محتوى مترجم
المصدر
Strategic Culture
التاريخ
2016/06/19
الكاتب
فالنتين كاتازونوف

يعتقد كثيرون أن الدولار الأمريكي واليوان الصيني سيدخلان قريبًا معركةً شرسة على من يتربع عرش المالية العالمية، ومع ذلك ذكر جون ويليامز رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي FRB في سان فرانسيسكو في 10 مايو الماضي أن اليوان لا يمكنه أن يتفوق على الدولار كعملة احتياطي عالمي رئيسية، وأنا أميل للاعتقاد بأنه على حق.

تحوّل اليوان لعملة احتياطي رسمية

ختلف اليوان تمامًا عن عملات الاحتياطي الأربعة الأخرى المُدرجة بسلة صندوق النقد الدولي؛ لأن العملة الصينية لا تزال غير قابلة للتداول بحرية

في الخريف الماضي أصدر صندوق النقد الدولي قرارًا لقي ترحيبًا كبيرًا بإضافة اليوان لما يُسمى بسلة عملات حقوق السحب الخاصة SDR (وهي عملة فوق وطنية يصدرها صندوق النقد الدولي بكميات محدودة)، وهو ما يعني أن اليوان له الآن صفة عملة الاحتياطي الرسمية، جنبًا إلى جنب مع الدولار واليورو والجنيه الإسترليني البريطاني والين الياباني.

كان اليوان الصيني بعد الأزمة المالية لأعوام 2007 – 2009م قد أصبح في وضع تنافسي مع الجنيه البريطاني والين الياباني؛ بسبب الكميات الكبيرة من صفقات اليوان في سوق الصرف الأجنبي واستخدامه في التجارة الدولية والمدفوعات الدولية الأخرى. ومع ذلك يختلف اليوان تمامًا عن عملات الاحتياطي الأربعة الأخرى المُدرجة بسلة صندوق النقد الدولي: أولًا: لأن العملة الصينية لا تزال غير قابلة للتداول بحرية، وثانيًا: لأنها عشية قرار صندوق النقد في أغسطس 2015م انخفض سعر صرفها بشكل كبير بما فيه الكفاية كعلامة عدم استقرار.

وخلال مؤتمرات الحزب الشيوعي الصيني، كثيرًا ما كررت الحكومة أن اليوان يجب أن يصبح عملة دولية، وبحكم القانون هي قطعت نصف الطريق لذلك (نصف الطريق لأن قرار صندوق النقد لن يصبح نافذ المفعول قبل أكتوبر)، لكن هناك تساؤلات كبيرة بشأن الجانب الواقعي.


وسائل تدويل اليوان

تقريبًا كل شهر تظهر تقارير أن الصين وقعت اتفاقًا جديدًا لتبادل العملة (فيما يتعلق بتبادل العملات الوطنية بين البنوك المركزية) مع بلدان أخرى، وبحلول أوائل سبتمبر 2015م تكون الصين قد أبرمت 33 معاهدة تبادل عملة جيدة، وبلغت القيمة الإجمالية لحدود هذه الاتفاقات بالعملة الصينية 3.16 تريليون يوان.

أصدرت شركات محلية في ماليزيا في أواسط 2014م سندات بالعملة الصينية بقيمة 4.4 مليار يوان بهدف رفع المكانة الدولية لليوان.

وترتبط بتدويل اليوان قضية أخرى، هي خلق الصين لمراكز المقاصة فيما وراء البحار «مراكز اليوان»، وهي نوع من المحطات التي يستطيع غير المقيمين الحصول على العملة الصينية من خلالها، كذا تشكيلة متنوعة من الأدوات المالية المُقومة بها. وتقوم تلك المراكز بالإشراف على المدفوعات والتسويات باليوان مع الشركات والبنوك الصينية، بما فيها خدمات المقاصة. ويتم تخويل البنوك الصينية الرائدة القيام بخدمات مراكز اليوان من خلال فروعها ومكاتبها في البلدان الأخرى.

وبحلول أوائل 2016م كان هناك عشرون مركز يوان في الخدمة أو مُقرر فتحه، ويعمل أكبرها حاليًا في هونج كونج وسنغافورة وتايوان وسيول ولندن وفرانكفورت وباريس ولوكسمبورج.

وهناك مشروعات طموحة لرفع المكانة الدولية لليوان في بلد تلو الآخر. وعلى سبيل المثال، أصدرت شركات محلية في ماليزيا في أواسط 2014م سندات بالعملة الصينية بقيمة 4.4 مليار يوان.

كذا كانت الأحداث التي جرت في أكتوبر 2015م في لندن أكثر إثارة، فقد عرض بنك الشعب الصيني PBoC سندات مدتها سنة واحدة مُقومة بالعملة الصينية للبيع في بورصة هذا المركز المالي الدولي، وكان الدين على هذه السندات يبلغ خمسة مليارات يوان (787 مليون دولار)، لكن عروض الشراء وصلت لستة أضعاف هذا المبلغ، حيث بلغت 30 مليار يوان (4.4 مليار دولار). وكان البنك الصناعي والتجاري الصيني والبنك البريطاني HSBC المُنسقين الرئيسيين لبيع الدين، كما كان مشاركًا في الصفقة البنوك الصينية: ABC وبنك الصين وبنك الاتصالات وبنك التعمير الصيني CCB، والبنك الإنجليزي ستاندرد تشارترد.


اليوان ليس جزءًا من التعاملات مع أطراف ثالثة

في وقت مبكر من العام الماضي، ذكرت صحيفة الفايناشيال نيوز التي يملكها بنك الشعب الصيني، أنه في عام 2014م بلغت المدفوعات العابرة للحدود بالعملة الصينية 9.95 تريليون يوان (1.6 مليار دولار). وكانت التجارة الخارجية للصين في هذا العام قد بلغت 26.34 تريليون يوان (صادرات وواردات)، ووفقًا للبيانات الرسمية الصينية، كانت نسبة 25% من التجارة الخارجية الصينية عام 2014م قد تمت باليوان. كما تم إقحام اليورو أيضًا في بعض صفقات الصين العابرة للحدود، كتبادل الاستثمارات والتحويلات المالية وتوزيعات الأرباح والدخول من الاستثمارات الأخرى … إلخ.

وبعبارة أخرى، يلعب اليوان دور العملة الدولية للصين فقط في علاقاتها الثنائية مع البلدان الأخرى، أولًا مع جيرانها الآسيويين، وثانيًا مع دول أميركا اللاتينية، وثالثًا مع البلدان الأوربية (خصوصًا تلك التي ليست ضمن الاتحاد الأوربي). ويكاد ألا يكون قد اُستُخدم أبدًا مع بعض من أكبر شركاء الصين التجاريين، كالولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال.

ولا يزال استخدام اليوان في العلاقات التجارية والاقتصادية مع أطراف ثالثة أمرًا شاذًا جدًا، ووفقًا لتقديراتنا، لا يتجاوز هذا النوع من الصفقات الخارجية التي تتم باليوان واحدًا بالمئة (أو 2 : 3% على أقصى تقدير) من إجمالي صفقات الصين الخارجية باليوان، ما يتناقض بشكل صارخ مع دور الدولار العالمي: حيث يتم تداول حوالي ثلثي المعروض منه خارج بلده الأصلي (الولايات المتحدة) في صفقات بين كيانات قانونية وأفراد في بلدان أخرى.

ولهذا لا ينبغي المبالغة في تقدير نطاق المعاملات الخارجية عبر مراكز اليوان، فالغالبية العظمى من اليوان الموجود هناك موجود بصفة ودائع مصرفية، ووفقًا لبنك الشعب الصيني، كان هناك بنهاية عام 2013م حوالي 1.5 تريليون من اليوانات العابرة للحدود في صورة ودائع. لكن بعض الخبراء يزعمون أنها قد نمت إلى 2.8 : 3 تريليون يوان بنهاية عام 2015م، ووفقًا لتقديرات مختلفة، فإن من 80% إلى 90% من كافة إيداعات اليوان العابر للحدود تتركّز في هونج كونج وتايوان وسنغافورة، حتى أن بعض الخبراء الصناعيين سمّوا هذه المراكز “محافظات الصين المالية”، أما المراكز الأخرى التي تكدّس اليوانات العابرة للحدود فهي لندن وفرانكفورت ولوكسمبورج، وبمقارنة تلك الإيداعات باليوان العابر للحدود بالإيداعات في البنوك الصينية، نجد أنه وفقًا لبنك الشعب الصيني بلغت الإيداعات بالبنوك الصينية تقريبًا 100 تريليون يوان؛ وهكذا فالنسبية بين الإيداعات باليوان العابرة للحدود والإيداعات الداخلية تتراوح ما بين 1.5 و 3%. ولو نظرنا فقط للإيداعات الخارجية خارج «المحافظات المالية» (هونج كونج وتايوان وسنغافورة) فإن تلك النسبة تتقلص لأقل من 1%.

ولمزيد من الاستنارة حول مدى تواضع تدويل اليوان في حسابات الودائع، تكفي المقارنة بالدولار الأمريكي، الذي تبلغ الودائع من “ورقته الخضراء” خارج الولايات المتحدة حوالي 30% من إيداعات الدولار داخل الولايات المتحدة.


هل لدى بكين سياسة نقدية طويلة الأجل؟

من المدهش أن إحدى العقبات أمام تدويل اليوان هي فائضه التجاري، فالصين تحتفظ بثبات، بل وتعمّق، ميزانها التجاري الإيجابي، ففي عام 2014م كان ذلك الفائض يساوي 384 مليار دولار، وبحلول عام 2015م وصل لمستوى 594.5 مليار دولار.

ومع هذا الميزان التجاري، لا يمكن أن يكون اليوان عملة احتياطية بالأمر الواقع، فلا يمكن أن تتدفق كمية كبيرة من اليوان إلا بميزان تجاري سلبي مع الخارج، كمية تستخدمها بكين في مدفوعاتها لتغطية عجزها التجاري، فهذا بالضبط ما كانت الولايات المتحدة تفعله لكثير من السنوات، ويسلم كثير من الاقتصاديين اليوم أن ثمن كون الدولار عملة دولية كان تقلص التصنيع بأميركا.

وإذا أخذنا بتصريحات بعض السياسيين والاقتصاديين الصينيين، بخصوص هدف تحويل اليوان لعملة دولية، فإن مزيجًا من الطريقتين التاليتين قد يُستخدم:

  1. أن يتحول الميزان التجاري من إيجابي لسلبي.
  2. أن يتسارع تدفق رأس المال الأجنبي لداخل الصين.

فعند هذه النقطة سيضمن اليوان سعر صرف ملائم، وستنفق الصين اليوانات المحلية على الواردات؛ وستتراكم مخزونات من العملة الصينية بسرعة خارج الصين.

لكن حتى مع هذا السيناريو لن يصبح اليوان عملة احتياطي دولي أو وسيلة مدفوعات عالمية حقيقية، وإنما ستكون عملة دولية محدودة الفعالية، حيث سيدور اليوان بين الصين والبلدان الأخرى: فيسافر خارجًا من الصين إلى البلد الأجنبي ليدفع مقابل الواردات، ويسافر خارجًا من البلد الأجنبي إلى الصين للاستثمار.

ومع ذلك، فإن مأزق اليوان كعملة دولية محصورة لن يستمر طويلًا، فبمجرد أن يتم نزع الدسم من أصول الاقتصاد الصيني؛ ستنحسر مصالح غير المقيمين في اليوان، وبعد أن تقضي قليل من الوقت في مدارها الدولي، ستذهب عملة الصين فجأة في سقوط حر.


فما هو الدرس المُستفاد هنا؟

لا يزال استخدام اليوان في العلاقات التجارية والاقتصادية مع أطراف ثالثة أمرًا شاذًا جدًا ولا يتجاوز واحد بالمئة من إجمالي صفقات الصين الخارجية باليوان.

إذا ما تم السيناريو السابق؛ فستفقد الصين سيادتها على اقتصادها؛ حيث سيصادر رأس المال الأجنبي أصولها، ولن تكون الصين قادرة على استعادة مكانتها المفقودة كمُصدّر دولي، ولن تكون هناك معجزة اقتصادية صينية ثانية؛ لأن هذا كان من البداية بمساعدة الغرب، نفس الغرب الذي لديه الآن خطط أخرى، ليس لصين قوية أي وجود فيها.

لكن لم يفت بعد أوان أن تنتبه الصين للفخاخ التي تنتظرها إذا حاولت تحويل عملتها من عملة وطنية لعملة عالمية بالتشبّه بالولايات المتحدة الأمريكية.