(القصص التالية حقيقية ببعض التصرف)

طرقات عنيفة على الشباك لها وقعٌ سينمائي مخيف في هذا الظلام الحالك بعد منتصف الليل في تلك القرية الكائنة في أحد مراكز (الصعيد الجوّاني). هبَّ الطبيب (ع.هـ) من سريره مضطربًا متجهًا نحو الشباك، يسبقه قلبه الذي شرع في ماراثون محموم من الجري في المكان. نادى على الطارق بصوتٍ حاول ألا يكون مرتعدًا للغاية، فوجئ بصوتٍ يعرفه جيدًا لأحد سكان القرية الذي اعتبر الطبيب القادم من (بحري) صديقًا له منذ أن وطئت أقدامه تلك القرية التي تبعد عن مدينته 600 كم، والتي كان يقضي فترة التكليف في وحدتها الصحية. 

أخبره الطارق بأن معه مريضًا بحاجةٍ إلى استشارةٍ طبية! سأله الطبيب بنبرةٍ حاول كثيرًا أن يخفي ما فيها من الكثير من الغضب والاحتقار عن سبب عدم انتظاره إلى الصباح لحين فتح أبواب الوحدة. لكن إذا عُرِف السبب بطل العجب، فقد كان المريض مطلوبًا أمنيًّا على أعلى مستوى، ارتكب كافة أنواع الجنايات المتاحة في الصعيد، ولا ينزل من الجبل الذي يختبئ به إلا مستترًا بالليل، ولسببٍ قاهر، كان هذا السبب هو خُرَّاجًا صديديًّا في إحدى المناطق الحساسة في جسمه، وعلى الطبيب الذي لم يتخصَّص بعد – وليس جراحًا بالطبع – أن يفتح هذا الخراج، وإلا … أما كيف مرَّت هذه الليلة، فما يعنينا أن الطبيب قد عاد سالمًا إلى بلده بعد أشهر، وفي هذا جواب عن السؤال حول نجاح العملية الليلية.

والآن ننتقل إلى الطبيب (ك.م) والذي كان سعيدًا لأن توزيعه في التكليف جاء في محافظة ساحلية شهيرة، تتمتع بروعة شواطئها، رغم بعدها الكبير عن محل إقامته. طوال الرحلة التي استغرقت في الأتوبيس 7 ساعات، أخذ يتخيل مشهد البحر من إحدى شرفات الوحدة الصحية التي سيعمل بها، ومدى روعة النسيم البحري العليل الذي سيتنفسه صباحَ مساء، والذي سيرفع روحه المعنوية إلى سُدُم المجرات البعيدة، فيتشجَّع لإتمام مذاكرة الامتحان التحضيري للمعادلة الأجنبية التي يريد إتمامها لكي (يخلع) من مصر، وفق التعبير الذي كان يحب استخدامه كثيرًا، لكن كان للواقع رأي آخر خلعهُ خلعًا من عالم الأحلام والأماني.

وُزِّع في وحدةٍ صحية تابعة لإحدى المراكز الداخلية في المحافظة، والتي تقع في قلب الصحراء وتبعد عن البحر أكثر من 15 كم. وفرَّ النوم من عينيهِ جُلَّ شهور إقامته، حيث لم تعتدْ أذناه على وقع أصوات تبادل إطلاق النار بين المهربين والسلطات في تلك المنطقة، والتي تتكرر بشكلٍ شبه يومي، وإذا نام، فبربع ملء جفونه بالكاد، فباب السكن الذي يبيت فيه لا يغلقه سوى مسمارٍ صدئ مثني، يحاول أن يكون ترباسًا، كما حاول هو طوال تلك الشهور العصبية أن يكون طبيبًا .. وإنسانًا طبيعيًّا. لحسن الحظ، مرت شهور التكليف، وسنواتٍ بعدها، وتخصَّص في مجالٍ لا يحبه، لكن لحسن حظه لا يكرهه، وما زال يحاول أن يجد الوقت، والمال الكافي بالعملة الصعبة، لإتمام امتحانات المعادلة الأجنبية، قبل أن (يخلع) الشعر الأسود من رأسه من جرَّاء مطاردة الشعر الأبيض الغازي.

أما الطبيبة (س.ص) وإحدى زميلاتها في مرحلة التكليف في الصعيد، فلم يُنهيَا تلك المرحلة من حياتيْهما أبدًا، فقد انتهت حياتيْهما نفسها في حادثٍ مروري أليم في صباح يومٍ غائمٍ ماطر، بينما كانتا تتجهان للحضور الإجباري لمؤتمر بالقاهرة تحت إشراف وزارة الصحة.

هل بالغ مسلسل «بالطو»، أم بالغ في عدم المبالغة لكيلا يُتَّهَم بالمبالغة؟

أثار عرض الحلقات الأولى من مسلسل «بالطو» على تطبيق Watchit الكثير من الجدل في أوساط مواقع التواصل الاجتماعي والصحف المصرية، والتي وصلتْ إلى حد تهديد بعض المحامين القاطنين في مركز مطوبس بمحافظة كفر الشيخ -الذي تدور أحداث المسلسل في إحدى القرى المُتخيَّلة التابعة له- برفع قضية على المسلسل، بينما قدَّم أحد نواب البرلمان عن مطوبس بيانًا عاجلًا إلى المجلس احتجاجًا على ما وصفه (بتنمر) مسلسل بالطو وإساءته لمركز مطوبس وسكانه، والمبالغة في إظهار كأنه بعيد عن العمران والحياة.

أما ردود أفعال الأطباء فتباينت كثيرًا. فعلى جانب، كان هناك معجبون بالمسلسل الخفيف الذي كتبه طبيب زميل هو أحمد عاطف فياض، والذي أثار حمية ذكرياتهم، فاندفع العشرات منهم يكتبون في منشورات متتابعة قصصهم ومغامراتهم الشيقة أثناء فترة التكليف، بينما في الجانب الآخر اتهم الكثيرون طاقم عمل المسلسل بالمبالغة، وأبدوْا امتعاضهم من إظهار الطبيب بطل المسلسل في سمتٍ ضعيفٍ متردِّدٍ مهزوز، يسخر منه موظفو الوحدة والممرضات، ويتندَّر عليه بعض أهل القرية، كما تعجَّبوا من (التشطيب) الفاخر للوحدة الصحية في المسلسل، والذي يباري المشافي الخاصة، وعدم الإشارة من قريبٍ أو من بعيد إلى نقص المستلزمات والإمكانات الطبية المتاحة لأطباء التكليف في العديد من المناطق، بالنظر إلى المهام التي ينتظرها المجتمع منهم.

أما السواد الأعظم من المشاهدين كما ظهر في تعليقاتٍ عديدة على مواقع التواصل، فرأوا فيه مسلسلًا كوميديًّا خفيفًا، وأن المواقف الغريبة التي يتعرض لها الطبيب الشاب بطل العمل هي في أكثرها مبالغات درامية لتصنع المفارقة، وتناسب الكوميديا، وتنتزع الضحكات (لا أعرف ماذا سيكون رد فعل من يرون مبالغاتٍ هائلة في تفاصيل وأحداث حياة طبيب التكليف الذي قدَّمه المسلسل، إذا شاهدوا مسلسلًا واقعيًّا عن حياة نائب جونيور – طبيب مقيم حديث – في السنة الأولى من التخصص، يعمل لـ  24 أو 48 ساعة أو أكثر بشكلٍ متواصل في مستشفى جامعي أو عام شديد الازدحام، ويتعارك مع نقص الإمكانيات، والإجهاد، وحدود الطاقة البشرية الجسدية والنفسية، وتحكم (السناير) الأقدم منه سنًّا وخبرة، وتحميلهم له بأعباء إضافية بحق وبغير حق، وأقرباء المرضى المتحفزين بقبضات فولاذية وحناجر مسنونة …).

اقرأ: هل يمكن لشباب الأطباء تجنب السكتة القلبية؟

اقرأ:  الطبيب «هشام الوالي»: قربان جديد على مذبح الطب المصري

مبالغات ومغامرات التكليف الواقعية

المفارقة الحقيقية في رأيي في النقاش الدائر حول مسلسل «بالطو»، ومن واقع خبرات فترة التكليف التي عايشتها، وعرفتها من معارف وزملاء كثيرين في الوسط الطبي، فمسلسل «بالطو» كان واقعيًّا للغاية، بل كان للسياق الكوميدي أن يسمح له بأضعاف مضاعفة من المبالغة إن أراد، ولكنه لم يفعل هذا (قارنه مثلًا بشخصية طبيب الوحدة الأشهر في مصر، دكتور ربيع، في مسلسل «الكبير» الذي ابتلع الجميع، وفي القلب منهم الكثير من الأطباء، مبالغاتٍ ساخرة مهينة جدًّا للأطباء تجسَّدت في هذا الشخص الذي كان يتعرض للعقاب بمسك السلك الكهربي عريان في كل جزء من «الكبير» جزاءً على إهماله الطبي، في تعزيز للفكرة المنكرة في لا وعي المصريين عن الحق في معاقبة الطبيب بشكلٍ مباشر إذا رآه المريض أو ذووه مهملًا من وجهة نظرهم، أو ليس في كامل فورمة الأدب والذوق واللياقة).

وإليكم قائمة سريعة ببعض حقائق ووقائع مررت بها أو مرَّ بها زملاء كثيرون في التكليف.

  • في المجمل باستثناءات قليلة، تعتبر فترة التكليف فترة إجبارية ضائعة، لا يتدرب فيها الطبيب على تخصص – فهو قادم للتو من فترة الامتياز التي تعقب نهاية الدراسة ولم يتخصص بعد –  أو يشعر بتطور في أدائه الطبي أو المعرفي، اللهم إلا بعض الخبرات الإدارية، ومهارات التواصل مع شرائح اجتماعية مختلفة، وسرعة كتابة الروشتات. وتتباين مدة التكليف وفق اعتباراتٍ عديدة، بين بضعة أشهر فحسب لأصحاب المجموع الكبير الذي ضمن لهم مكانًا للتعيين والتدريب في الجامعة (نيابة الجامعة كما تسمى شعبيًّا)، أو ضعف هذه المدة أو أكثر، لزملائهم المنتظرين للفرص التدريبية الأخرى لوزارة الصحة. وتختلف المدة أيضًا حسب العجز أو الوفرة في الوحدات المختلفة.
  • الكثير من أطباء التكليف، لا سيما في الأسابيع الأولى، يكونون مرتبكين بالفعل، لأن هذا هو احتكاكهم الأول من موقع المسئولية مع المرضى وفرق العمل، ويزداد هذا لدى الشخصية السائدة في الأطباء عمومًا، وهي شخصية المثالي المجتهد، الذي يقضي الساعات الطوال في المذاكرة و(الراوندات) والمحاضرات، ولا يحتك كثيرًا بالمجتمع والأصناف المختلفة من البشر. ولذا، فلم أرَ مبالغة في أداء طبيب (بالطو) الذي جسَّد تلك الحالة من الارتباك، ومثالية الخبرة الناقصة، وحسن الظن المفرط في الآخرين.
  • مرتب طبيب التكليف –  إن حدثت المعجزة ولم تذهب به الخصومات والجزاءات الكثيرة – ورغم تحسنه رقميًّا خلال السنوات الأخيرة، فإنه يظل مبلغًا هزيلًا، ولا يمكن لطبيبٍ الاعتماد عليه في مصاريفه لأكثر من أسبوع أو 10 أيام. أتذكر أن راتبي في التكليف منذ 9 أعوام كان يلامس الألف جنيه (150 دولارًا بسعر الصرف إبانها)، وحاليًّا رواتب معظم أطباء التكليف لا تجاوز 120-150 دولارًا بحال (بسعر صرف يوم كتابة تلك السطور)، باستثناء بعض من ينفذون التكليف من مناطق نائية، ويحصلون على حافز إضافي (ليس بالغ الضخامة حتى لا يسرح القارئ بخياله كثيرًا).
  • طبيب التكليف كالريشة في مهب الريح، فيمكن أن يمر عليه، ويوقع عليه جزاءً، موظفٌ بالإدارة أو المديرية الصحية، أو موظف في المحليات، أو من المحافظة … إلخ.
  • هناك تباين شديد في ظروف أطباء التكليف، فالبعض يكون في ظروف تشبه المُجنَّدين إجباريًّا في وحداتٍ عسكرية متطرفة، ويضطرون لركوب أربع أو خمس مواصلات مختلفة، بعضها مبتكر مثل ظهور الحيوانات، أو عربات الكارو، أو خلف سائق موتوسيكل، أو على ظهر عربة نقل أو معدية خشبية على قناة أو ترعة … إلخ للوصول إلى الوحدة. بينما البعض قد يكون تكليفهم في الشارع المجاور لمنزلهم (حسب المجموع التراكمي والواسطة والعلاقات والصدفة، وهناك ميزة نسبية في التوزيع الجغرافي للطبيبات المتزوجات)، وآخرون قد يُوزَّعون – أو يختارون – منطقة نائية لكنها سياحية مثل جنوب سيناء، يكون ضغط العمل فيها قليلًا، ويتمكنون من العمل الخاص – البرايفت – في بعض الفنادق أو القرى السياحية القريبة لتحسين الدخل … إلخ، ويجدون الوقت للمذاكرة وتحضير معادلة أجنبية مثلًا. 
  • على ذكر التباين، فرغم تجديد مباني وتشطيب وتأثيث العديد من الوحدات الصحية، فليس هذا هو القاعدة (وهذا سر تعجب غالبية الأطباء من الحالة الممتازة للوحدة التي ظهرت في المسلسل)  فإن الكثير من أطباء التكليف اشتكوا من أنهم خدموا في وحداتٍ متردية، سيئة التجهيز، لا سيَّما سكن الطبيب الذي لا يُعنى به كثيرًا في غالب الأحيان لأنه ليس في الواجهة أمام المترددين على الوحدة. ويعتبر سكن طبيب (بالطو) جيدًا للغاية مقارنة بالمتوسط العام للوحدات الصحية، فهناك قصص لزملاء طاردوا فئرانًا وعقاربَ في سكن وحدتهم، وآخرين كانوا يذهبون إلى قضاء الحاجة في المساجد القريبة تقززًا من حالة حمام السكن … إلخ. 
  • يمكن بسهولة أن يجد طبيب التكليف نفسه وحيدًا شريدًا في الوحدة الصحية، وقد أصبح مديرها المسئول عنها طبيًّا وإداريًّا، بل نتيجة العجز المتزايد في الأطباء – لميل الآلاف للاستقالة وعدم استلام التكليف سنويًّا، والهجرة مباشرة للخارج لأمريكا أو لإنجلترا أو ألمانيا … إلخ – وجد بعض زملائي أنفسَهم وقد أصبحوا أثناء التكليف مديرين لوحدة أو اثنتين إلى جوار الوحدة الأصلية الموزَّعين بها! في المقابل، هناك بعض الوحدات الصحية ذات الموقع الجيد الجذاب كالقرب من المدن، قد يكون فيها 10 أطباء بشريين أو أكثر، قد لا يحتاج أي منهم سوى للعمل لساعتين أسبوعيًّا (رغم الاضطرار أحيانًا  للحضور يوميًّا للتوقيع في الدفتر حضورًا وانصرافًا، إلا لو كان موظف الدفتر راضيًا عن الأطباء ومتفاهمًا، فيمضي باسمهم ويغطي غيابهم بحيلٍ إدارية معروفة مثل خطوط السير … إلخ).
  • موظفو وتمريض الوحدات بالفعل يعرفون كل كبيرة وصغيرة إدارية وغير إدارية، لأن بعضهم قد يكون عاملًا في ذلك المكان لعشرة أو لعشرين عامًا أو أكثر، ويرون في أطباء التكليف ضيوفًا طارئين لأشهر قليلة في معظم الحالات، ولذا يميلون للسخرية من هؤلاء الأطباء الجدد قليلي الخبرة، وقد يورطونهم في مشاكل إدارية خطيرة نتيجة تخبط طبيب التكليف ونقص معرفته بالدهاليز و(المزانق) الإدارية … إلخ. في المقابل، فهناك موظفون آخرون في غاية الاحترام، يحرصون على التعاون مع الطبيب، وتسهيل مهمته.
  • نتيجة العشوائية في المنظومة الصحية، وسوء توزيع الخدمات الصحية (مناطق حضرية بها خدمات قوية كمًّا وكيفًا، ومناطق بعيدة محرومة من الحد الأدنى) لا يعرف أكثر المصريين أن الوحدات الصحية ليست سوى وحدات رعاية صحية أولية، للعيادات والتوعية الصحية وتنظيم الأسرة وتقارير الوفاة … إلخ، لكن لا يمكنها التعامل مع الحالات الطبية الخطيرة والمعقدة، وأن قصارى ما يمكن لطبيب الوحدة فعله هو تحويل الحالة إلى مستشفى كبير. ولذا، فقد يجد طبيب التكليف نفسه مضطرًّا للتعامل مع حالة فوقَ إمكاناته ومهاراته الطبية وموارد المكان، وعليه التصرف، أو خوض المواجهة مع المرضى وذويهم.

 تشاجر طبيب تكليف أعرفه مع أهل طفل أصيب بتشنجات، وأحضروه إلى الوحدة الخالية من أية أدوية مضادة للتشنجات، أو إمكانات إسعافية حقيقة للتعامل مع حالة متدهورة، حيث أخبرهم الطبيب فورًا بضرورة الإسراع به إلى المستشفى الجامعي (على بعد ربع ساعة) فصاحوا مستنكرين: (واحنا جينا هنا ليه بقى! وانت لازمتك ايه بقى في الوحدة طالما مش هتسعفنا!)، وبالطبع لم يجد ردًّا على السؤال. ورغم عدم جاهزية الوحدات للحالات الطارئة، فإن أطباء التكليف يوزَّعون فيها نوبتجيات وسهرات، في الأعم الأغلب لا يقدمون فيها خدمة صحية حقيقية، ويتعرضون للجزاءات إن لم يلتزموا بالتواجد فيها.

  • بالفعل، كما ظهر في المسلسل، يحارب المرضى المترددون على عيادات الوحدات الصحية من أجل أن يظفروا بغنيمتهم وهي صرف الأدوية، ويجادلون الطبيب كثيرًا لإحراجه لصرف المزيد (طب ده أنا ساعات بكح، اكتب لي مقوي، اكتب لي منشط، جسمي كله بيوجعني، الدوا الفلاني بيريحني، الدوا العلاني هو اللي فرق معايا، هو انت بتصرف الدوا من جيبك! هو انت مستخسر فينا الدوا؟ إلخ)، ويحبون بشكل خاص صرف المضادات الحيوية، لأن بعضهم يعطونها للحيوانات التي يربونها في الأرياف. تشعر كطبيب تكليف أن بعض هؤلاء المرضى يشعرون بأنهم بذلك يحصلون على مقابل بسيط مما يرونه ظلمًا اجتماعيًّا واقعًا عليهم (خلينا  ناخد شوية من حقنا عند الحكومة يا دكتور، كما قال لي أحدهم نصًّا).

لعلَّ وجه المبالغة الذي لم أستسغه في المسلسل حتى الآن هو طبيب الأسنان الذي (واخدها عافية بالدراع) كما يصف التعبير الدارج، فأنا في حياتي لم أرَ طبيبَ أسنان بمثل تلك (السرسجة) ولا بتلك البنية العضلية التي لا تصلح في الطب إلا لقلة من جراحي العظام الذي يقومون برد كتف المريض المخلوع على البارد في إحدى زوايا غرفة الاستقبال في مستشفى طوارئ عام شديد الازدحام، على خلفية شنيعة من صرخات الألم. بل حتى شخصية المشعوذ – التي تمثلَّت في الشيخ مرزوق – حلال المشاكل، والذي يفِد إليه الناس من كلِّ حدبٍ وصوب، ويغدقون عليه الأموال ليحقق لهم ما يبتغون، هي شخصية منتشرة في المجتمع المصري بين مختلف الطبقات، وكثيرًا ما سلَّطت الأعمال الفنية الأضواء عليها.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.