليون الاحتفال بيوم الموتى، حيث اعتقدوا أن أرواح منْ فارقوا تعود في ذلك اليوم ليُسعِدوا الأطفال حاملين الحلوى على شكل حبوب الفول Fave dei morti، أو بسكويت على شكل عظام الموتى Ossa dei morti.

الفول أيضًا طعام له رمزية مرتبطة بالطقوس الجنائزية والحداد؛ فيتم إعداد أطباق الفول في أيام الحداد في مالطا. وفي الأديرة الفرنسية نهاية القرن العاشر تم إحياء طقوس من الشعوب السلتية بأن يتم الاحتفاء بالموتى وتقديم أطعمة مصنوعة من الفول كقرابين لهم، بينما تُوضع أطباق للأشخاص المفقودين في أماكنهم الفارغة على الطاولات، ويتم توزيعه كصدقات على الفقراء والمتسولين في الشوارع، في ظاهرة أقرب لبعض الشعوب الإسلامية، التي تتصدق بأطباق الفول النابت على الفقراء.

الفول البلدي يحتوي على مستوى عالٍ من الكربوهيدرات والبروتينات والألياف الغذائية، إلى جانب انخفاض محتوى الدهون المشبعة ووجود العديد من المركبات النشطة بيولوجيًا. يدخل الفول في تغذية الحيوانات، وكذلك جذور الفول تتميز بوجود عُقد بكتيرية مفيدة جدًا لخصوبة التربة يستخدمه المزارعون لتحسين خواص التربة وينصح به الخبراء في الدورات الزراعية لتقليل الإجهاد الواقع على الأرض الزراعية.

قدّم الفريق البحثي؛ أنتونيلا باسكواليني Antonella Pasqualone، وعلي عبد الله Ali Abdallah، وكارمين سومو Carmine Summo، من جامعة باري بإيطاليا دراسة مرجعية بعنوان «المعنى الرمزي واستخدام الفول البلدي في الأطعمة الشعبية لبلدان حوض المتوسط والشرق الأوسط» Symbolic meaning and use of broad beans in traditional foods of the Mediterranean Basin and the Middle East، الدراسة نُشرت عام 2020 في مجلة الأطعمة العرقية Journal of Ethnic Foods، وهنا نقدم تلك الأصناف المختلفة من الوجبات الشعبية التي تناولها الفريق البحثي في هذه الدراسة.

مصر

يُستهلك الفول على نطاق واسع جدًا في مصر، في صورة «الفول المدمس»، وسواء تم تدميس حبوب الفول الطازجة في القدرة أو في أواني الطهي بالبخار أو التحصل عليه مُعلّبًا من السوبر ماركت؛ يتناول المصريون الفول في الإفطار في صباح كل يوم، أو كوجبة في منتصف اليوم، ويكون الطبق الرئيسي للسحور في ليالي شهر رمضان الكريم.

هذا الطبق موجود أيضًا كطعام شعبي في لبنان وسوريا والأردن وإريتريا والصومال وإثيوبيا والسودان واليمن، إنما يختلف من مكان لآخر بحسب ما تتم إضافته عليه من بهارات وتوابل ونوع الزيت وطريقة تقديمه في صورة حبوب كاملة أو مطحونًا.

الطبق الثاني الذي يتم تصنيعه من حبوب الفول؛ الطعمية أو الفلافل، مع الإشارة أن الفلافل في الشام (لبنان وسوريا) يتم تصنيعها من الحمص، بينما هي مُعدة من الفول الخالص ومزيج من الخضراوات في مصر. وثنائية الفول (المدمس) والطعمية هي الأكثر شهرة وتداولًا وشعبيةً في مصر، كطبق الأسماك ورقائق الشيبسي Fish and Chips في المملكة المتحدة.

الطبق الثالث هو البصارة، والتي تُشتهر كذلك في المطبخ المغربي، حيث يعدّونها كحساء سائل أو يتم تغميسها بالخبز، بينما في مصر لا تؤكل إلا عن طريق تغميسها بالخبز.

أمّا الفول الأخضر، فتؤكل حبوبه الطازجة التي لم تنضج بالدرجة الكافية لتصبح جامدة، بل تُستخرَج من قرونها خضراء اللون، وهناك طبق الفول النابت؛ حيث تُنقع البذور مكتملة النضج في المياه حتى تلين قشرتها وتبدأ في إخراج الجذير والرويشة، وتُؤخذ ليتم سلقها.

إثيوبيا

ينتشر في المناطق الريفية طبق الفول Shahan ful (ful) والمشابه للفول المدمس في مصر، والذي يعد علاجًا وقائيًا من أمراض سوء التغذية عند الأطفال، حيث يُقدَّم مع البصل الأخضر المقطع والطماطم والفلفل الحار والزبادي والجبن الفيتا مُزودًا بزيت الزيتون والزبدة وعصير الليمون والكمون المطحون.

أمّا طبق الباقيلا نيفرو Baqella nifro، الذي يعني الفول المغلي، وهو طبق ذو أصول أمهرية، يتم تناوله في فترات الحداد والمناسبات الدينية.

وفي الثلاثاء الذي يسبق الجمعة الحزينة، يتناول الإثيوبيون الأرثوذكس طبق الجلبان Gulban المكون من الفول والقمح المغلي تيمنًا بالعشاء الأخير للسيد المسيح.

وكذلك تُطحن بذور الفول ليُصنع منها دقيق يدخل في إعداد طبق هيليبت Hilibet (Hlbet) الذي يؤكل وبجانبه الخبز الإثيوبي إنچيرا Injera، وطبق سيلچو Siljo الذي يُترك عدة ساعات ليختمر ويحصل على الطعم الحامضي المميز.

تونس

هناك نجد الفول بالكمون، حيث تُغلَى بذور الفول مع الليمون وحين النضج يُوضع عليها الكمون وزيت الزيتون ومعجون الشطة (الهريسة)، وينتشر هذا الطبق في المغرب العربي كله (تونس والمغرب والجزائر).

الجزائر

هناك نجد طبق حساء الدوبارة Doubara، وهو مصنوع من الفول والحمص سويًا، ويتم تقديمه بالملح والكمون والثوم وصوص الطماطم والفلفل الحلو.

وكذلك نجد البصارة Bissara (وهي مشابهة لتلك الموجودة في المغرب وتونس). بجانب فول الحريرة Harira ful، وهو حساء من البقوليات (الغالب فيها الفول) والخضراوات.

مالطا

ينتشر هناك طبق البيجيلا ful bit-tewm (Bigilla)، وهو مشابه لطبق الفول المدمس المصري لكن يتم إعداده بالثوم ويكون ذا حبوب كاملة (Ful bit-tewm) أو مطحونًا (Bigilla) ومُقطَّعًا عليه البقدونس.

ونظرًا لأن مالطا تقع في وسط البحر المتوسط، فقد وردت إليها ثقافات عدة؛ إيطالية وإسبانية وتركية وعربية، وبالبحث في مصدر كلمة بيجيلا، وجدت أحد المراجع أن أصل الكلمة يعود للتركية القديمة؛bagkala أو bagala والتي تعني الفول، والتي تشبه الكلمة العربية (بقول).

جنوب إيطاليا (أبوليا)

يعتبر طبق puré di fave e cicorie أو مهروس الفول والشيكوريا من الأطباق الشائعة جدًا في جنوب إيطاليا، يتم تحضيره بطريقة مُشابهة للفول المدمس أو البيجيلا، لكن لتسريع عملية النضج يتم نزع القشور عن بذور الفول ثم تسويتها، بعد ذلك يتم طحنها جيدًا لتصبح ناعمة متجانسة القوام، ولزيادة في نعومة المطحون (البيوريه) تُسلَق ثمار البطاطس وتُمزَج بالفول، ولا توضع أي إضافات على الطبق سوى الملح وقطرات الزيت.

وفي أماكن أخرى يُضاف الخزامي (الفكس) tassel hyacinth ليُعرَف الطبق باسم لامباجيوني (لامباسيوني) lampagioni or lampascioni.

صقلية

طبق آخر مُشابه للفول المدمس يدعى ماكو Macco. كذلك يتم تناول الفول الأخضر الطازج، ويُدعى Macco di fave fresche.

اليونان

في طبق الكوكيا Koukia تُغلَى بذور الفول ثم يتم تصفيتها من المياه وتُقلَى مع البصل والثوم، ويُضاَف إليه الشبت الطازج والفلفل وعصير الليمون.

تركيا

طبق الفول هناك يُسمى البقلة Bakla، ويتم إعداده من الفول المغلي مع البصل المهروس جيدًا، ويتم تقديمه مع عصير الليمون والفلفل الأحمر.

أمّا طبق البقلة بزيت الزيتون Zeytinyağlı bakla، فهو نفس الطبق ولكن مُزوَّد عليه زيت الزيتون والطماطم والثوم.

العراق

طبق الباقلاء بالدهن هو النظير العراقي للمدمس المصري، وهو طبق شائع التناول في وجبة الإفطار، ويمكن تناوله بتقطيع الخبز داخل الطبق ليصبح «ثريد الباقلاء». أمّا طبق تمن الباقلاء، فهو الفول المطهو مع الأرز.

إيران

بغالي بلو Baghalee polo هو الفول المطهو بالأرز في إيران، بينما طبق بغالي بوكهتي Baghalee pokhte يُعد عن طريق غلي قرون الفول أو البذور، وتُقدَّم مُضافًا عليها الخل والشبت والكركم والثوم والبيض.

خاتمة

سلّط الفريق البحثي الضوء على أهمية الفول ودخوله في العديد من الأطباق، وعرضوا أن الطبق الأشهر هو الفول المدمس، ويحضرني تساؤل بعد تلك القراءة المتأنية للدراسة؛ ما أصل تلك الأطباق جميعًا، أهو المصري أم الإيطالي أم الصقلي أم التركي أم الإثيوبي أم التونسي؟

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.