نريد لقبًا للمنتخب الوطني يليق بهم، ويكون مختلفًا عن الآخرين.

هكذا كان طلب الرئيس الكاميروني «أحمدو أهيجو» في اجتماع مع المسئولين في الدولة بعد عودة المنتخب الكاميروني من كأس العالم 1982 بعد أن خرج من دور المجموعات بدون أي خسارة وتحقيقه لـثلاثة تعادلات جعلت أهيجو يشعر بالفخر.

بعد تفكير طويل تم الاستقرار على لقب «الأسود غير المروضة أو الثائرة»، اقترن ذلك اللقب بمنتخب الكاميرون في كل المحافل الدولية حيث بدأت الأسود غير المروضة بالزئير في وجه كل من يقف أمامها في القارة حتى جعلت لنفسها تاريخًا يتحاكى به في الأوساط الكروية الأفريقية، لكن لو كان يعلم أهيجو أن السحر سينقلب على الساحر مستقبلاً لما كان فكر من الأساس في اختيار لقب للمنتخب.

عند اقتراب موعد البطولات القارية تبدأ المنتخبات المشاركة بالاستعداد للبطولة حتى تصل إلى أقصى جاهزية لها، لكن في الكاميرون الأمر مختلف. يكون الاستعداد عن طريق خلق الأزمات المتعددة والتي يكون طرفها الاتحاد الكاميروني ولاعبو المنتخب أو أحد لاعبي المنتخب.


صامويل إيتو والتهديد بالقتل

في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2011 كان المنتخب الكاميروني يستعد لمواجهة المنتخب الجزائري وديًا في الجزائر، ليعلن الاتحاد الكاميروني عدم حضور المنتخب الوطني للمباراة لـرفض اللاعبين المشاركة في المباراة بسبب أزمة المكافآت المالية وعدم حصول كل لاعب على مبلغ 19 ألف دولار حسب بعض التقارير الصحفية وما تم إعلانه من قبل الاتحاد الكاميروني. تبعات القرار كانت كبيرة، حيث تم إيقاف قائد المنتخب صامويل إيتو 15 مباراة تم تقليصها لـثمانية أشهر بعد ذلك.

كذلك تم معاقبة القائد الثاني للمنتخب إينو اينوج بالإيقاف مباراتين وتغريم الظهير الأيسر بينوت أسو إيكوتو مبلغ 2000 دولار. الأمر لم يتوقف عند العقوبات فحسب، بل كان على الاتحاد الكاميروني دفع غرامة قدرها 500 ألف دولار لنظيره الجزائري تعويضًا عن الغياب عن المباراة.

لم تتوقف أزمات صامويل إيتو مع الاتحاد الكاميروني عند هذا الحد، لكن في فبراير/ شباط من عام 2013 فجّر إيتو أزمة جديدة بتوجيه اتهام لمسئولي الاتحاد الكاميروني بمحاولة قتله ورفض المشاركة في المباراة الودية ضد منتخب تنزانيا.

أعضاء الاتحاد الكاميروني يهددون حياتي ويحاولون قتلي، أنا أعيش مع مجموعة من رجال الأمن من أجل حمايتي، لا أرتدي الملابس التي يمنحونها لي في المنتخب لكن أطلبها مباشرةً من شركة بوما، لا أتناول الطعام مع زملائي في المنتخب حتى أتجنب التسمم.

أزمات استمرت حتى أغسطس/ آب عام 2014 عندما أعلن صامويل إيتو عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي إنستجرام اعتزاله اللعب دوليًا مع بلاده الكاميرون.


وصول متأخر وأزمة كرواتيا

يقترن لفظ «صورة سيئة» في ساحة كرة القدم بأن فريقًا أو منتخبًا لم يقدم المردود الجيد في البطولات الكبيرة، فـمثلاً منتخب لم يحصد نقاطًا في كأس العالم أو فريق لم يظهر بقوة في بطولة قارية، لكن ما حدث للكاميرون في كأس العالم بـالبرازيل 2014 كان صورة سيئة متكاملة من جميع الجوانب بينما كان جميع منتخبات كأس العالم قد بدأت في الوصول للـبرازيل.

رفض لاعبو منتخب الكاميرون السفر وقرروا التخلف عن الطائرة والبقاء في فندق الإقامة بالعاصمة الكاميرونية ياوندي بسبب عدم الحصول على بعض المكافآت المالية حسب التقارير الصحفية، الأمر الذي جعل الرئيس الكاميروني بول بيا يتدخل ويعد اللاعبين بصرف جميع المكافآت ليبدأ المنتخب رحلته لبلاد السامبا.

لم يكتفِ لاعبو الكاميرون بذلك، ففي ثاني مباريات دور المجموعات خسروا من كرواتيا برباعية نظيفة. مواجهة شهدت أحداثًا مثيرة بخلاف الخسارة الثقيلة،بدأت بمشاجرة بين لاعبا المنتخب أسو إيكوتو وبنجامين موكاندو داخل منطقة جزاء الكاميرون بسبب خلاف نشب على إحدى الكرات.

بعد نهاية المباراة بأيام فجرت مجلة «دير شبيغل» الألمانية مفاجأة كبيرة حول اتهام منتخب الكاميرون بالتلاعب بنتيجة المباراة وتفويت تلك المباراة لصالح منتخب كرواتيا.تقرير كان بناء على توقع للمقامر السنغافوري ويلسون راج بيرومال، إذ نشرت المجلة توقع بيرومال لأحد الصحفيين في المجلة الألمانية فوز المنتخب الكرواتي بنتيجة 4-0 وتعرض أحد لاعبي منتخب الكاميرون للطرد في الشوط الأول، وهذا ما حدث بالفعل بعد تعرض ألسكندر سونج لاعب منتخب الكاميرون للطرد بعد تدخل قوي على ماريو مانذوكيتش مهاجم كرواتيا في الدقيقة 40 من الشوط الأول.

الاتحاد الكاميروني من جانبه أعلن أنه فتح تحقيقًا بذلك الشأن ونفى تمامًا وجود أي إمكانية للتلاعب بالمباراة، أما الفيفا لم يعلق على الأمر واكتفى بقول: «نريد الحفاظ على كرة القدم بدون أي تلاعب أو شيء مسيء لها».

على جانب آخر نفى ويلسون راج بيرومال في تصريحات صحفية مع التليغراف البريطانية أنه قد توقع النتيجة قبل بداية المباراة، لكن حديثه مع صحفي مجلة دير شبيغل كان بعد نهايتها.

المحادثة مع صحفي دير شبيغل كانت بعد المباراة بأيام قليلة عبر فيسبوك وقد أثبت ذلك من خلال تسجيلي للدخول في فيسبوك، تم تفهم الأمر بشكل خاطئ لأنني كنت أقوم بتقييم سلوك لاعبي المنتخب الكاميروني في الملعب خلال أول مباراتين لهم ضد المكسيك وكرواتيا ولم أقصد ذلك وأعتذر للاتحاد الكاميروني.

أمر تم إغلاقه بعد تصريحات بيرومال على الرغم من أنه أثار كثيرًا من الشكوك حول معسكر المنتخب الكاميروني في كأس العالم.


لن نذهب معكم

أما في نسخة كأس الأمم الأفريقية عام 2017 تفاجأ الاتحاد الكاميروني برفض 7 لاعبين الانضمام للمنتخب بقيادة جويل ماتيب مدافع ليفربول الذي رفض الانضمام إلى المنتخب بسبب خلاف مع الجهاز الفني للمنتخب الكاميروني. إلى جانب ماتيب كان هناك آلان نيوم مدافع ويست بروميتش الإنجليزي و زامبو إنجويسا لاعب أولمبيك مرسيليا الفرنسي الذي فضل التواجد مع فريقه مرسيليا على الانضمام لمنتخب بلاده حسب بعض التقارير الصحفية.

قدم الاتحاد الكاميروني طلبًا للاتحاد الدولي لإيقاف جميع اللاعبين الذين رفضوا الانضمام للمنتخب، لكن لم يستجب الفيفا للنداء. ذهبت الكاميرون للجابون وحققت ما لم يكن متوقعًا بإحرازها للقب على حساب منتخب مصر في المباراة النهائية التي انتهت بفوز الأسود غير المروضة بهدفين لهدف.

بالطبع شعر ماتيب ورفاقه الرافضون للانضمام بالندم بعدم تواجدهم رفقة المنتخب، وهذا ما تحدث عنه البلجيكي هوجو بروس المدير الفني للمنتخب الكاميروني في تصريحات إعلامية بعد إحراز اللقب:


لا جديد يُذكر في 2019

جميعهم سينظرون لأنفسهم ويقولون: لماذا لم نذهب معهم؟ هم نادمون الآن.

هناك مثل شعبي مصر يقول هي «عادتك أم ستشتريها؟» لم يكن الخبر جديدًا على متابعي الكرة الأفريقية فيما يخص المنتخب الكاميروني لكنه بالطبع جديد على الهولندي كلارنس سيدورف المدير الفني الحالي للمنتخب.

لم تكن الكاميرون قد استفاقت من صدمة سحب الكاف شرف تنظيم كأس الأمم الأفريقية منها ومنحها لمصر حتى فاجأها لاعبوها وقبل لحظات من السفر لمصر للمشاركة في البطولة برفض السفر بسبب أزمة المكافآت المالية وعدم الحصول على مبلغ 40 مليون فرنك أفريقي حسب ما ذكرت التقارير الصحفية. تم حل الأزمة بعد تدخل وزير الرياضة الكاميروني نارسيس موييل وقد أعلن ذلك عبر صفحته الرسمية على فيسبوك:

في طريقنا للسفر إلى مصر والأسود جاهزون للدفاع عن لقبهم.

أزمة مثل غيرها من الأزمات التي واجهت الاتحاد الكاميروني ويكون الحل عادة هو تدخل أحد المسئولين الكبار في الدولة، وتدور حول ذلك عدة أسئلة: لماذا لا يقوم الاتحاد الكاميروني بتنظيم شئونه الداخليه مع لاعبي المنتخب؟ وهل اللعب للمنتخب مقترن بالأموال عند لاعبي المنتخب؟

جميعها أسئلة تدور حول معسكر المنتخب الكاميروني والأحداث المتكررة التي بدون شك قد تؤثر سلبيًا على مستقبل المنتخب الطامح للحفاظ على لقبه، وقد يكون لها دفع إيجابي كما يرى كلارنس سيدورف المدير الفني للمنتخب حيث صرح في حديث إعلامي فور الوصول للقاهرة أن ما حدث لن يؤثر على المنتخب في البطولة:

ما حدث رفع من من روح وطموح اللاعبين للحفاظ على اللقب، وجميع اللاعبين تصرفوا بشكل جيد وسيقاتلون من أجل الكاميرون، ونعلم لماذا نحن هنا.

قد يكون سيدورف يحاول أن يرفع الضغوط عن لاعبي المنتخب أو يريد زيادة الدوافع لديهم. الكاميرون ستبدأ مشوارها في كأس أمم أفريقيا يوم الثلاثاء بمواجهة غينيا بيساو، لذلك علينا الانتظار وسنعرف هل ما حدث سيؤثر على المنتخب الكاميروني بالإيجاب أم بالسلب؟