في إحدى جلسات الشتاء الباردة، كنا نجلس سويًا وبشكل معتاد على إحدى طاولات المقهى، نتناول أطراف الحديث والذي لا يخلو بالطبع من كرة القدم خاصة، والرياضة بشكل عام.

النقاش رفقة الأصدقاء هذه المرة تطرق إلى عمرو جمال، مهاجم نادي فاركو الحالي، والنادي الأهلي سابقًا، وكيف أن إصابة الرباط الصليبي أثرت على مستواه، وجعلته يغادر المارد الأحمر بعد بداية مبشرة للغاية.

رويدًا رويدًا بدت الإصابة وكأنها لعنة تصيب من يصاب بها، حيث بدأ كل منا في استحضار أمثلة أخرى من اللاعبين، والذين ارتبط انخفاض مستواهم أو اعتزالهم بتلك الإصابة بحسب تفكير كل منا.

الأمر يبدو منطقيًا، على صعيد منصات التواصل، والعديد من التقارير الصحفية التي تناولت نفس الزاوية من التفكير، وهو ما يدعونا للتساؤل الموجود في عنوان المقال: هل يتسبب الرباط الصليبي في إنهاء مسيرة الرياضيين حقًا؟

كيف تحدث؟

إصابة الرباط الصليبي يُقصد بها، التواء أو تمزق أو قطع أحد الأربطة النسيجية القوية التي تربط عظمة الفخذ بقصبة الساق سواء الأمامي أو الخلفي.

وتحدث تلك الإصابة الشهيرة نتيجة توقف مُفاجئ، أو تغيرات في الاتجاه، والقفز، والهبوط، وهي حركات يضطر لاعبو كرة السلة والقدم واليد والطائرة وغيرها لفعلها باستمرار.

ويشعر اللاعب على إثرها بـ «فرقعة» في الركبة، قد ينتج عنها تورم، وشعور بعدم اتزان، ويصاحبها ألم شديد للغاية في تحمل الوزن.

وبناءً على شدة الإصابة، يتحدد نوع العلاج المناسب والذي يتراوح بدوره ما بين إعادة تأهيل واستعادة الاتزان من جديد، أو إجراء جراحة لاستبدال الرباط الممزق يليها برنامج تأهيلي متكامل.

يلعب هيكل مفصل الركبة عند النساء دورًا كبيرًا في تعريضهن لخطر أكبر للإصابة بتمزق الرباط الصليبي الأمامي. تتميز مفاصل النساء – بما في ذلك الركبة – بشكل عام برخاوة ونطاق حركي أكبر من مفاصل الرجال. غالبًا ما يكون لدى النساء أيضًا كتلة عضلية أقل حول الركبة، مما يساهم في مزيد من عدم الاستقرار ، مما قد يؤدي إلى تمزق الرباط إذا تمدد الرباط.
أندرو جون كوسجاريا، أستاذ جراحة العظام.

خطر التكرار

يعد خطر الإصابة مجددًا بالقطع في الرباط الصليبي، واحدًا من أهم المخاطر التي تهدد أي رياضي، خاصة لو كانت إصابته الأولى بها في سن المراهقة، وذلك بحسب الطبيبة «سيجريد وولف»، زمالة طب الأطفال الرياضي في جامعة نورث وسترن.

ووفقًا لـ«وولف»، فإن الرياضي الذي يصاب بالرباط الصليبي في عمر مبكرة أكثر عرضة للإصابة بالتهاب المفاصل المبكر بنسبة 10 مرات، ويكون عادة بعد 15 عامًا من إصابته بالرباط الصليبي، بغض النظر عن العلاج الذي يتلقاه.

صعوبة تلك المعلومة، في أن الرياضي المحترف سيصبح معرضًا للإصابة المزمنة في العشرينات والثلاثينات، إذا أصيب في الـ 13 من عمره مثلًا.

وبحسب دراسة أخرى، نُشرت في دورية «Clinical Biomechanics»، في يناير 2020، فإن ما يقرب من ثلث الرياضيين المصابين بقطع الرباط الصليبي، معرضون لقطع ثانٍ في الرباط الأمامي.

الرياضيون الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 20 عامًا يمثلون العدد الأكبر من إصابات الرباط الصليبي الأمامي، وتصل نسبة الإناث من مرتين إلى 6 مرات أكبر من الذكور في الألعاب المماثلة.
سيجريد وولف.

بارقة أمل

على جانب آخر، خلصت ورقة تحليلية نشرها باحثون من أستراليا والسويد «British Journal of Sports Medicine»، إلى أن 83% من نخبة الرياضيين يعودون إلى ممارسة الرياضة بشكل طبيعي عقب الإصابة بالرباط الصليبي.

وتضمنت تلك الورقة جميع الدراسات التي أجريت على الرياضيين المصابين بتلك الإصابة الشهيرة، والتي بلغت 24 دراسة بحثية، شملت 1272 رياضيًا، في أكثر من 10 مجلات متخصصة في الطب الرياضي.

تشير تلك الورقة، إلى أن الفترة التي استغرقها هؤلاء الرياضيون من أجل العودة إلى ممارسة الرياضة من جديد هي ما بين 6 – 13 شهرًا، ورغم أن مستواهم تأثر عما كان قبل الإصابة، فإن أداءهم بشكل عام ظل مشابهًا لمنافسيهم الذين لم يصابوا بالرباط الصليبي.

الورقة التحليلية
الورقة التحليلية

الضارة النافعة

ولو حولنا الدفة نحو الدوري الأمريكي لكرة السلة «NBA»، نجد أن باحثي جامعة ستانفورد الأمريكية، نشروا دراسة شملت جميع لاعبي البطولة الأقوى عالميًا منذ عام 1980 وحتى الآن.

وركزت الدراسة على تأثير إصابة الرباط الصليبي على اللاعبين الذين بلغ عددهم 97 لاعبًا طوال تلك الفترة، وتم تصفيتهم إلى 50 باستبعاد الذين أصيبوا من قبل أو رحلوا للعب في دوريات أخرى، وفقًا لـ 50 مقياسًا مختلفًا.

اللاعبون الذين تمكنوا من العودة إلى الدوري الأمريكي للمحترفين بعد تمزق الرباط الصليبي الأمامي عادوا بمستوى مماثل من الأداء لما كان متوقعًا من لاعب لم يتعرض لنفس الإصابة.
كيفين توماس، باحث بالدراسة.

ولم تتوقف الدراسة عند هذا الحد، بل قام الباحثون بمطابقة إحصائيات هؤلاء اللاعبين خلال مسيرتهم الرياضية، مع منافسيهم الذين لم يتعرضوا للإصابة، ووجدوا نتائج مماثلة في بعض المواسم، وتفوق للاعبين المصابين في مواسم أخرى.

الساحرة المستديرة

وبالعودة إلى كرة القدم، فوجدت دراسة نُشرت عبر دورية «Orthopaedic Journal of Sports Medicine»، عودة 80% من اللاعبين لممارسة اللعبة بشكل طبيعي، فيما أصيب 12% منهم بإصابة مماثلة في وقت لاحق.

وشملت الدراسة 51 لاعبًا من 5 بطولات أوروبية كبرى في الفترة ما بين 1999 و2019، قارنت حالة اللاعبين المصابين حتى 4 مواسم بعد موسم الإصابة مع زملائهم غير المصابين.

سجل اللاعبون المصابون أداءً ضعيفًا، ولعبوا دقائق أقل خلال موسمين بعد الإصابة، فيما بدأوا في العودة للمستوى الطبيعي وفاقه أحيانًا، بداية من الموسم الثالث، باستثناء المهاجمين الذين أظهروا تراجعًا مستمرًا حتى الموسم الرابع.

لا يتخذ الحكام أي إجراء تجاه اللعبات التي تشهد الإصابة بقطع أو تمزق الرباط الصليبي الأمامي، بينما أظهروا البطاقات الحمراء في 0.5% من الحالات فقط.
دراسة في دورية « Springer»

أين الحقيقة؟

ربما زادت تلك الدراسات المذكورة سلفًا من حيرتنا حول تأثير إصابة الرباط الصليبي على الرياضيين، أو بالأحرى الإجابة على تساؤل المقال: هل يتسبب في إنهاء مسيرة الرياضيين حقًا؟

الإجابة كانت لدى كايل أون،الباحث في المعهد الأمريكي للطب الرياضي، والذي قال إن الأمر يتعلق باختلافات المتطلبات الجسدية ليس فقط لكل رياضة، بل بموقع اللاعبين في الملعب في نفس الرياضة.

ويرى أون أن الرياضات المحترفة التي تحمل أعلى مخاطر تمزق الرباط الصليبي الأمامي، مثل: كرة القدم وكرة السلة، والتي تتطلب تغييرات كبيرة من السرعة والاتجاهات، هي أيضًا تلك التي يصعب فيها التعافي تمامًا.

على جانب فإن رياضة مثل: البيسبول، نجد أن 9 من كل 10 لاعبين مصابين يعودون إلى الملاعب بكفاءة طبيعية عقب الإصابة، نظرًا لأن معظم الجري في لعبة البيسبول يكون في خط مستقيم، دون أي تغييرات غير مخطط لها في الاتجاه.

لذا مسيرة اللاعبين لا تنتهي عند الإصابة حصرًا في الرباط الصليبي، بل إن النسب وفقًا للأبحاث متفاوتة من رياضة لأخرى، بل من لاعب لآخر؛ وهو ما يتطلب منا مزيدًا من الإنصاف عند الحديث عن الإصابة الأشهر في كرة القدم على المقهى مرة أخرى.