بات وضع الجماعة العجوز في الوطن العربي أكثر سخونة ودراماتيكية خاصة في ظل ما يشهده من تغيرات وتحولات تنظيمية وحركية ليس في مصر فقط ولكن في تونس والجزائر والأردن والسودان، كما يلاحظ تطور وتغير الأدوار في ماهية العلاقة المتزاوجة والمتفاوتة بين الجماعة والسلطة كما في الجزائر وموريتانيا.في ظل هذه التغيرات الجذرية التي تشهدها الجماعة تأتي الأحداث متسارعة في السودان لتكشف عن أزمة جديدة تعيشها الجماعة تكاد تعصف بوجوديتها وقوتها التنظيمية. فماذا يحدث داخل جماعة الإخوان المسلمين بالسودان؟ ومن يقف خلف ذلك؟ وما هو مستقبل الحركة؟.


ماذا يحدث في البيت الإخواني ؟

إن المراقب العام الجديد الشيخ «الحبر يوسف نور الدائم» تلقَّى البيعة من أعضاء مجلس الشورى يتقدمهم الشيخ «صادق عبد الله عبد الماجد» متمنين له التوفيق والسداد.

أتت الأحداث متسارعة ومتواكبة فدائما ما تكون سرعة الأحداث وتغيرها هي أهم سمة من سمات الانقلابات فهي تبدأ بقرارات غامضة ومفاجئة وردود فعل أسرع، وكأن الكون يتغير بين عشية وضحاها، فهكذا حدث الانشقاق الأكبر داخل جماعة الأخوان المسملين بالسودان في أعقاب تمرد مجلس شورى الجماعة على تمرد المراقب العام علي جاويش.كان المراقب العام للجماعة بالسودان قد أصدر يوم السبت السادس من رمضان 1437 هـ بيانا أعلن فيه تعطيل المؤتمر العام الذي سيعقد بعد عيد الفطر، وقام بتعطيل أجهزة الجماعة بما فيها المكتب التنفيذي ومجلس الشورى واللجان التابعة لها، مما يعد تجاوزا صارخا للقانون الأساسي للجماعة فمجلس الشورى هو أعلى مرتبة من المراقب العام وهو الذي يبايعه وله حق عزله. ولم يكتف بذلك بل قام بتكوين مجموعة جديدة مثَّلت المكتب التنفيذي وتكوين هيئة شورى جديدة.بيان «جاويش» أصاب الجماعة بالصدمة لغموض الدوافع وراء تجاوزه وتمرده على القانون الأساسي للجماعة، مما دفع بمجلس شورى الجماعة إلى عقد اجتماع طارئ مكتمل النصاب لمناقشة بيان جاويش وانتهى الاجتماع إلى إعفاء جاويش من منصبه كمراقب عام ومبايعة المراقب الأسبق الدكتور الحبر يوسف نور الدائم كمراقب عام من جديد للجماعة، كما تم تأجيل عقد المؤتمر العام إلى ما بعد عيد الأضحى مع استكمال المكتب التنفيذي.ولفهم طبيعة هذه التغيرات والتحولات داخل الجماعة بالسودان فإنه لابد من دراسة التحولات الإقليمية والدولية للجماعة في ظل ما يعرف بـ «أثر الفراشة»، كما أنه لابد من التطرق إلى الموروث التاريخي للجماعة.


أثر الفراشة

جماعة الإخوان في الوطن العربي تحاول التأقلم والتكيف السياسي والاجتماعي تجنبا لأثر الفراشة ومصير إخوان مصر

يتخذ علماء السياسية من أثر الفراشة أداة لتحليل الظواهر المرتبطة ببعضها في مناطق جغرافية مختلفة، نتيجة التأثيرات المختلفة لظاهرة ما على متشابهاتها وخاصة في دراسة الثورات، فقراءة الأحداث التي تجري داخل الجماعة بالسودان تشير إلى أنها لا تدور في فلك منعزل عن أوضاع الجماعة والتنظيم الدولي في الخارج.فالجماعة في الخارج تعاني من الديكتاتوريات والأنظمة المستبدة وهو ما جعلها تدخل في صدام حاد أو ناعم مع السلطة مثلما يحدث في الجزائر وموريتانيا ومصر، كما تحاول بعض التنظيمات تعظيم استفادتها من التحولات الخارجية إلى صالحها حتى وإن قدَّمت بعض التنازلات وهو ما نراه في النموذج المغربي والتونسي فقد أقدمت النهضة التونسية على التمييز بين الدعوي والسياسي وهو ما أصبح أداة للحركة لمواجهة البطش والديكتاتورية، كما اتجهت بعض الحركات إلى مواجهة البطش بإعلان الانفصال عن التنظيم الدولي كإخوان الإردن.


ليس بالانشقاق الأول

تماهت حركة الإخوان المسلمين بالسودان بين الصراعات والانشقاقات الفردية والجماعية و بين الانقلابات العسكرية بالبلاد

سعت جماعة الإخوان المسلمين في مصر منذ تأسيسها في 1927 إلى محاولة نشر دعوتها في جميع أركان الوطن العربي، وكان للتواصل الجغرافي والتاريخي والسياسي بين مصر والسودان مؤهلا لأن تكون السودان من أولى الدول العربية لتستقبل دعوة الإخوان، فقد بدأت الجماعة بالتشعب في السودان من خلال شعبتين أساسيتين في 1937، ثم كان عام 1943 تاريخا مفصليا للانطلاقة التنظيمية للدعوة بالسودان على يد «ادق عبدالله عبدالماجد» و«جمال الدين السنهوري»، وظلت الجماعة تنشر دعوتها في ربوع السودان في مرحلتها الأولى حتى عام 1954.مثل عام 1954 الانطلاقة التنظيمية للجماعة حيث تم به تبني اسم جماعة الإخوان المسلمين للتنظيم وتم اختيار الأستاذ «محمد الخير عبدالقادر» كأول مراقب عام للجماعة، وسعت الجماعة في هذا الوقت إلى التحالف مع السلفيين والطريقة «التجانية» الصوفية فيما عرفت باسم جبهة الميثاق الإسلامي وهو تحالف انتخابي لخوض انتخابات 1964.الانشقاق الأول للجماعة أعقب تولي الترابي الأمانة العامة للجماعة 1969 حيث خرج من الجماعة عددا من قياداتها من بينهم «محمد صالح عمر» و«محمد مدني سبال» والشيخ جعفر الشيخ إدريس والشيخ برات،وأنضم إليهم فيما بعد الشيخ «صادق» والشيخ «الحبر» في عام1979 وكونوا النواة لجماعة الإخوان الحالية، كان «الترابي» قام بحل التنظيم الذي يترأسه صوريا عام 1977 بعد الحوار مع حكومة النميري.«الترابي» سعى في منتصف الثمانينات إلى تأسيس الجبهة الإسلامية القومية وضمت عناصر من جماعة الإخوان المسلمين مما جعل الكثير لا يفرق بينهما لتمثل الجبهة بذلك حزبا إسلاميا معاصرا، فيما تزامن مع تأسيس حزب الجبهة استمرار تنظيم الجماعة بقيادة «الحبر يوسف»، لم تستمر الجبهة كثيرا حيث قام الترابي بحل الجبهة لينفرد بالحكم في نهاية الثمانيات.عاصفة أخرى هزت الجماعة في عام 1991 بحدوث انشقاق في صفوف الجماعة بعد انتخاب الشيخ «سليمان أبو نارو» رئيسا لجماعة الإخوان المسلمين، فيما بقي الكثيرين مع قيادات التنظيم التقليدي، وبعد عشر سنوات قامت جماعة الشيخ سليمان بحل نفسها وتغير اسمها إلى جماعة الاعتصام بالكتاب والسنة. وقد كان آخر انشقاق للجماعة في التسعينات عندما خرجت الجبهة الإسلامية من الجماعة بقيادة «عمر البشير» ليتحول إلى حزب المؤتمر الوطني الحاكم 1994.


جماعة الإخوان بالسودان تعاني

يشير «أبو ذر أحمد محمد» في مقال له تحت عنوان «الإخوان المسلمون في السودان قراءة في مآلات الثابت والمتغير »إلى أن أهم الثوابت المؤرخة في سجلات الجماعة بالسودان التزامها بالخط الدعوي والتربوي ومناهضة الأفكار الإلحادية والاتجاهات المناهضة للإسلام، فيما أسهب الحديث عن المتغيرات والمتطلبات فيشير إلى أن أهم تلك المتغيرات هو الخط السياسي للجماعة في علاقته مع النظام، كما تحدث كثيرا عن أهمية البنية التنظيمية للجماعة.تشير دراسات أخرى إلى أن ضعف القيادات وانشغال المكتب التنفيذي عن دوره واعتماد المكاتب على جهد فرد واحد من أسباب وجود حركة استقطاب حادة داخل صفوف الجماعة، كما كان للدخول في تجربة الإنقاذ والممارسات التي اتبعتها حكومة الإنقاذ من البطش والتنكيل والتصفية الجسدية والتعذيب والممارسات اللاأخلاقية من أهم الدوافع إلى ابتعاد السودانيين عن التنظيم والجماعة. بالرغم من أن حركة الإخوان في السودان ارتبطت تنظيميا في بدء نشأتها بالتنظيم الأم في مصر إلا أن هناك فتورا في العلاقة بين التنظيمين خاصة في فترة تولي «الترابي» قيادة الجماعة فقد سعى إلى الفصل الجزئي بين الجماعة في السودان والتنظيم الدولي المؤسس في السبعينات ، فقد حاول تأسيس تنظيم عالمي موازي للتنظيم الدولي وهو ما جعل الإخوان يطلقون عليه تنظيم الضرار . وأثير أن يكون للتنظيم الأم في مصر دور فيما حدث من انقلاب «علي جاويش» وهو ما نفته الجماعة الأم في مصر على لسان نائب المرشد «إبراهيم منير» قائلا « التطورات الجارية لدى إخوان السودان شأن داخلي خاص بهم، لا علاقة للإخوان في مصر أي علاقة به-المقصود التطورات داخل إخوان السوادن- لا من قريب ولا من بعيد».


سيناريوهات مستقبل الجماعة

عدم انضباط الخط السياسي للحركة وضعف القدرات التنظيمية والكفاءات القيادية هي أهم الأمراض المستعصية التي تعاني منها الحركة

لماذا اتخذ «علي جاويش» مثل هذه القرارات؟ هل كان يريد أن يتفرد بالتنظيم؟ أم أن هناك خلافا فكريا وتنظيميا بينه وبين مجلس الشورى؟ أم كان هناك قرارا سيصدر بالمؤتمر العام لا يرضيه؟ أم أن هناك ضغوطا محلية أو إقليمية من أجل إصدار مثل هذه القرارات؟ افتراضات كثيرة تحوم حول الأسباب الدافعة إلى مثل هذه القرارات.في ظل صحة أي افتراض من الافتراضات السابقة فإن صفحة «علي جاويش» كمراقب عام قد انطوت ولكنها ستترك الأثر الأعظم في مسيرة الجماعة بالسودان فالبعض يقلل من تأثير إقالة جاويش وذلك لضعف شعبيته القاعدية داخل الحركة، والبعض يرى أن إقالته ستؤدي إلى مزيد من الانشقاقات وخروج جماعات فرعية، خاصة في ظل تنامي جناحين فكريين وتنظيميين داخل الجماعة أحدهما يريد استمرار تبعية الجماعة للتنظيم الدولي والأم، والفريق الآخر يريد أن يحذو حذو إخوان الأردن وتونس بالانفصال عن الجماعة الأم.

المراجع
  1. حسن عبدالحميد، ليلة إعفاء الشيخ جاويش الإخوان المسلمون.. انقلاب ضد انقلاب المرشد، الصيحة، متاح على
  2. بيان رسمى : إخوان السودان ينقلبون على المراقب العام للجماعة.، المنتدى العربي للعلوم العسكرية، متاح على
  3. أبو ذر أحمد محمد، الإخوان المسلمون في السودان… قراءة في مآلات الثابت والمتغيِّر بقلم أبوذرأحمد مُحمَّد، موقع الأخوان المسلمون السودان، متاح على
  4. الإخوان المسلمون في السودان (طموحات "الترابي"..ورحلة الصعود والهبوط)، بوابة الحركات الإسلامية، متاح على الرابط: