أعلنت وزارة خارجية روسيا أن المباحثات مع الولايات المتحدة الأمريكية بشأن معاهدة «ستارت» الخاصة بالحد من الأسلحة النووية، ستبدأ في 29 نوفمبر الجاري في العاصمة المصرية القاهرة.

ويُعد الإعلان عن المحادثات مؤشرًا على أن الجانبين يريدان – على الأقل – الحفاظ على الحوار في وقت تسببت فيه حرب روسيا وأوكرانيا في تدهور حاد للعلاقات بينهما، لتصل لنقطة مواجهة هي الأسوأ في الـ 60 عامًا الماضية.

التقارب والصاروخ الطائش

يرى خبراء ومحللون أن المحادثات التي ستُجرى في العاصمة المصرية لأول مرة بمثابة خطوة أولى لإحياء أجندتي البلدين (موسكو وواشنطن) المشتركة للحد من التسلح (النووي)، وذلك منذ أن أوقف الرئيس الأمريكي جو بايدن الحوار مع موسكو على خلفية غزو أوكرانيا.

كما تأتي في وقت شديد التوتر بعد تعرض بولندا لصاروخ طائش، اتُّهمت فيه موسكو؛ مما زاد من حالة الغليان بين الطرفين، وهنا تقول سمر رضوان، نائب رئيس مركز رياليست للدراسات ومقره موسكو، إن كييف حاولت انتهاز فرصة الصاروخ الذي أثبتت كل الأدلة أنه أُطلق من أوكرانيا لمنع أي مباحثات أو تقارب بين واشنطن وموسكو، ومنع إدارة بايدن من الضغط على كييف من أجل تسوية الأزمة عن طريق المباحثات.

وأوضحت رضوان، خلال تصريحاتها لموقع «إضاءات»، أن المعارضة في الإدارة الأمريكية للتفاوض مع روسيا حول أوكرانيا ضعيفة للغاية، فالجميع يريد الذهاب للمفاوضات الآن؛ كما أعلنت موسكو بشكل مباشر خلال الأيام الماضية، بالتزامن مع انتخابات التجديد النصفي الأمريكية، عدم وجود أي مشاكل أمام التفاوض والحوار.

وتابعت نائب رئيس مركز رياليست للدراسات ومقره موسكو بأن الشعب الأمريكي يبحث عن حياته اليومية واقتصاده بعيدًا عن السياسة، وهذا ما أدركه الديمقراطيون، حيث فتحوا قنوات اتصال مع روسيا، والتلميح لذلك في محاولة لإرسال رسالة داخلية، وهي أن وقت المباحثات قد حان لوقف النزيف الاقتصادي العالمي.

وأكدت رضوان أن واشنطن تسعى من خلال تلك المحادثات إلى ضمان عدة نقاط:

• تدخل الحرب الأوكرانية مرحلة أكثر صعوبة مع قرب موسم الشتاء وانخفاض درجات الحرارة، وهو ما يؤثر على معنويات القوات المتصارعة، وبالأخص الأوكرانية.

• محاولة منع روسيا من استخدام أي سلاح نووي، أو تطور الأمر ودفعها لاستخدام السلاح المدمر.

• إيجاد تفاهمات حول العقوبات لوقف النزيف الأمريكي بالأخص في قطاع الطاقة.

• العودة لمعاهدة «نيو ستارت» لضمان حسن النوايا بين الطرفين.

لماذا القاهرة؟

للإجابة على هذا السؤال يقول أبو بكر الديب، الباحث في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي، إن اختيار القاهرة لتكون مقرًّا للمفاوضات النووية الروسية الأمريكية المرتقبة حول معاهدة «نيو ستارت» الخاصة بالتفتيش المتبادل على الأسلحة النووية لدى الطرفين؛ يمثل عاملًا مهمًّا لإنجاح هذه المفاوضات، حيث تلعب مصر دورًا مهمًّا على الصعيد الإقليمي والدولي، ولديها علاقات متميزة مع كل الأطراف.

اختار القطبان لأول مرة «الشرق الأوسط»، كمكان لعقد مثل هذه اللقاءات، بعد أن كانت تُعقد في جنيف سابقًا، لأن موسكو لم تعد تعتبر سويسرا دولةً محايدةً، بعد انضمامها إلى العقوبات الغربية على روسيا.

وأكد أن مصر استضافت العديد من المفاوضات والمشاورات على مختلف المستويات، ونجحت في حل العديد من الأزمات الدولية، ما رشحها بقوة لتكون أنسب مكان لاستضافة اجتماعات اللجنة الاستشارية الروسية الأمريكية بشأن تمديد معاهدة «ستارت» للأسلحة النووية بين روسيا والولايات المتحدة.

وأوضح الديب خلال تصريحاته لموقع «إضاءات» أن روسيا كانت قد منعت المفتشين الأمريكيين من دخول مواقع الأسلحة النووية الخاصة بها في أغسطس الماضي، بسبب قيود على التأشيرة والسفر للروس.

وأشار أبو بكر الديب إلى أن معاهدة ستارت هي المعاهدة الوحيدة المتبقية لمراقبة الأسلحة النووية بين أمريكا وروسيا بعد انسحابهما عام 2019 من معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى الموقعة بينهما عام 1987، ووقع على اتفاقية ستارت في عام 2010 بالعاصمة التشيكية براغ الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، ونظيره الروسي آنذاك ديميتري ميدفيديف، ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ بمدى زمني يمتد 10 أعوام، وتقيد المعاهدة كل دولة بحد أقصى 1550 رأسًا حربيًّا نوويًّا، و700 صاروخ وقاذفة قنابل، وتتضمن عمليات تفتيش شاملة للتحقق من الالتزام بذلك.

وأوضح الديب أن الاتفاقية تنص على أحقية الطرفين في إجراء عمليات تفتيش في القواعد التي توجد فيها الأسلحة، إضافة لتبادل البيانات للتحقق من الامتثال لبنود المعاهدة، كما تنص كذلك على تبادل سنوي لعدد الأسلحة محل الاتفاق، وتنص المعاهدة على 18 عملية تفتيش داخل المواقع سنويًّا.

في زاوية المباحثات والتمهيد لها أعلن مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، جيك سوليفان، أن الأسابيع الماضية شهدت محادثات سرية مع كبار المسئولين الروس، بهدف الحد من مخاطر اندلاع حرب أوسع بشأن أوكرانيا، وسبق أن توعَّد سوليفان علنًا بعواقب مأساوية إذا لجأت روسيا إلى الأسلحة النووية، لكن لم يتضح بعد كيف أُوصلت هذه الرسالة في المحادثات السرية.