أمراض الشرايين هي السبب الأشهر للوفاة عالميًا، فقد بلغ عدد ضحايا أمراض شرايين القلب التاجية على سبيل المثال أكثر من 9 ملايين إنسان عام 2019، وهو يتجاوز كثيرًا عدد وفيات وباء كورونا العالمي فيما يقارب العاميْن. وفي الولايات المتحدة الأمريكية، التي تحظى بالمنظومة الصحية الأقوى عالميًا، تقتل أمراض شرايين القلب التاجية أكثر من 650 ألف أمريكي سنويًا وتُقدَّر الخسائر المادية السنوية، من جرّاء تلك الأمراض ومضاعفاتها وفقدان إنتاجية العاملين بعد الإصابة، بنحو 220 مليار دولار.

ولأنَّ العلاقة بين ارتفاع نسبة الكولسترول في الدم، وتصلب الشرايين المسبِّب لأمراض وجلطات الشرايين، هي علاقة وثيقة للغاية يدعمها تراكم معرفي وبحثي هائل، فإننا عبر بضعة أسئلة وأجوبتها، سنعرف ما لا ينبغي لإنسان معاصر أن يجهله للحفاظ على صحة قلبه وشرايينه من أضرار ارتفاع الكولسترول.

ما هو الكولسترول؟

الكولسترول هو عائلة من المركبات الكيميائية التي تتبع الدهون، وهي تُنتَج بشكلٍ طبيعي في جسم الإنسان وكل الكائنات الحية تقريبًا، ويساهم في العديد من الوظائف الحيوية، ولعلَّ أبرزها هو تكوين الغشاء الخلوي، الذي يحيط بكل خلية في أجسامنا، فيمنحها قوامها، ويحافظ على مكوناتها فائقة الدقة.

وعندما نتحدث عن الكولسترول كمرض، فإننا نعني بالأساس ارتفاع نسبة الكولسترول في الدم، وتحديدًا الكولسترول قليل الكثافة الضار، والمعروف اختصارًا بـ LDL. ونعني كذلك انخفاض نسبة الكولسترول عالي الكثافة المفيد في الدم، وهو الذي يُسمّى بالأحرف الأولى HDL والمسئول عن التقاط الكوليسترول الزائد في الدم فيعيده إلى الكبد حيث يُكسَّر ويخرج من الجسم.

اقرأ: مرض العصر: قلوبٌ شابة في مرمى الموت.

كيف يُسبِّب الكولسترول أمراض شرايين القلب وغيرها؟

ارتفاع الكولسترول الضار LDL في الدم من أبرز عوامل الخطر التي تُسبِّب أمراض القلب، فهذا النوع الخطير من الكولسترول عندما يزيد عن المعدل الطبيعي في الدم، فإنه يبدأ في التراكم في جدار الشرايين أسفل بطانتها، فيسبب تفاعلًا مناعيًا يؤدي إلى ما يُعرف بتصلب الشرايين، حيث تفقد الشرايين مرونتها الطبيعية، وتتضخم جدرانها تدريجيًا فتسبب ضيق التجويف الذي يمر خلاله الدم، فيقل وصول الدم عبر الشرايين إلى الأنسجة المهمة.

وفي الحالات الأخطر، فإن إحدى عُقد تصلب الشرايين كثيفة المحتوى الدهني قد تتعرض لالتهاب حاد، يُسمَّى أحيانًا انفجارًا، فيسبب تلف بطانة الشريان في تلك النقطة، فتحتك مكونات الدم بالطبقات الداخلية الخشنة للجدار، وتحدث جلطة دموية داخل الشريان تسدُّه بشكلٍ كليّ أو جزئي، وتبدأ الأنسجة المحرومة من التغذية الدموية في التلف.

اقرأ: أهم ما ينبغي معرفته عن قسطرة شرايين القلب.

واقرأ: قلوبٌ شابة في مرمى الموت: هل يعودون من البرزخ؟

وفي معظم الأحايين، لا يوجد أعراض مميِّزة لارتفاع الكولسترول، لكن ما يحدث فعلًا، هو ظهور أعراض مضاعفات ارتفاع الكولسترول مثل آلام الصدر المميزة لجلطات وضيق شرايين القلب، وضعف حركة أحد الأطراف أو أكثر نتيجة جلطات شرايين المخ… إلخ.

كيف أغُيِّر حياتي لأقهر ارتفاع الكولسترول؟

يمكن لتغييرات محدودة في أنماط حياتنا أن تقضي على ارتفاع الكولسترول الضار جذريًا، أو على الأقل تقلل من الجرعات الدوائية اللازمة لتحقيق ذلك، وهذا ضروري لتجنب الآثار الجانبية والتكلفة المرتفعة للأدوية.

1. نظام غذائي قاهر للكولسترول

يشمل هذا تقليل الدهون المشبعة والضارة مثل السمن والزبد بمختلف أنواعه لاسيٌما الصناعي، ومنتجات الألبان كاملة الدسم، واستبدالها بخالية أو قليلة الدسم، والاعتماد على الزيوت النباتية باعتدال لا سيّما زيت الذرة والزيتون.

كذلك يُفضل الاعتماد على الخضروات والفواكه باعتدال لا سيّما الكمثرى والتفاح والأفوكادو، وهذا الأخير أثبتت الدراسات أنه يُقلِّل الكولسترول الضار ويرفع معدلات الكولسترول المفيد. ويُنصَح أيضًا بالأسماك لاسيما الغنية بالأوميجا-3 مثل السلمون والماكريل، والبقوليات، مع تقليل اللحوم الحمراء والسكريات والنشويات.

وحبوب الشوفان مفيدة للغاية في تقليل الكولسترول الضار، وأكدت بعض الدراسات أنها قادرة وحدها على تحقيق هذا بنسبة 7%.

اقرأ: الشوفان: هل هو غذاء سحري؟

اقرأ: كيف تُنقذ حياة مريض بجلطةٍ في القلب؟

2. رياضة معتدلة منتظمة

كما نكرر دائمًا، خيرُ الرياضة أدومُها وإن قلَّ. الحد الأدنى الذي يساهم في تقليل الكولسترول الضار بالدم، ويساعد في البدء في فقدان الوزن الزائد، هو المشي لنصف ساعة على الأقل 5 أيام أسبوعيًا، أو ممارسة رياضة ترفع ضربات القلب ومجهود التنفس مثل الجري لثلث ساعة 3 أيام في الأسبوع.

3. الإقلاع عن التدخين بشكلٍ تام

إلى جانب الفائدة الجوهرية لهذا في تقليل خطر الإصابة بأمراض شرايين القلب بمختلف درجاتها، فإن الإقلاع عن التدخين يساهم في زيادة معدلات الكولسترول المفيد HDL في الدم، ويجب كذلك التوقف عن أو على الأقل الاعتدال في تناول الكحوليات لتحقيق نفس الهدف السابق. والمقصود بالكمية المعتدلة من الكحول، هو ما يقارب كأس واحد يوميًا للسيدات ولكبار السن، وكأسيْن للرجال تحت 65 عامًا.

اقرأ: كيف أحافظ على صحة قلبي في زمن كورونا؟

متى يجب العلاج الدوائي للكولسترول؟

في حالات الارتفاع الطفيف في الكولسترول الضار LDL، أو عندما يكون المريض خاليًا من عوامل الخطر التي تُتلف شرايين القلب، فإن تعديل نمط الحياة إلى الشكل الصحي يكون كافيًا لعلاج ارتفاع الكولسترول وتجنب المضاعفات.

لكن في بعض الحالات التي يُكتشف فيها ارتفاعٌ شديد في معدلات الكولسترول الضار، مثل أمراض ارتفاع الكولسترول الوراثية، أو في حالات وجود عوامل خطر متعددة تهدد سلامة القلب والشرايين مثل السكر والقصور الكلوي المزمن والضغط أو إصابة سابقة بأمراض شرايين القلب… إلخ، فلا يٌكتفى في تلك الحالات بتعديل نمط الحياة، ولابد من تعاطي أدوية تقليل الكولسترول، وأشهرها مجموعة الستاتين Statins، ويُحدد الدواء المناسب وجرعته بأمر الطبيب المعالج حسب تفاصيل كل حالة.

وهناك مجموعات أخرى من أدوية السيطرة على الدهون الضارة متخصصة في تقليل الدهون الثلاثية TGs مثل مجموعة الـ fibrates. وهناك مجموعة أخرى تضاف إلى الستاتين لتحسين كفاءتها، والمساعدة على تقليل جرعتها مثل دواء ezetimibe الذي يقلل امتصاص الكولسترول من الطعام. وهناك مجموعة حديثة تُسمى PCSK9 inhibitors وهي باهظة الثمن لأنها صُمّمَت بتقنية العلاج المناعي، وهي فعَّالة للغاية في السيطرة على الارتفاع الشديد للكولسترول الضار LDL مثل الأمراض الوراثية، وكذلك الحالات شديدة الخطورة التي تستدعي السيطرة السريعة على معدلات الكولسترول.

ويجب مراجعة الطبيب بشكلٍ دوري (في المتوسط كل 3 أشهر) لمتابعة كفاءة السيطرة على الدهون الضارة، وكذلك التأكد من عدم ظهور الآثار الجانبية للأدوية. ومن الضروري الانتباه إلى أن عملية السيطرة على الكولسترول عادةً ما تحتاج إلى أشهُرٍ من الانتظام على التعليمات الصحية وجرعات الدواء الموصوفة، وبالتالي فلا ينبغي استعجال النتائج. وعلينا التنبيه على خطورة ما يفعله الكثيرون بالتوقف المفاجئ عن تعاطي أدوية خفض الكولسترول بعد وصوله إلى المعدلات الطبيعية، مما يؤدي إلى عودة تركيزه إلى الارتفاع مجددًا.

هل هناك علاج جراحي للكولسترول؟

في حالة وجود سمنة مفرطة مصحوبة بارتفاع في الكولسترول، وتعذَّر إنقاص الوزن بالنظام الغذائي والرياضة لمدة 6 أشهر على الأقل، فإن اللجوء إلى جراحات السمنة مثل تكميم المعدة وسواها يكون هو الحل الأخير، لا سيَّما إن كان معامل كتلة الجسم BMI أكثر من 40 (الطبيعي من 18.5 إلى 25، ويحسب بقسمة الوزن بالكيلوجرام على مربَّع الطول بالمتر) أو كان معامل كتلة الجسم BMI أكثر من 35، مع وجود عوامل خطر أو مضاعفات متعلقة بالسمنة مثل ارتفاع سكر الدم أو أمراض شرايين القلب… إلخ.

اقرأ: الجرّاح والمريض: ليس كل ما أوَّله شرط آخره نور.