هذا العالم فاسد، وهؤلاء الذين يفسدونه يستحقون الموت
ياجامي لايت

خيالات الأطفال وأمانيهم، دائماً ما تظل كذلك، ينتهي الأمر بها كتصريح عابر ينساه قائله بمرور السنوات حين تتبدل الأنفس وتتغير الأفكار، ويصبح حديث الطفولة عرضاً جانبياً لتلك المشاعر التي مهما مرت السنوات لا يمكن أن تخرج من جانبها الخفي المظلم في العقل والقلب. نحن الآن في مواجهة ياجامي لايت.. الطالب النابغة الذي أصبح التفوق بالنسبة له أمراً اعتيادياً لا يستحق العناء، وقد ظهرت أمامه مفكرة ذات أوراق فارغة، في الحقيقة شيء كهذا لن يلفت نظرك لتنحني نحو الأرض لالتقاطه، لكن ياجامي فعل، ليقرأ الإرشادات المسجلة في بداية المفكرة، ومن هنا يبدأ شيء ما يعتمل في نفسه، حلم قديم راوده لكن لم يجد السبيل لتحقيقه مطلقاً، وبمزيج من الإنكار وقليل من التساؤل بدأت الرحلة التي لم يفهم صاحبها سبب دخوله إليها.

من أين جاءت المفكرة؟

الإعلان الترويجي لمسلسل Death Note

في غرفته الهادئة وأمام شاشة التلفاز جلس ياجامي للمرة الأولى بعد امتلاكه المفكرة، وقد أذاعت إحدى القنوات حادث اختطاف مجموعة من الرهائن على يد مجرم خطر، مع عجز الشرطة عن التحرك خشية إيذاء الرهائن، لتهاجم الفكرة للمرة الأولى رأس لايت، ماذا لو كان ما كُتب في المفكرة حقيقياً، ماذا لو نجحت التجربة الأولى؟

يمسك (لايت) بقلمه ويسجل اسم الخاطف الذي أذاعته المحطة الإخبارية رفقة صورته المستخرجة من سجلات الشرطة، لم يحتج لايت أكثر من ذلك حتى يجرب، 40 ثانية فقط هي ما ستفصل ذلك المختطف عن الموت جراء كتابة اسمه في المفكرة بأزمة قلبية لا يمكن معرفة سببها الطبي.

كتب لايت اسم المختطف، لتخرج المفاجأة، الرهائن يركضون نحو الشارع أحراراً وقد صرخوا من نشوة الفرح بالنجاة، لقد سقط الخاطف قتيلاً أمامهم على الأرض بعد أن شعر بألم شديد يعتمل في صدره لم يستطع أن يفهمه أو يوقفه، ليسقط بعدها تاركاً (لايت) في صدمة لن يستفيق منها سريعاً.

تنص قوانين المفكرة على أن شروط التحقق الفعلية لتنفيذ عملية القتل هو معرفة اسم المطلوب قتله، وأن تكون صورته معروفة في ذهن مالك المفكرة، أي شاهده بعينه ولو لمرة واحدة، ومن ثم بعد كتابة الاسم، وفي حال امتناع مالك المفكرة عن تحديد طريقة معينة للموت، يسقط من سُجل اسمه في المفكرة صريع الأزمة القلبية في مدة لا تتجاوز 40 ثانية، أما إن قرر مالك المفكرة تحديد طريقة معينة للموت، فسيستمر الأمر لست دقائق و40 ثانية، يسقط خلالها الهدف المحدد قتيلاً حتى لو كانت الطريقة المحددة للموت هي الانتحار، فسيجد الضحية سبيلاً لقتل نفسه.

الأمر مروع في الحقيقة ولا يمكن فهمه، كيف يمكن لبشر ما أن يمتلك سلاحاً بهذه القوة، وإذا ما امتلكه، كيف ستكون العاقبة؟

من أين جاءت المفكرة؟ من عالم مظلم يحيا فيه مجموعة من الكائنات يحملون اسم (الشينغامي) وهم مالكو مفكرات الموت، ومنذ البداية حيث سقطت المفكرة من عالم الشينغامي المظلم إلى أرض البشر، وجد مالك المفكرة (الشينغامي ريوك) نفسه مرتبطاً بمالك المفكرة البشري الجديد، كما تنص القوانين، لكن ابتسامة ماكرة وغير مفهومة كانت تملأ وجه الشينغامي في كل مرة كانت المفكرة تسيطر فيها أكثر على نفسية لايت، في حين كان يعتقد أنه من يتحكم بالأمور.

معضلة البطل الشرير

هل داهمتك هذه الفكرة من قبل وأنت صغير؟ تستيقظ ذات يوم لتجد نفسك تمتلك قدرة خارقة على تدمير كل من يقدمون على إيذائك، أنت قوي بما يكفي لتواجه زملاءك المتنمرين في المدرسة، سيتطور الأمر قليلاً لتتحول من شخص قوي يخشى الناس إيذاءه إلى بطل بصورة تدريجية فلن تستطيع بطبيعة الحال أن ترى من يتعرضون للإيذاء وتقف مشاهداً دون تدخل، لقد جربت تلك المشاعر من قبل وثمة شيء ما بداخلك سيرفض أن يمر بها غيرك.. أنت الآن ممثل للعدالة!

كان الأمر مغرياً بالنسبة إلى لايت، ها هي المفكرة بين يديه والشينغامي صار تابعاً له، يجب أن يكون هناك مستهدفون يوجه لهم لايت سهام القتل التي تقدمها المفكرة على طبق من ذهب، حسناً لنجعل المجرمين ومرتكبي الجرائم هم الهدف الأول والأوحد.

بدأ لايت في دفع الأسماء القابعة في السجون واحدًا تلو الآخر في صفحات المفكرة، وبدأ المساجين في السقوط تباعاً واحداً تلو الآخر وسط دهشة زملائهم وكذلك الهيئات الرسمية، الجميع يتساءلون عن الصدفة التي قتلت كل تلك الأعداد من المجرمين الذين يقضون عقوبتهم داخل السجن.

بدأت الفكرة في التحور داخل عقل لايت بصورة أكبر وأكثر شمولاً، إن كان بإمكانك أن توجه سهام القتل نحو أحدهم بهذه السهولة وأنت تجلس في غرفتك أمام التلفاز دون أن تضطر للخروج من باب غرفتك حتى، فلمَ لا تصبح أهدافك أكثر أهمية من القضاء على حفنة من المجرمين، لقد قرر لايت أن يخلق يوتيوبيا الخاصة به، عالم بلا مجرمين يمسكون بخنجر على رقبة أحدهم ليسرق الطعام، بلا ذئاب بشرية تحاول انتهاك أجساد النساء، كان السجن في ذهن لايت عقوبة غير كافية، عالم اليوتيوبيا بصورته المضيئة لا يمتلك سوى بشر صالحين.

لم يعد لايت يريد أن يقتل المجرمين وحسب، لايت يريد أن يبني عالماً مثالياً يكون هو حاكمه، ليبدأ اسم جديد في الشيوع بين الناس يمثل ذلك القاتل المجهول.. «كيرا».

يتشكل فريق من المحققين لمحاولة الكشف عن حقيقة ما يحدث، وللمصادفة فإن رئيس فريق التحقيق هو والد لايت، وهو ما كان ميزة وعيباً في الوقت نفسه، فلقد مكنه من ذلك من الاطلاع بشكل مستمر على مجريات التحقيق حتى يستطيع تسيير الأمور بشكل سليم، لكن قربه من دوائر المعلومات بهذا الشكل جعله أحد المشتبه بهم.

فجأة ودون وعي سيبدأ المشاهد في التعاطف مع لايت والتفاعل مع رغبته في الهروب من كل العوائق التي قد تقف في طريقه، لقد صرت جزءاً من حكاية لايت دون أن تدري.. مرحباً بك، لقد أصبح لايت هو بطلك المفضل.

هل كان السجن كافياً؟

تلك الأسئلة المفتوحة دائماً ما تشكل معضلة يصعب التغول داخلها، هل يمكن للسجن أن يكون عقوبة إصلاحية بحق أم أنه مجرد باب خلفي لعالم أكثر إجراماً، أما عن الشق الثاني من السؤال، فهو ذلك المتعلق بمدى كفاية العقوبة ومناسبتها لحجم الجرم، هل يجب أن تكون العقوبة شافية لغضب الضحية، أم أن المشاعر هنا لا محل لها من الإعراب وسيتوقف معيار الحكم على حجم الضرر وحسب؟

تلك هي واحدة من أهم المعضلات التي تناولها السياق الدرامي في القصة هنا دون تصريح مباشر، فالفتاة (أماني ميسا) التي شُغفت حباً بشخصية (كيرا) المجهولة، كان دافعها الرئيسي لذلك الحب هو إشباع الانتقام، فقاتل والدها القابع في السجن لقي حتفه من بين حكم عليهم بالقتل، ومنذ هذه اللحظة أصبح كيرا بالنسبة لها أهم شخص في الوجود.. البطل الأسطوري الذي فعل ما عجزت عنه، منفذ العقوبة التي أشبعت ألم نفسها الداخلي، فالسجن بالنسبة لها ليس عقوبة كافية لفقدان والدها وقضاء ما تبقى من حياتها دون وجوده.

سيصل ذلك الحب في قلبها إلى درجة أن تصبح معاون كيرا المتطوع، ذراعه اليمنى التي تقتل حينما يعجز عن ذلك، والفتاة التي يمكنها أن تتخلى عن نصف عمرها لتصبح درعه الحصينة.

ليحيلنا ذلك إلى الشق الثاني من السؤال، هل يمكن أن يكون السجن كافياً طوال الوقت، أم أن السجن كما يمكن أن يرى البعض مجرد مستودع كبير يجمع الكثير من المجرمين، ليكون لديهم ما يكفي من الوقت داخل السجن ليصبحوا أكثر إجراماً وليكتسبوا المزيد من الكراهية والبغض تجاه المجتمع والناس بل وأنفسهم، حتى إذا ما خرجوا تحولوا إلى وحوش كاسرة في انتظار الانقضاض على الفريسة.

الكثير من الأسئلة غائرة العمق تهافتت على عقول من شاهدوا ومن شاركوا ربما.. لكن الإجابة ظلت مجهولة بعض الشيء.

ستصبح أنت المجرم الوحيد

هكذا علق الشينغامي ريوك على ما قاله لايت بأنه سيقضي على جميع المجرمين في العالم، ولن يتبقى سوى الأخيار الطيبين وحسب، وعلى الرغم من أن الحكم في حد ذاته غير منطقي بأن يتولى بشر ما أهلية الحكم على الآخرين، لكن ما هو أكثر من ذلك أن البشر في الحقيقة لن يتوقفوا عن ارتكاب الأخطاء والوقوع في الشرور بغض النظر عن مدى طيبتهم وحبهم للخير، فتلك هي الفطرة الطبيعية، وهنا وبمجرد أن تصبح سيطرة لايت مستتبة على الأوضاع، فنحن مقبلون بشكل أو بآخر على فناء العالم.

الفريد في الأمر أنه وبمرور الوقت سيصبح كيرا أيقونة لدى الكثيرين، ستعترف به بعض الحكومات، ولن يدخل في مواجهة معه، وسيصبح مؤيدوه أكثر مما يتخيل هو، دون أن يلتفت أحدهم للحظة معتقداً أنه قد يصبح في مرمى النيران في أي لحظة.

دراما نفسية قُدر لها البقاء

حلت منذ أيام ذكرى عرض أول حلقة من دراما Death Note في الثالث من أكتوبر/ تشرين الأول عام 2006 لتمر 13 عاماً وما زال Death Note يحصد المشاهدات ويثير الجدل والتناقضات والتساؤلات بين مشاهدي عالم الإنمي الثري.

وعلى مدار 37 حلقة نجح المسلسل في تقديم الكثير من المفاجآت والمواجهات التي تخطف الأنظار، لكن ما يمكن أن يعيب المسلسل حقاً، هو بعض الفجوات الزمنية التي تظهر من وقت لآخر خلال مجرى الأحداث، بجانب بعض الانتقالات والتحولات في الأحداث والتي يمكن أن تشعر أنها مفروضة على القصة دون أن تكون داخل سياق ما، لكن ذلك كله لم يمنع المسلسل من الحصول على تقييمات متميزة على المنصات الخاصة بالإنمي حتى اليوم.

وهنا يمكننا أن تنتقل الصورة بكاملها إليك، لتبدأ في التفكير في نوعية التساؤلات والأجوبة التي قد تطرأ على رأسك وأنت تسير مع لايت في رحلته.