بصراحة نحن لا نعرف ما الذي يدور في عقل «عصام الحضري» ودفعه للتفكير في العودة للملاعب كحارس مرمى مجددًا. برر عصام برغبته في إضافة شيء جديد لاسمه ولتاريخه، فيما تقول الجماهير إن دافعه الأول والأخير هو المال. والحقيقة أنه لا يحتاج لأي منهما، لأنه لن يصنع تاريخًا بقدر ما صنع، ولن يجني مالًا بقدر ما جنى، ولكنك تعرف الحضري. 

على كل حال، أعلن الحارس التاريخي لمنتخب مصر اعتزاله بصورة نهائية بعد مسيرة مميزة ودرامية في آن واحد. ولأنك تعرف الحضري، فلن تستبعد تراجعه عن قراره في أي لحظة قادمة، لكنه إن فعل فلن يكون أول العائدين من الاعتزال، حيث سبقه إلى ذلك نجوم لها وزن في كرة القدم العالمية، بداية من «يوهان كرويف» حتى «آرين روبن»، هل أنت مستعد للتعرف على أسبابهم؟

كرويف: لأن مزرعة الخنازير لم تدر الملايين

طالما أكد يوهان كرويف أنه سيعتزل الكرة في سن الواحد والثلاثين. لماذا؟ لم يفطن أحد للسبب خاصةً أنه كان يحظى بالاحترام والتقدير سواء في موطنه الأول: هولندا، أو الثاني: برشلونة، لكنها كانت رغبته التي عبر عنها بوضوح. 

المشكلة ليست هنا، بل تكمن في شعور كرويف الدائم أنه مهدد من الناحية المالية، وإحساسه أن النقود التي جمعها من كرة القدم لن تكفي لسد احتياجات عائلته، وستنفد ذات يوم. وبالتالي كان منشغلاً بفكرة استثمار أمواله بعد الاعتزال في مشاريع تجارية، لتدر عليه الأرباح التي لا تتوقف. 

لاحظ ذلك أحد جيرانه في كتالونيا، فعرض عليه عدّة أفكار استثمارية، إحداها كان مشروع مزرعة خنازير. غريب، أليس كذلك؟! الأغرب أن الهولندي الطائر وافق على هذه الفكرة تحديدًا، وشرع في ضخ الأموال أملًا في الحصول على أضعافها مستقبلًا. 

في الواقع هو لم يحصل على أي شيء، حيث تبين أن هذا الجار كان محتالاً، لم يهتم سوى بالسيطرة على رأس المال، وترك المشروع يفشل. وهذا وضع كرويف في ورطة، إذ لم يكن لديه خبرة سابقة في إدارة الأعمال، حتى ذكر في كتابه أنه اكتشف كم كان أحمق، لأنه بالأساس لا يحب الخنازير. 

هذه التجربة السيئة دفعته للتراجع عن الاعتزال، والبحث عن تجربة جديدة مع كرة القدم بعيدًا عن الأجواء الأوروبية، فقرر التوجه نحو الولايات المتحدة الأمريكية عام 1978. وهناك لم ينضم لأحد فرق القمة، لكنه اختار اللحاق بمعلمه «رينوس ميتشيلز» الذي تولى تدريب فريق يدعى: لوس أنجلوس أزتكس. 

كان يوهان متحمسًا للغاية، لدرجة أنه شارك في أولى مبارياته مع الفريق في نفس يوم وصوله لأمريكا، بل وسجل هدفين وصنع آخر. كانت هذه انطلاقة نارية لموسم شارك خلاله في 27 مباراة وساهم في 30 هدفًا، ليقود الفريق للمركز الثاني بدوري أمريكا الشمالية، بعدما كان يعاني في قاع الجدول. ولابد أنه حصل على مكافأة مالية جيدة عوضته عن فشل مشروعه الاستثماري.

ميلا: عودة بقرار جمهوري

هل سمعت من قبل عن جزيرة ريونيون؟ هي إحدى جزر المحيط الهندي الساحرة، وتصلح لأن تكون وجهة لمن يبحث عن الجمال والاسترخاء. ولهذا السبب قرر «روجيه ميلا» الإنتقال إليها عام 1989، ليلعب لأحد الأندية هناك بعدما أوشكت مسيرته على الإنتهاء، وقد بلغ عامه السابع والثلاثين وأعلن اعتزاله الدولي.

في أحد الأيام، رن هاتف المهاجم الكاميروني. كان على الخط رجل يدعى «بول بيا»، وهو رئيس جمهورية الكاميرون، وأحد أكبر المعجبين بميلا. كانت المكالمة أشبه ما تكون باستدعاء لأداء مهمة وطنية، إذ أخبره الرئيس بضرورة تواجده مع منتخب الأسود في مونديال 1990، ولم يترك لروجيه المجال ليشرح له مدى جاهزيته البدنية، كان أمرًا لا يناقش. 

لحسن الحظ، كان ميلا مداومًا على تدريباته، لكنه حين انضم لمعسكر المنتخب قبل أسابيع من بداية البطولة، وجد أن اللاعبين الكبار لم يرحبوا بتواجده. لم تكن هذه المشكلة الوحيدة، بل اشتكى اللاعبون من عدم الحصول على رواتبهم، وبدا أن هناك تمردًا ينتشر داخل الفريق. 

هذه الأجواء الإفريقية الخالصة لم تشتت ذهن ميلا، فواصل تدريباته بانتظام وبدأ في نقل خبراته للاعبين الصغار، خصوصًا وأن مجموعة الكاميرون بالمونديال ضمت منتخبات قادرة على افتراس الأسود، بداية من حامل اللقب السابق: الأرجنتين، وحتى رومانيا والاتحاد السوفييتي. 

لم يظهر روجيه في التشكيل الأساسي، لكنه دخل بديلًا في الدقائق الأخيرة من الانتصار التاريخي لمنتخبه على الأرجنتين. أما بدايته الحقيقية فكانت بالدقيقة 58 من عمر مباراة رومانيا، حين نزل لأرضية الملعب وداخله طاقة شاب لا يزال في العشرينات. 

لانفجرت هذه الطاقة عندما أرسل مدافع كاميروني كرة طولية بعيدة، فأخذ ميلا يركض نحوها قبل أن يلتحم بقوة مع مدافع الخصم، ليفوز بالكرة داخل منطقة الجزاء ويطلق تسديدة سكنت الشباك. بعد دقائق، كان يقطع عرض الملعب بخفة، ثم يطلق قذيفة من زاوية صعبة، محرزًا هدفًا آخر ضمن للكاميرون الصعود. 

كان الصعود من المجموعة مفاجأة كبرى، لكنه لم يكن أكبر مفاجأتهم. لأنهم سيتمكنون من إزاحة كولومبيا في دور الـ16 بقيادة روجيه، وذلك بعد تسجيله هدفين كشفا عن مهارة في مراوغة المدافعين، وقراءة ذكية لمجريات اللعب، وتنفيذ الضغط بشكل ناجح رغم أنه يقترب من عامه الأربعين. 

صار الكاميرون أول منتخب إفريقي يصعد لربع نهائي المونديال، والفضل يعود للأسد العجوز الذي قدم عرضًا لا ينسى بعد عودته من الاعتزال.

سكولز: أراد هدفًا في مباراته رقم 700

إنه أغسطس/آب 2011، يتجمع أكثر من 74 ألف مناصر في ملعب أولد ترافورد. أتوا جميعًا لتوديع إحدى أساطير مانشستر يونايتد: «بول سكولز». خريج أكاديمية النادي الذي صعد رفقة جيل 92 التاريخي، وأثبت جدارته ليتمكن من الفوز بالدوري الإنجليزي 10 مرات، ودوري أبطال أوروبا مرتين، ها هو يقرر الاعتزال بعد مسيرة حافلة. 

كانت إدارة اليونايتد قد جهزت له منصبًا يتولاه، حيث سيعمل كمساعد مدرب لفريق رديف مانشستر، كي يكتسب الخبرة الكافية التي تؤهله للعمل ضمن الفريق الأول لاحقًا. وبالفعل، انتظم سكولز في عمله، وأشرف على تدريب «بول بوجبا» الذي كان حينها بفريق الرديف، لكن بعد شهر واحد انتابه شعور غريب. 

ذات يوم في سبتمبر/أيلول، وبينما كان سكولز يشارك في التدريبات، أحس أنه لا يريد مغادرة الملعب، وشعر أن داخله طاقة تكفي لمزيد من الركض، والالتحام، وطبعًا إطلاق التسديدات المكوكية التي اشتهر بها. تأكد أن هذا ليس انفعالًا لحظيًا، بل هي رغبته التي يريد تحقيقها، فعزم على أن يخبر «مايك فيلان». 

من هو مايك؟ هذا أحد أبرز مساعدي السير «أليكس فيرجسون»، ولرأيه أهمية كبيرة في اختيارات الفريق. وحين استمع لما يقوله بول، تشاور مع فيرجسون، ورحب الثنائي بقرار عودته قبل أن يطلبوا من مدير النادي تحضير عقد جديد للنجم العائد، لكنهم أبقوا هذا الأمر سريًا عن الجميع. 

في الحقيقة عودة بول سكولز للفريق لم يكن نزولًا عند رغبته، بل لاحتياج حقيقي داخل الفريق له. حيث كانت تعاني كتيبة مانشستر من غيابات بالجملة في وسط الملعب، بسبب الإصابات التي تعرض لها أندرسون، توم كليفرلي، ودارين فليتشر. ليسجل سكولز عودته الفعلية في يناير/كانون الثاني 2012. 

شارك اللاعب الإنجليزي في 17 مباريات بالدوري خلال الموسم، لكن اليونايتد خسر البطولة في آخر لحظة لصالح السيتي، لكن في الموسم التالي كان سكولز يرفع لقبه الـحادي عشر، مسجلًا هدفًا لن ينساه في مشاركته رقم 700 بقميص الشياطين الحمر.

روبن: اتبع قلبك

في أحد أيام عام 2018، وبينما كان السيد «هانس روبن» يتجول في شوارع مدينة جرونينجن الهولندية، وجد شاحنة كبيرة تسير ببطء، وقد كُتِب على جانبيها باللون الأخضر «آرين.. اتبع قلبك». آرين هذا هو ابنه الذي صال وجال بقمصان تشيلسي، ريال مدريد، وبايرن ميونخ، والآن هذه الشاحنة تطلب منه أن يتبع قلبه! 

كانت الشاحنة جزءًا من حملة انطلقت بين جماهير نادي جرونينجن، تستهدف إقناع روبن بالعودة لنادي طفولته بعدما أعلن نهاية مسيرته مع العملاق البافاري وتفكيره في الاعتزال، وقد ظهر شعار «اتبع قلبك» في كل مكان بشمال هولندا، من المدرجات إلى المطاعم والشوارع، حتى عمدة المدينة الذي أكد أنهم سيقومون بتسهيلات لمساعدة الحملة. 

أنصار جرونينجن كانوا يعلمون جيدًا أن آرين لن يفوز لهم بالدوري، لكنهم أرادوا رؤيته في ملعبهم مجددًا، وشعروا أن على الناشئ الذي سطع نجمه بقميص الفريق منذ 18 عامًا، ورحل ليقدم عروضًا مبهرة مع الأندية الكبيرة، العودة لجرونينجن لتسجيل هدف مع ناديه الأول على طريقته الشهيرة «R2». 

كان روبن ينتابه نفس الشعور، لكنه لم يكن واثقًا من جاهزيته البدنية، خصوصًا مع الإصابات التي لحقت به ووصوله للخامسة والثلاثين من العمر. لذلك لم يتعجل، وقرر ألا يقدم على هذه الخطوة بمجرد نهاية عقده في ميونخ صيف 2019، لكن الجماهير الهولندية لم تيأس، وواصلت حملتها، على أمل أن يحصل شيء يغير من رأي آرين. 

ما حصل بعد ذلك كان تفشي فيروس كورونا في العالم بأسره، وضربت الخسائر الاقتصادية كل أندية العالم، وتركت أثرًا سلبيًا أكبر على الأندية التي تعتمد على مساندة جماهيرها مثل جرونينجن. وهنا تدخل آرين روبن، ولبى النداء بعد عام كامل من الاعتزال، فانضم الصيف الماضي للفريق.

نشر حساب النادي عبر تويتر فيديو يعلن فيه روبين عودته بعد كل تلك السنوات، معبرًا عن أمله بمساعدة الفريق في الأزمة الحالية. وقد أكد أن تلك العودة ستمثل تحديًا صعبًا له على المستوى البدني، لكن بداخله دوافع كبيرة لتقديم كل ما يمتلك. لكن أجمل ما جاء في الفيديو، كان كلامه عن التأثير الكبير لحملة «اتبع قلبك» على قراره.