«أفضل من أبو تريكة». جملة بات من المعتاد سماعها عقب كل مباراة يتألق فيها أحمد السيد زيزو نجم نادي الزمالك، وأحد أهم لاعبي الكرة المصرية المحلية حاليًا-إن لم يكن الأهم.

فهل يبالغ جمهور الزمالك في عقد مثل هكذا مقارنة كما يعتقد جمهور الأهلي؟

مقارنة زيزو بتريكة هي مقارنة متعددة الأوجه، فليست هذه المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي يقارن فيها جمهور نادي الزمالك أحد لاعبيه بالنجم الأبرز للنادي الأهلي وللكرة المصرية في العقدين الأخيرين.

المقارنة مع تريكة سلاح فعال تشهره جماهير الزمالك في وجه جمهور الأهلي بين الحين والآخر، في خضم حرب السوشيال ميديا التي لا تهدأ بين الجمهورين. فبمجرد وضع اسم أبو تريكة في جملة واحدة مع أحد لاعبي الزمالك يستشيط جمهور الأهلي غضبًا، وهو ما يفعله جمهور الأهلي بنفس الطريقة أو بأخرى.

لكن الوجه الأهم في هذه المقارنة بعيدًا عن مهاترات جمهور الفريقين، هو جدوى مقارنة أحد اللاعبين الحاليين مع أي من نجوم الجيل الذهبي للكرة المصرية. فعلى مدار العقد الماضي أُصيب جمهور الكرة المصرية بخيبات متتالية، كلما قارنوا أحد اللاعبين الحاليين بنجم مثل تريكة أو غيره، حتى بات المشجعون متيقنين من أن خلل ما أصاب جودة لاعبي الكرة في مصر، وأصبحت مثل هكذا مقارنات من المحرمات.

لكن ماذا عن زيزو؟ هل لا توجد نقطة ما يلتقي فيها زيزو مع هؤلاء النجوم ، لتميل الكفة ولو مرة في اتجاه اللاعبين الحاليين؟

بداية عادية مضمونًا وشكلاً

لنجيب على السؤال الذي طرحناه في الأعلى، لا بد من أن نتتبع خطوات زيزو منذ أن بدأ يمارس كرة القدم. فالغالبية العظمى من النجوم التي عايشناها سواء كانوا في الداخل أو الخارج، يشتركوا في قصص المعاناة التي خاضوها في صغرهم حتى يتمكنوا من ممارسة كرة القدم.

أبو تريكة نفسه وقصة عمله صغيرًا في مصانع الطوب إلى سن 17 عامًا تقريبًا، كانت إحدى القصص الملهمة التي حاول اللاعبون في ما بعد أن يحكوا قصصًا مشابهة لها عند وضعهم في جملة مفيدة مع تريكة، لكن زيزو لم يحظ بقصة مُثيرة كتلك، وهي أول الاختلافات التي نجدها عند الإجابة على سؤالنا.

بدأ زيزو مسيرته الرياضية مع نادي المقاولون العرب، قبل أن يلتحق بأكاديمية «GMG» التابعة لنادي وادي دجلة. غادر زيزو وقتها عائلته في المنيا وهو في العاشرة فقط من عمرة، ليقضي 7 سنوات بعد ذلك بمفرده في الأكاديمية.

ورغم توفر الإمكانيات فإنه ظلّ 5 سنوات يتدرب حافيًا كنظام الأكاديمية، التي كان لا يخوض بها منافسات محلية أو بطولات دوري الناشئين لعدم خوض فريق الأكاديمية لهذه البطولات.

وفي عامه الـ17، رحل زيزو إلى أوروبا عام 2013، حيث كان بين مجموعة مكونة من 8 لاعبين انتقلوا من الأكاديمية إلى ليرس البلجيكي التابع لمالك وادي دجلة حينها ماجد سامي، وهناك خاض أول مباراة رسمية بعدما تم تصعيده للفريق الأول ليكون أساسيًا بصفوفه.

وبعدما أصبح لاعبًا أساسيًا بصفوف ليرس، حظيّ زيزو بفرصة تمثيل المنتخب الوطني للشباب، وتمت إعارته لصفوف نادي ناسيونال ماديرا البرتغالي بالنصف الثاني من موسم 2016-2017 قبل أن يعود بعد 6 أشهر لليرس الذي باعه لنادي موريرينسي البرتغالي.

إذًا قصة زيزو إلى الآن قصة عادية مضمونًا وشكلاً، حتى وإن كان فيها بعض الصعاب فإنها ليست بصعوبة العمل في مصانع الطوب، أو التذلل في اختبارات الأندية للناشئين للحصول على فرصة للعب كرة القدم، أو تحمل مسؤولية إعالة أسرة كاملة بجانب ممارسة كرة القدم، لكنها لا تكفي للتدليل على إمكانية مقارنة زيزو بنجم مثل تريكة من عدمها.

السبب بكل بساطة هو وجود عشرات اللاعبين الذين خرجوا علينا في الشاشات ليقصوا لنا معاناتهم حتى وصلوا لفرق مثل الأهلي والزمالك، ولكنهم سرعان ما اختفوا عن الأضواء.

ولكنها تعطي لنا أفقًا أوسع لنتوسع في البحث عن إمكانية مقارنة اللاعبين الجيدين الحاليين باللاعبين الجيدين السابقين، وبالتبعية إمكانية مقارنة زيزو بتريكة. لنتابع.

معضلة عالمية

بإلقاء نظرة على الوضع عالميًا، نجد أنه في كأس العالم 2018 في روسيا، غادر كل من كريستيانو رونالدو (33 عامًا) وليونيل ميسي (31 عامًا) حينها البطولة مبكرًا ، حيث تم إقصاء البرتغال والأرجنتين في دور الـ16.

وفقًا ل «سيمون جليف »من شركة «Gracenote Sports» لتحليل بيانات، وصل 17 فريقًا إلى البطولة بمتوسط ​​عمر 28 عامًا أو أكثر، وهي النقطة التي يبدأ عندها اللاعبون في معظم المراكز في التراجع من ذروة مستواهم. لم يصل أي من تلك البلدان إلى الدور نصف النهائي. الفريقان الفرنسي والإنجليزي اللذان تأهلا إلى الدور ربع النهائي كان كلاهما من الشباب بشكل ملحوظ، بمتوسط ​​عمر 26 عامًا.

ومع ذلك، فإن مجموعة من المؤشرات تشير إلى أن اللاعبين الواعدين اليوم قد يكونون أقل جودة من الأجيال السابقة. أحد المقاييس الشائعة لقيمة لاعبي كرة القدم هو جائزة الكرة الذهبية «Ballon d’Or»، والتي تُمنح بناءً على التصويت من قبل المراسلين، وعلى الرغم من اللغط الذي يدور حول معيار الفوز بالجائزة، فإنه عندما يتعلق الأمر بالعمر، فإن الأمور ليست كما كانت عليه من قبل.

ففي السنوات الخمس الماضية ، كان 17% فقط من اللاعبين الذين وصلوا إلى قائمة أفضل 20 لاعبًا سنويًا تقل أعمارهم عن 24 عامًا في بداية العام التقويمي. ولكن، بين عامي 2004 و2008 ، ذهب 32% من الترشيحات لهؤلاء اللاعبين، بمن فيهم ميسي ورونالدو. ويبلغ متوسط ​​عمر مرشح الكرة الذهبية اليوم 27 عامًا وأربعة أشهر في بداية السنة التقويمية ، مقارنة بـ26 عامًا وثلاثة أشهر قبل عقد من الزمن.

هناك ثلاثة تفسيرات محتملة لهذا الاتجاه. الأول هو أن الصحفيين أصبحوا أقل افتتانًا بالشباب. والثاني هو أن العلوم الطبية قد أطالت أمد مسيرة اللاعبين الكروية، مما يعني أن اللاعبين الناشئين بالأمس يمكن أن يظلوا في ذروتهم لفترة أطول، والثالث أن هناك نقصًا في جودة المواهب الحالية.

وجدت شركة «21st Club»، وهي شركة استشارية لكرة القدم، دليلاً يدعم الفرضية الثالثة. حيث طورت الشركة نظام تصنيف يحدد مقدار مساهمة اللاعب في الفريق بناءً على القوة الإجمالية لفريقه ، ونصيبه من وقت اللعب، ومركزه، وأهدافه.

تؤكد هذه التقييمات أن معظم أفضل لاعبي العالم هم بالفعل أكبر من 28 عامًا، قد يعتقد المشجعون أن السعي لتحقيق بطولات النخبة في أوروبا هو السبب، حيث يشعر المدربون بالضغط للفوز بأي ثمن، بدلاً من رعاية لاعبي الأكاديمية. ومع ذلك فإن حصة الدقائق التي لعبها اللاعبون تحت 23 عامًا كانت ثابتة في معظم المسابقات المحلية خلال العقد الماضي.

مش مجذوب ومش نبي

بإسقاط الوضع العالمي على المحلي، نجد أن الوضع في مصر أكثر سوءًا مما يظن البعض، فمنذ عام 2010 ومع انتهاء الجيل الذهبي، والفشل في تكرار تجربة إنتاج جيل ذهبي جديد، بدأنا نحصل على نتائج طبيعية لانعدام المنظومة، والتخبط الإداري، والنتيجة كانت لاعبين غير ناضجين، يفشل معظمهم في تطبيق أساسيات كرة القدم.

بالعودة إلى زيزو، نجد أنه وعلى الرغم من كل ما ذكرناه سالفًا، وبالتحديد من قلة جودة اللاعبين الحاليين مقارنة بالسابقين، فإنه منذ انضمامه للزمالك في الانتقالات الشتوية في شهر يناير من عام 2019، يخرج فائزًا في كل مرة يكون فيها الرهان على خسارته.

كان التشكيك الأول في زيزو منذ أن وطأت قدماه أرض الزمالك أنه جناح تقليدي، لا يجيد سوى الركض على طرف الملعب، وإرسال العرضيات، ليتحول زيزو في مدة قصيرة جدًا من هذا الجناح التقليدي، للاعب أكثر كفاءة على المرمى، وأفضل لاعبي الدوري في الضربات الثابتة.

 والتخوف الثاني كان بلا شك هو ضعف معدله التهديفي، ومساهمته في الأهداف، حيث خاض 121 مباراة منذ بداية مشواره الاحترافي نجح خلالها في تسجيل تسعة أهداف فقط، وصناعة 11 آخرين، لكن زيزو كان له رأي آخر حيث شهد مستواه التهديفي نسقًا تصاعديًا، حتى قدم أحد أفضل المستويات الفردية للاعب في الدوري المصري موسم 2021/2022، حيث أسهم في 31 هدفًا حتى وقت كتابة الموضوع، مسجلاً 19 هدفًا، وصانعًا 13 آخرين.

لا يوجد لاعب سيئ

ربما تتعد الأسباب التي أدت إلى تحول زيزو لهذا الشكل الذي نراه الآن، لكن الأكيد أن هذا التألق ليس محض صدفة، ربما إذا أردت القول أن تقول إن زيزو لاعب محظوظ لتدربه تحت يد البرتغاليين كيروش في المنتخب المصري، وفيريرا في الزمالك، الذي يدين لهما زيزو بكل هذا التألق.

الرجلان ساعدا زيزو على هذا التحول الذي ذكرناه من جناح خط تقليدي للاعب منظومة، يتحرك بين الخطوط بكل دقة، ليخدم منظومة 4-3-3 التي كان يطبقها كيروش، وأيضًا منظومة 3-4-3 التي يطبقها فيريرا حاليًا في الزمالك، ويعتمد فيها على زيزو في عدة أدوار منها تبادل المراكز مع الجناح الصريح، والتحرك في أنصاف المساحات، والنتيجة كانت خروج زيزو منتصرًا كما اعتاد أن يفعل.

نهايةً، ربما لا نستطيع أن نضع زيزو في مقارنة مع تريكة، ولكننا نرى أن زيزو هو تطبيق حي لمقولة «روي سميث»محرر «The Athletic».

في كثير من الأحيان، لا يوجد لاعبون سيئون. لا يوجد سوى لاعبين في الفريق الخطأ، أو في النظام الخاطئ.
روي سميث

ونعتقد أننا أخبرناك بدايةً أنه أفضل اللاعبين المصريين حاليًا، وأنه بالفعل ضوءٌ لمعَ وسط الظلام.